الجيش والمجتمع

«درب المجوقل»... درب التعاون والفرح
إعداد: ليال صقر الفحل

الفوج الذي اعتدنا رؤية رجاله ينفّذون العمليات الخاصة في الظروف الصعبة لا يتوقف عن إدهاشنا.. وها هو اليوم ينجز استصلاح «درب المجوقل» في منطقة درعون. درب بيئية تطل على مشاهد خلابة وتتميز بطابعها الثقافي والأثري، كانت مهجورة يأكلها الشوك والأعشاب البرية، حولتها سواعد عسكريي الفوج إلى متنزّه يحتضن ضحكات الأطفال وأهاليهم، وباتت مقصدًا لمحبي الطبيعة وهواة المشي.

 

تربط بلدية درعون - حاريصا بفوج المجوقل صلة ثقة ومحبة، ولم يكن «درب المجوقل» العمل المشترك الأول الذي يتعاونان لإنجازه، إذ سبق أن أثمر تعاونهما عدة مشاريع. ويأتي الدرب الذي نُفّذ أخيرًا كخطوةٍ إضافية على مسار التكافل والتضامن بين الجيش وأهله. تنفيذ المهمة بدأ مع موافقة قيادة الجيش على كتاب وجهته إليها البلدية التي طلبت استصلاح ممر لممارسة هواية المشي وتأهيله. كُلّف الفوج بالمهمة، وسُمي الممر الذي يستفيد منه المواطنون «درب المجوقل».


المشهد الخلاب
يربط «درب المجوقل» جزءًا من بلدية درعون بقسمٍ من الأراضي التابعة للبطريركية المارونية، ويطل في مشهدية جميلة على البلدات والقرى المجاورة لجهة الجنوب، كسهيلة وبلونة وعينطورة وذوق مكايل وجعيتا ودير حراش في عين الريحانة. ويتميز بطابعه الثقافي والأثري، فهو كان بالأصل قناة مياه تسقي البطريركية ولكنّها تعرضت للجفاف مع مرور الزمن. المشكلة الحقيقية كانت الإهمال الذي جعل من الممر مكانًا مهجورًا، تتراكم فيه الحجارة والأعشاب اليابسة ومخلّفات الصيد والمارة وغيرها من العوائق التي جعلت التنزه فيه وحتى المرور أمرًا صعبًا ومحفوفًا بالمخاطر.
 

العقاب الجميل
أخذ الفوج على عاتقه مهمة استصلاح الممر، وتعهد بفتحه أمام هواة المشي من المنطقة خصوصًا واللبنانيين عمومًا في مهلة زمنية لا تتخطى الشهر الواحد. فور صدور الأوامر بالتنفيذ، انكب أكثر من 35 عنصرًا من الفوج (غالبيتهم من قسم الصيانة) على العمل الدؤوب متسلحين بالكمامات من جهة، حفاظًا على سلامتهم الشخصية في ظل تفشّي فيروس كورونا، وبحبهم لطبيعة لبنان وجمالية أراضيه من جهة أخرى. وما أدراكم ما «عقاب» ارتداء الكمامات خلال تنفيذ مهمة تقتضي تنظيف ممر مهجور واقتلاع الأشجار والأشواك وسواها من نباتات، والسير لمسافاتٍ طويلة وتركيب الجسور، فضلًا عن حمل مستلزمات العمل والأعمدة الخشبية! إنّه «قصاص» نفّذه عسكريو المجوقل بكل ما في قلوبهم من حب وبكل ما في نفوسهم من نخوة. هم من اعتادوا تحدي الذات والعمل في الظروف الأكثر قساوة، شجّعتهم على مضاعفة جهودهم تسمية الممر بـ «درب المجوقل»، تسميةٌ سوف تخلّد تعبهم وتحفظه للسنوات القادمة.
استحدثوا جسورًا بنوها من جذوع الأشجار وأعمدة الهاتف لتكون منسجمة مع طابع «المجوقل»، ووضعوا كل بضعة أمتار استراحات يجلس عليها محبّو التنزّه في الطبيعة.
 

عادت المياه إلى مجاريها
اكتشف فريق العمل قنوات مياه قديمة لم يكن قاطنو المنطقة على علم بوجودها قط، ومن بينها قناة بطول مئة متر تصل إلى «حاووز» ماء ثمّ تتفرع، لكنّها جفت نتيجة الإهمال. عملوا على إعادة الحياة إليها، وعادت المياه تجري فيها وفي مجارٍ أخرى جافة، وبنوا فوقها جسورًا خشبية لتسهيل مرور المشاة من فوقها.
انكبّ العسكريون على العمل، وأنجزوا المهمة في وقت قياسي، عملوا يوميًا حتى ساعات متأخرة من الليل. سقوا أرض الممر بعرق جباههم، ولم يبخلوا على جيرانهم بأي جهد، فبالنهاية «الجارُ للجار». هم سعداء بما أنجزوه، والفرح يغمر نفوسهم كلما رأوا الفرح على وجوه أفراد عائلة أتت للتنزه في ربوع الدرب، وكلما شعروا بفرحة أطفال يركضون في أرجائه، يضحكون ويختبئون بين أشجار الصنوبر والسنديان.
راحة بال المواطنين من راحتهم، وهمهم واحد إلى حين تنجلي الهموم عن اللبنانيين جميعًا. هؤلاء هم عسكريونا، هذا هو جيشنا.