أسماء لامعة

أنطوان كرباج سيد الخشبة والشاشة
إعداد: تريز منصور

تصوير: راشيل تابت
المعاون ريمون واكيم

 

من صلابة جبل صنين الشامخ شخصيته ووهج صوته. قدر أبطال المسرح والتلفزيون، قدره، مصبوغ بسواد مصائرهم، ينتحل أسماءهم، يستعيض بها عن إسمه، عن هويته الضائعة بين دورين. يقترف آثامهم وجنونهم، يموت ميتتهم ويعود من كيميائية المسرح العجيبة الى الحياة، حياته أمام هتافات الجمهور. إنه ذاكرة اللبناني، ورجل المسرح والتلفزيون أنطوان كرباج الذي صفّقت له الجماهير... هذا الممثل الذي أغنى الفن اللبناني بأعماله التي لا تعدّ ولا تحصى، لا نستطيع أن نختصره بسطور.

 

إبن زبوغة
في سفح جبل صنين، وتحديداً في بلدة زبوغة ولد أنطوان كرباج. والده أستاذ المدرسة شكري كرباج، أما والدته فهي السيدة إيراساما كرم. وهو الولد البكر لعائلة مؤلفة من خمسة شباب وفتاة.
برزت موهبة التمثيل عنده في سن العاشرة، حيث كان يجمع أولاد الحي والأقارب ويؤدي الأدوار المسرحية أمامهم.
البطل المسرحي، الرجل القوي، صاحب الصوت الجهوري على خشبة المسرح، لم يعش طفولته كباقي الأطفال، فقد تعرّض للعديد من الحوادث الصحية، منها غلطة طبيب أدّت الى توقّف قلبه عن العمل لمدة ثلاث دقائق وهو في الخامسة من عمره، ولولا العناية الإلهية وحقنة الكافيين التي أعطاها إياها جده، لما كان بيننا. بعد ذلك نقل الى المستشفى وهو: أعمى، أخرس، أطرش ومشلول... هناك تنبأ أحد الأطباء الفرنسيين أنه لن يرى مجدداً، ولكنه عاد طفلاً معافى.
وفي عمر الثماني سنوات، أمر أحد الأطباء ايضاً ببتر ساقه، نتيجة ألم حاد فيها، لكن مع العلاج عادت رجله الى العمل (بشكل غير طبيعي)، وبعد مضي سبع سنوات «بصقت» رجله كتلة الإلتهاب، ومنذ ذلك الحين عاش إنساناً معافى.

 

درب المستقبل والنجاح
تلقى علومه الإبتدائية في المدرسة الرسمية في منطقة رأس بيروت، ثم تابع علومه في دار المعلمين، ودرّس مادتي التاريخ والجغرافيا. وبعد ذلك عاد الى دراسة التاريخ وتخرّج في الجامعة اليسوعية حاملاً إجازة فيه.
في تلك الفترة أحيا مسرح كلية الحقوق الذي كان مقفلاً، وبواسطة صديقه أمين زيدان تعرّف على الفنان منير أبو دبس، الذي كان يعمل في فرقة السوربون، واستدعته لجنة مهرجانات بعلبك الدولية، لإنشاء أول معهد للتمثيل (مدرسة المسرح الحديث) في لبنان (بداية سنة 1960).
من منير أبو دبس تعلّم أن التمثيل مادة ثقافية، لا تؤخذ إلا بالعلم. أسّس مع منير أبو دبس «فرقة المسرح الحديث» التي أدّت دوراً رائداً في الحركة المسرحية في لبنان والعالم العربي. وعن طريق مهرجانات بعلبك الدولية قام أنطوان كرباج مع الفرقة بعدة جولات فنية دولية، كما شارك في مهرجانات حوض البحر المتوسط (شاركت فيها دول المتوسط في أوروبا وأفريقيا وآسيا).
العام 1966 تزوج من الأديبة والصحافية لور غريب ورزقا ثلاثة أولاد: وليد، رولا ومازن (رسام).
العام 1967 أسّس فرقته الخاصة، وما لبث أن تعرّف على الأخوين الرحباني، وكانت بينهما رفقة عمر ومسيرة إبداع، طبعت وجه لبنان الثقافي والحضاري في العالم.
«الرحابنة خلقوا الأغنية اللبنانية ورسموا لنا وطناً لم يزل حلماً جميلاً، الله أعلم متى يصبح حقيقة»، يقول كرباج.

 

سيد على الخشبة
منذ بداياته الفنية حلّق الفنان أنطوان كرباج في أعماله المسرحية وأبدع في تأدية أدواره العديدة ومنها:
- دور «ماكبث» في مسرحية لشكسبير، مهرجان جبيل الأول، 1962.
- دور «أورست» في «الذباب» لسارتر، مهرجان جبيل الثاني، 1962.
- دور «الملك» في مسرحية «الملك يموت» لأوجين يونيسكو، في بيروت والقاهرة، وبغداد، ودمشق، 1965.
- دور «أوديب» في مسرحية «أوديب ملكاً» لسوفوكليس، بيروت وباريس، 1966.
- دور «المفتش» في مسرحية «علماء الفيزياء» لدورنمات، بيروت وعمان، 1967.
- دور «الملك» في مسرحية «هاملت» لشكسبير، مهرجانات بعلبك الدولية.
- دور «فاوست» في مسرحية «فاوست» لغوته، في عدة أماكن أثرية في لبنان، 1968.
- دور «المهرج» في مسرحية «المهرج» للشاعر السوري محمد الماغوط وإخراج يعقوب الشدراوي، بيروت، 1974.
- دور «أبو علي» في مسرحية «أبو علي الأسمراني» للكاتب التركي خلدون ثائر مع نضال الأشقر ومن إخراج برج فازليان، بيروت، 1974.
في مسرح الأخوين رحباني كانت له عدة أدوار، فهو كان «المهرب» في «يعيش يعيش» (بيروت، 1970)، و«الوالي» في «صح النوم» (بيروت ومعرض دمشق الدولي، 1971)، و«فاتك المتسلط» في «جبال الصوان» (مهرجانات بعلبك الدولية ومعرض دمشق الدولي، 1972)، و«الملك غيبون» في «ناطورة المفاتيح» (مهرجانات بعلبك الدولية ومعرض دمشق الدولي، 1972)، و«الحرامي» في «المحطة» (بيروت، 1974)، و«القائد الروماني» في «بترا» (عمان ودمشق وبيروت، 1977).
في ما بعد تعاون مع منصور الرحباني فأدى دور «اليوزباشي عساف» في مسرحية «صيف 840»  (كازينو لبنان، 1987)، و«الملك رعد الثالث» في «حكم الرعيان» (مهرجانات بيت الدين، ودمشق، وحلب، والدوحة، 2004 - 2005).
ومن أعماله المسرحية أيضاً «بليلة قمر» مع فرقة كركلا (كازينو لبنان ومونتريال، ولاس فيغاس، 2000، و«ألف ليلة وليلة»، إنتاج مدينة دبي للإعلام (دبي، مهرجانات بعلبك الدولية، بيروت، لندن، 2002 - 2003).

 

وفي التلفزيون
من المسرح جاء أنطوان كرباج الى التلفزيون، حيث أدى أدواراً أبدع فيها وجعلته سيد الشاشة ونجم الذاكرة اللبنانية. ومن هذه الأدوار التي لا تنسى:
- دور «جان فلجان» في مسلسل «البؤساء» لڤيكتور هوغو، إخراج باسم نصر (تلفزيون لبنان، 1974).
- دور البطولة في مسلسل «ديالا» مع هند أبي اللمع، إخراج أنطوان ريمي (تلفزيون لبنان، 1976).
- دور «المفتش» في مسلسل «لمن تغني الطيور» مع نهى الخطيب، إخراج إيلي سعادة (تلفزيون لبنان، 1976).
- دور «بربر آغا» في مسلسل «بربر آغا» للكاتب أنطوان غندور، إخراج باسم نصر (تلفزيون لبنان، 1979).

 

... والسينما
للسينما حصة من أعمال أنطوان كرباج، حيث لعب أدوار البطولة في عدة أفلام منها:
- «نساء في خطر» مع إيمان، إخراج سمير الغصيني (1982).
- دور البطولة في فيلم «الصفقة» مع رلى حمادة، إخراج سمير الغصيني (1984).
- دور البطولة في فيلم «إمرأة في بيت عملاق»، إخراج زيناردي حبيس (1985).

 

الممثل مخرجاً ومترجماً
لم يتوقف طموح الفنان كرباج عند ما حققه بل تعدّاه الى الإخراج، ومن أعماله في هذا المجال مسرحيتي أنطوان غندور «القبقاب» و«بربر آغا» (مسرح كازينو لبنان، 1979، و1981).
وفي الترجمة له أربعة أعمال من المسرح العالمي هي: «ماكبث» لشكسبير، «الذباب» لجان بول سارتر، «أنطيغونا» لسوفوكليس، و«القصر» لفرانز كافكا.

 

التميّز والدقة
استنبط جسد أنطوان كرباج طقوس المسرح ورموزه من التراجيدي والكلاسكي الى المسرح اللبناني والعربي ليصبح علامة فارقة في تاريخ الفن والمسرح. وهو لم يصل الى ما وصل اليه بالصدفة أو بالسهولة بل بكثير من الجهد والعمل والشغف والإفتتان.
بهذين الشغف والافتتان توجّّه الى المسرح أما «النجومية فأخجل من التحدث عنها وأكرهها، الله خلق النجوم ولا أحد قادر على زيادة عددها أو إنقاصها، أما إذا قصدنا المذنبات فهي تطل على الأرض حاملة معها الكوارث».
يؤكد دائماً في مجالسه أنه «يحب الفن، ويحب مهنته لأنها تنبع من ذاته، تعرف من خلالها على جوهر الإنسان ومشاعره. مهمة الممثل الخلق، فهو يحوّل الحبر الموجود على ورق الى شخصية كائنة يمكن أن نلتقيها في كل مكان وزمان».
عندما يعتلي خشبة المسرح فذلك لأن ثمة دوراً يجب أن يؤديه بغض النظر عن عدد الحضور. في إحدى المرات لم يتعدَّ عدد الجمهور بضعة عشرات (بسبب ظروف أمنية) غير أن ذلك لم يؤثر على أدائه.

 

اليوم
حول مسرحية «صيف 840» التي تعرض اليوم على مسرح كازينو لبنان بحلة  جديدة والتي يؤدي فيها دور البطولة يقول: «للأسف لم يتغير شيء في لبنان منذ 840 وحتى اليوم، ولذلك فالمسرحية تصلح أن تسمى 2010».
واعتبر أن التاريخ لا يكرّر نفسه إلا عند الشعوب الغبيّة، التي لا تتعلم من تجاربها،  موكداً أنه يراهن على الرحابنة الشباب اليوم ليكملوا مسيرة والدهم منصور الرحباني والأخوين الرحباني.
وعن مسلسله الجديد «ورتة خالي» مع الممثل جورج خباز يبدي كرباج إعجابه بالدور على الرغم من أنه تخوف منه بداية، وأعلن عن مشاركته في مسلسل لبناني سوري (ثنائية الكرز) يمتد على 60 حلقة ويتناول مواضيع دقيقة وجريئة، لم يتم تناولها في مجتمعات مغلقة بهذا الشكل.
وعن فيلم «سيلينا» المأخوذ عن مسرحية «هالك والملك» قال كرباج إن مستوى الفيلم برأيه كان أدنى بكثير من مستوى المسرحية، واعترف بأنه «دعسة ناقصة» في مسيرته الفنية. فقد كان متخوّفاً من العمل منذ البداية وهو اعترف بهذا للرحابنة.
كلما تقمّص كرباج شخصية جديدة (مأساة أو عنفاً أو جنوناً) ازددنا إحساساً بأن هذا الفنان الإستثنائي قادر على أخذنا الى خارج حدود الوقت والمكان.