الأول من آب

123 سيفًا وعهدًا في وجه التحديات

 ما كان للمرض أن يغلب شوقها لتلك اللحظة التي طالما انتظرتها. أتت كما سائر الأمهات والآباء والإخوة، لكن مع فارق ملحوظ: كرسي متحرك وجهاز يمدها بالأوكسيجين فيسعفها على الصمود لترى ابنها يتسلّم سيفه... تلك لحظة في العمر لا توازيها سنوات من الفرح. وتلك لحظة عزة وافتخار للمتخرجين وأهاليهم، وللكلية الحربية التي زودتهم قدرات يتسلحون بها في مسيرتهم العملية، وللجيش الذي يحتاج إلى اندفاعهم وكفاءاتهم وشجاعتهم.
123 سيفًا لدورة «مئوية الكلية الحربية»، وكم من دلالات لها في هذه المرحلة القاسية من تاريخ لبنان! هي 123 عهدًا بالشرف والتضحية والوفاء تُشهر في وجه التحديات والقلق والوجع...
123 ضابطًا أقسموا يمين الولاء للبنان متعهدين أن تكون عزيمتهم سيوفًا تشق المدى المظلم لتعلن أنّ للبنان شبابًا لن يتخلوا عنه، وأنّ الإيمان يصنع الأمل، والأمل يتكفّل بالنهوض.


الأول من آب 2022 يوم سيحتفظ بفرادته في تاريخ الصرح العريق الذي خرّج خلال مئة سنة الكثير من الرجال الأشداء والأبطال الذين كانت مسيرتهم منذورة لمجد لبنان. فدورة «مئوية الكلية الحربية» مميزة بعدة مقاييس. إنّها أول دورة تتخرّج بعد أن غابت فرحة الاحتفال عن الملعب الأخضر ثلاث سنوات. وهي كانت في الأساس نتيجة إصرار قيادة الجيش على اجتراح الحلول وإزالة العقبات التي تعيق سير المؤسسة إلى الأمام. باب التطويع مقفل! المؤسسة بحاجة لقدرات جديدة، فلنفسح المجال أمام ذوي المؤهلات من العسكريين لدخول الكلية إناثًا وذكورًا... تلك كانت الخطوة الجريئة التي أفسحت للمرأة اللبنانية أن تُثبت جدارتها في الميدان العسكري الصرف، وقد أثبتتها بالفعل. فها هي طليعة الدورة أنثى تقف بكل ثبات معلنة جهوزيتها لتحمّل كامل المسؤولية التي تترتب على من يحمل نجمة ويمتشق سيفًا. وها هي زميلة لها تلمع في بريطانيا خلال الدورة التي جمعت في صفوفها متدربين من أعرق جيوش العالم، لتعود إلى جيشها حاملة جائزة تميّزها. وها هن المتخرجات جميعًا إلى جانب رفاقهم بكامل الجهوزية، معًا ينطلقون للقيام بواجبهم المقدس. بعد اليوم لن يكون سهلًا إقفال باب أمام إمرأة لبنانية تريد إثبات جدارتها في أي مجال.
 
عيد يختصر كل ما نؤمن به
إضافة إلى كل ما ذكر فإنّ ما يميّز هذه الدورة أيضًا، هو كون معظم ضباطها هم من حملة المؤهلات العالية التي خولتهم الحصول على فرص كبيرة في لبنان وخارجه، لكنّهم اختاروا البزّة المرقطة، اختاروا مسيرة المشقات المكللة بالنُبل والشهامة والعطاء اللامحدود، وها هم يمضون إلى خيارهم بكل شجاعة في ظروف كاسرة لم يعرف لبنان مثلها من قبل. وهذا ما جعل الكلية الحربية تزهو بالفرح الذي ضجت به أرجاؤها، وبالفخر الذي نبض في ساحاتها. وهو أيضًا ما دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي سلّم المتخرجين سيوفهم أن يبدأ الكلمة التي وجهها إليهم قائلًا: «يختصر عيد الجيش اليوم كل ما نؤمن به كلبنانيين، من معاني الوطنية والتضحية في سبيل الأرض، والشعب، والأمن، والوحدة. لا بل أنّ العيد هذه السنة يعمِّق كل هذه المعاني، بسبب حجم التحديات التي تواجهها المؤسسة العسكرية.... فتحية من القلب، لجيش لبنان الصلب، والراسخ في مبادئه، وأخلاقياته. تحية لكل ضابط وفرد من أفراده. لكم أقول بفخر وثقة، أنتم ضمانة لبنان وجسر عبوره خارج نفق أزماته القاسية التي خنقت بريق الأمل في نفوس اللبنانيين».


 
وقائع الاحتفال
بدا الملعب الأخضر في ثكنة شكري غانم في الفياضية صباح الأول من آب في أبهى حلله. الاستعدادات كانت على قدم وساق طوال أيام ليكون الاحتفال على قدر أهمية المناسبة، والتنظيم الدقيق جعل المشهد الذي امتزج فيه الوقار بالفرح في قمة الروعة.

زيّنت الجدران بشاشات عملاقة أتاحت للحضور متابعة وقائع الاحتفال الذي بدأ مع وصول رئيس الجمهورية.

فبعد أن أُديت له مراسم التكريم، وضع الرئيس عون يحيط به وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزاف عون ورئيس الأركان اللواء الركن أمين العرم وقائد الكلية الحربية وقائد العرض العميد الركن جورج صقر إكليلًا من الزهر على النصب التذكاري لشهداء ضباط الجيش، وحيّاهم المتخرجون مرددين عبارة «لن ننساهم أبدا» ثلاث مرات على إيقاع الطبول.
ثم توجّه الرئيس عون إلى المنصّة وبدأ مرور تشكيلات تابعة للقوات الجوية تضمّنت سربًا من الطوافات حلّقت في سماء الاحتفال من نوع AB212k, Huey2, MD530, إضافة إلى تشكيلة من طائرات A29 Supertocano التي تم تأهيلها وترميمها في مشاغل القوات الجوية، ورفرفرت معها في السماء أعلام لبنان والجيش.

مع تسليم الدورة المتخرّجة بيرق الكلية الحربية إلى طليع السنة الثانية اقتربت اللحظة الحاسمة. تقدّم المتخرجون بخطوات ثابتة وهم ينشدون نشيد الكلية، ثم وقفوا في منتصف الملعب حيث تقدّم طليع الدورة السابقة الملازم عماد جابر، وسأل طليعة الدورة الملازم أنجي خوري عن الإسم الذي اختاروه لدورتهم. ووفق التقاليد المعتمدة تقدّم الملازم جابر من رئيس الجمهورية، وطلب تسمية الدورة المتخرجة قائلًا: «باسم هؤلاء الفتيان أطلب تسمية دورتهم دورة «مئوية الكلية الحربية». ورد الرئيس عون: فلتسم دورتكم دورة «مئوية الكلية الحربية»، لتُتلى بعد ذلك مراسيم ترقية المتخرجين إلى رتبة ملازم ويتسلّموا سيوفهم.

تسلّم السيف إيذان بتسلّم مسؤولية تقضي بالتضحية التي لا تقف عند حدود، وهذا ما أعلنته طليعة الدورة: «أقسم بالله العظيم أن أقوم بواجبي كاملًا حفاظا على علم بلادي وذودًا عن وطني لبنان». وردد الضباط المتخرجون بصرخة واحدة: «والله العظيم».


 
عرض التحية
بعد انتهاء كلمة رئيس الجمهورية تمّ عرض فيديو كليب من إنتاج قيادة الجيش - مديرية التوجيه يضيء على إنجازات الجيش ومهماته الهادفة إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار ودعم الشعب في محنته القاسية.


حول الجيش ومهماته
ثم أمر قائد العرض العميد الركن جورج صقر القوى المشاركة بالاستعداد لعرض التحية الذي شارك فيه تباعًا: موسيقى الجيش، علم الجيش، علم المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، علم المديرية العامة للامن العام، علم المديرية العامة لامن الدولة، علم المديرية العامة للجمارك، الكلية الحربية - السنة الثانية، الكلية الحربية - السنة الاولى، معهد التعليم - مدرسة الرتباء، القوات البحرية، القوات الجوية، الشرطة العسكرية، لواء الحرس الجمهوري، لواء المشاة الثامن، فوج التدخل الثاني، المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، المديرية العامة للأمن العام، المديرية العامة لأمن الدولة، المديرية العامة للجمارك، تشكيل من الطوافات التابعة للقوات الجوية، فرع مكافحة الارهاب والتجسس، الفوج المجوقل، فوج المغاوير، فوج مغاوير البحر.

مع انتهاء عرض التحية، أمرت طليعة الدورة المتخرجة بتوشيح الحسام ثم غمده، وسار الضباط المتخرجون وهم ينشدون نشيد الجيش، ولدى وصولهم إلى نهاية الملعب رموا قبعاتهم وسط التصفيق والزغاريد. وعلى الأثر تقدّم قائد العرض من الرئيس عون معلنًا انتهاء الاحتفال. فتوجّه الرئيس مع كبار المدعوين وقائد الجيش ورئيس الأركان والمديرون العامون لقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة ورئيس المجلس الأعلى للجمارك ومديرها العام، وقائد الكلية الحربية إلى ساحة الشرف حيث صافحوا ضباط الكلية وأٌخذت الصورة التذكارية للضباط المتخرجين. وفي ردهة الشرف قدّم قائد الكلية العميد الركن جورج صقر السيف الهدية الى الرئيس عون الذي سلمه بدوره الى طليعة الدورة المتخرجة، وصافح أفراد عائلتها، ثم قطع قالب الحلوى.
أضاء احتفال الأول من آب بارقة أمل في أجواء اليأس والبؤس التي يعيشها وطننا. وأكد للبنانيين أنّ جيشهم في الذكرى السابعة والسبعين لتأسيسه، ما زال ينبض عزمًا وعنفوانًا وعطاء، وهو سيبقى ضمانتهم مهما اشتدت الأزمات.


توزيع الضباط
الجيش: 95 ضابطًا يتوزعون على القوات البرية والجوية والبحرية، بينهم 47 أنثى يتوزعن على الشكل الآتي: 41 في قوى البر، 4 في القوات الجوية (ضابط طيار وثلاثة فنيين)، 2 في القوات البحرية.
قوى الأمن الداخلي: 14 ضابطًا.
المديرية العامة لأمن الدولة: 6 ضباط.


كلمات
قبل التقاط الصورة التذكارية تفقد الرئيس عون والرئيسان بري وميقاتي ووزيرا الدفاع والداخلية وقائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية متحف الكلية الحربية حيث وقَّع رئيس الجمهورية السجل الذهبي للكلية الحربية ودون كلمة جاء فيها: «تقلدتم اليوم سيوف الإباء، وزهوتم بها تحت شمس الوطن، الذي ناداكم لتلبية نداء الذود عنه، فلبيتم...وإذ كتب الرئيس بري: «أرضكم لا تعرف الموت... والمجد نصيبكم»، كتب الرئيس ميقاتي: «ويبقى الجيش وتضحيات أفراده... صمام أمان الناس، وسلامة البلاد»... وجاء في كلمة وزير الدفاع «مبارك للكلية الحربية مئويتها، هنا منبت القادة الذين يتقلدون سيوفهم ليذوّدوا عن الوطن ويحفظوا الأرض والشعب مهما اشتدت التحديات». وفيما أعرب وزير الداخلية عن «كل الفخر بقواتنا المسلحة»... كتب قائد الجيش: «أفتخر بكم، ضباطًا أبطالًا، ولي ملء الثقة في أنكم ستثبتون للجميع مكانتكم كقادة حقيقيين، ناجحين وأكفاء».