محطات ونشاطات

يوم وطني ضد إستعمال القنابل العنقودية في صور
إعداد: المعاون روميو موسى
تصوير: وجدي عازار - شربل جرجس

« لا تقترب، لا تلمس، بلّغ فوراً».

عبـارة شائعة في الجنـوب اللبنـاني لأن المشاهـد المأسوية ما زالت تتكرر على الرغم من كل الجهود المبذولة. ونظراً الى تفاقم الأزمة وازدياد عـدد الإصابات والضحـايا يومـاً بعـد يـوم من جـراء إنفجـار القنابل العنقوديـة التي خلّفهـا العـدوان الإسرائيلي، نظّـم المكتـب الوطني لنزع الألغام في الجيش اللبناني بالتعاون مع اللجنة الوطنية للتوعية من مخاطر الألغام، واللجنة الوطنية لمساعدة ضحايا الألغام، حدثـاً بعنـدوان «اليوم الوطني ضد إستعمال القنابل العنقودية» في مركز باسل الاسد الثقافي في صور وذلك بتاريخ 17-2-2006.

 

معــرض صور ورسم ومسرح للتوعية ومعلومات موثقة حول واقع الحال جنوباً

محور الاهتمام

تضمن هذا الحدث عدة محطات: معرض صور لمصابي الألغام، نشاطات لمصابي الالغام، مرسم للأطفال، تجربة للأطراف الإصطناعية، نموذج لحقل نزع الالغام، مسرح للدمى، لقاء حواري وتوقيع عريضة.

ولعل ابرز ما تم في هذا اليوم الوطني الطويل، كان اللقاء الحواري بين منظمي الحدث وفعاليات المنطقة وأهاليها. استهل اللقاء بالنشيد الوطني اللبناني، ألقى بعدها رئيس قسم الاعلام في المكتب الوطني لنزع الالغام ورئيس قسم مساعدة الضحايا المقدم يوسف مشرف كلمة شكر للحضور ولاهالي المنطقة والامارات العربية المتحدة، وأكد على ضرورة شبك الايادي، بين الجيش اللبناني والجمعيات الأهلية والمواطنين، من اجل تجنب مخاطر القنابل العنقودية على الارض اللبنانية، ثم قدم عرضاً مصوراً يبين واقع الحال في الجنوب، مؤكداً أن العمل على إزالة القنابل هو محور إهتمام الجميع.

وحول القنابل العنقودية التي خلفها العدو الاسرائيلي في عدوانه الاخير قال: ان تاريخ صنع حاويات هذه القنابل يعود إلى الاعوام 1970 و1973 و1974، ما يعني أن نسبة الخلل فيها مرتفعة. وقد بلغ عدد الضحايا حوالى 217 ضحية، ومن المتوقع أن تتم إزالة جميع القنابل العنقودية عن الأراضي اللبنانية كلها مع نهاية العام 2007، واعداً بتكرار هذه الحدث في مناطق جنوبية أخرى.

 

الغاية من اللقاء وواقع الحال

لإلقاء المزيد من الضوء على مجريات هذا الحدث، إلتقت مجلة «الجيش» بالمقدم مشرف، وكان الحوار التالي:

 

• ما هي الغاية من تنظيم هذا اللقاء؟

- الغاية هي توعية المواطنين حول مخاطر الالغام والقنابل العنقودية التي تهدد حياتهم وخصوصاً حياة الاطفال منهم.

 

لماذا يتم التركيز على الاطفال، ومن هم المشاركون اليوم؟

- إن الضحايا والمصابين بالقنابل العنقودية هم بغالبيتهم من الاطفال، لهذا فقد حَضَر حوالى 2500 تلميذ من مختلف المدارس في المنطقة بعد أن قام المكتب الوطني لنزع الالغام بالتعاون مع اللجنة الوطنية للتوعية من مخاطر الالغام باجراء الاتصالات اللازمة مع البلديات والمخاتير واللجان الاهلية والفرق الكشفية لتأمين أكبر عدد ممكن من المواطنين لحضور هذا الحدث، إضافة للحضور المميز للفريق الاماراتي لنزع الالغام الموجود في لبنان.

 

• الكل يردد كلمة القنابل العنقودية. ما هي القنابل العنقودية؟

- ترمى القنابل العنقودية من خلال حاويات تقصف بواسطة الطائرات أو راجمات الصواريخ أو مدفعية الميدان، حيث تنفتح تلك الحاويات على علوّ معين من الارض لتنطلق منها القنابل وتنتشر على مساحة واسعة، وبعض انواع هذه القنابل له وظيفة مزدوجة مضادة للأشخاص ومضادة للآليات الخفيفة التدريع وتفتقر إلى الاهداف الدقيقة، بل تنتشر بشكل عشوائي في كل الإتجاهات.

 

• بعد إنتهاء عدوان تموز كيف تصف لنا واقع القنابل العنقودية في الجنوب؟

- وفقاً لتصاريح قادة العدو، تم إلقاء عدد هائل من القنابل العنقودية بقي حوالى 1.2 مليون قنبلة منها غير منفجر موزّعة على ما لا يقل عن 170 قرية وموقعاً في الجنوب، والعمل جارٍ على إزالتها، والجيش يعمل وفقاً لثلاث أفضليات: أولها مداخل القرى، الطرق، الساحات العامة، محيط المنازل والمستشفيات والاماكن الرئيسة، تليها الأراضي الزراعية التي يعتاش من معظمها المواطنون، ثم خراج القرى والمناطق غير الآهلة والمناطق الزراعية، ومن المتوقع أن يتم تنظيف كامل الأراضي اللبنانية من القنابل العنقودية مع نهاية العام الحالي.

 

• من يدعم هذا الحدث؟

- جرى هذا الحدث بدعم من «اليونيسف»، ومساعـدات من الكنيسـة الدنماركيـة، والمسـاعــدات الشعبيـة النروجية، والبنـك اللبنـاني الكندي، والبنك اللبناني للتجـارة، وجمعية عطـاء الأجيال.

 

• ما هي إنعكاسات هذا الوضع الراهن على الحياة الإقتصادية والاجتماعية في الجنوب؟

- يشكل وجود القنابل العنقودية تهديداً دائماً لأهالي المنطقة، فهي تعرّض حياتهم للخطر، كما أنه يؤدي إلى نزوح وهجرة عدد كبير منهم، بالاضافة إلى أنه يعرقل الحركة الزراعية والعمرانية في المنطقة.

 

عمل محفوف بالمخاطر

• ما هي المخاطر والصعوبات التي تعترضكم؟

- إنه عمل محفوف بالمخاطر، فالألغام والقنابل العنقودية هي عدو غير مرئي، والصعوبات تكمن في ثلاثة مخاطر هي: أولاً وجود العدو الكلاسيكي أي القنابل العنقودية والالغام بحد ذاتها، ثانياً عدم التجاوب الكبير من المواطنين مع إرشادات التوعية، ثالثاً حب المخاطرة عند البعض. هذا طبعاً من دون إهمال عامل الوقت الذي نسعى إلى تقليصه عبر العمل المتواصل والدؤوب لدى الجيش اللبناني والذي يشكل عامل ضغط كبير على النقّابين، من شأنه رفع نسبة الخطر على حياتهم، إضافة إلى إستقدام أكبر عدد ممكن من فرق نزع الالغام من الخارج.

وبما أن هذا الحدث قد ركّز على توعية الأطفال ليجنبهم خطر الألغام، توجهت مجلة «الجيش» إلى حيث تم تحضير نموذج لحقل ألغام، ولبقعة مستهدفة بالقنابل العنقودية داخل المركز، حيث كان هناك فريق من لواء الدعم - فوج الهندسة، وفريق من الجيش الإماراتي، يقومان بعملية شرح للأطفال وتذكيرهم بضرورة تبليغ أقرب مركز عسكري لدى رؤيتهم أي جسم غريب، وهنا كان لنا حوار مع الملازم شارل الحكيّم من فوج الهندسة.

 

• ما هو العتاد الذي يستعمله النقّاب في الحقل؟

- يحتاج النقاب إلى: المتحسسات، خوذة واقية، درع واقٍ، حذاء خاص، مقص أعشاب، مقص أسلاك، رفش، حربة، مسبار، واقية يد، عدة جحام، عدة تفجير، أوتاد خشبية لتحديد الأماكن الآمنة، شريط تعليم وعدة تأريف.

 

• كيف تتم عملية تنظيف الحقل من الالغام او من القنابل العنقودية؟

- يدخل العنصر مع الاعتدة إلى الحقل، يتحسس البقعة بواسطة المتحسسات التي تعطيه إشارة في حال عثورها على أي جسم غريب موجود حتى عمق 20 سم، فيسبر من بعدها وفي حال العثور على لغم أو قنبلة عنقودية، يعلّمها بواسطة معْلم ليأتي من بعده عنصر خبير يتولى عملية التفجير.

 

• ما هي أشكال القنابل العنقودية الاكثر وجوداً في لبنان؟

- هناك أشكال عديدة، كالطابات والمثلثات والفراشات والمدقات... إضافة إلى أن بعض الألغام هو على شكل صخرة صغيرة.

 

• ما هي المشاكل التي تعترضكم في أثناء العمل؟

- أهم المشاكل هي طبيعة الارض ونوعية التربة خصوصاً المعدنية منها، بالاضافة إلى عامل الطقس، وقرب الحقل أو بعده عن الأماكن السكنية، كما أن للعامل النفسي للمنقب دوراً هاماً إذ أنه يؤثر على جهوزيته وعلى ثقته بذاته.

وتجدر بالاشارة ضرورة ملازمة عنصر ممرض بشكل دائم وهو عنصر مدرّب وعالي الكفاءة، قادر على تقديم الاسعافات الاولية الضرورية والكاملة للمصاب في أرض الحدث، كما يؤمن القدرة على الإخلاء وإيصال المصاب إلى المشفى.

وبعد هذا الحوار، إلتقينا المقدم عبيد ثاني الظاهري قائد الفريق الإماراتي لنزع الالغام في لبنان، الذي أشار إلى أن الفريق لبى الدعوة التي وجهت اليه من قبل المكتب الوطني لنزع الالغام، بهدف رفع مستوى التوعية من مخاطر القنابل العنقودية، وإستكمالاً لمبادرة رئيس دولة الإمارات العربية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان التي أطلقها العام 2002، وتهدف إلى إزالة الالغام والقنابل العنقودية مع نهاية العام 2007.

 

جولة في المركز

في اثناء تجوالنا في المركز توقفنا في معرض للصوّر، يضم حوالى 40 صورة تعبّر عن واقع الحال في الجنوب. ومن ثم في مرسم للاطفال، حيث أتيحت الفرصة لكل طفل بالتعبير عما يدور في خاطره تجاه العدوان. ومن بعد المرسم توجهنا إلى المسرح، حيث طلبت جامعة البلمند من مسرح الدمى اللبناني (جمعية خيال)، تقديم عرض للاطفال يدعى «لعبة غميضة» يوصل رسائل التوعية باسلوب حركي تعلّمي نشط، ما يجعل الطفل يتفاعل مع العرض، فيتجنب التعرّض إلى القنابل العنقودية.

تضمن اليوم الوطني ايضاً نشاطات لمصابي الالغام تجلّت من خلال بعض الاعمال الحرفية وشك الخرز والرسم على الزجاج، فضلاً عن إقامة معرض للمنتوجات القروية، شارك المعوقون في اعداد وتحضير غالبيتها، وهي عبارة عن منتوجات زراعية طبيعية كالمربى والمقطّرات والزعتر...

 

تجربة الاطراف الاصطناعية وتوقيع عريضة

تجربة الاطراف الإصطناعية التي تهدف إلى تحويل الإعاقة إلى طاقة، وهي كناية عن يد أو رجل إلكترونية، وهذه الأطراف تتحرك بواسطة متحسسات، فضلاً عن وجود جهاز لتقويم العمود الفقري  وكرسي مدولب... وقد قام متطوع مدني، بتجربة ساق إصطناعية ليعايش المصابين، وليشعر بما يشعرون به، وليرى مدى صعوبة الاعتياد على الطرف الإصطناعي، على الرغم من فعاليته وقدرته على مساعدة المصاب على إكمال حياته بشكل طبيعي إلى حدٍ ما. كما جرى إعداد عريضة، تحت عنوان «نداء من المجتمع المدني في لبنان»، تلخص واقع القنابل العنقودية والالغام في الجنوب، وتطالب المجتمع الدولي بوقف إنتاجها، وتحميل المسؤولية للدول التي تلجأ إلى إستعمالها ومعاقبتها، وزيادة الموارد المخصصة لمساعدة المجتمعات والافراد المتأثرين بالقنابل العنقودية. واختتم النهار بغرس شجرة في الساحة الأمامية للمركز، بحضور رئيس المكتب الوطني لنزع الالغام، العقيد محمد فهمي والمقدم الاماراتي  ورئيس إتحاد بلديات صور وأعضاء من كشافة الرسالة الاسلامية.