مخيّم الحربية

يومٌ من العمر
إعداد: جان دارك أبي ياغي

اليوم الثالث

 

يومٌ من العمر أمضاه حوالى 131 تلميذًا من تلامذة ثانويات لبنان في رحاب قيادة فوج التدخل السادس في رياق، تعرّفوا خلاله على المهمات التي يقوم بها الفوج والتدريبات المرافقة ليومياته. وإذ مارسوا نشاطهم العسكري بجرأةٍ تامة، لمسوا صعوبة الحياة العسكرية التي أحبوها واستمتعوا بما تتيحه من مواجهة التحديات.

 

في الصباح الباكر انطلق المشاركون في المخيَّم من الكلية الحربية في الفياضية باتجاه قيادة فوج التدخل السادس في رياق حيث كان بانتظارهم برنامجٌ مشوِّق تضمن عدة أنشطة رياضية وعسكرية أعدّته قيادة الفوج خصيصًا للمناسبة.

عند الوصول، كان في استقبالهم ضباط الفوج ورتباؤه الذين رافقوهم طوال النهار واضعين أنفسهم بتصرّفهم. في البداية، رحّب قائد الفوج العقيد الركن دافيد بشعلاني «بالجنود التلامذة» واصفًا إياهم بنواة المستقبل وخيرة شباب لبنان الذين يفتخر بهم الوطن. ثم تسلّم من شاب وصبية درعًا تكريميًا قدّماه باسم رفاقهما عربون شكر وتقدير على استضافته لهم.
بعد ذلك، تعرّفوا على آليات فوج التدخل المعتمدة (ناقلة جند م113، Vap، Hummer...) وكم كانت فرحتهم كبيرة عندما سُمح لهم بالصعود على متنها واكتشاف مكوِّناتها لأول مرة في حياتهم.
 
تمارين ومهارات
حبس المشاركون أنفاسهم استعدادًا للمشاركة في معركة شبه حقيقية تتطلَّب الكثير من التحدي والشجاعة، إلا أنّ النتيجة كانت مفاجئة على أكثر من مستوى، وإليكم بعض التفاصيل:

وُزِّع الطلاب على خمس مجموعات تكوَّنت الواحدة منها من 26 تلميذًا، تناوبوا مداورة على مشاغل التمارين الميدانية بمواكبةٍ من الصليب الأحمر اللبناني – فرع زحله.

في المركز الرئيس للتدريب استمع الطلاب في مشغل الرماية إلى شرح نظري حول مبادئ الرمي، وكيفية التعامل مع السلاح قدّمه المسؤول عن التدريب في الفوج الرائد عصمت عباس الذي ركّز على جميع التفاصيل بما فيها وضعية الرامي انبطاحًا على الأرض.

ودقّت ساعة الصفر... لم يكن الطالب جورج جرجي من المعهد الأنطوني يدرك كم تتطلب التجربة من التركيز والانتباه، الشرح الدقيق الذي استمع إليه أشعره بالتهيّب. إلا أنّه استطاع أن يتغلّب على الخوف الذي انتابه في البداية، ومع إصراره على خوض التحدي وبمساعدة المدرّب المشرف نجح في اجتياز الامتحان وحصل على علامة 9/10.

أما الطلاب الذين اجتازوا هذا التمرين بنجاحٍ باهر وأصابوا الأهداف العشرة بطريقةٍ صحيحة فهم: كارل الحاج وجونيار حويك وبيار صوما الذين استحقوا تنويه المدرّبين بعد العلامة التقييمية التي حصدوها وهي 10/10.

بعد الرماية جاء دور مشغل الهبوط (Rappel)، هناك شرح لهم الضابط المسؤول تقنية ممارسة هذا التمرين الذي يتطلَّب ثقة بالنفس وبالعتاد المستعمل (الحبل والحزام والحلقة...). بعد ارتداء عدة الحماية تردَّد أحد المشاركين في تنفيذ التمرين، إلا أنّ خوفه سرعان ما تبدَّد بفعل التشجيع، فهبط بسلامٍ وطلب معاودة التمرين مرة ثانية.

آدم إبراهيم سعيّد (صف ثاني ثانوي) خاض التجربة بكل سهولة من دون أي صعوبة تذكر. وعبَّر عن فرحته بالمشاركة في المخيم الذي يضم شبابًا وشابات من مختلف شرائح المجتمع بعيدًا من الطائفية. في المخيم اكتسب خبرات جديدة وأدرك معنى شعار الكلية الحربية «معرفة وتضحية». يطمح آدم أن يكون قاضيًا في المحكمة العسكرية، وهو مصمم على دخول الكلية الحربية عندما يُفتح باب الانتساب إليها.

بفرحة لا توصف نفّذت التلميذة بترا إبراهيم الهبوط مرتين مع أنّها المرة الأولى التي تخوض فيها هذه التجربة. في البداية اعتقدت أنها لن تنجح ولكن الغلبة كانت للثقة بالنفس والتصميم وقوة الإرادة. وبفضل تعليمات المدربين وإشرافهم نفّذت المهمة بسهولةٍ.
 
مشغل المداهمة
في مشغل المداهمة كما في باقي المشاغل كان للنقيب رشيد فقيه شرح مسهب حول أهمية المداهمة في ملاحقة المطلوبين ومدى خطورتها وما تتطلبه من تدريب يومي، وهذا هو واقع الحال في الفوج الذي تأتي المداهمات في طليعة مهماته.

الجزء الأخير والأهم في المداهمة هو دخول منزل وتفتيش الغرف ومعالجة الأهداف الخطرة بسرعةٍ ودقة لأنّ أي تأخير في التنفيذ قد يتسبب في وقوع ضحايا في صفوف المداهمين. نفّذ المشاركون هذا الجزء مدفوعين بالفضول وحب المعرفة، وكانت التجربة بالنسبة إليهم مغامرة حقيقية.

لم تكن مغادرة فوج التدخل السادس سهلة بالنسبة إلى الطلاب بعد الساعات التي أمضوها في اكتشاف مشاغل التدريب العسكري في قيادة الفوج، لكن كان عليهم الانتقال بعد الظهر إلى مدرسة القوات الجوية في رياق، وهناك كانت بانتظارهم تجارب جديدة.
 
في عالم الطيران
في القوات الجوية أتيح للطلاب ولوج عالم الطيران الحربي وإن كان ذلك من خلال لمحة سريعة. فقد تم تقسيمهم إلى أربع مجموعات، تابعت المجموعة الأولى محاضرة عن القوات الجوية تعرفت خلالها إلى عملها والمهمات التي تضطلع بتنفيذها، فيما حضرت المجموعة الثانية Static Show عن الطائرات وجناح التكامل الجوي الأرضي، وزارت المجموعة الثالثة المتحف الذي يلقي الضوء على تاريخ القوات الجوية اللبنانية، أما المجموعة الرابعة فكانت لها فرصة تجربة Simulator الطيران.
 
ختامها «دوش ميداني»
مع عودتهم إلى الكلية الحربية بعد هذا النهار الطويل كان الطلاب يحلمون بـ«دوش» يزيل عن أجسادهم الغبار والتعب، وقد كان لهم ما أرادوا، ولكن أي «دوش»؟

التجربة «الفشة الخلق» والأكثر متعة التي تفاجأ بها الطلاب كانت عندما طُلب منهم أن يقفوا في ساحة الشرتوني تحضيرًا لتدريبٍ معين، فإذ بهم يتفاجأون بوصول صهريج ماء وجّه خرطومه إليهم فاجتاحتهم مياهه الباردة من دون إنذار. كان ذلك ما يُسمى في الحياة العسكرية «الدوش الميداني». علت الضحكات، وترددت في أنحاء الفياضية أصوات الطلاب الذين كان عليهم أن يخلدوا للراحة استعدادًا لليوم الأخير.

فقد عادوا إلى ميدان الكلية الحربية مفعمين بالنشاط ومحمَّلين ذكريات جميلة سيتشاركونها مع رفاقهم في المستقبل.