في كل بيت

إبني عنيد ماذا أفعل
إعداد: ريما سليم ضوميط

 

 إذا أردت أن تُطاع فاطلب المستطاع


العناد ظاهرة مألوفة لدى الأطفال في مراحل معيّنة، حيث يأبى الطفل الامتثال لأوامر الأهل أو يصرّ على تصرّف ما وعدم التراجع عنه حتى في حال لجوء ذويه إلى العنف.
في العادة لا تستدعي هذه الحالة المبالغة في القلق، وإنما من الضروري علاجها لئلا تطول مرحلة العناد فتشكّل نمطًا سلوكيًا يتطوّر مع نمو الولد ويصبح جزءًا من شخصيته.
أسباب العناد في مراحل الطفولة وطرق علاجه في عرض للمعالجة النفسية والمساعدة الإجتماعية الدكتورة ماري آنج مرعي.

 

المرحلة الأولى
 (من صفر إلى ثلاث سنوات)

العناد ظاهرة سلوكية تختلف أسبابها وأشكالها وفق اختلاف مراحل الطفولة. ووفق الدكتورة مرعي يجب التمييز بين ثلاث مراحل في الطفولة، يتم التعامل مع العناد في كل منها بشكل مختلف. فهناك المرحلة الأولى من صفر إلى ثلاث سنوات، والمرحلة الثانية ما بين الثلاث والست سنوات، والمرحلة الثالثة من عمر السادسة إلى التاسعة.
في هذه المرحلة تشكّل الأم المحور الأساسي في حياة الطفل. فهو يعتمد عليها لتأمين مختلف احتياجاته لا سيما في عامه الأول، ما ينفي مبرِّرات العناد خلال هذه الفترة. ومع تعلّم الطفل المشي والكلام يمكن أن تبدأ مؤشرات العناد، بالظهور والهدف منها لفت انتباه الأم والسعي إلى كسب اهتمامها وعطفها. كذلك يمكن أن يكون العناد في هذا العمر شكلاً من أشكال التعبير عن الغيرة من الأخوة، أو عن الإهمال غير المقصود من قبل الأم، أو نتيجة اهتمام الخادمة بالطفل بدلاً من والدته. وتصب هذه الأسباب كلّها في خانة استياء الطفل من أمه، والذي يعبّر عنه بالعناد والرفض.
من أشكال العناد في هذه المرحلة رفض النوم في الأوقات التي تحدّدها الأم، أو رفض تناول الطعام والاستحمام.

 

المرحلة الثانية
(من ثلاث إلى ست سنوات)

من سمات هذه المرحلة تكوّن الشعور بالاستقلالية لدى الطفل الذي يظهر حاجة إلى إثبات شخصيته وتأكيد حضوره الاجتماعي بعد أن أصبح تلميذًا في المدرسة أو في دار الحضانة.
وتشير الدكتورة مرعي إلى أن الطفل في هذه الفترة بات قادرًا على استيعاب مبدأ الممنوع والمسموح، لذلك فهو يستخدم العناد في محاولة منه لمعرفة حدوده وقدرته على تجاوز السقف المسموح به.
في هذه المرحلة من عمر الطفل لم تعد الأم وحدها معنيّة بالعناد، فالأب أيضًا دخل حياة صغيره، وبات الإثنان يشكِّلان السلطة المواجهة للطفل والمستهدفة بالعناد. من هنا يفترض بالوالدين الحفاظ على موقف موحّد تجاه القرارات المتعلِّقة بالطفل، وعدم الاستسلام لعناده ومحاولته خرق القوانين والقواعد السلوكية المتفق على تطبيقها ضمن العائلة.
يتخِّذ العناد في خلال هذه الفترة أوجهًا شبيهة بالمرحلة السابقة، مع تبنّي مواقف جديدة من بينها إصرار الطفل على اختيار ملابسه بنفسه، ورفضه مشاركة أخوته بألعابه مع امكان تحطيم الألعاب عند ازدياد حدّة العناد.

 

المرحلة الثالثة
(من ست إلى تسع سنوات)

في هذه المرحلة ينبغي على الأهل اعتماد المزيد من التشدّد في مسألة احترام القوانين والتعليمات، لا سيما أن الطفل في سن السادسة وما فوق يتعلّم في المدرسة أن حريته تقف عند حدود حرية الآخرين. وتؤكد الدكتورة مرعي ضرورة توزيع الأدوار بين الأسرة واتفاق الأهل على أسس التربية بشكل واضح منعًا للوقوع ضحية الاحتيال الذي يمارسه الطفل في هذا العمر. فالأولاد في سن السادسة وما فوق يمكن أن يعتمدوا الدلع الزائد للحصول على مبتغاهم من الأهل، واذا لم يكن هناك من ضوابط فإن الإفراط في التدليل يؤدي إلى العناد السلبي، حيث يلجأ الولد إلى الإكثار من الطلبات كلما عانى نقصًا عاطفيًّا متسلّحًا بالعناد للحصول عليها.
في هذه المرحلة يمكن أن يظهر العناد عبر القيام بتصرّفات مناقضة لتعليمات الأهل.

 

التعامل مع الطفل العنيد   
تؤكد الدكتورة مرعي ضرورة عدم الرضوخ للعناد والاستسلام له لأن الأهل بذلك يشرعون هذا السلوك لدى الطفل ويحوّلونه من سلوك مرحلي إلى حالة ثابتة ترافق الولد إلى مرحلة النضوج. وتشير المعالجة النفسية في الوقت عينه إلى أن مواجهة الطفل بكلمة «لا» يجب أن تكون مدروسة لكي تعطي النتائج المرجوّة، لذا فهي تنصح الأهل باعتماد الإرشادات الآتية:
• عدم إرغام الطفل على الطاعة، واللجوء بدلاً من ذلك إلى المعاملة الحسنة الممزوجة بالحزم عند تزويده الإرشادات، ذلك أن عناد الأهل وتشبثّهم بموقفهم يدفع الأولاد إلى التماثل بهم وتبنّي عنادهم.
• ضرورة التمييز بين العناد السلبي والآخر الإيجابي. فالطفل الذي يصرّ على تناول طعامه من دون مساعدة الأم إنما يسعى إلى إثبات قدراته وهنا يجب على الأهل مساندته لا الوقوف ضده. والطفل الذي يرفض ارتداء المعطف الثقيل الذي يعيق حركته إنما يفعل ذلك بسبب الإزعاج الذي يسبّبه له المعطف وليس لأهداف كيدية.
• إعتماد الحوار، لا سيما في المرحلة الثالثة من الطفولة. فهو أولاً يطمئن الطفل إلى أن هدف الأهل مساعدته وليس قمعه. كما أن النقاش البنّاء ينمّي التفكير المنطقي لدى الأولاد، ويطوّر لغة الحوار التي تشكّل السبيل الوحيد إلى التسويات التي ترضي الطرفين.
• إستخدام الأساليب المجدية في علاج العناد وفق ما تقتضيه كل حالة. فالعناد الناتج عن علاقة غير سليمة مع الأم ينبغي معالجته عبر تحسين العلاقة بين الطرفين. أما العناد الناتج عن تمرّد على السلطة فيجب ترويضه مع مراعاة عدم إلغاء شخصية الطفل وعدم السماح له بتخطِّي حدوده في الوقت عينه.
• عدم اللجوء الى أسلوب التعنيف والشتائم، لأن ذلك من شأنه أن يحطم الولد وأن يشعره بالمذلة والمهانة من دون التوصّل الى أي نتيجة إيجابية.
• عدم التعويض عن النقص في الرعاية والحنان بالإمتثال إلى طلبات الطفل غير المنطقية من باب الشعور بالذنب، لأن ذلك يعلّم الطفل سلوك طريق الإبتزاز.
وأخيرًا، العمــل بالمثل القائل «إذا أردت أن تطاع، فاطـلب المستطاع». فلكـــل سن قدرتــه على الاستيعاب ولــكل طفل طاقــته على التحمّل، ومن واجــبات الأهــل مراعــاة هذيــن العاملين لدى وضع التعليمات والقـوانين التي ينبغي على الطفل إلتزامها.