أجهزة القيادة

أركان الجيش للتخطيط
إعداد: جان دارك أبي ياغي

الجهود في مرحلة الذروة
 

أركان أربعة تتكامل لبناء مؤسسة الجيش: العديد، التجهيز، العمليات، والتخطيط. وهي تتبع لقائد الجيش مباشرة لتعرف «بالأركان العامة». ويرأس كل ركن ضابط يسمى نائب رئيس الأركان.
مجلة «الجيش» زارت الركن الذي يرسم سياسات الجيش على عدة مستويات، إنّه أركان الجيش للتخطيط، الذي يرأسه العميد الركن مارون الحتي. ومن هناك عدنا بما يسمح بالإفراج عنه من معلومات، فمن يخطّط لا يكشف خططه...


أي جيش نريد؟
يعرّف العميد الركن مارون الحتي أركان الجيش للتخطيط بالركن الذي يرسم استراتيجية عسكرية وطنية تكون استجابة لاستراتيجية وطنية دفاعية، تنبع بدورها من استراتيجية وطنية للأمن والدفاع ينظّمها المجلس الأعلى للدفاع، التي تأتي من سياسة وطنية للأمن والدفاع ينظّمها مجلس الوزراء.
يشمل التخطيط جميع مؤسسات وزارة الدفاع الوطني ويندرج تحت عدة عناوين: كيفية تنظيم وزارة الدفاع بكامل أركانها، إن على صعيد مكتب القائد أو على صعيد كل قطعة في الجيش (الألوية والأفواج والكتائب...)، ووضع خطة استراتيجية أو تصوّر رؤية متوسطة وبعيدة المدى للقوات المسلحة اللبنانية (وليس فقط على صعيد الجيش). على أن تصب هذه الخطة في تحقيق الهدف البعيد المدى، والذي يتم تحديده في أركان الجيش للتخطيط بناء على توجيهات قائد الجيش.
 

مفهوم الأمن والدفاع
يوضح العميد الركن الحتي أن الجهة المولجة وضع الخطوط العريضة لمفهوم الأمن والدفاع للدولة هي أولًا مجلس الوزراء مجتمعًا برئاسة رئيس الجمهورية. فهذا المجلس يحدد في بيانه الوزاري مَنْ هو العدو، ومَنْ هو الصديق. وبالتالي يحدد من هو العدو الذي نحاربه. ومن هو العدو الذي لا نحاربه. من هو الصديق الذي نتحالف معه. ومن هو الصديق الذي لا نتحالف معه. هذه السياسة تحدّد الاتجاه الذي تريده الدولة في طريقة تعاطيها مع الدول القريبة والبعيدة.
أما الجهة الثانية، فهي المجلس الأعلى للدفاع، ومهمته تنظيم استراتيجية وطنية للأمن والدفاع. وعندما يؤدي هذا المجلس دوره، يبدأ عمل الوزارات. كيف؟ يجب ان تنظّم وزارة الداخلية استراتيجية وطنية أمنية، بينما تنظّم وزارة الدفاع استراتيجية وطنية دفاعية تكون شاملة وتضم بالإضافة إلى الدفاع عن الحدود: الدفاع الاقتصادي، الحرب الإعلامية، العمل الدبلوماسي، قدرات الاغتراب اللبناني... والمحافظة على عنواني: الأمن الداخلي، مؤازرة قوى الأمن الداخلي وباقي الأجهزة في الحفاظ على الأمن والاستقرار.
مهمة أركان الجيش للتخطيط في الجيش اللبناني وضع استراتيجية وطنية عسكرية تندرج تحت: الدفاع عن الحدود والمحافظة على الأمن الداخلي. هنا يبدأ عمل أركان الجيش للتخطيط الذي ينظّم هذه الاستراتيجية. أسئلة كثيرة يطرحها هذا الركن على نفسه قبل أي خطوة: أي جيش، أو أي قوات مسلحة نريد للدفاع عن لبنان وللمحافظة على الأمن والاستقرار؟ من هي هذه القوى؟ ما هي الحاجة؟ من هي المجموعة المقاتلة التي ستنفذ هذه الخطة؟ من هي قوى الدعم المناسبة والمساندة لها؟ ما هي المنظومة القيادية؟... كل هذه الأسئلة والعوامل تصب في خانة التخطيط الذي هو عمل تنظيمي ميداني وعملاني وليس نظريًّا كما يعتقد البعض.
ويضيف قائلًا:
إذًا، يحتاج المخطط لضمان نجاح خطته إلى حد أدنى من الاستقرار السياسي وهو غير متوافر في لبنان. ويتساءل: في هذه الحال على ماذا أبني؟ الجواب: «أمامي خياران: عدم القيام بأي خطوة بانتظار جلاء الصورة السياسية، أو الانطلاق من ثوابت لا تتغير». من هنا، فإن الجهد التخطيطي يمر أحيانًا بساعات ذروة، وأحيانًا أخرى بساعات عمل عادية. أما اليوم، وبكل فخر، فهو في مرحلة الذروة.
 

تعزيز قدرات الجيش
في سياق الحديث، يتطرق العميد الركن الحتي إلى التعاون القائم ما بين الجيش والولايات المتحدة الأميركية (منذ العام 2008)، وإلى خطة «المراجعة الاستراتيجية المشتركة»، التي أولاها العماد قهوجي الاهتمام اللازم، والهدف منها تعزيز قدرات الجيش. ويقول: لقد أدّى نجاح هذه الخطة إلى ترسيخ ثقة الولايات المتحدة بالجيش، وإلى زيادة دعمها المادي له بصورة ملفتة.
وقد مهّد نجاح المراجعة الاستراتيجية المشتركة إلى تنظيم ما سمي بالحوار الاستراتيجي مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، والهدف منه حثّ الأمم المتحدة على الاستثمار في الجيش اللبناني بدلًا من الوحدات التابعة لها، وهي قوات مؤقتة سترحل يومًا ما، وسوف يحلّ مكانها الجيش اللبناني المولج حماية هذه الأرض وحدودها، وتطبيق قرار مجلس الأمن 1701. لقد أدّى نجاح الحوار إلى الانتقال من تنظيم الخطة إلى تنفيذها، وذلك على 6 مراحل (بدءًا من أواخر العام 2012) نُفّذ منها لغاية اليوم المرحلتان الأولى والثانية.
 

من النظري إلى العملي
بعد هاتين الخطتين بدأ التخطيط لتطوير قدرات الجيش من خلال دراسة ماهية هذه القدرات، وقد كلّف قائد الجيش لجنة لهذه الغاية. بعد عرض نتيجة الدراسة على الحكومة طلبت هذه الأخيرة من الجيش تحديد التقدير المادي لها، فانصبّت كل الجهود لبلورتها على الرغم من الصعوبات. على سبيل المثال، من الصعب تقدير كلفة منظومة الاتصالات، إذ يعتمد ذلك على المواصفات الفنية والتقنية لهذه المنظومة وهي صعبة التحديد.
لكن في ما بعد، توصّلت اللجنة إلى تقدير الكلفة الاجمالية لتطوير قدرات الجيش. عند ذلك طلبت الحكومة العمل تحت سقف 1.6 مليار، على أن تدفع بموجب خطة خمسية، لكن لغاية تاريخه لم يتمّ تنفيذ هذه الخطة. وأضاف العميد الركن الحتي قائلًا: «كفانا استجداءً من الدول المانحة فدولتنا أوْلى بالواجب وهي قادرة على دفع المبلغ المطلوب، لكنّها ما زالت حتى اليوم غير قادرة على استصدار قانون يجيز الاستثمار بالدفاع بموجب نسبة مئوية سنوية من الناتج المحلي الإجمالي، ما يسهّل عملّية التخطيط وشراء ما يلزم من عتاد وخلق أو تطوير قدرات».
بعد تنظيم خطة تطوير قدرات الجيش التي حفّزت الدول المانحة على تمويل تنفيذ هذه الخطة، ولو جزئيًا، عمدت أركان الجيش للتخطيط على البدء بمسار تخطيطي جديد لتحديد ما هو الجيش الذي يريده اللبنانيون في المستقبل، وتم تسمية هذه الخطة: جيش 2025. أدّت هذه الجهود إلى ظهور نوايا دعم من عدة دول في مجالات مختلفة، مثل مشروع برنامج دعم أفواج الحدود البرية من قبل دولة بريطانيا، ومشروع التعاون المدني العسكري من قبل هولندا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى زيادة مذكرات التفاهم حول التعاون الثنائي مع دول عديدة مثل أرمينيا، قبرص، النمسا، تركيا، اليونان، ألمانيا، إيطاليا... والجيش يشكر جميع هذه الدول التي تدعمه وتوفّر سبيلًا لتطوير قدراته، خصوصًا في هذه المرحلة.
في الختام، يشدّد العميد الحتي على أن ما ذكر هو جزء صغير جدًا، من عمل أركان الجيش للتخطيط، فالإفصاح عن الخطط يهدّد نجاحها. إنما في هذه الأيام الصعبة حيث كلمة السر هي رصّ الصفوف، يبقى التخطيط الوظيفة الأساسية من وظائف الأركان العامة والتي تحدد الاتجاه الاستراتيجي العام للعمليات والعديد والتجهيز، وتنسّق بينها في ظل توجيهات العماد قائد الجيش.