إقتصاد ومال

إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص في لبنان
إعداد: تريز منصور

هل نحن أمام فرصة لنهوض القطاعات الاقتصادية؟

 

باتت الشراكة بين القطاعين العام والخاص PPP - Public Private Partnership، نموذجًا حديثًا لتطوير قطاع الخدمات وزيادة استثمارات القطاع الخاص. بدأ اعتماد هذا النموذج لسببين: التخلّي التدريجي عن ملكية الحكومات المطلقة لوسائل الانتاج بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتعاظم الديون السيادية لمعظم دول العالم.
وينظر إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص كوسيلة لـتأمين احتياجات المجتمع من السلع والخدمات بأساليب مستحدثة، لا سيّما عندما يكون الاقتصاد الوطني في وضع يمنعه من العمل بكامل قدراته وطاقاته التشغيلية. ونتيجة لتباطؤ الاقتصاد اللبناني، طُرح موضوع الشراكة في لبنان منذ العام 2007 إلى أن أقرّ مجلس النواب في آب الفائت القانون المتعلّق بها.

 

أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص
برز اهتمام الحكومات والمجتمعات والمراكز البحثية بالشراكة بين القطاعين العام والخاص PPP - Public Private Partnership، منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، وذلك انطلاقًا من أن عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية تحتاج إلى حشد جميع إمكانات المجتمع، بما فيها من طاقات وموارد وخبرات في القطاعين العام والخاص. وتسعى الدول المتقدمة والنامية على حدٍّ سواء إلى خلق التنظيمات المؤسّسية ووضع التشريعات الملائمة لتبنّي التنظيمات التشاركية، بحيث تُسهم قطاعات المجتمع في توجيه المشاريع والأعمال وإدارتها وتشغيلها وتطويرها وتنميتها من أجل خدمة أغراضها، وعلى أساس تشارك فعلي، وحوكمة جيدة، ومساءلة شفافة ومنفعة متبادلة.
وقد ارتفعت نسبة المشاريع التي تنفّذ بالشراكة بين القطاعين العام والخاص في أنحاء العالم لعدة أسباب منها: انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومته، ما دفع بدول أوروبا الشرقية بدايةً، ودول هذا الاتحاد وروسيا لاحقًا إلى التراجع عن ملكية الحكومات المطلقة لوسائل الانتاج، وإشراك القطاع الخاص بشكل أو بآخر في إدارة شوؤن الدولة، تعاظم الديون السيادية وازدياد عجز موازنات الحكومات في العديد من الدول...
ويمكن القول إن الشراكة بين القطاعين العام والخاص باتت تشكّل في كثير من البلدان ومنها لبنان، وسيلة لتمويل وإنشاء بنى تحتية بغية تطوير الاقتصاد. فالبنى التحتية المتطوّرة تُسهم في إيجاد الأرضية المناسبة لاستقطاب الاستثمارات وخلق فرص عمل في جميع القطاعات. كذلك للبنى التحتية تأثير مباشر على الخدمات العامة لجهة مدى توافرها، واتساع نطاقها وشموليتها، ورفع قدرتها التنافسية وخفض كلفتها. وممّا لا شكّ فيه أنّ الاستثمار في البنى التحتية يؤدي دورًا رئيسًا في تحفيز نموّ الناتج المحلي وتطوير الاقتصاد وتأمين نموه المستدام.

 

بين الشراكة والخصخصة وعقود الإدارة
الشراكة بين القطاعين العام والخاص، هي شراكة طويلة الأمد تهدف إلى تقديم خدمات عامة، وإنشاء البنى التحتية عن طريق الاستفادة من الكفاءة الإدارية والقدرات التمويلية للقطاع الخاص. تتميّز هذه الشراكة بأنّها ليست شراكة برأس المال ولا شراكة بالأرباح، بل هي أيضًا شراكة بالمخاطر، بحيث أنّ القطاع العام يحوّل إلى القطاع الخاص جزءًا من مخاطر المشروع ويحتفظ بجزء آخر، وهذا ما يميّز الشراكة عن الخصخصة وعقود الإدارة. فالخصخصة تنطوي على تحويل مخاطر المشروع (خسارة) إلى القطاع الخاص، بينما تكتفي الدولة بدور التنظيم والرقابة. أمّا عقود الإدارة فتقضي باحتفاظ الدولة بالمخاطر كلّها، لأنّ دور القطاع الخاص يقتصر على تقديم خدمة ما لقاء بدل يتفق عليه بين الطرفين.
في المقابل تشمل الشراكة بين القطاعين العام والخاص المخاطر بكل درجاتها, وإنما بنسب تختلف من مشروع إلى آخر بحسب المشاريع والاتفاقات المبرمة. ويتحمّل القطاع الخاص في عقود الشراكة مخاطر التطوير والتصميم والتشييد والتشغيل والاستكشاف والتمويل والتضخّم. وهنا تكمن أهميّة هذه الشراكة إذ إنّ القطاع الخاص أكثر دينامية لجهة التطوير والاستكشاف، خصوصًا وأنّه يسعى إلى رفع إنتاجيته، ممّا ينعكس إيجابًا على جودة السلع المنتجة من جهة، وعلى تخفيض الكلفة من جهة أخرى. ويتحمّل القطاع العام مخاطر البيئة والتنظيم والتعرفة وبعض الأمور القانونية الأخرى، ويمكن أن يتحمّل الطرفان معًا المخاطر المتعلّقة بالقوّة القاهرة والعلاقات مع العمّال والربح والخسارة. كذلك يمتاز هذا النوع من الشراكة بأنّ القطاع العام لا يشتري الأصول في المشاريع، بل يكتفي بشراء السلعة المنتجة، وبكلام آخر يهتم القطاع العام أكثر بالمخرجات بدلًا من اهتمامه بالمدّخلات.

 

أهداف الشراكة
تهدف الشراكة بين القطاعين العام والخاص إلى:
- انتقال الحكومة من تشغيل البنية الأساسية والخدمات العامة، إلى التركيز على وضع السياسات الخاصة بالبنية الأساسية، وتحديد الأوّلويات في مشاريعها، ومراقبة عمل مقدّمي الخدمات بغية تحسين نوعيّتها ورفع جودتها.
- استثمار الكفاءات الإدارية والقدرات التمويلية الموجودة في القطاع الخاص، فضلاً عن إشراكه في تحمّل المخاطر.
- تخفيض الكلفة، إذ ينبغي على الشريك الذي سيدخل المناقصة أن يقدّم سعرًا أنسب وأدنى من الكلفة التي كانت الدولة ستتكبّدها، إذا تولّت هي المشروع، على أن يشمل السعر التكاليف الإضافية للمخاطر.
-تفادي تراجع الأصول والمنشآت نتيجة الصيانة غير الفعّالة أو التّشغيل السيّء للأصول، وإدخال الابتكارات أو القيمة المضافة على تصميم المشروع...

 

متطلّبات الشراكة الناجحة
يحتاج نجاح أي رؤية استراتيجية على المستوى الاقتصادي العام إلى ظروف ملائمة وبيئة حاضنة وأدوات تساعد في تحقيق أهداف هذه الرؤية، ويمكن تحديد الخطوط العريضة لمتطلبات نجاح هذا الأسلوب بالآتي:
- دعم سياسي قوي على المستوى الوطني، ووجود تصوّر واقعي مشترك للشـراكـة مبنـي علـى نقاط القوّة والضعف المتوافرة لدى أطرافها.
- تحليل دقيق ومفصّل وشفّــاف لجــدوى المشــروع قبل التعاقد.
- تحليل مفصل للمخاطر، بما فيها المخاطر السياسية.
-إبرام عقود شفّافة وتنافسية، ومفصّلة، على المدى الزمني القصير والمتوسّط والطويل.
- رغبة القطاع العام، بقبول حلول ابتكارية.
- وجود رقابة فعّالة وحرفية على الشريك في القطاع الخاص من قبل العميل الحكومي.
- اختيار المشاريع المناسبة بحيث يمكن تكرارها لتحفيز القطاع الخاص.

 

الشراكة والاقتصاد اللبناني
بعد مرور العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، لا يمكن للاقتصاد اللبناني مواكبة تطوّرات العصر من دون بنى تحتية متطورة تشمل خدمات الطاقة الكهربائيــة وشبكــات الاتصــالات، ومحطات الصرف الصّحي، والطرق، والجسور، والمياه، وغيرها الكثير من ضرورات الحياة العصرية والاقتصاد الناجح الذي يحافظ على بيئته ويقدّم الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لأبنائه.
إنّ عجز الدولة المزمن عن تحمّل أعباء الإنفاق الاستثماري اللازم بسبب تراكم الدين العام، أثّر سلبًا في قدرتها على تأمين الخدمات العامة وتمويل المشاريع وتنفيذها والإشراف عليها. من هنا أهمية الشراكة لتطوير البنية التحتية شبه المنهارة، من شبكة الطرق والمرافىء وسكك الحديد والمطارات إلى قطاعات الطاقة والاتصالات والكهرباء والماء فضلًا عن التعليم...
ولقد عانت من هذه الحالة عدّة دول، واستطاعت تخطّيها من خلال اللجوء إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتمويل مشاريع بنى تحتية ذات منفعة عامة، وتنفيذها وإدارتها.
فالبنية التحتية في دول الاتحاد الأوروبي ممثلًا يلبّي تمويلها 1400 عقد شراكة بقيمة 260 مليار يورو.
لكنّ ثمّة تحفّظ على هذه الشراكة يندرج في شقّين: أولهما، ضرورة توافر الاستقرار الأمني والسياسي، وثانيهما، وضع الدولة التي يفتقر العديد من قطاعاتها إلى الإدارة الجيدة الضرورية «للشراكة».
ومن ناحية أخرى، يُطرح مشروع «الشراكة» للتنفيذ قبل بدء أعمال هيئة الأسواق المالية المستحدثة لتطوير السوق المالية في لبنان، ولا سيما خلق بورصة حديثة تجذب استثمارات لبنانية وغير لبنانية. فأمام صعوبة التمويل عبر القطاع المصرفي، يجب أن يتوافر التمويل عبر المساهمات الخاصة في بورصة محكومة بالرقابة الإدارية والقانونية، بحيث لا تقع أسهم الشركات المستحدثة «للشراكة» في «شرك» المضاربات.

 

فرص استثمار
في العام 2016 بلغ حجم سوق قطاع تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في لبنان 436 مليون دولار، وفق المعطيات التي نشرتها المؤســسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان «إيدال»، وذلك في معرض بحثها عن فرص الاستثمار فيه. وتوقّعت المؤسسة نسبة نمو تصل إلى 9.7 في المئة بحلول العام 2019 ما يجعل حجم هذا السوق في لبنان 543.3 مليون دولار.