قدرنا الشهادة

وكأن هذه البزة لا تُعرف ولا تُرى إلا إذا انبسطت على أكتاف الرجال يشدّها الفخر...
إعداد: نينا عقل خليل

مزيد من الشهداء للجيش في انفجار غادر

 

لبنـان الرسمي والشعبي إستنكـر الجريمة وقيادة الجـــــــيش شيّعت الشهداء في احتفال مهيب

«وكأن هذه البزة لا تُعرف ولا تُرى إلا إذا انبسطت على أكتاف الرجال، وانعطفت حول زنودهم السمراء يشدّها الفخر والاعتزاز، وتغمرها المآثر»...
وكأن قدر هؤلاء الأبطال أن يدفعوا الضريبة عن الوطن، قوافل تتبعها قوافل، بالعرق مضمّخة أيامهم وبالدم مناسباتهم.
فمن جديد دفع الجيش دماً غالياً مع استهداف يد الإجرام والإرهاب عسكريين كانوا في طريقهم من الشمال الى مراكز الخدمة في الجنوب وسواه من أنحاء الوطن.
يد الغدر والإجرام حصدت عشرة شهداء انضموا الى رفاق استشهدوا بالأمس، أو قبله، منذ شهر، أو سنة، أو سنوات... فمحطات الاستشهاد باتت على امتداد الأيام...
الجريمة البشعة أثارت موجة استنكار عارمة في لبنان وعلى المستويات الرسمية والشعبية كافة.
رئيس الجمهورية الذي عبّر عن ألمه العميق دعا الأجهزة المعنية الى تكثيف العمل للإسراع في كشف الجناة. وإذ استنكر رئيسا مجلس النواب والحكومة الجريمة، صدرت مواقف الإدانة عن المرجعيات والفعاليات المختلفة في البلاد. وقال وزير الدفاع «لن يهدأ لنا بال حتى نكشف الارهابيين... ونسوقهم الى العدالة...»، بينما أعلن قائد الجيش بالنيابة أن ما حصل لن يثني الجيش عن القيام بواجباته الوطنية تجاه شعبه، بل سيزيده عزماً على التصدي لكل أشكال الفتن...».
وغداة الجريمة أقامت قيادة الجيش احتفالاً مهيباً في الملعب الأولمبي في طرابلس تمّ خلاله تكريم الشهداء قبل تسليم جثامينهم الى عائلاتهم، حيث نقلوا الى بلداتهم وقراهم وشيّعوا في مآتم رسمية وشعبية حاشدة.

 

الجريمة
صباح 13/8/2008، وفي محلة التل، شارع المصارف في طرابلس، انفجرت عبوة ناسفة موضوعة داخل حقيبة عند نقطة تجمّع للعسكريين الذين يستقلون الباص للانتقال الى مراكز عملهم في بيروت والجنوب. أدى الانفجار الى استشهاد عشرة عسكريين ومدنيَين اثنين، وإصابة عشرات من العسكريين والمدنيين بجروح مختلفة، تمّ نقلهم الى المستشفيات للمعالجة.
وعلى الفور، فرضت قوى الجيش طوقاً أمنياً حول المكان وباشرت التحقيق بالحادث.
قيادة الجيش - مديرية التوجيه، وفي بيان صادر عنها، أشارت الى أن هذا الانفجار الإرهابي يستهدف بشكل مباشر، الجيش ومسيرة السلم الأهلي في البلاد، ولفتت الى أن ما حصل، هو استغلال واضح من قبل الإرهاب لتداعيات السجالات السياسية الحادة، التي ازدادت وتيرتها في الآونة الأخيرة، مع ما جاء من تنكر لتضحيات المؤسسة العسكرية، ولدورها في حماية الاستقرار العام، وضمان وحدة الوطن وصيغة العيش المشترك بين أبنائه.

 

رئيس الجمهورية: دعوة الى المصارحة والمصالحة والتوحّد
رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان أكد أن «الجيش اللبناني والقوى الأمنية لن تخضع لمحاولات إرهابها بالاعتداءات والجرائم التي تطولها وتطول المجتمع المدني، وتاريخ الجيش يشهد بذلك».
وصدر عن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية البيان الآتي:
«إن فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان يدين الجريمة الإرهابية التي وقعت في طرابلس وحصدت عدداً من الشهداء الأبرياء من عسكريين ومدنيين وروّعت الآمنين في منازلهم أو في طريقهم الى أعمالهم.
وإذ يعبّر فخامة الرئيس عن ألمه العميق لما حصل، فإنه يتوجّه بأصدق التعازي الى ذوي الشهداء، والتمنيات بالشفاء العاجل للجرحى، وهو يجدد الدعوة الى المصارحة والمصالحة والتوحّد والصمود في وجه هذا الإرهاب الذي يطال الجميع بلا استثناء، ولا يصب إلا في خانة العدو الإسرائيلي، وهذا ما يستوجب الوقوف صفاً واحداً وسداً منيعاً في وجهه.
ودعا الرئيس سليمان الأجهزة المعنية الى تكثيف العمل للإسراع في كشف الجناة ومنعهم من التمادي في غيّهم».


وزير الدفاع الوطني: الجيش مستمر في مواجهة الإرهاب بكل ثبات وإيمان
وزير الدفاع الوطني الياس المر، وعقب استهداف الجيش والمواطنين في الانفجار الإرهابي في طرابلس، أكد أن «اليد المجرمة التي غدرت بالشهداء العسكريين والمدنيين في طرابلس لن تفلت من العقاب»، وقال: «لن يهدأ لنا بال حتى نكشف الإرهابيين المجرمين ونطاردهم ونسوقهم الى العدالة لمحاكمتهم، والجيش الذي دفع الكثير من التضحية والدم من أجل لبنان الموحّد المستقر الحر، لن تنال من شوكته جريمة ولا يخيفه غدر بل على العكس، إن جيشنا يزداد قوة وعزماً لمكافحة الإرهاب وضرب أوكاره واعتقال المجرمين الجبناء أينما اختبأوا».
وأضاف الوزير المر: «وإني إذ أتقدّم من اللبنانيين عموماً ومن أهالي الشهداء العسكريين والمدنيين وجميع الجرحى والمتضررين الأبرياء بالتعزية والمؤاساة الحارة، أعاهد على استمرار مسيرة الجيش بكل ثبات وإيمان في مواجهة الإرهاب.
كما أعاهد على تعزيز الجيش وتوفير كل مستلزماته العسكرية واللوجستية في أسرع وقت لكي يتمكن من أداء واجباته الوطنية، ولكي ينتصر لبنان مرة جديدة في الحرب على الإرهاب بقوة جيشه وسائر قواه الأمنية وبوحدة أبنائه وإصرارهم على الحياة الحرة الكريمة، في وطن يسوده الأمن والاستقرار حتى لا تذهب دماء الشهداء هدراً».

 

احتفال تكريمي
قيادة الجيش كرّمت الشهداء العشرة في احتفال رسمي وشعبي أقامته في ملعب طرابلس الأولمبي، حضره وزير الداخلية زياد بارود ممثلاً رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، النائب بدر ونّوس ممثلاً رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، وزير الدولة خالد قباني ممثلاً رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، ممثلون عن الرئيسين عمر كرامي ونجيب ميقاتي والوزير الياس المر، النائب مصباح الأحدب، قائد الجيش بالوكالة اللواء الركن شوقي المصري، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، محافظ الشمال ناصيف قالوش، رئيس اتحاد بلديات الفيحاء رشيد جمالي وكبار ضباط الجيش وقوى الأمن الداخلي ورؤساء طوائف وفعاليات اجتماعية وحشد من ذوي الشهداء.

 

كلمة اللواء الركن المصري
على وقع الموسيقى ووسط هتافات الأهالي وتصفيقهم أُدخلت نعوش الشهداء الى الملعب محمولة على أكتاف الرفاق ومجلّلة بالعلم اللبناني. وبعد أداء مراسم التكريم، ألقى اللواء الركن المصري كلمة قال فيها:
«قدر لبنان أن يواجه المصاعب واحدة تلو الأخرى، وقدر أبنائه أن يضحّوا في سبيله، مقدّمين الغالي والنفيس في ساحات الحرية والكرامة.
ليس غريباً على هذه المنطقة الحبيبة، وهي النجمة الشمالية على خدّ الوطن، أن ينبري أبناؤها دائماً للبذل والتضحية والعطاء، ملبّين نداء الواجب، مقتفين أثر الأجداد، رافعين العلم الوطني عالياً فوق تلالنا الشامخة كالأرز والسنديان، هذا العلم الذي يظلّل الأزاهير وتظلله غيوم الآكام، وتلفحه الرياح قبيل انكفائها في كلّ اتّجاه حاملةً أخبار العنفوان والبطولات، ومحدّثةً كل ذي سمع عن تماسك الآباء وتعاطف الأمهات، واندفاع الإخوة الواحد محل أخيه، فكأن هذه البزة الكريمة لا تُعرف ولا تُرى، إلا إذا انبسطت على أكتاف هؤلاء الرجال، وانعطفت حول زنودهم السمراء، يشدّها الفخر والاعتزاز وتغمرها المآثر.
إنها قافلة جديدة من الأبطال يتسابق أفرادها إلى دار الخلود، بعد أن افتدوا وطناً تتربص به أيدي الإرهاب الجبان بين ستائر الظلام، وخلف خيوط الصباح. لكنّ ذلك لن يثني جيشنا عن متابعة مسيرة الدفاع عن لبنان، وتوطيد سلمه الأهلي، ومواكبة طريقه نحو الازدهار والتقدم، خصوصاً وأنه قد تربى على البطولة والمجد والافتخار».
وأضاف قائلاً:
«إن الجريمة النكراء التي اقترفتها يد الغدر في هذه المدينة الباسلة، هي موضع استنكار واستهجان من قبل المواطنين جميعاً، وقد تلقّينا المواقف المؤيدة للجيش والشاجبة للجريمة، من مختلف الفعاليات السياسية والاجتماعية، ومن كل المرجعيات الدينية، كما وردنا الكثير من مواقف التأييد والتضامن مع المؤسسة العسكرية من القيادات الأمنية، تلك القيادات التي تضم رفاق سلاح لا يترددون بدورهم، في التضحية بالدم متى دعاهم الواجب لمواجهة الأخطار، في الدفاع عن البلاد. إننا نرى في ذلك دعماً معنوياً ومادياً يستحق الاحترام والتقدير، ويدفع أبناء مؤسستنا إلى المزيد من التكاتف وضم الجهود وزيادة السهر دفاعاً عن الوطن، وترسيخاً لوحدته الوطنية، واستعادة لدوره الريادي في الحضارة والإبداع والتطور، وحماية لمنجزات أبنائه، ودعماً لمسيرة عهده الجديد.
لقد كان رفاقكم في طريقهم من خزان الجيش وملعب خيله في قرى عكار وحدائق المنية وأحياء طرابلس ومينائها، إلى الجنوب إلى بلدات الانتصار من رأس الناقورة إلى مزارع شبعا، إلى قمم البطولة، إلى السفوح التي اندحر عنها العدو الإسرائيلي، والى السهول التي نازله فيها أبناء الجنوب والشمال وأبناء البقاع والجبل وبيروت، وانتصروا عليه فولّى مدبراً مهزوماً. لقد كان رفاقكم في طريقهم لحماية الحدود والوقوف إلى جانب المواطنين في وجه هذا العدو المتربص شراً بالوطن، فأتت يد الإرهاب لتنال منهم في الداخل في محاولة جديدة يائسة لزعزعة السلم الأهلي، وإضعاف القدرة اللبنانية على مقاومة العدو ومواجهة أطماعه وردع مخططاته».
وأردف قائلاً:
«ضريبة الدم السخية هذه، التي قدّمها جنودنا صباح أمس، والتي يندفع رفاقهم لتقديمها كل صباح، في مواجهة الإرهاب وأعداء الوطن، هي تلبية عفوية للقسَم الذي صدحت به حناجرهم جميعاً لحظة التحاقهم بمؤسسة الشرف والتضحية والوفاء، وإن المشاعر الوطنية الصادقة التي عبّر عنها أبناء هذه المنطقة، بمدينتها وبلداتها وقراها، حين راحوا يتسابقون للتبرع بالدم وتضميد الجراح واستقبال الشهداء بالإجلال والتهيّب، ليست غريبة أبداً عنهم ولا عن عقولنا وأفكارنا، فهنا مدرسة الشعب الذي يلتف حول جيشه، وهنا معاني العطاء التّي رسخها الزمن يوماً بعد يوم في هذه البلاد، والتي بيّنت للجميع أن وطناً هؤلاء أبناؤه، لن يتراجع ولن يركع».
وختم بالقول: «إنني أثمّن عالياً مشاركتكم اليوم في تكريم شهداء لبنان، وأقدّر عاطفتكم الوطنية العارمة هذه، واندفاعكم المخلص في التعبير عن دعمكم للجيش في تصّديه للإرهاب، وأتقدّم بعزائي من عائلات الشهداء الأبطال وأهاليهم، ومن رفاقهم ورؤسائهم، كما أواسي عائلات الإخوة الشهداء المدنيين الذين شاركوا مؤسستهم العسكرية في رسالة الاستشهاد والخلود، مؤكدين بذلك أنهم قريبون منها في السرّاء والضرّاء، وهذا واحد من عناوين كتابنا الوطني: لبنان... هو الجيش والشعب لا ينفصلان.
عهداً لكم جميعاً أن نبقى أوفياء للقسم ولدماء الشهداء، وأن نتابع المسيرة معاً من أجل
خلاص لبنان».

 

الى جنات الخلد
بعد انتهاء مراسم التكريم، انطلقت النعوش المحمولة على أكف رفاق السلاح بخطى بطيئة وحزينة، ووسط عشـرات الأكاليل وعلى وقع الألحان الحزينة وتصفيـق المشاركين، الى خارج الملعب حيث وضع كل نعش في سيارة إسعاف نقلته برفقة أفراد عائلته الى بلدته حيث أقيمت الصلاة لراحة أنفسهم في مآتم رسمية وشعبية حاشدة.
وتقبّـل قائـد الجيش بالنيابة اللواء الركن المصري يحوطه ممثلو الرؤساء الثلاثة تعازي الحضور.
وكانت قوى الجيش والقـوى الأمنيـة قـد اتخـذت تدابيـر أمنيـة مشـددة على طـول الطريق المؤدية الى الملعب البلدي، وفي الشوارع التي
سلكتها مواكب الشهداء الأبطـال خلال انتقالهم الى مناطقهم.


قائد الجيش بالنيابة
انفجار طرابلس لن يثني الجيش عن القيام بواجباته

أكد قائد الجيش بالنيابة اللواء الركن شوقي المصري «ان ما حصل في طرابلس لن يثني الجيش عن القيام بواجباته الوطنية تجاه شعبه، بل سيزيده عزماً على التصدي لكل أشكال الفتن، وإصراراً على ملاحقة القتلة المجرمين حتى توقيفهم وسوقهم الى العدالة».
كلام اللواء الركن المصري جاء خلال زيارة تفقّد خلالها أحد العسكريين الجرحى، الذي نقل الى بيروت لإصابته البليغة من جراء الانفجار الارهابي، وكلّف وفوداً عسكرية عيادة الجرحى في مستشفيات منطقة الشمال، للوقوف على أوضاعهم الصحية وحاجاتهم، وتمنى لجميع العسكريين والمدنيين الجرحى الشفاء العاجل.

 

دعا العسكريين الى التدخل السريع والحاسم
اللواء الركن المصري:الجيش بالمرصاد للإرهابيين

أكد قائد الجيش بالنيابة اللواء الركن شوقي المصري، أن الجيش سيبقى بالمرصاد للإرهابيين وسيتعامل بكل حزم مع أعمال الشغب وإثارة الفتن أينما وُجدت.
كلام اللواء الركن المصري جاء خلال اجتماع عقده في اليرزة، حضره أركان القيادة وقادة الوحدات الكبرى، حيث جرى تقييم الأوضاع الأمنية في البلاد والإجـراءات الميدانيـة المتخـذة، وخصوصاً في منطقة الشمال على ضوء الانفجار الإرهابي الذي حصل في مدينة طرابلس.
اللواء الركن المصري أشار الى أن استهداف المؤسسة العسكرية مباشرة بهذا العمل الإرهابي هو استهداف للبنان بأسره، ويشكّل محاولة يائسة للنيل من دور الجيش الضامن لوحدة الوطن ومسيرة سلمه الأهلي، ولفت الى وجوب الابتعاد عن التحليلات والاستنتاجات المتعلقة بخلفيات الجريمة وهوية المستفيدين منها، استباقاً لنتائج التحقيق الجاري، مشدداً على استقاء الدروس والعبر مما حصل، والعمل نحو مزيد من الوعي واليقظة والسهر على أمن المواطنين مهما غلت التضحيات.
وجزم بأن الإرهاب لن يستطيع تحقيق أهدافه الإجرامية، كونه لا ينتمي الى نسيج المجتمع اللبناني المتمسك بصيغة العيش المشترك بين مختلف مكوناته، مؤكداً بأن الجيش سيبقى بالمرصاد للإرهابيين، وسيتعامل بكل حزم مع أعمال الشغب وإثارة الفتن أينما وجدت، داعياً العسكريين الى التدخل بسرعة وقوة لحسم الاشكالات الأمنية، وملاحقة المخلين بالأمن حتى توقيفهم وتسليمهم الى الأجهزة القضائية المختصة.