ذاكرة مهرجان

55 عامًا على تأسيسه
إعداد: الهام نصر تابت

مهرجان بعلبك ذاكرة النهضة اللبنانية


«سكن الليل، رقدت الحياة في مدينة الشمس، انطفأت السُّرج في المنازل المنتشرة حول الهياكل العظيمة، وطلع القمر فانسكبت أشعته على بياض الأعمدة الرُخامية المنتصبة في هدوء الليل جبابرة تخفر مذابح الآلهة، وتنظر تيهًا وإعجابًا نحو بروج لبنان الجالسة في الوعر، على جبهات الروابي البعيدة».
هذه الفقرة من جبران خليل جبران (رماد الأجيال والنار الخالدة - عرائس المروج) حملتها بطاقة الدعوة إلى الندوة التي عُقدت في الجامعة اللبنانية الأميركية – مركز التراث اللبناني، حول «مهرجان بعلبك... ذاكرة النهضة اللبنانية». ولو قيض لصاحب «النبي» و«عرائس المروج»... أن يعيش في زمن بعلبك المهرجان، لاجترح على الأرجح مزيدًا من كلماته النورانية في وصف امرأة وقفت في تلك الهياكل وغنّت «بعلبك أنا شمعة على دراجك»... امرأة التصق اسمها ووهجها بالمهرجان الذي نسج صوتها أول الخيوط في علاقته بأرضه وناسه. كان ذلك العام 1957 حين قدّم الأخوان رحباني «أيام الحصاد»، وغنّت فيروز «لبنان يا أخضر حلو», وهذا ما أشار إليه معظم الذين قدّموا مداخلاتهم في الندوة، والذين اكتفوا بهذا القدر في ذكرهم لفيروز.
مفارقة توقّف عندها الحضور بوضوح، واستدعت العديد من التساؤلات.
قبل العام 1957 كانت ذاكرة المهرجان بدأت تراكم مخزونًا فنيًا راقيًا عالمي الطابع. فالعام 1922 عرضت في بعلبك مسرحية «ادونيس وعشتروت» (بالفرنسية)، وبعد 22 عامًا كان لبعلبك موعد جديد وهذه المرة مع مسرحية «الفُرس» لاسخيليوس. والعام 1955 أربع مسرحيات فرنسية لجان جيرودو، جان آنوي، بيار كورناي وفرجيل. بعد عام، ولدت لجنة مهرجان بعلبك الدولي برئاسة ايميه كتانة. وكانت انطلاقة المهرجان الذي أضاف إلى برامجه الغربية وأسماء كبار الفنانين العالميين، الليالي اللبنانية. «مع الليالي اللبنانية أطلّ الفولكلور اللبناني العام 1957 في حلّة من البهجة والمفاجآت. إطلالته الأولى هذه رسخت قاعدته ووضعت الحجر الأساس لصرح شاهق»، كما تقول مي منسى في كتابها «بعلبك أيام المهرجان»، وقد كانت لها مداخلة في الندوة.
بعد «أيام الحصاد» كانت «المحكمة» للأخوين رحباني وفيروز ووديع الصافي (1959)، ومن ثم توالت الأعمال اللبنانية، «موسم العز» للأخوين رحباني مع صباح ووديع الصافي (1960)، «البعلبكية» و«جسر القمر» للأخوين رحباني وفيروز ونصري شمس الدين (1960 و1961)، «الشلال» لروميو لحود مع صباح وجوزف عازار، موسيقى وليد غلمية (1963)، وبعد عام عاد روميو لحود في «أرض الأمس أرض الغد» مع صباح ونصري شمس الدين. ودارت «دواليب الهوا» العام 1965 (الأخوين رحباني، صباح وفيلمون وهبه)، لتطلّ بعدها «أيام فخر الدين» (1966) وتغني فيروز «بيي راح مع العسكر»... وتمر السنوات وتكتنز ليالي المهرجان بالمزيد، ليكون عنوان «تضلو بخير» (1974) نوعًا من وداع فرضته الحرب على لبنان وبعلبك ومهرجانها الذي انتظر سنوات طويلة قبل أن يعاود انطلاقته، ليستعيد من ثم فيروز العام 1998.
ندوة «مركز التراث» في الجامعة اللبنانية الأميركية جاءت لتواكب الذكرى 55 لتأسيس المهرجان. وفي المناسبة تدفّقت الذكريات: الشاعر هنري زغيب مدير المركز تناول الدور التأسيسي لمهرجانات بعلبك والمتمثل بإيجاد تقليد للاهتمام بالعمل الموسيقي المتكامل وبالتأسيس لظاهرات فنية جديدة في لبنان...».
شارة المهرجان الموسيقية وهي جزء من مقطوعة لكلود دوبوسي تحدّث عنها جو لطيف. وتحدّثت ساميا صعب عن الأزياء اللبنانية في المهرجان وطقوسها والأبحاث التي أجريت لاختيارها بما يتوافق مع المسرحيات والرقصات... نهاد شهاب روت ذكرياتها كمدربة دبكة ورقص مع الأخوين رحباني، وتذكرت خصوصًا عاصي واهتمامه بكل شاردة وواردة، معرجة على بعض الأغنيات والرقصات المأخوذة من الفولكلور المتداول في منطقتها (روم - قضاء جزين) فذكرت «هلك ومستهلك» و«ريدوني ما منريدك».
مي منسى استذكرت بدورها أسماء كبيرة مرّت في بعلبك وتركت بصماتها، من موريس بيجار ونورييف ومايليز دايفيز إلى الأسماء اللبنانية.
رئيسة لجنة المهرجان مي عريضة استفاضت في مداخلتها حول تأسيس المهرجان وولادته والمراحل التي مرّ بها، والكبار الذين صنعوا مجده لبنانيًا وعالميًا.
تخلل الندوة عرض فيلم وثائقي تكلم خلاله منصور الرحباني في مقابلة مع مي منسى. ومما ذكره أن كلاًّ من فيروز وصبري الشريف تقاضيا أجرًا عن «أيام الحصاد» قيمته ليرة لبنانية واحدة...
وفي الفيلم أيضًا أطلت صباح بالطنطور ووديع الصافي في «أوف» جعلت «الصبوحة» تقول: يا الله...