الواجب خلف الحدود

أعرب عن احترامه الكامل للجيش اللبناني
إعداد: ريما سليم ضومط - ماري الحصري

غراتزيانو: يجب التمييز بين عمليات الخرق والعمليات العدائية

نأمل بالوصول إلى وقف دائم لاطلاق النار بين لبنان واسرائيل

 

ماذا بعد القرار 1701؟
جولتنا على قوات الطوارئ الدولية المعززة انطلقت من مقر هذه القوات في الناقورة حيث استقبلنا قائدها الجنرال كلاوديو غراتزيانو وكان لنا معه الحوار الآتي:


• بين اليونيفيل ما قبل القرار 1701 وبعده، ما الذي تغيّر على صعيدي الشكل والاداء؟
- عند تأليف قوات اليونيفيل بعد القرار 1701، جرت عدة مباحثات لاطلاق تسمية يونيفيل 2 على القوات الجديدة، إلا أنه تم العدول عن الموضوع إحتراماً لليونيفيل 1. وبرأيي أن تغيير التسمية كان ضرورياً لأن المهمة اليوم تختلف تماماً عنها في السابق. فالقرار 425 حصر صلاحيات اليونيفيل وقيدها، إذ جعل مهمتها تقتصر على المراقبة ورصد التحركات. وفي نهاية المطاف وجدت هذه القوات نفسها تفتقر إلى العديد والمعدات الكافية لتنفيذ المهمة. إضافة إلى ذلك، اعترضت مهمة اليونيفيل سابقاً عدة عوائق، فمنذ العام 1978 وحتى العام 2006، لم يكن باستطاعة القوات الدولية العمل في بقعة محررة لوقت طويل، لأن الأرض كانت محتلة من قبل اسرائيل لفترة طويلة، وكان هناك مشاكل مع الفلسطينيين. وحتى العام 2000 عندما انسحبت القوات الاسرائيلية لم ينتشر الجيش اللبناني في الجنوب، وبالتالي فإن قوات اليونيفيل لم تكن تتعامل حينها مع قوى شرعية وإنما مع المقاومة.


• تعرضت اليونيفيل سابقاً لاعتداءات ولم تستعمل القوة، فهل ستلجأ إليها الآن في حال حصلت خروق للقرار 1701؟
- يجب التمييز بين عمليات الخرق والعمليات العدائية، فالأخيرة يمكن أن تكون خرقاً، أما الخرق فليس بالضرورة عملاً عدائياً. والمثال على ذلك، إذا كان أحدهم يقوم بنقل الاسلحة في الجنوب أو يهاجم مدنيين فهذا يعتبر عملاً عدائياً وخرقاً في الوقت نفسه، وهنا يمكن استعمال القوة لمعالجة هذه المشكلة. أما إذا قام أحد الطرفين بخرق الخط الأزرق فيمكننا التوصل إلى تسوية هذا الخرق، وليس بالضرورة أن نمنع حدوثه. وهذا ما حصل عدة مرات، حيث توصلنا في كل مرة إلى تسوية الخروقات التي حصلت من قبل الطرفين المتنازعين وليس إلى تفاديها لأن ذلك كان سيقودنا إلى القيام بهجوم لوقف إطلاق النار وهذا ليس بالامر الصائب. إضافة إلى أن هذا النوع من الخرق تتم تسويته عبر القنوات السياسية. فقوات اليونيفيل ليست الحل لكل المشاكل، وإنما هناك أيضاً دور الجيش اللبناني ومختلف الاطراف في تفادي الخروقات وإيقافها. على أي حال، إذا حصل نوع من الخروقات يمس بالقرار 1701 وبقدراتنا فسوف نتعامل معه في حينه.

 

أدوار إنسانية وإنمائية
• تقوم قوات اليونيفيل بدور إنساني وإنمائي إلى جانب دورها الأساسي في حفظ الأمن، فهل يمكن تزويدنا لمحة حول مختلف هذه المهام؟
- في القرار 1701 أسندت إلى قوات اليونيفيل مهمة متكاملة حيث بات عملها يشمل مختلف المجالات من حفظ الأمن إلى دعم الجهود العسكرية  ودعم إعادة الاعمار، وذلك بهدف تحسين أوضاع الجنوب اللبناني والمساعدة في خلق وضع يحول دون وقوع الحرب. والأهم أنه مطلوب من هذه القوات دعم الجيش اللبناني بشكل دائم وحماية المدنيين إذا كان وضع الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني لا يسمح بذلك.
من واجبنا أيضاً دعم المنظمات غير الحكومية والمنظمات الانسانية، ولدينا أكثر من نشاط في هذا الإطار. فهناك مشروع يديره قسم الشؤون المدنية في قيادة اليونيفيل مهمته تأمين الدعم الفوري للمواطنين عبر تخصيص مبلغ من المال وقدره حوالى 25 ألف دولار للمشاركة في عملية إعادة الإعمار.
من جهة أخرى، هناك قسم التنسيق المدني-العسكري وهو موجود داخل كل وحدة من وحدات اليونيفيل، ويتم من خلاله التنسيق مع المسؤولين في المناطق من مخاتير ورؤساء بلديات وغيرهم من الفعاليات لمعرفة إحتياجات كل منطقة، ومن ثم تزود كل دولة الوحدة الخاصة بها مبلغاً من المال لدعم المشاريع الإنسانية والإنمائية. وتجدر الاشارة إلى أن قسمي الشؤون المدنية والتنسيق المدني - العسكري يتشابهان من حيث المهام، مع فارق أن الأخير تصرف له مبالغ أضخم تصل أحياناً إلى مليوني أو ثلاثة ملايين يورو.
هناك مشروع آخر يندرج في إطار التنمية وإعادة البناء تحت إدارة «مشروع الأمم المتحدة الإنمائي»، وهو نوع من التسهيل لمشاريع إعادة الاعمار من خلال نقل أموال من دول مختلفة لمساعدة الجنوب. وهنا تضطلع قوات اليونيفيل بدور المنسق وذلك مع الجيش اللبناني بهدف تنظيم توزيع المساعدات ووضع خطط واضحة للمشاريع، بغية إحقاق العدل وعدم التمييز ليس بين المواطنين فحسب وإنما أيضاً بين المنظمات والقطاعات ومختلف الاطراف.
وأضاف قائلاً:
من مشاريعنا التي تدور في فلك الخدمات الانسانية، مشروع الكشف عن الألغام والقنابل العنقودية التي خلفتها الحرب. ونعمل فيه بالتعاون مع مركز التنسيق لنزع الألغام في الجنوب وفوج الهندسة في الجيش اللبناني في إطار ما يعرف بتفكيك الألغام الانساني، وهو يختلف عن العمليات العادية للكشف عن الألغام ذلك أننا نتعاطى مع الأراضي الزراعية للمواطنين، وبالتالي يجب أن نكون يقظين جداً ومتأكدين من أن الارض التي ننهي العمل فيها أصبحت خالية من الألغام حفاظاً على سلامة المواطنين.
ويجدر بالاشارة أننا نحقق تقدماً ملحوظاً في المشروع المذكور ونحن متأكدون أن مشكلة الألغام ستحل العام المقبل.
يذكر أيضاً في إطار الشق الإنساني والإجتماعي لعمل اليونيفيل توظيف ألفي عائلة جنوبية، إضافة إلى إستفادة حوالى عشرين ألف عائلة من اليونيفيل بطريقة غير مباشرة.

 

تنسيق متكامل مع الجيش
• كيف يتم التنسيق بين قوات اليونيفيل والجيش اللبناني؟
- من أبرز المهمات الناجحة التي حققها القرار 1701 هي انتشار الجيش في الجنوب للمرة الأولى بعد 35 عاماً. وبالطبع فإن تزايد الوجود العسكري في المنطقة من جيش وقوات دولية يفترض التنسيق التام بين الطرفين، وهذا ما يفرضه ايضاً القرار 1701 الذي يؤكد أن التنسيق والتعاون بين الطرفين إلزاميان وليسا اختياريين، ومن دونهما فإن تحقيق مهمة حفظ السلام مستحيل لذا فنحن نعمل جاهدين لتحقيق هذا التعاون ويمكن القول إننا راضون تماماً عن النتائج.
في إطار عملية التنسيق ألتقي بشكل منتظم رئيس جهاز الارتباط العميد الركن بولس مطر، كما ألتقي من حين إلى آخر قائد الجيش العماد ميشال سليمان حيث نعمل من أجل وضع قواعد حول كيفية تنسيق المهام المحددة من قبل الطرفين. كذلك فإن التواصل دائم من خلال الضباط اللبنانيين الموجودين في غرفة عمليات اليونيفيل في القطاعين الغربي والشرقي، ومن خلال ضباط الارتباط الموجودين في الوحدات. ويجدر بالاشارة أننا ما نزال نحسن طرق التواصل مع الجيش اللبناني، حيث تم إنشاء خط ساخن للتواصل بشكل مباشر مع مختلف الضباط. كما نعمل حالياً على زيادة التدريب المشترك وتكثيف نشاطاتنا وتعاوننا، ونفكر أيضاً في إنشاء نقاط مراقبة مشتركة إضافة إلى الدوريات وتبادل المعلومات. كذلك نتعاون بشكل مكثف للحؤول دون الأعمال الإرهابية. وهنا أود أن أنقل الاحترام الكامل الذي نكنّه للعسكريين الذين واجهوا الإرهاب في نهر البارد وقدموا الكثير من التضحيات.


• تحصل من وقت إلى آخر اجتماعات بين ضباط لبنانيين وإسرائيليين برعاية اليونيفيل، فما الهدف منها تحديداً؟
- ثمة لقاءات دورية بين ضباط لبنانيين وإسرائيليين برعاية اليونيفيل، الهدف منها تطبيق الاجراءات الأمنية وفقاً للقرار 1701. خلال هذه الاجتماعات لا يتعاطى المجتمعون الامور السياسية وانما يتناولون القضايا الأمنية وأبرزها الخط الازرق وذلك في إطار السعي لتجنب الخروقات. فالكل يعلم أن الخط الازرق هو خط مرسوم وليس حدوداً فعلية، لذلك فالتعاون في الترسيم بين الأطراف الثلاثة يساعد في الحؤول دون حصول خروقات.
والأهم أننا بدأنا في عملية بناء الثقة. ويجدر بالاشارة أن هذه اللقاءات هي الخط الديبلوماسي الوحيد بين لبنان وإسرائيل وهي من أفضل ما قدّمه القرار 1701، ونأمل أن يحضر لوقف إطلاق نار دائم، فنحن نعلم أن هناك بقعة من الأرض ما تزال خاضعة للاحتلال ونحن نناقش موضوع الانسحاب.
الاعتداءات على اليونيفيل تشعرنا بالحزن لكنها لا تؤثر على عملنا والتزامنا


• منذ مدة قتل ستة جنود إسبان في حادث تفجير، فما تأثير هذه الحادثة على الوضع المعنوي لعناصر اليونيفيل؟ وما الإجراءات الأمنية التي قمتم بها من جراء هذا الحادث؟
- ما تعرّض له الجنود الإسبان كان عملاً إرهابياً جرى خلاله تفجير سيارة مفخخة عن بُعد بواسطة جهاز تحكم. وبرأيي أن الإرهابيين يقومون بأعمال عدائية ضد قوات اليونيفيل والجيش اللبناني لأنهما المؤسستان اللتان تؤمنان السلم والاستقرار. فهناك من هو ضد السلام وضد لبنان ولذلك نلاحظ ازدياد الاعتداءات.
أما بالنسبة إلى موقفنا مما حصل، فأؤكد أنها كانت لحظة حزينة لكنها لم تؤثر على سير عملنا. فقد التزمنا القرار 1701 ولم يحدث أي تغيير في التزامنا المهمة الموكلة إلينا. ولكننا بالطبع قمنا بمضاعفة التدابير الأمنية بسبب التهديد الذي يطالنا.
على أي حال، نحن نعلم أننا معرّضون للخطر، ولدينا الشجاعة والقوة لاحتمال المخاطر، وقد خسرنا في الواقع أكثر من ستة جنود من قوات اليونيفيل. فهناك ثلاثة جنود بلجيكيين لاقوا حتفهم في حادث سيارة، كما قتل أحد الجنود الفرنسيين من جراء قذيفة، ما يجعل مجموع القتلى عشرة جنود. بالطبع هذا أمر محزن، ولكنه غير مفاجئ، فإذا أرسلنا خمسة عشر ألف جندي إلى أرض تشهد حرباً وتضم أشخاصاً مسلحين فمن الطبيعي أن نتوقع حصول حوادث مؤسفة كالتي واجهها جنودنا، لا سيما بوجود الأعمال الإرهابية التي يمكن تخفيضها إلى الحد الأدنى ولكن من الصعب أن تلغى تماماً.


• وماذا عن المتفجرة التي وضعت في القاسمية؟
- تلك كانت عبوة ناسفة بدائية الصنع وبالتالي أقل تعقيداً وخطراً من سابقتها. وقد اعتقلت السلطات اللبنانية مشتبهين في العملية ولا تزال تبحث عن آخر. على أي حال لا نعلم بعد ما إذا كان الاعتداءان مترابطين ولكن المهم أننا في المرة الثانية لم نتعرض لأي خسائر بشرية، فالعبوة وضعت خارج بقعة عمل اليونيفيل وقد يكون السبب أن إجراءات الأمن أصبحت أكثر تشدداً ما حال دون إمكان عبور جسر القاسمية إلى الداخل، ولكنها في جميع الأحوال كانت محاولة لمنعنا من تطبيق القرار 1701.


• هل من دلائل أظهرها التحقيق مع المشتبه بهم؟
- في الواقع هناك عدة تحقيقات في هذه القضية يقوم بها كل من الجيش اللبناني والوحدة الإسبانية وقيادة قوات اليونيفيل. لكن التقدم بطيء لأنه يتعلق بعمل إرهابي وأيضاً لأن أحداً لم يعلن مسؤوليته عن الاعتداء.


• هل صحيح أنه سيتم تخفيض عدد قوات اليونيفيل؟
- لن يكون هناك تخفيض وإنما بعض التغييرات والتبديلات المتفق عليها مسبقاً منذ تشرين الثاني في العام الماضي. فبعض الدول أرسل قواته لمدة عام واحد وسيتم تبديلها بقوات أخرى، وهذا كل ما في الامر.

 

تواصل مستمر مع المواطنين
• كيف تصف علاقة قوات اليونيفيل بالمدنيين، ولا سيما في الجنوب؟
- أعتقد أن العلاقة بين الطرفين جيدة جداً ونحن نقوم بما في وسعنا لإبقائها على هذا النحو. فمهمة تحقيق السلام لا يمكن أن تنجح إلا بوقوف المدنيين الى جانبنا ودعمهم لجهودنا.
نحن ندرك بالطبع أن وجود عشرين ألف جندي في الجنوب ليس بالأمر السهل بالنسبة إلى المواطنين، فهناك دائماً سيارات عسكرية ودوريات على الطرقات ليلاً ونهاراً، الأمر الذي يطمئن المدنيين أحياناً ويزعجهم من حين إلى آخر. ولكني أعتقد أنه من الأفضل القبول ببعض الإزعاج مقابل تفادي العودة إلى الحرب في المدى البعيد، وهذا ما نحاول إيصاله إلى المواطنين من خلال جهاز شؤون المدنيين، وجهاز التنسيق المدني - العسكري، اللذين يتواصلان مع المواطنين باستمرار، ويشرحان لهم حقيقة دورنا ورسالتنا. وأعتقد ايضاً أن ما نقوم به من خدمات إنسانية وإنمائية في الجنوب يساعد في إيصال الرسالة إلى الأهالي، كما نعتمد في هذا الموضوع على دعم الجيش اللبناني في زيادة الثقة بيننا وبين المواطنين.


• ظهرت في المدة الاخيرة تحقيقات مصورة في قوات اليونيفيل على شاشات التلفزة، فما الهدف منها؟
- يتميز لبنان بتعدد وسائل الإعلام. وكما هو الحال في جميع دول العالم، فإن هذه الوسائل الإعلامية تنشر الأخبار التي تكون صحيحة في بعض الأحيان، وغير صحيحة في أحيان أخرى. وبما أن الجميع هنا يتابع باهتمام كل ما يحدث، فقد يصل إلى المدنيين أحياناًَ بعض الانتقادات السلبية بحقنا، نحن نتفهم هذا الأمر، وعلينا أن نتعامل معه. كما ندرك أيضاً أننا قد نقوم احياناً بخطأ ما، ولكنه بالطبع غير مقصود، وجل همنا خدمة المواطنين وتأمين مصالحهم. من هنا نشأت فكرة إستخدام وسائل الإعلام لإيصال الصورة الحقيقية للمواطنين، فكانت التقارير المتلفزة التي يقدّمها الفنان اللبناني رفيق علي أحمد. كما يتم التحضير لإصدار مجلة باللغة العربية تحمل تسمية «الجنوب» (صدر العدد صفر في كانون الأول 2007)، سنتوجه بها إلى المواطنين عبر الجمعيات والمدارس لشرح حقيقة ما نقوم به وسبب وجودنا في لبنان، ومدى نجاحنا في تحقيق مهمتنا لا سيما على صعيد حفظ السلام. وقد يكون من المبكر الآن التحدث عن السلام وإنما عن غياب الحرب، وهذا بحدّ ذاته هدف رائع.

تصوير: راشيل تابت