تربية وطفولة

يبكي ويضحك لا حزنًا ولا فرحا...
إعداد: ماري الأشقر
اختصاصية في علم النفس

إذا بكى الطفل، هرعت أمه إليه محاولةً معرفة سبب بكائه. أما إذا ابتسم محرّكًا شفتيه، فإنّها تطير فرحًا، تشعر بأنّه يشاركها فرحًا تحس به. تحاول أن تفسر مصدر هذه الابتسامة، وتكتشف سر هذا الصوت المنبعث كغناءٍ من فمه الملائكي، وتسعى لتعرف معنى ضحكته وهو نائم...
تسجل الأم كل تفاصيل حركات طفلها، فكيف لا تسجل تفاصيل أول ابتسامة؟ وكيف لا تحفر في ذاكرتها أول ضحكة؟

 

لضحكات الطفل في أيامه الأولى تفسيرات علمية بعيدة كل البعد عن تفسيراتنا العاطفية، وعن حكايات العجائز التي تقول إنّ الملائكة تُضحكه...
ما يقوله العلماء إنّ الطفل في أيامه الأولى، يضحك، عفويًا بدافع بيولوجي لا تفسير له.
يصبح لضحك الطفل معنًى عندما يبلغ ثلاثة أسابيع من العمر، فهو يبدأ بالاستجابة للعالم الذي يحيط به وفق تفسير العلماء طبعًا، ابتسامته أو ضحكته تحضر بعد أن يكون قد أشبع غريزته بتناوله وجبة الرضاعة. ودلالة هذا الشبع، ​ذلك الرضى الذي يرتسم على قسمات وجهه الناعم، بل يبدو أنّه مسرور، خصوصًا حين يرفع فمه قليلًا نحو الأعلى.
بعد ذلك، تنتقل ردات فعل الطفل من مرحلة بيولوجية إلى مرحلة أخرى. إنّه ينتقل من مرحلة الشعور باللذة الداخلية الناتجة عن اكتفائه البيولوجي (الرضاعة والشبع)، إلى مرحلة اللذة الخارجية والاستجابة لها.
وابتداءً من الشهر الثاني يستجيب لمناغشة الوالدين له، كما للأصوات، كالكلام والموسيقى، ولدى رؤيته الألوان البارزة أو الألعاب.
إذًا، الضحكة الحقيقية تبدأ بعد انقضاء الشهر الأول، إذ يستجيب لصوت أمه ووجهها الذي ألفه، ويعبّر عن ذلك بابتسامة حقيقية وببريق ظاهر في عينيه وملامح وجهه... هنا الضحكة لها معنى، ومعناها في بريق الوجه وتعبيره، عندها تشعر الأم وللمرة الأولى بأنّ طفلها قد تعرّف إليها، بينما في البداية كان اهتمامه مُركَّزًا على مظاهر خارجية كالوجه والعيون أكثر من اهتمامه بالعنصر البشري الظاهر أمامه، الممثَّل بالأم والأب. بل سيلحظ من تلقاء نفسه أنّ لابتسامته صدًى واضحًا عبر فرحة الأم واستجابتها له، فيلجأ إلى التكرار بملء إرادته، وبذلك تكون هذه الابتسامة طريقة اتصال مرتكزة على العلاقة الحميمة بين الأم وولدها.
 
في الشهر الثالث: يضحك بأعلى صوته
 تمضي الأيام ويبلغ الطفل شهره الثالث، فيعطى لابتسامته تفسير آخر: إنّها ابتسامة تبوح بلذة روحية حقيقية إذ أصبح بمقدوره فهم العالم المتشعب المحيط به أو الذي يمتلكه فهو يبتسم مثلًا لدى رؤيته يديه ورجليه، ويصبح بالتالي متطلّبًا أكثر فأكثر، حينئذٍ يأتي بحركاتٍ جسدية معبّرة ويُصدر الأصوات المتتالية ويضحك بأعلى صوته.
 
للمقرّبين فقط
في الشهر الخامس، يتعلم الطفل كيف يلائم بين ابتسامته والظروف المتاحة له، ويمتنع عن إبداء فرحته وتوزيع ابتسامته للجميع، بل إنّه يمنحها لأقرب المقربين إليه فقط، كالأم والأب والإخوة... إذا كانت لديه الرغبة في ذلك. ومن ثم يتعلم كيف يستجيب للمناسبات بتبيان حشريّته وحِيلَه وتعاطفه مع الأفراد والأشياء.
 
لماذا نصرّ على التفسير؟
 تلك الابتسامة الرائعة، التي تُدخِل الضوء إلى قلوب العائلة، ليس لها معانٍ كثيرة. لماذا نصرّ على تفسيرها كما يلذّ للعلماء أن يفعلوا؟ فلنُبقِ هذا اللغز الذي نحار في تفسيره أو نفسره كما نرغب. ولنترك المنطق للأطباء والعلماء، ولندع الطفل يضحك كما يشاء، ولندع أمه تفتح له قاموس قلبها، وتفسر ضحكته على أنّها حب فقط. ولا بأس إن أخطأت في ذلك. فهنيئًا لمن كانت خطيئته مثل هذا الحب.
 
رياضة البكاء
 عندما يبكي الطفل، تسرع الأم لحمله بين ذراعيها، ظنًّا منها أنّها تساعده على تخفيف الألم أو الانزعاج. لكن مهلًا، قليل من البكاء يشفي قلب الطفل ويغسل عنه تعبه. البكاء ضروري، وعلى الطفل أن يبكي كل يوم. فهذا البكاء هو الرياضة التي يقوم بها، فيفتح صدره، ويحرك عضلات كتفَيه وساعدَيه، كما يحرك عضلات بطنه، وإذا ازداد بكاؤه، فإنّه يحرك عضلات رجلَيه.
أكثر من ذلك، إنّ عملية الشهيق والزفير التي ترافق البكاء، ضرورية للرئتين. لا تنتظروا من الطفل أن يقوم برياضته على طريقتكم، شرط أن لا يكون البكاء نتيجة ألم حاد أو انزعاج قوي أو مرض، عندها، لا يكون البكاء رياضة بل تعبيرًا عن حالة الانزعاج، أو الألم. فدَعي طفلك يقوم برياضته على طريقته.