اضواء كاشفة

يبدأ في الفكر ثم يتحكّم بالسلوك
إعداد: كارلا حداد

الوسواس مرض يطوّق صاحبه بالخوف والقلق

 

لكل إنسان هواجسه التي تؤثر على سلوكه. لكن هذه الهواجس حين تتخطّى حداً معيناً تصبح مؤشراً لأمراض نفسية أو عقلية، كما في حالة الوسواس القهري الإجباري.
المصاب بهذا المرض النفسي يواجه أفكاراً مزعجة تكون مصدر خوف وقلق بالنسبة اليه ولكي يخرج من دوّامة الخوف الناجم عن هذه الأفكار يتجه نحو سلوك يؤمن له الراحة مؤقتاً، غير أن هذا السلوك الذي يتكرّر بوتيرة متصاعدة يستهلك كثيراً من وقته ويهدّد بتدمير حياته اليومية.


الوسواس إضطراب نفسي
المعالجة النفسية رانيا فيصل تعرّف الوسواس بأنه إضطراب نفسي حيث تسيطر فكرة أو أفكار معيّنة على شخص ما، وتكون نابعة من ذاته، وهي تتكرّر لتتحوّل الى مصدر قلق بالنسبة اليه، فيعجز عن السيطرة على قلقه ويشعر بأنه مجبر على القيام بتصرفات معيّنة بهدف التخفيف من حدّته.
الوسواس بحسب فيصل، يبدأ وسواساً فكرياً وقد يتحوّل الى قهري.
الوسواس الفكري هو سيطرة فكرة لا إرادية متكرّرة ودائمة على الفرد يعجز عن التحكّم بها، وهذا الوسواس يمكن أن يكون صدمة، نزعة أو فكرة، كأن يعتقد إنسان بأنه سيقدِم على قتل أحد ما، في حين أنه لن يقوم بذلك.
وفي محاولة للسيطرة على هذه الأفكار يتجه المريض نحو سلوكيات معيّنة ويتجنّب الإختلاط بالمجتمع، إلا أن هذه السلوكيات تتملّكه لتتكرّر وتتصاعد وتيرتها. والمريض غالباً ما يكون مدركاً وضعه وعارفاً بأن الأفكار التي تتحكم به خيالية، إلا أن خوفه يمنعه من زيارة معالج نفسي.
أما الوسواس القهري فهو تكرار السلوك المرضي وهو يعقب مرحلة الوسواس الفكري ويكون نتيجة له.
إن التصرفات الناجمة عن الوسواس الفكري، بحسب فيصل، تبدو غريبة وغير موزونة وغير منطقية، إلا أن المريض يشعر بأنه بحاجة ملحة الى القيام بها، كما أن مرضى الوسواس يخفون مرضهم بحيث لا يمكن اكتشافه سوى بالتعايش معهم.

 

أنواع الوسواس
يتمظهر الوسواس بعدة أشكال. ففي إطار نجد:
- الخوف من العدوى.
- الخوف من أذية الآخرين بحيث يشعر الفرد وكأنه مسؤول عن أية حادثة أو مشكلة تقع، أو عن أحزان الآخرين.
- الخوف من الخطأ حيث يحاول المريض تنفيذ كل شيء بدقة ومثالية.
- الخوف من الإحراج حيث تسيطر على المريض أفكار كأنه سيتلعثم في أثناء التكلّم، أو سيقع أو سيقوم بالتعرّي، إلا أنه لا يقوم بأي من هذه التصرفات.
- الخوف من الأفكار الخاطئة.
- الحاجة المفرطة الى الترتيب والتناسق والدقة.
- الشك الزائد والحاجة الدائمة للتأكد.
أما في إطار الوسواس القهري فنلاحظ:
- الإستحمام أو غسل اليدين بشكل متكرر.
- رفض ملامسة أحد أو إمساك أشياء معيّنة أو الإحتكاك بأي شخص.
- التأكد المستمر من أي شيء كقفل الباب أو السيارة...
- العدّ المتكرر فكرياً أو بصوت مرتفع.
- الترتيب والتنظيم بطرق مميزة ومعيّنة.
- تكرار كلمات أو جمل أو صلوات معيّنة.
- الحاجة الى القيام بأمور معيّنة عدة مرات.
- الإحتفاظ بأغراض لا لزوم لها (وذلك عندما يتخطّى هذا الأمر الهواية فيتخذ وقتاً ومجهوداً ومساحة حياتية كبيرة).

 

القلق والإكتئاب
يسبّب الوسواس القلق الذي يولّد الإكتئاب، بحيث يعجز المريض عن القيام بالأمور الحياتية العادية، فيميل الى الإنزواء والابتعاد عن المجتمع والنشاطات والأعمال والصداقات.
كما يمكن أن يكون الوسواس مصحوباً بتقلصات عضلية متكرّرة مثل عضلات الوجه، ومن الأمثلة التنشق المتكرّر، الرمش المتكرّر، هزّ الكتف المتكرّر...

 

الأسباب
يقول بعض الدراسات والبحوث أنه إذا كان والدا الشخص أو أشقاؤه مصابين بالوسواس، فإن فرصة الإصابة لديه تزداد قليلاً عن الأشخاص الآخرين. إلا أن الأسباب الرئيسة بحسب الإختصاصية فيصل ما تزال مبهمة، أما الأسباب الثانوية فهي تتوزّع بين بيولوجية ونفسية.
تتمثّل الأسباب البيولوجية بالنقص في مادة السيروتونين Sérotonin، وهي مسؤولة عن تعديل المزاج.
أما الأسباب النفسية (كان مريض الوسواس يعتبر من القرن الرابع حتى السادس عشر ممسوساً أو مستحوذاً شيطانياً)، فتعود الى اضطرابات ونزاعات في اللاوعي، غير أن هناك شخصية وسواسية تحضّر لظهور هذا المرض الذي تتضح معالمه ابتداءً من سن الطفولة وحتى منتصف البلوغ.

 

العلاج
من المهم جداً اكتشاف الوسواس باكراً ومعالجته قبل أن يتحول الى مرض مزمن يحتاج الى المراقبة طوال الحياة، لذلك كلما كان السعي نحو العلاج أسرع، كلما كان الشفاء أسهل.
والعلاج قسمان كما ترى فيصل: العلاج الطبي والعلاج النفسي، مع العلم بأن هذا المرض يمكن أن يظهر من جديد بعد الانتهاء من الفترة العلاجية.
يشمل العلاج الطبي الأدوية كمضادات الإكتئاب والقلق وذلك بحسب الحالة.
إلا أن العلاج الناجح لا يكون إلا بمزج هذا الأخير بالعلاج النفسي الذي يركّز بحسب فيصل على السلوك الإجباري الذي يمارسه المريض، على الإمتناع عن ردات الفعل المرضية وعلى مجابهة المخاوف التي تتملّكه حتى الحد الأقصى، وذلك من خلال مساعدته على تحمّل القلق من دون اللجوء الى هذا السلوك.


بالمقارنة
• تبدو صفة المريض بالوسواس القهري الإجباري في مجتمعنا على أنها حسنة وتبدو مقبولة الى حد ما، في حين أنها فعلياً مرض.
• يختلف الوسواس عن الهوس بأن هذا الأخير إضطراب عقلي يتميّز بالنشاط الزائد والمرح والغرابة، ويكون الفرد مليئاً بالحيوية المفرطة، لا يكاد ينتهي من عمل حتى يبدأ بالأخر، وقد يصل هذا النشاط الى درجة العدوان والتحطيم.
• تتميز أفكار المهووس بأنها غير منتظمة وتتميّز لغته بالتفاصيل التي لا أهمية لها، وقد يظهر بعض الأعراض الثانوية مثل القلق والشك والإضطراب في الوعي وفي الحالات الشديدة الضلالات والهلاوس.