اقتصاد ومال

احترام قواعد التداول النقدي دليل حضارة ورقي وحس وطني
إعداد: تريز منصور
تصوير: المجند عبدو أبي خالد

أيـن نحـن مـن ذلـك؟

 إن حضارة أي بلد وسلوك مواطنيه تظهر من خلال نظافة عملته واحترام طريقة تبادلها النقدي وأهداف وجودها. وللعملة النقدية، ورقية كانت أم معدنية، قيمتها المادية والمعنوية على حد سواء في الأسواق النقدية، لذا واجب على حاملها التعامل بها ضمن الحفاظ على حقوقه وعلى واجباته تجاه الآخرين. في مختلف الدول المتحضرة يظهر بوضوح الاحترام الكامـل للعملة الوطنـية، بحـيث تبقى الورقية منها نظيفة من أي شعارات أو كتـابات، بينما يتـم تداول العـملة المعدنية بطريـقة صحيحة حتى الأصغر قيمة منها (قرش، سنت...) .
 الحاصـل اليوم في لبنـان، أنه خلال فتـرة الثمانيـنات، أي عندمـا فقدت اللـيرة اللبنانـية قيمتـها الشرائيـة مقابـل الدولار الأميـركي، ضعـف مـعها أو انعدم بطبيعـة الحال التـداول النقدي المعـدني. وفي العام 1995، وضع المصرف المركزي الفئـات المعدنية الجديدة في التـداول من فئة الـ500 ليرة وما دون لغاية الـ25 ليرة. وتعتـبر هذه الفئات اليوم ذات قيمة شرائية معقولة.


 التشويه والإهمال
المضحك المبكي أن بعض اللبنانيـين لا يحترمون مفهـوم الـتداول النـقدي بأنواعـه الورقية والنقدية، بحيث يقوم البعـض بتشويه العملة الورقية من خلال كتابة الشعارات والغراميات والعناوين وأرقام الهاتف...، وكذلك الأمر بالنسبة للعملة المعدنية، حـيث يتجاهـل هذا البعض من الـناس قيمتـها الإسمية فيعـيد البائع مثلاً للشاري "الحلوى" و"العلكة" بدلاً من حقـه الذي يساوي أحياناً الـ50 ليرة أو 100 ليرة أو حتى الـ500 ليرة لبنانية بحجة عدم توافر هذه الفئات النقدية لديـه (علماً أن هذه الفئات متوافرة في مصرف لبنان وفي الأسواق) ، وبالتالي فإن سوء التصرّف هذا يظـهر سلوكـية غيـر سليمـة من المواطن تجاه عملته الوطنية. ويقول مدير الخزينة السيد بهيج يونس الذي قصدته مجلة "الجيش" في مصرف لبنان، "إن سلوك معظم البائعين والمستهلكين في لبنان في ما خص التداول النقدي غير صحيح، وبعيد كل البعد عن الأهداف الرئيسية التي وضعت العملة النقدية في الأسواق من أجلها، ورقية كانت أم معدنة".
 وأضاف: "إننا نلاحظ أن اللبناني يحافظ على الدولار الأميركي كثيراً، فيما لا يتوانى عن تشويه عملته وعن الاستخفاف بقيمتها الإسمية والمعنوية. تلتزم الدولة بالقيمة الإسمية والمعنوية لكل عملة يصدرها مصرف لبنان، ويتعين على المواطنين مراعاة الإلتزام نفسه، من خلال المحافظة عليها في حالة جيدة واستعمالها للتبادل النقدي وليس لأمور أخرى، كما يتعين على المواطن عدم الاستخفاف بقيمتها أثناء عملية التداول: البيع أو الشراء. فللمواطـن حـق وعليـه واجبات احتـرام عملته، مهما اختلـفت قيمـتها الإسمـية، لأن حضارة البـلد تظـهر للسائـح أولاً من خلال نظافـة عملته وكيفـية التعاطـي فيها. والجـدير ذكـره، أن هناك قوانين في الدول المتحضرة تفرض غرامات مالية على سوء استعمال العملـة أو تبادلها النقـدي".

 

 أسباب إهمال النقود المعدنية
عن الأسباب الجوهرية التي تدفع بعض اللبنانيين الى إهمال النقود المعدنية والاستخفاف بقيمتها، قال السيد يونس "إن السبب الرئيسي لهذه السلوكية هو ضعف القوة الشرائية لليرة خلال الحرب، أما الثاني، فيعود الى أن الكثير من اللبنانيين لا يعلمون بتوافر قطعة نقدية بقيمة الـ50 ل. ل. والـ25 ل.ل. في مصرف لبنان. وهكذا فإن المستهلك يترك حقه في معظم الأحيان مستخفاً بقيمة هذا الحق، وكذلك التاجر، فإنه يهمل توافر هذه القطع النقدية لديه، مستفيداً من عدم معرفة المواطنين، بغية الربح، فعندما يتم تجميع كميات كبيرة من القطع المعدنية قد تتراكم وتصبح مبلغاً لا يستهان به. وهنا نشير مثلاً الى أن اللبناني في الخارج يضطر لصرف مئة دولار لكي يدفع سنتاً واحداً، بينما في لبنان يترك حقه من فئة الـ500 ليرة أو 250 ليرة للتاجر. في المقابل فإن البائع يطلب من المستهلك حقه من فئة الـ25 ليرة و500 ليرة لبنانية".


وعن كيفية حصول التاجر على النقود المعدنية من مصرف لبنان وطريقة استبدالها، قال السيد يونس "إن مصرف لبنان، جاهز لاستبدال النقود الورقية بمعدنية والعكس بالعكس وبكافة فئاتها، وذلك من الساعة الثامنة صباحاً ولغاية الساعة الثانية بعد الظهر. وان مصرف لبنان يضطر عند حاجة السوق الى طبع وسك نقود جديدة، ضمن القوانين المرعية الإجراء، وبناء على مناقصة يجريها البنك المركزي مع شركات عالمية في الخارج مثل ألمانيا، النمسا، كندا وبريطانيا.. وان كلفة الطباعة والسك تدفع بالعملة الصعبة، من هنا على المواطن اللبناني الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الإهمال الحاصل في طريقة التداول النقدي، يدفع ثمنه بطريقة غير مباشرة وبالعملة الصعبة".
وعن قيمة الفئات النقدية المتوافرة في الأسواق أشار السيد يونس الى أنها تقدر بنحو 29 مليار ليرة لبنانية. أما عـما إذا كانت عملية سك النقـود المعدنيـة أدنى بكثـير من عملية طبع العملة الورقية قال: "إن كلفة الطباعة والسك تختلف بين معدن وآخر (نحاس، نيكل...) وبين نوعية ورق وأخرى، ولكن في المبدأ، فإن كلفة المعدن أقل نسبياً من كلفة الورق. وكـان مصرف لبنان قد استبدل الفئات الورقية الـ25 ليرة والـ50 ليرة والـ100 ليرة والـ250 ليرة والـ500 ليرة بأخرى معدنية ووضعها في الأسواق في العام 1995، نظراً لسهولة تداولها ولحجمها المريح وكلفتها المنخفضة. وهذه الفئات تتمتع بقيمة شرائية لا بأس بها كما ذكرنا سابقاً. ولكن مشكلة اللبناني هنا أنه لم يعتد، كما في سفره، على حمل النقود المعدنية في جيبه".

 

 ثمن الإهمال
عندما تتعرض كميات من العملة الورقية للتشوه أو التلف، يضطر مصرف لبنان لطباعة كميات بديلة عنها. والأموال التي تتكبدها الخزينة لذلك هي في النهاية أموال المواطنين...