جولة وموقف

استرح، تأهب...
إعداد: د.إلهام نصر تابت

«استرح، الكل استرح، ريحوا حالكن شوي»... كثيرًا ما يتخطى قائد الجيش العماد جوزاف عون الشكليات في لقاءاته مع رجاله، خصوصًا عندما يكون اللقاء على الأرض، في ميدان التعب والعرق والتضحيات الكبيرة. في هذا السياق يندرج «أمر استرح» الذي وجّهه إلى العسكريين عندما التقاهم في مكتب أمن الضاحية في حضور مدير المخابرات العميد الركن أنطوان القهوجي، وذلك ضمن جولة قام بها بعد عملية تحرير المواطن السعودي الذي اختُطف في بيروت، وشملت مخابرات منطقة بيروت وفوج التدخل الثالث أيضًا.

«استرح»، استرح يا وطن، ولكن لهنيهاتٍ فقط، فنحن نعلم وأنت تعلم أكثر منا أنّ الطريق الذي اخترته يوم ارتديت هذه البزة هو نبع التعب، النبع لن ينضب، سيظل يتدفق. ستظل أنت نبع التضحيات، هذا ما نعرفه أيضًا، وما تعرفه قيادتك، ألم يقل القائد الذي يرشح جبينه كل يوم بعرق رجاله المنتشرين في كل بقعة وساحة، من الجرود إلى البحر: «بعرف، مرحلة صعبة»، وإذ تساءل: «بتمرق»؟ ثبّت الأمل بلبنان قائلًا، «أكيد رح تمرق... بدنا نطوّل بالنا شوي بعد، لأنو البلد أمانة برقبتنا».

دعاهم للاستراحة قليلًا لأنّه أراد أن يكون التركيز على ما هو أهم في لقائه بهم، أن يدركوا أهمية الإنجاز الذي حققوه بتحرير المواطن السعودي المختطف خلال ساعات من وقوع حادثة الخطف، فبذلك أنقذوا سمعة لبنان، والموسم السياحي المنتظر. وهو أراد أن يدركوا أهمية الجهود التي يبذلونها يوميًا في مواجهة عصابات السرقة والخطف والسلب والمخدرات، وفي حفظ الأمن والاستقرار، وحماية لبنان، فهم العمود الفقري للوطن، وخشبة الخلاص التي يراهن عليها اللبنانيون. أراد أن يؤكد لهم أنّ سعي القيادة لتخفيف معاناتهم في هذه الأوضاع الصعبة مستمر أيضًا، وكل حديث عن توقّف المساعدات هو من باب التشويش الذي يمارسه المتضررون من عمل الجيش.

 

ستكون لنا أيام خير وبركة

«تأخرت عليكم قليلًا» قال العماد عون للعسكريين في بداية لقائه بهم في مكتب أمن الضاحية – ثكنة هنري شهاب، لكنه أضاف « أنتم دائمًا في القلب والبال، قليلًا ويحل عيد الأضحى، أتمنى أن تكون الأيام الآتية مليئة بالخير والبركة، وهي ستكون كذلك بفضل تعبكم وسهركم». ذكّرهم بزيارته لهم قبل ٥ أشهر حين أتاهم مهنئًا إثر عملية الجورة التي

انتهت بالقضاء على واحدة من أخطر عصابات المخدرات. وأشار إلى أنّه في منطقة معقدة وبالغة الحساسية بسبب الاكتظاظ والوجود السوري والمخيمات، «لا أحد سواكم يستطيع تنفيذ عمليات نظيفة كالتي نفذتموها من دون تعريض الأبرياء لأي خطر، تقومون بواجبكم وهمكم أن لا يصاب أحد السكان خطأً». وكشف لهم: «يكبر قلبي كلما سمعت عن التوقيفات التي تنفذونها بحق المجرمين، استمد منكم المعنويات». 

في ما يتعلّق بتحرير المواطن السعودي واعتقال المتورطين بخطفه، دعا العماد عون العسكريين إلى الافتخار بما حققوه، وإذ كشف أنّ السعوديين فوجئوا بتنفيذ العملية بهذه السرعة وكانوا يعتقدون أنّ الأمر قد يستغرق شهورًا، قال: «هذا وسام على صدوركم». 

وجه إليهم «أمر استرح»، واستطرد قائلًا: «يوميًا تقومون بتوقيف مجرمين في قضايا المخدرات والعصابات، هؤلاء سرطان تحاربونه بكفاءةٍ. فتحت ذريعة الأوضاع الاقتصادية ازدادت نسبة هذه القضايا، لكنّ الجيش لن يتهاون في مكافحة خطر هذه العصابات، وليس لديه كبير إلا لبنان. كذلك أشار العماد عون إلى أنّ ضبط الأوضاع في الضاحية يقتضي وجود فوجَين أو ثلاثة، لكنّ العسكريين يحققون المطلوب بفضل حسهم الأمني وذكائهم وشجاعتهم. 

وقبل أن ينهي حديثه، دعا العسكريين إلى عدم الاكثراث بالشائعات التي يطلقها من حين إلى آخر المتضررون من قيام المؤسسة العسكرية بواجبها، فقال: «وحدها الشجرة المثمرة تُرشق بالحجارة»... 

الجملة الأخيرة التي سبقت عبارة «يعطيكن العافية»، كانت في مضمونها دعوة إلى التأهب الدائم، فالمطلوب لدرء خطر الانهيار عن البلد كثير، ولا خيار أمامنا سوى المزيد من الثبات والجهد، البلد أمانة في أعناقنا.

 

غاب بلا شريعة

في مخابرات منطقة بيروت أكد قائد الجيش للعسكريين أنّ العيد يليق بهم، فهم أرباب التضحية ورجالها، أثنى على جهودهم التي تتكامل مع جهود رفاقهم في مختلف المناطق وتثمر أمنًا وثقة، على الرغم من تأزم الوضع السياسي وصعوبة الأوضاع الاقتصادية. فالمغتربون يأتون إلى لبنان وكذلك السياح لأنّهم يثقون بأنّ الجيش يضمن الأمن. وقال: «يثقون بكم أنتم، ويعتبرون أنّه لولا المؤسسة العسكرية لما بقي لنا بلد». 

وتطرّق إلى تعقيد الواقع في بيروت كونها مركز القرار والمؤسسات، وما يقتضيه ذلك من جهود جبّارة لحفظ الأمن فيها، مثنيًا بشكلٍ خاص على العمل المحترف الذي أفضى إلى تحرير المواطن السعودي بسرعةٍ قياسية، وما كان له من أصداء إيجابية في الداخل والخارج، ومن ارتدادات على صعيد الموسم السياحي. وقال في هذا السياق: «نحن في موسم سياحي واعد، واجبنا أن نظهر للعالم ولكل من يرغب في المجيء إلى بلدنا أنّ لبنان آمن. تخيلوا الوضع لو أنكم لم تستطيعوا إحباط عملية الخطف وإعادة المخطوف سالمًا... لقد وجهتم ضربة قاضية لعصابة الخاطفين، والعقبى للعصابات الباقية. وإذ دعاهم إلى التفكير مليًا بأهمية دورهم في حفظ لبنان، أكد أنّه لولا جهود الجيش لـ»كنّا في غاب من دون شريعة»، وليس في ظل شريعة الغاب فقط. 

ثمة إشاعات، عن سوء نية أو حسن نية لا فرق، قال العماد عون مضيفًا: «لا تهتموا إلا بهدفنا الأسمى، حماية بلدنا وصون السلم الأهلي». ورأى أنّ الإنجازات التي يحققها الجيش تضر بمصالح البعض، «تقطع برزقهم»، لذلك يحاولون التجني على المؤسسة، لكنّ العسكريين سيتابعون القيام بما يمليه عليهم واجبهم الوطني وإيمانهم ببلدهم، وتضحياتهم اليوم سوف تثمر غدًا، لذلك يجب أن ننظر إلى المدى البعيد. 

كما أكد أنّ الجهود منصبة لتبقى طبابة العسكريين وعائلاتهم مؤمنة، مشيرًا إلى تسديد مستحقات المستشفيات، 

فممنوع أن يحتاج عسكري للاستشفاء ولا يستطيع الحصول عليه. كما لفت إلى ورود كميات من الأدوية كمساعداتٍ من الخارج ومن لبنانيين، وقال: «هذه المساعدات لم تأتِ مجانًا، هي نتيجة جهودكم. إنّ محبة الناس لكم تمتد على مساحة لبنان وبلدان الاغتراب. يقدّرون تعبكم ويثقون بكم، ونحن يجب أن نبقى على قدر المحبة والآمال والثقة». كذلك أشار إلى دعم خطة النقل وشراء ٤٠ باصًا جديدًا لتسهيل انتقال العسكريين. 

 

نحن هنا لا تخافوا

«تقومون بواجبكم على أكمل وجه بانضباطٍ وأخلاق واحترافية عالية رغم كل ما تعانونه... إنّها لمفارقة نادرة من الصعب أن تشهدها الجيوش»... هكذا نوّه قائد الجيش بمناقبية العسكريين في فوج التدخل الثالث خلال زيارته لهم متمنيًا أن «نرى الفرج قريبًا» بفضل وفائهم لقسمهم وتسلحهم بالإيمان والإرادة. 

العماد عون خاطب عسكريي الفوج قائلًا: «وجهتم للمغتربين والسياح رسالة مفادها، أهلًا بكم في لبنان، لا تخافوا، الأمن ممسوك، وسيظل ممسوكًا. عززتم الثقة في لبنان والخارج، ولم تسمحوا بتخريب موسم الصيف الذي يُنتظر أن يزوّد اقتصادنا بجرعة دعم. فهنيئًا لكم ما حققتموه». 

وأكد أن المؤسسة العسكرية أنقذت لبنان من الانهيار في هذه الظروف الصعبة، «أنتم أنقذتم لبنان، سيسجل التاريخ لكم ذلك»، وستستمرون كما كنتم صامدين، ثابتين. «لن نذهب إلى بيوتنا ونترك البلد لمصيره، واجبنا أن نحفظ لبنان، قدرات الجيوش تُبنى لمواجهة الظروف الصعبة».

وكما دعا رفاقهم إلى التركيز على هدفهم وواجبهم، دعاهم إلى انتهاج هذا السبيل وعدم الاكتراث بما يُبث من شائعات وافتراءات بحق المؤسسة، مؤكدًا «أنتم العمود الفقري للبنان وخشبة خلاصه، ولا خيار لكم سوى أن تظلوا على قدر المسؤولية». 

أما ختام الكلام فكان تمنيًا أقرب إلى الصرخة: «انشالله الإيام اللي جايي تعطيكم حقكم، وتعطيكم بلد خير وبحبوحة، ويرجع لبنان اللي كلنا منعرفو وبيعرفوه جدودنا». 

وإلى أن تأتي هذه الأيام، سيظل التأهب أمر كل يوم، بل كل ساعة ولحظة، لن تغفو العيون الساهرة، ولن ينال التعب من جيشنا.