اقتصاد ومال

التسوّق الإلكتروني: سرعة وخطر ومتعة مفقودة
إعداد: تريز منصور

أسهمت جائحة كورونا في تغيير عدة مفاهيم وعادات في العالم أبرزها تطبيق بروتوكول التباعد الاجتماعي، وما نتج عن هذا التطبيق من اللجوء إلى عملية التسوّق الإلكتروني عبر الإنترنت (online) لتأمين معظم الحاجيات، بدءًا من المواد الغذائية مرورًا بالألبسة والبضائع المختلفة. تتّسم هذه العملية بالسرعة القصوى في تنفيذ عملية الشراء، وكذلك في أسعار السلع المنخفضة، ولكن في الوقت عينه، تشوبها مخاطر الجرائم الإلكترونية التي نشطت جدًا في زمن كورونا.


تتميّز عملية التسوّق الإلكتروني بتنوّع ابتكارات البائعين والمشترين على حدّ سواء، إذ تنشط العروضات في المواقع المختلفة حول العالم لإغراء المتسوقين بالأسعار المخفّضة والسلع المتنوعة. وفي لبنان اضطر معظم الناس إلى اعتماد التسوّق الإلكتروني خلافًا لعاداتهم، وقد حفّزت بعض الشركات التسوّق من الخارج والشراء من أهم متاجر العالم عبر موقع Amazon العالمي، والدفع بالليرة اللبنانية.
التباعد الاجتماعي والحجر المنزلي دفعا بمعظم المتاجر في العالم وكذلك في لبنان إلى تصميم مواقع إلكترونية خاصة لتسيير أمور الناس وتنشيط عملية البيع في الوقت عينه.
يتحدث رئيس مجلس إدارة وصاحب شركة Born interactive (متخصّصة في تصميم المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية) السيد فادي صبّاغة لمجلة «الجيش» عن حسنات التجارة الإلكترونية وسيئاتها. وهو يرى أنّ ميزتها الرئيسية في كونها بديلًا سهلًا وفعّالًا، تتيح للناس شراء وتسلّم المنتجات المفضلة لديهم بأمان وهم في منازلهم. ولكن العيب الرئيسي في هذه العملية هو عدم قدرة المشتري على معاينة المنتج فورًا، إضافة إلى التأخير في تسليمه.
ويوضح أنّ لشركته عملاء في لبنان والعالم يغطون مختلف مجالات التجارة، ويعملون على توفير عملية التسوّق المريح على مدار 24 ساعة في اليوم.
ويشير السيد صباغة إلى أنّ معظم طبقات المجتمع تلجأ اليوم إلى التسوّق الإلكتروني، لأنّه يوّفر لها الحلّ للمشكلة الآنية، ولكنّه ثقافة تحتاج إلى الوقت كي تستفيد من حسناته جميع فئات المجتمع. وهو يؤكد أنّ شركته تحاول الابتكار في هذا المجال لتلبية طلبات الزبائن، وحاجيات المجتمع اللبناني في زمن كورونا، وفي زمن اقتصادي ومالي صعب، من خلال تقديم الخبرة إلى السوق اللبنانية، واعتماد أحدث تقنيات التجارة الإلكترونية والتسويق الرقمي الدولي مثل Magento و Shopify، ودمجها في أعمال العملاء وتوطينها بناءً على احتياجات البلد ومتطلباته وقيوده والتحدّيات فيه.
وإذ أكد أخيرًا أنّ التجارة الإلكترونية قد تنخفض قليلًا على المدى القصير بعد كورونا، رأى أنّها ستنتعش مرة أخرى، كونها تتمتع بفوائد ومزايا متعددة.


نمو الجرائم الإلكترونية
في مقابل إيجابياتها، لعملية البيع الإلكتروني مخاطر جمّة، وأبرزها الجرائم المعلوماتية التي تُرتكب بكثافة عالميًا في زمن كورونا. محليًا، لم يتطرق القانون اللبناني بشكل مباشر إلى هذه الجرائم، إلّا أنّه من الممكن تطبيق بعض نصوص قانون العقوبات اللبناني وغيره من النصوص القانونية المرعية الإجراء؛ كقانون حماية الملكية الفكرية والفنية رقم 75 تاريخ 3/4/1999.
معاقبة مرتكبي الجرائم المعلوماتية دوليًا يتحدث عنها لـ«الجيش» رئيس الجمعية الدولية لمكافحة الجريمة الإلكترونية في باريس الدكتور محمد محمود شوقي. وهو يوضح بدايةً أنّ التسوّق الإلكتروني مهم جدًا في زمن كورونا. فمن حسناته أنّ عملية الشراء تتمّ بسرعة قياسية لا تتعدى الثواني المعدودة، وبكلفة منخفضة جدًا لا يمكن مقارنتها بالشراء التقليدي، فالمتجر لا يتكبد أكلاف الكهرباء والعمالة وغيرها، إضافة إلى أنّ الشراء عبر الإنترنت لا يحتاج سوى إلى جهاز كومبيوتر متصل بشبكة الإنترنت وبطاقة إلكترونية (credit card) خاصة لهذه العملية.
ولكن في المقابل تشوب هذه العملية مخاطر كبيرة، أبرزها الجرائم الإلكترونية التي تُرتكب بكثرة في هذا الزمن، والمتمثلة في النصب والاحتيال من خلال عرض البضائع عبر موقع إلكتروني وهميfake website مثلًا. فبعد اختيار السلع المناسبة من قبل الزبائن تُرسل الأموال بواسطة البطاقات الائتمانية، ولكن البضائع لا تصل إلى مشتريها. وثمة مشكلة أخرى تتعلق بإرسال سلع لا تتمتع بجودة السلع المعروضة على الموقع، أو من ماركات أخرى. يُضاف إلى ذلك عمليات اصطياد المعلومات المصرفية عبر الإنترنت Phishing Crime أي الاستيلاء على الأرقام السرية لبطاقات الائتمان أو رقم المرور password للبريد الإلكتروني، وإدخال فيروسات وبرامج خبيثة، يدخل من خلالها المجرمون بشكل غير مشروع إلى كومبيوتر المجني عليه.
وبرأيه، تكمن مخاطر أو سيئات البيع على الإنترنت، في صعوبة الوصول إلى مكان الموقع الذي يمكن أن يكون في الصين أو نيوزيلندا أو استراليا… وكذلك صعوبة التعرّف إلى الجاني وتحديد القانون الذي يمكن بموجبه معاقبته. فقد يكون المشتري في مصر والموقع في نيوزيلندا والبائع في الصين، فإلى أي قانون تخضع الجريمة؟
ويضيف: لقد ازدادت نسبة ارتكاب الجريمة الإلكترونية في زمن كورونا بشكل ملحوظ. فقد تبيّن أنّ بريطانيا خسرت نحو مليون ونصف جنيه استرليني خلال شهر آذار الماضي نتيجة هذه الجرائم. كما أظهرت الإحصائيات أنّ عدّة دول كبرى تعرّضت لزيادة في جريمة الدخول إلى المواقع والكومبيوترات بطرق غير مشروعة.
أما على صعيد القوانين والتشريعات التي تعاقب الجرائم المعلوماتية، فيؤكد الدكتور شوقي أنّ الدول الأوروبية تُعتبر متقدمة نسبيًا في هذا المجال. فقد أُقرّت تشريعات وقوانين في فرنسا مثلًا في العام 1988 وفي بريطانيا في العام 1990، كما أنّه لبعض الدول العربية تشريعات وقوانين متخصّصة جيدة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، في المغرب ومصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، وتُعاقب من خلال هذه القوانين الجرائم الإلكترونية على أنواعها (النصب، الاحتيال، البرامج الخبيثة...).
وثمّة اتفاقية دولية لمعاقبة الجريمة المعلوماتية التي أعدّها مجلس أوروبا وهي اتفاقية بودابيست The Budapest Convention أو The Council of Europe Convention on Cybercrime، علمًا أنّها الأولى في مجال الجريمة الإلكترونية، وهي مفتوحة أمام الدول أجمع وليست محصورة في أوروبا.
وأوصى أخيرًا بضرورة سنّ التشريعات المتخصصة التابعة للجرائم المعلوماتية Cybercrimes، وعدم الاعتماد على القانون الجنائي الكلاسيكي أو التقليدي، لأنّ الجناة محترفون جدًا ويعتمدون على محامين يساعدونهم في الهروب من الثغرات الموجودة في القوانين.


متعة الشراء التقليدي لا تعوّض
التسوّق بالنسبة إلى كثير من الناس متعة، ومساحة يمكن أن يركنوا إليها عند ساعات الغضب والفرح في آن، وخصوصًا أنّ المراكز التجارية الكبيرة تضمّ مختلف المتاجر والمطاعم. فكيف يفسّر علم النفس متعة التسوّق (والفرجة) على البضائع، وهل يمكن للتسوّق الإلكتروني التعويض عنها؟
الدكتورة مي جبران (أستاذة في الجامعة اللبنانية في علم النفس العيادي ومعالجة نفسية) تجيب أنّه في التسوق متعة ولذة كبيرتان، لدرجة أن يصل الأمر بالإنسان إلى حدّ إدمان التسوّق أحيانًا.
فالتسوّق لا يعني شراء السلع فقط، وإنما هو الفرجة أيضًا، وقد ينطبق هذا الواقع على العنصر النسائي أكثر، لناحية ارتداء الفساتين والأحذية المختلفة وخلعها من دون النيّة في شرائها. وهذه السلوكيات هي نتيجة عدّة عوامل عاطفية ونفسية أو حتى فكرية.
يختلف التسوّق الإلكتروني عن التسوّق التقليدي الذي يتعرّض خلاله الإنسان لإغراءات كبيرة مرتبطة بغريزته التي يسيطر عليها القلق والإحباط والحرمان الجنسي... والتي تُشبّع من خلال شراء السلع، وبالتالي يمكن أن تُصرف الأموال بشكل أكبر ممّا لو كانت عملية التسوّق تتم إلكترونيًا.
فالمال والجنس عنصران مرتبطان ببعضهما البعض، وبالتالي يعتبر دفع المال تعويضًا في مكان ما عن الكبت، إضافة إلى التعويض عن الحرمان من متعة التعرّف إلى أناس جُدد وزيارة أماكن جديدة.
وبالتالي، فإنّ عملية التسوّق التقليدي رائعة ومهمة لإشباع الذات، ولا يمكن الاستعاضة عنها بالتسوّق الإلكتروني...
وعلى الرغم من أنّه يمكننا توفير الأموال من خلال التسوّق الإلكتروني، لكنّ هذه العملية لن تنجح في لبنان على صعيد شراء الملابس والأحذية. فقد تنجح، وبصورة مؤقتة، في مجال شراء المواد الغذائية والبضائع. لماذا يكون النجاح مؤقتًا؟ تجيب جبران: لأنّ العملية جد مكلفة في لبنان، وهذا ما ظهر بوضوح في الفترة الأولى لظهور جائحة كورونا، فمعظم السلع غير مسعّرة، وتصل إلى المنازل بأكلاف عالية وبجودة منخفضة. يُضاف إلى ذلك أنّ الثقة في لبنان مفقودة بين الزبائن والتجار، الأمر الذي يعيق عملية التسوّق الإلكتروني، خلافًا لما هي الحال عليه في المجتمعات الغربية المعتادة على التسوّق الإلكتروني، نظرًا لطبيعة عملها وظروف حياتها.
وأملت الدكتورة جبران أن تعود الحياة إلى سابق عهدها، لأنّ التسوّق عبر الإنترنت محبط في كل مجالاته، ولا يلبي الحاجة النفسية والمادية للإنسان عمومًا واللبناني خصوصًا.
فشخصية اللبناني مختلفة كليًّا عن شخصية الفرنسي أو الكويتي أو الأميركي، وبالتالي علاقته وتفاعله في عملية التسوّق مختلفة تمامًا. كما أنّ التباعد الاجتماعي سوف يخلق عنده حالة من الحزن والقلق والرفض للواقع الذي لا يشبهه، لأنّ الحياة الاجتماعية أساسية بالنسبة إليه، وعلاقته مع البائع والمشتري مختلفة وجميلة، ولا يمكنه أن يكون مثل باقي شعوب دول العالم.