وقاية وصحة

ڤيروس إنفلونزا الخنازير
إعداد: ريما سليم ضوميط -ماري حصري

الوقاية هي الســــــبيل الوحيد للحد من انتشاره
في الحادي عشر من حزيران رفعت منظمة الصحة العالمية المستوى الوبائي لمرض إنفلونزا الخنازير الى المرحلة السادسة ضمن مراحل الجوائح، وأعلنته وباءً عالمياً بعد انتشاره في عشرات الدول بحيث لم يعد من الممكن احتواء الڤيروس. إزاء هذه الكارثة الصحية العالمية باتت معرفة مخاطر المرض، اما الوقاية منه على المستويين الرسمي والفردي فهي السبيل الوحيد للحد من انتشاره.

 

ڤيروس H1N1
إنفلونزا الخنازير H1N1 مرض تنفسي حاد يصيب الخنازير، يسببه ڤيروس انفلونزا من نوع «A» ويمكن أن ينتشر بسرعة، ويمكن له ايضاً أن ينتقل الى الإنسان خصوصاً عند الإتصال المباشر مع الحيوانات المصابة به.
النسخة الجديد من ڤيروس  الانفلونزا AH1N1 التي تمّ اكتشافها حديثاً وانتشرت عالمياً، هي هجين يمزج بين ڤيروسات الإنفلونزا عند الخنازير H1N1 وإنفلونزا الطيور H5N1، والإنفلونزا البشرية، وهو مزيج فريد لم يعرف سابقاً كما تؤكد تقارير منظمة الصحة العالمية.
 

التقاط العدوى
يصيب ڤيروس إنفلونزا الخنازير البشر عند الإحتكاك بالخنازير المصابة، وينتقل من شخص الى آخر بواسطة الإفرازات الأنفية والحنجرية لدى العطس أو السعال.
كما يمكن الإصابة به عن طريق ملامسة أجسام ملوثة بهذه الإفرازات الڤيروسية ثم لمس الفم أو الأنف.
ولا ينتقل هذا المرض عبر أكل لحم الخنزير ومنتجاته إذ أن طهي لحم الخنزير على حرارة 71 درجة مئوية يقتل ڤيروس إنفلونزا الخنازير كما هو الحال مع بكتيريا وڤيروسات أخرى.
فترة العدوى والحضانة
يمكن لشخص مصاب بالڤيروس نقل العدوى لشخص آخر خلال فترة تمتد من يوم قبل ظهور العوارض والى عشرة أيام بعد ظهور العوارض المرضية، علماً أن فترة حضانة المرض تمتد من يوم الى سبعة أيام قبل ظهور أعراضه.
 

الأعراض
أعراض إنفلونزا الخنازير في البشر مماثلة لأعراض الإنفلونزا الموسمية وتتمثل في ارتفاع درجة حرارة الجسم الى ما فوق الـ 38 درجة مئوية وأعراض تنفسية حادة (سعال، ألم في الحلق والعضلات، صعوبة في التنفس). ويبدو أن هذه السلالة الجديدة تسبب مزيداً من الإسهال والقيء أكثر من الإنفلونزا العادية.

 

التشخيص
يتمّ تشخيص المرض عبر جمع عيّنة من الإفرازات التنفسية خلال الأيام الأربعة أو الخمسة الأولى على ظهور عوارضه. إن بعض الأشخاص، بخاصة الأطفال، قادرين على إفراز هذا الڤيروس في الهواء لمدة عشرة أيام وأكثر.

 

الوقاية والعلاج
ثمة إجراءات تحد من إمكان إنتقال العدوى من الحيوانات الى البـشر أو انتقالها بين البشر، وهي:
• غسـل الأيــدي بالمــاء والصابـون عدة مرات في اليــوم خصوصــاً بعـد التعــامل مع الحيوانات.
• تجنّب الإقتراب من الشخص المصاب بالمرض.
• تغطية الأنف والفم بمناديل ورق عند السعال.
• استخدام كمامات على الأنف والفم لمنع انتشار الڤيروس.
• تجنّب لمس العين أو الأنف أو الفم منعاً لانتشار الجراثيم.
في ما خص العلاج يمكن استخدام مثبطات إنزيم النوراميداز في علاج إنفلونزا الخنازير عبر أدوية يصفها الطبيب المعالج، وقد أعلنت وزارة الصحة في لبنان أن الأدوية اللازمة للعلاج متوافرة في لبنان.
 

تاريخ الڤيروس
إن النوع H1N1 من ڤيروس إنفلونزا الخنازير هو سليل ڤيروس الإنفلونزا الإسبانية الذي حصد ما بين 20 - 100 مليون إنسان ما بين العامين 1918 و1920 عقب الحرب العالمية الأولى، ويعتبر ڤيروس الإنفلونزا «أ» من النوع H1N1 من أكثر الڤيروسات صعوبة في دراسته لكونه يتمتع بقدرة تغيّر سريع هرباً من تكوين أضداد له في الأجسام التي يستهدفها. يقوم الڤيروس بتحوير نفسه بشكل طفيف كل عامين الى ثلاثة أعوام، وعندما تبدأ الأجسام التي يستهدفها بتكوين مناعة نحوه ونحو تحويراته الطفيفة، يقوم ڤيروس إنفلونزا الخنازير بعمل تحوير كبير يمكّنه من الهرب من جهاز المناعة مسبباً حدوث جائحة تجتاح العالم كل عدة سنوات.
حتى في وقت وباء الإنفلونزا الإسبانية، كانت الهجمة الأولى من العدوى طفيفة في حين كانت الهجمة الثانية قاتلة وجد خطيرة.

 

بين إنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير
سبّبت إنفلونزا الطيور موجة من الرعب العالمي لأنها كانت أكثر فتكاً بالإنسان. وبالرغم من أن عدد المصابين بها كان أقل إلا أنه سجل عدد كبير من الضحايا. لحسن الحظ، لم يتحور الڤيروس بصورة تكفي للإنتقال من شخص الى آخر.
أما ڤيروس إنفلونزا الخنازير فإنه ينتشر بصورة أسرع بسبب إمكان العدوى من شخص الى آخر. لكنه غير خطر على الإنسان كما ڤيروس إنفلونزا الطيور وذلك أن احتمال الوفاة بسببه متدنٍ.

 

ظهور المرض
في أواخر نيسان الماضي من هذا العام، انطلقت ظاهرة مرض إنفلونزا الخنازير في المكسيك حيث أعلنت السلطات إصابة مئات الأشخاص ووفاة 61 شخصاً.
على الرغم من أنها المرة الأولى التي يظهر فيها مرض إنفلونزا الخنازير في هذا العام، إلا أن عدداً من الإصابات بهذا المرض سجّلت عبر التاريخ. ففي سنة 1976 تمّ الإعلان عن إصابة 200 شخص بينهم حالة وفاة واحدة.
العام 1988، أصيبت سيدة أميركية بالڤيروس، توفيت بعد أسبوع على تلقيها العلاج.
كما وأنه بين العامين 2005 و2008، سجّلت إصابة 12 شخصاً بالڤيروس في الولايات المتحدة الأميركية وإسبانيا، ولكن من دون إعلان أي حالة وفاة.

 

إنتشار المرض في العالم
اتسعت رقعة انتشار مرض إنفلونزا الخنازير، حتى طالت تقريباً القارات كافة، فمن أميركا الوسطى كانت البداية، ثم أميركا الشمالية والجنوبية، ثم أوروبا، فآسيا، وأفريقيا، وصولاً الى أستراليا.
ووفقاً لإحصاءات منظمة الصحة العالمية بتاريخ 19/6/2009، فقد بلغ عدد الدول التي ينتشر فيها المرض 88 دولة، مع مجموع إصابات وصل الى 48954، في حين أدى الڤيروس الى وفاة 193 شخصاً في العالم أجمع.

 

التدابير الإحترازية الدولية
فور ظهور ڤيروس H1N1 المسبب لمرض إنفلونزا الخنازير في كل من المكسيك والولايات المتحدة الأميركية، سارعت الدول في مختلف أنحاء الكرة الأرضية الى اتخاذ تدابير إحترازية لتفادي إنتقال عدوى المرض الى شعبها.
فشددت السلطات في دول عديدة إجراءات المراقبة الصحية على المسافرين، خصوصاً القادمين من المكسيك والولايات المتحدة واليابان، أي دول إنتشار المرض الرئيسة. كما وأنها سارعت الى إصدار تحذيرات تنبّه فيها المواطنين من خطر السفر الى دول إنتشار المرض.
بالإضافة الى تشديد إجراءات المراقبة الصحية في المطارات والموانئ، فقد زادت معظم الحكومات في الدول إجراءات فحص واردات الخنازير من الأميركتين، حتى أن بعض هذه الحكومات فرضت حظراً مؤقتاً على هذه السلع.

 

الأمم المتحدة
سارعت الأمم المتحدة الى التحذير من هذا المرض ومن خطر انتشاره في العالم، داعية الدول الى التضامن في ما بينها لمواجهة هذا الڤيروس، محذرة من «تحوّله الى وباء عالمي جديد». وقد أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، عن قلقه إزاء الوفيات.

 

منظمة الصحة العالمية
منظمة الصحة العالمية سارعت الى التحذير من مخاطر مرض إنفلونزا الخنازير في حال انتشاره، وعملت بجهد على مواكبة التطورات الحاصلة على الساحة العالمية على هذا الصعيد.
وفي 11 حزيران، أعلنت المنظمة رفع درجة الخطورة لهذا المرض الى المرحلة السادسة، والتي تعتبر الأخطر، بعد أن اطلعت على تقييم أبرز الخبراء في مجال الإنفلونزا واختصاصيي الڤيروسات.
وبانتقاله الى المرحلة السادسة، يكون المرض قد تحوّل الى وباء عالمي، وبالتالي انتقلت منظمة الصحة العالمية من وضع طارئ الى رد فعل طويل الأمد.
بالإضافة الى ذلك، توقعت منظمة الصحة العالمية أن يستمر وباء إنفلونزا الخنازير مدة تراوح بين سنة وسنتين، في أنحاء العالم، وأن يصيب الناس بشكل وبائي.

 

في لبنان
أصــدرت وزارة الصحـة في لبـنان سلسـلة بيــانات تحذيرية وتفسيريـة حول المرض والتدابير الإحترازية التي ستعتـمــدها الوزارة لاقتفاء آثار الإصابة لدى القادمين من الخارج.
ففي بيـانها الأول الصــادر بتاريخ 26 نيسان 2009، أعلنـت الوزارة «أن الــدواء الذي يستعمل لعلاج هذه الحالات (Oscltamivir tamiflu) موجود حالياً في مستودعات وزارة الصحة العامة».
كمــا أوردت أنه قـد سبــق التدريب على خطط الجهوز لمواجهة الطوارئ الصحــية والأوبئــة بالتعــاون مع منظــمة الصحــة العالمية، والتدريب شمل المستشفيات وشبكة مراكز الرعاية الصحية الأولية.
وطبقـت وزارة الصـحة العامـة في لبنـان التـدابيـر اللازمة لمنـع دخول الوباء الى لبنان، وذلك عبر منــع استيراد الخنازير الحيــة ومنـتجــاتها باستثناء اللحوم المعلبة والمصنّعــة المعالجة حرارياً من جميع الدول التي يُعلن عن إصابتها بالڤيــروس، على أن تتلف أي شحنة دخلت الى لبنــان من بلد أعلنت المنظمــة العالميــة للصحــة الحيوانية أو المنظمات الصحية الدولية المختصة وجود إصابات فيها بمرض إنفلونزا الخنازير.
كذلك دعيت مديرية الثروة الحيوانية الى متابعة انتشار المرض عالمياً وبشكل يومي لتحديد الإجراءات الواجب اتخاذها.

 

تدابير في المطار
اتخذت وزارة الصحة في لبنان التدابير اللازمة للمراقبة والإحتواء عبر كل مرافق الدولة، من مطارات ومرافئ ومعابر.
في هذا الإطار، أكد الدكتور ناصر شاهين رئيس قسم الحجر الصحي في مطار بيروت في حديث لمجلة «الجيش» أن الإجراءات المتخذة لمراقبة الوافدين الى المطار لا تقل أهمية عن تلك المتخذة في أحدث المطارات العالمية.
وأشار الى إنشاء مكتبين دائمين في المطار يضمان فريق عمل مؤلفاً من مراقبين صحيين موفدين من قبل وزارة الصحة، وأطباء وممرضين يعملون طوال 24 ساعة لرصد حالات الإنفلونزا H1N1 بين الوافدين الى المطار واحتوائها قبل الإنتشار.
وشــرح الدكتور شاهـين الخطـوات التفصيــليــة لعمليتي رصد الوافدين وفحص المصابين، فأوضح أن الرصد يتم من خلال مراقبة جميع القادمين فور دخولهم المطار عبر كاميرات مراقبة متصـلة بأجهــزة حديثـة لقيــاس الحرارة. فإذا ظهــر على الشاشــة أن أحد الأشخــاص يعاني ارتفــاعاً في الحرارة بمعدل 38 درجــة وما فــوق، يخضــع للفحـــص الطبي في المكتب المخصّص لذلك، وتسحب منه عيّنة من البلغم، يتـم إرسالها الى دائـرة الترصد الوبائي في وزارة الصحة العامة لمعــرفة ما إذا كانت الحــرارة ناتجــة عن الإنفــلونزا H1N1، فإذا تبيــّن وجود الإصابة يتمّ حجره في مستشفى رفيق الحريري لمدة 12 يوماً، حيث يخضع لعلاج طبي مدته عشرة أيام تتحمّل نفقاته وزارة الصحة العامة.
بعد انتهاء مدة الحجر يشفى المريض كلياً وينتفي خطر إنتقال العدوى الى الآخرين. ويذكر في هذا الإطار أنه لدى اكتشاف الإصابة يخضع للفحوصات الطبية جميع الأشخاص المحيطين بالشخص المصاب، وكل من كان على اتصال مباشر معه.  
وتطرّق الدكتور شاهين في حديثه الى بعض الحالات النادرة، حيث لا يتم رصد الإصابة عبر كاميرات المراقبة في المطار والسبب في ذلك أن أعراض المرض تكون غير ظاهرة بعد، وقد اتخذت التدابير اللازمة لمعالجة هذا الوضع من خلال توزيع استمارات على الركاب في الطائرة،  يدونون فيها أسماءهم وعناوينهم، حيث يتم الإتصال بكل منهم بعد ثلاثة أيام للتأكد من عدم وجود أي أعراض للإنفلونزا.
في ختام حديثه، أكد الدكتور شاهين أن مرض إنفلونزا الخنازير ليس بالمرض الخطير من الناحية الصحية داعياً الى عدم الرعب والتهويل، وإنما الى ضرورة التوعية بهدف التبليغ عن أي إصابة بغية علاجها ومكافحة انتشار الإنفلونزا H1N1 للقضاء على الوباء وهذا واجب كل مواطن.
 

وزارة الزراعة
وزارة الزراعة اتخذت بدورها إجراءات عديدة للحؤول دون انتشار مرض إنفلونزا الخنازير في لبنان، والإجراءات هي:
- تطبيق إجراءات الأمن الحيوي (تعقيم، تنظيف، إقفال المزرعة، منع الزيارات، تأمين الألبسة والأقنعة اللازمة، تأمين المياه النظيفة من مصادر موثوقة، منع السماح باختلاط الخنازير من مزارع مختلفة).
- أخذ الإجراءات لمنع إطعام بقايا مسالخ الدواجن للخنازير.
- الطلب من مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية تأمين الكواشف المخبرية بالسرعة القصوى.
- تحديد فرق عمل طوارئ في جميع المناطق اللبنانية والكشف وأخذ عيّنات دم (من الأذن) وسواب (من الأنف) لإجراء الفحوص اللازمة للتأكد من خلو لبنان من هذا المرض.
- منع إجراء أي عمليات ذبح للخنازير قبل أخذ موافقة الطبيب البيطري في المناطق.
- تحديث الإحصاءات لواقع عدد الخنازيز في المزارع والبيوت.
- التنسيق الكامل مع وزارة الصحة العامة وأي جهات غير حكومية ذات الصلة لا سيما نقابة الأطباء البيطريين في لبنان.
- الطلب الى وزارة الإقتصاد والتجارة - مديرية حماية المستهلك - جمع عيّنات من الملاحم الخاصة بالخنازير لإجراء الفحوص اللازمة عليها.
كما وضعت الوزارة أرقامها الخاصة في تصرّف جميع مربّي الخنازير في المزارع والبيوت للإبلاغ عن وجود أي عوارض غير مألوفة، وذلك على الأرقام الآتية:
- في أثناء الدوام الرسمي: 848445/01 - 849624/01.
- خارج الدوام الرسمي: 305382/03 - 341278/03 - 603917/03.

 

حالات الإصابة في لبنان
في 30 أيار، أكّد وزير الصحة العامة، د.محمد جواد خليفة، ظهور أول ثلاث حالات إصابة بإنفلونزا الخنازير، وهي حالات قادمة من الخارج. الأول هو شخص لبناني كان ضمن مجموعة تشارك في ندوة تدريبية في إسبانيا في معهد رصدت به في ما بعد سلالة الإنفلونزا الجديدة، أما الباقيان فهما مواطنان كنديان يزوران لبنان، امرأة وطفل. وقد تمّت معالجتهم بشكل سليم حتى شفائهم.
وتوالت بعد ذلك حالات الإصابة المكتشفة في لبنان، حتى بلغت في أواخر حزيران 30 حالة كلها قادمة من الخارج، خصوصاً من الولايات المتحدة وكندا. وعلى الأثر، دعت وزارة الصحة الى التقيّد بتدابير «تجنّب الإحتكاك أو الوجود في الغرفة نفسها مع شخص مصاب بعوارض الإنفلونزا ووضع القناع الواقي (كمامة) طوال فترة الوجود قرب أشخاص مصابين وغسل اليدين جيداً بالماء والصابون بعد ملامسة الأشخاص المصابين، وتفادي الأماكن العامة والمكتظة».