إقتصاد ومال

Bitcoin تواصل شقّ طريقها
إعداد: تريز منصور

هل تحكم العملة الافتراضية العالم المالي مستقبلاً؟


منذ نشوء الإنترنت في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، والعالم يتغيّر في جميع أوجهه، ومن أوجه التغيير هذه سيطرة العالم الافتراضي والعملات الافتراضية على معظم مكامن الحياة الاجتماعية والتجارية... ومن أبرز هذه العملات، بيتكوين Bitcoin، التي يتمّ تداولها عبر الانترنت وتزدهر وتلاقي إقبالاً تدريجيًا في البورصات العالمية، واستحسانًا لدى أثرياء العالم ومن بينهم مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتز Bill Gates. وثمّة ملايين من الأموال يتمّ تداولها بين الناس ولا تنتمي لأي دولة ولا يدعمها وينظّمها ويطبعها أي بنك مركزي، كما أنها لا تخضع لسياسات دول، ولا تتأثر إلا بقانون الثقة بين المتعاملين وسمعة التعاملات. إنها اكثر النقود الافتراضية انتشارًا وأكثرها جدلًا.

 

ما هي عملة «بيتكوين»؟
بيتكوين هي عملة إلكترونية (عُملة تشفيرية - cryptocurrency) يمكن مقارنتها بالعملات الأخرى مثل الدولار أو اليورو، لكن مع عدة فوارق أساسية، من أبرزها أنها عملة إلكترونية بشكل كامل يتمّ تداولها عبر الإنترنت فقط من دون وجود فيزيائي لها. كما أنها تختلف عن العملات التقليدية، لعدم وجود هيئة تنظيمية مركزية تقف خلفها، لكن يمكن استخدامها كأي عملة أخرى للشراء عبر الإنترنت أو حتى تحويلها إلى العملات التقليدية.
بدأت فكرة هذه العملة في العام 2008 عن طريق مبرمج مجهول أطلق على نفسه إسم ساتوشي ناكاموتو، والذي اقترح تطوير هذه العملة الافتراضية بهدف تغيير عالم الأموال المعهودة وخلق عملة جديدة تحفظ خصوصية البائع والمشتري، ولا تتحكم بها البنوك والحكومات، ولا يمكن تتبعها من خلال أرقام تسلسلية كما بقية العملات. يتمّ التعامل بهذه العملة من خلال بروتوكول الندّ للندّ Peer to Peer وتقنيات التشفير الحديثة، والهادف إلى تقليل الكلفة المفروضة على التعاملات الإلكترونية من قبل بعض الأطراف كشركات بطاقات الائتمان. إذًا هي عملة لا توجد إلا في الإنترنت غالبًا، لكنّ بعض المتحمسين بدأ بطباعتها، من خلال المحافظ الإلكترونية، وأصبح أكثر متداوليها من مضاربي العملات.

 

إحجام واعتراف ومضاربات
لا يمكن شراء الكثير عن طريقها، بسبب إحجام وتخوّف الشركات منها، ولكنّ ثمّة دولاً وشركات بدأت بالاعتراف بها، كالولايات المتحدة وألمانيا مثلًا وشركة وورد برس Word Press والشركة الصينية بيدو Baidu. وبات بالإمكان شراء هذه العملة من بعض المواقع مقابل بعض العملات العالمية. حتى أنه هناك محاولات لتعدينها، لكن هذه العملية صعبة.
تقدّر القيمة السوقية لما تمّ اكتشافه من «بيتكوين» اليوم بما يقارب 1.04 مليار دولار، بحسب موقع «بيتكوين» شارتس Bitcoin Charts. وقد وصل أعلى سعر لها في تشرين الثاني الماضي إلى 1200 دولار، ليهوي إلى نصف هذه القيمة بعد إعلان الصين عدم دعمها العملة، وتوجيه مؤسساتها المالية لعدم قبول معاملاتها، الأمر الذي يشجّع مقتنصي الفرص على استغلال ذلك. في الواقع ليس رفض بعض الدول للـ«بيتكوين» هو السبب الوحيد لتهاوي سعرها. فبعض مقتنصي الفرص والمضاربين يعمدون إلى بثّ الخوف لدى المتعاملين بها عبر مواقع وهمية لتبادل العملة، بحيث يقومون بمحاكاة شنّ هجوم إلكتروني عليها، ممّا يؤثر سلبًا في قيمتها. فيقومون بشرائها بأرخص الأثمان، ومن ثم يعيدون بيعها بعد أن ترتفع قيمتها.
ليس ذلك فحسب، فالخصوصية التي توفّرها هذه العملة جعلتها مقصدًا لعمليات غسيل الأموال، وبيع المنتجات المسروقة والممنوعة كالمخدرات، بحيث لا يمكن للجهات الأمنية تتبّع مصدرها.
والجدير بالذكر أن «بيتكوين» ليست العملة التشفيرية الوحيدة الموجودة على شبكة الإنترنت حاليًا، فهناك ما لا يقلّ عن 60 عُملة تشفيرية مُختلفة، منها ستّ على الأقل يُمكن وصفها بالرئيسة، وذلك اعتمادًا على عدد المُستخدمين وبنية كل شبكة، إضافة إلى الأماكن التي تتيح شراء هذه العُملات التشفيرية أو استبدالها مُقابل عُملات أخرى.
وعلى الرغم من محدودية المواقع التي تقبل دفعات «بيتكوين» لقاء منتجاتها، مقارنةً بالمواقع التي تتعامل بالعملات التقليدية، فإنّ الأولى مدعومة من مجموعة شركات ومواقع كبيرة ومتنوّعة، مثل مواقع بيع خدمات الاستضافة، وحجز أسماء النطاق والشبكات الاجتماعية، ومواقع الفيديو والموسيقى، إلى أخرى تبيع منتجات مختلفة.
بالإضافة إلى شراء المنتجات، يستطيع المستخدم تبديل مبالغ «بيتكوين» النقدية الموجودة لديه بعملات أخرى حقيقية. تتمّ عملية التبديل بين المستخدمين أنفسهم الراغبين ببيع «بيتكوين» وشراء عملات حقيقية مقابلها أو العكس. ونتيجةً لذلك تمتلك هذه العملة سعر صرف خاصًا بها، وهذا السعر يتجه إلى التصاعد.

 

ماذا عن مستقبل هذه العملة؟
السؤال المطروح اليوم، هو لماذا لا يدعم «بيتكوين» سوى عدد قليل من مجموعة فوربس التي تضمّ 1645 مليارديرًا؟
ثمّة رأي يقول بأن غالبية رجال الأعمال الكبار لا يريدون أن يرتبط اسمهم بشيء لا تعترف به البنوك المركزية. وثمّة رأي آخر يعتبر أن لدى رجال الأعمال تخوفًا من أن تكون ظاهرة «بيتكوين» أشبه بفقاعة. وينتظر البعض أن تحصل عملة «بيتكوين» على دعم هيئات تنظيمية للعملات كخدمة مالية معترف بها، لاعتمادها في استثماراتهم. كما يضغط العديد من المستثمرين في اتجاه تبنّيها على نطاق أوسع، وقد نجح هؤلاء بالفعل في إقناع بعض المؤسسات بقبول هذه العملة كأحد طرق السداد.
واللافت أن أغنى أغنياء العالم مؤسس شركة مايكروسوفت الملياردير بيل غيتس انضمّ إلى قائمة رجال الأعمال الداعمين لـ«بيتكوين»، وقد وصفها بأنها العملة الإلكترونية المثيرة، نظرًا لسهولة تحويلها وانخفاض كلفة التحويل. وأكّد غيتس أن «بيتكوين» هي المفتاح لبناء تقنية داعمة للعملة الرقمية ليصبح الناس أكثر شعورًا بالراحة بعد ضمان عدم استعمالها في غسيل الأموال أو الإرهاب.
والجدير بالذكر أنّ محرّك البحث Bing التابع لشركة مايكروسوفت قد أضاف مؤخرًا خاصية، تمكّن المستخدم من الاطلاع على قيمة «بيتكوين» مقابل الدولار وأهم العملات العالمية، وهذا ما أثبت للخبراء دعم بيل غيتس الفعلي للعملة الرقمية.
وفي هذا الإطار، يشار إلى أن ريتشارد برانسون كان أول ملياردير يدعم العملة الإلكترونية بقوة، معنويًا وماديًا، فقد أطلق تصريحات يشجّع فيها الناس على استعمالها، كما أنّ عددًا من شركاته بات يقبلها كوسيلة للدفع، مثل شركة فيرجين وغالاكتيك للسياحة الفضائية.
من جهته، يتحدث رجل الأعمال فوربس عن هذه العملة بإيجابية، ما يشجّع باقي رجال الأعمال على الاقتداء به، والأمر سيكون لمصلحة العملة الرقمية التي أعلن بنك «غولدمان ساكس» الأميركي، أنه سيعتمدها في مشاريع استثمارية كبيرة.
إلى ذلك، أعلن عدد من الشركات إنشاء مشروعات استثمارية صغيرة مع بنوك أوروبية بهذه العملة التي تستمر في شقّ طريقها عبر نجاحات بارزة وعبر كسب المزيد من كبار رجال الأعمال ودعمهم لها. وهي باتت في طريقها إلى العالم العربي وتحديدًا الإمارات العربية المتحدة.
أخيرًا يبقى لغز إسم مخترع هذا الابتكار موضع اهتمام وسائل الإعلام، بحيث يقول البعض إنهم مجموعة أشخاص أو ربما شركات... وفيما يتوقّع كثيرون أن تكون الـ«بيتكوين» الخطوة الأولى نحو مستقبل باهر للعملات الرقمية، تظلّ المخاوف بشأنها قائمة.