متاحف في بلادي

متحف البطريرك الياس الحويك: ذاكرة وطنية
إعداد: جان دارك أبي ياغي

يعتبر الكثير من الباحثين أنّ إعلان لبنان الكبير كحدث في تاريخ لبنان يفوق بأهميته ما حدث في العام 1943، أي إنهاء الانتداب وإعلان الاستقلال. فالاستقلال مسألة حتمية، وهو لو لم يحصل في ذلك العام لكان حصل بعده بسنة أو سنوات، أما إعلان لبنان الكبير بحدوده التاريخية فكان تحوّلًا مفصليًا في تاريخه.
أسهمت ظروف وتحوّلات دولية في إعلان لبنان الكبير، لكن في موازاتها كانت هناك جهود للبنانيين ناضلوا في سبيل وطنهم، ومن هؤلاء البطريرك الياس الحويك، الذي يُعدّ واضع حجر الأساس لبنيان لبنان الكبير، وهو كان، وفق ما وصفه شكيب إرسلان، «رأس الحربة الذي أخذ بين يديه المستقبل السياسي لشعبه».
هذا البطريرك الذي عُرف بمواقفه الوطنية هو من قال لكليمنصو رئيس وزراء فرنسا: « أنا بطريرك الموارنة، طائفتي لبنان، وأنا لكل اللبنانيين».
في نهاية مئوية لبنان الكبير، «الجيش» تتعرف إلى متحف بطريرك لبنان الكبير الياس الحويك في دير راهبات العائلة المقدسة المارونيات – عبرين، من خلال جولة تلقي الضوء على محتوياته، وعلى المواقف الوطنية للبطريرك الحويك.


يُقسم المتحف إلى ستة أقسام أو وحدات تجسّد كل واحدة مرحلة من مسيرة البطريرك الحويك الزاخرة بالعطاء.
وعند المدخل، ترحب بك لوحة زيتية للبطريرك مع نبذة عن حياته. رسم اللوحة الفنان الإيطالي سينغوداني في مناسبة انتخاب المطران الياس الحويك بطريركًا سنة 1899.


«مجدُ لبنانَ أُعطِي له»
يضمّ القسم الأول الأواني الكنسية والملابس البيعية التي كان يستعملها البطريرك الحويك خلال حياته الكهنوتية:
كأس وصينية قداس، تاج البطريرك الحويك مع صندوقه الخشبي الذي كُتب عليه باللغة السريانية: «مجدُ لبنانَ أُعطِي له»، عصا البطريرك المحفوظ في صندوق خشبي، بدلات قدّاس مطرّزة بخيط من ذهب، ثلاثة شعاعات للقربان المقدّس، ومجموعة صور للبطريرك الياس الحويك طُرِّزَتْ في وسطها كلمة «رضى». رضى الله كان مبتغى البطريرك الحويك طوال حياتِه. صلاته اليومية خير دليل على ذلك: «إلهي، إلهي! اجْعلْني أعِشْ وأمُتْ بِـرضاك...».
ننتقل إلى القسم الثاني حيث نجد ذخيرة من جثمان البطريرك الياس الحويك، بالإضافة إلى صليبه وخاتمه،
ونظاراته وساعته، وصليب كان يضعه على مكتبه. وفي ناحية أخرى، خَتْــمُ الياس الحويك وهو كاهن، وريشة ومِحبَرة ومخطوط رسالة وجَّهها إلى مؤسسة جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيات الأم روزالي نصر، كتبها وهو بعدُ مطران، بعد أيام قليلة من تأسيسها في 15 آب 1895. كما نجد في القسم نفسه «شْحيمة» البطريرك وسُبْحَتَه، وساعته ومُفكِّرَتَه، وثلاثة صلبان أُهدِيَتْ له.

 

أوسمة وميداليات من أعلى السلطات
نجول في القسم الثالث الذي نجد فيه ميدالية من لـؤلـؤ منحوتة بـفـنٍّ وتـأنٍّ قُدِّمَتْ للبطريرك في أثناء مروره في مصر في العام 1893، وأوسمة كثيرة، من بينها: وسام فرنسي، وآخر عثماني وهو «الوِسامُ العثمانيُّ المرصَّع العالي الشأن»، الذي قدمه له السلطان العثماني عبد الحميد خانْ.
نتابع في هذا القسم، فنرى كتاب تهنئة بـ44 لغة للبطريرك الياس الحويك بمناسبة انتخابه بطريركًا سنة 1899،
وكتاب شكر من الجالية المارونية في الأرجنتين بمناسبة تَدشين تمثال شفيعها مار مارون سنة 1924، والوثيقة الرسمية لنقـل جثمان البطريرك الياس الحويك إلى عبرين في 12 أيار 1936، مع أختام الموقِّعين الكنسيين الذين أكدوا سلامة جثمان البطريرك الحويك.
في زاوية أخرى سجادة مزخرفة من تصميم السيدة ليلى الهبر تحمل مقطعًا من صلاة البطريرك الياس الحويك: «ربِّي وإلهي، ليسَ لي إِلَهٌ غَيرَك ولا ربٌّ سواك، ولا ملجأ إلّاك، ولا اتّكالٌ إلّا عليك».
 

الحويك مكرَّمًا
بتاريخ 6 تموز 2019 أعلن البطريرك مار بشاره بطرس الراعي أنّ قداسة البابا فرنسيس قرّر تثبيت عيش بطولة الفضائل من قبل البطريرك الياس الحويك (1843- 1931) وأعلنه مكرّمًا. وللمناسبة، افتتحت جمعية راهبات العائلة المقدّسة « سنة المكرّم البطريرك الياس الحويك وبدء مئوية لبنان الكبير».

 

لكل اللبنانيين
على لوحة زجاجية في المتحف نقرأ شعار المتحف ومقولة للبطريرك الياس الحويك قالها لرئيس الوزراء الفرنسي كليمنصو في 16 أيلول سنة 1919 قُبَيلَ ذهابه إلى عصبة الأمم في فرساي ليُمَثِّلَ لبنان ويطالب باستقلاله: «أنا بطريركُ الموارنة، طائفتي لبنان، وأنا لكلِّ اللبنانيّين».

 

الحويِّـك الراعي والقائد في صُوَر
يلفتك في هذا القسم أيضًا لوح يحتوي على صور البطريرك الحويك في مختلف مراحل حياتِه: الإكليريكي الشاب سنة 1850، الكاهن الشاب سنة 1870، الأُسقف سنة 1889، البطريرك في بداية عهـده البطريركي، والبطريرك في أواخر أيام حياته. وثمة لوح آخر خاص بصُوَر البطريرك الحويك في مناسبات شعبية ورسمية مختلفة.
وعلى لوح مطرَّز بخيط ذهبي عبارة مأخوذة من صلاة البطريرك الياس الحويك: «إلهي اجعلْني أعِشْ وأمُتْ برضاك».
في مكان آخر لوح نُسجت عليه كلمة «العناية» بخيط من ذهـب. لقد لُــقِّـبَ البطريرك الياس الحويك بـ «رجُـل العناية»، وذلك لاتّكاله الدائم على العناية الإلهية بخاصة في أقسى ظروف حياته الشخصية والعائلية، الكنسية والوطنية... وأيضًا لِمَا تحلّى به من عناية تجاه الفقـراء والمحتاجين بخاصة إبّان الحرب والمجاعة وظروف البلاد الصعبة في عهده.

 

جناح الأم روزالي
خُصص القسم الرابع من المتحف للأم روزالي نصر التي اختارها البطريرك الياس الحويك من راهبات الوردية في القـدْس لتساعـده في تأسيس جمعية راهبات العائلة المقدّسة المارونيات سنة 1895 لما اتّصفـت به هذه الأم من القـوة ورقّة القلب والحكمة والتمييز ومن عُـلُوِّ الهـمّة وحـسن التدبير. وهي أول رئيسة عامة استُشهدت في هذا الدير.

 

غرفة البطريرك ومكتبه
تعكس غرفة البطريرك الحويك في المتحف تواضعه وبساطته اللذين اتسم بهما، وهي الغرفة نفسها التي كانت في بكركي وتشكّل القسم الخامس، ونجد فيها على الجانِبَـيْـن خـزانتـين تحـتويان أثوابًا كهنوتية خاصة بالبطريرك، فـراشه مع الغطاء، حذاء الليل ومقعده ووسادتين كان يتكئ عليهما، ومقتنيات أخرى.

 

رجل المواقف الوطنية
خلال مجاعة الحرب العالمية الأولى في العام 1916، عانى لبنان الفقر ومات يومها ثلث سكّان جبل لبنان. أنشأ البطريرك الحويك شبكة سرية مؤلفة من المطارنة والكهنة والرهبان والراهبات لتوزيع القمح على الفقراء (نظرًا إلى إغلاق كل المعابر البحرية) ووقّع معاهدة مع فرنسا لرهن كل الأملاك المارونية لتمرير القمح عبر مرفأ جونيه، وطلب من أصحاب الأفران على الساحل أن يوزعوا الخبز مجانًا على حساب بكركي. من مآثر الحويك أنّه باع كل ثمين في بكركي في سبيل إطعام الجياع من كل الطوائف اللبنانية، فكانت مقولته الشهيرة: «أَعطوا الجميع، البطريركية أمٌّ حنون تَعتَبِرُ الجميعَ أولادَها. لا فرقَ بين مسيحيٍّ ومُسْلِم».
في هذا الإطار، تنتشر مجموعة صور تُظهِرُ البطريرك الياس الحويك في عدّة مواقف وطنية أبرزها خلال إعلان دولة لبنان الكبير في الأول من أيلول العام 1920 في قصر الصنوبر وإلى جانبه الجنرال غـورو. إلى صور مع قادة مدنيين ومؤمنين من على شرفة الصَّرح البطريركي في بكركي، وصورة «بورتريه» له مع النياشين والأوسمة.
 

بركات باباوية
في القسم السادس والأخير، أقدم إفادات خطية لنعم ٍوشفاءات حصلت بشفاعة البطريرك الياس الحويك،
وبركات بابوية مخصصة لجمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيات استحصل عليها البطريرك الياس الحويك.
هذا هو البطريرك الياس الحويك الذي اختار لبنان طائفة له وأدّى دورًا قياديًا في استقلاله، وفضّل أن يكون بطريركًا صغيرًا في لبنان الكبير على أن يتنازل عن شبر واحد من أرضه. كان هدفه إنشاء دولة يعيش فيها كل أبنائه بالتساوي وبحرية، فجمع القداسة والبطولة والإبداع، ولُقّب برجل الاستقلال، ورجل دولة لبنان الكبير.

 

لا تتركوا البلاد
على إحدى الزجاجيات مقولة للبطريرك الياس الحويك مأخوذة من رسالته الراعوية الأخيرة «محبة الوطن» التي كتبها سنة 1931: « لا تَـترُكوا البلادَ، ذلك واجبٌ تقتضي به الوطنيّةُ الحَقَّة».