قضايا إقليمية

اسرائيل في مواجهة تحديات العام الجديد
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية


يتوقّع المحللون الإسرائيليون  أن تواجه إسرائيل خلال العام الجديد 2014  تحديات استراتيجية وأمنية وسياسية غير مسبوقة. وفي هذا المجال اعتبرت دراسة صادرة عن معهد «بيغن - السادات للدراسات الإستراتيجية في جامعة بار إيلان»، أن وضع إسرائيل الأمني هو الأسوأ منذ عقود، وقدمت الدراسة توصية إلى حكومة نتنياهو بزيادة ميزانيتها العسكرية والإنفاق على جيشها، والحفاظ على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، بسبب تدهور الأمن الإقليمي في ظل ما يُطلق عليه «ثورات الربيع العربي»، مؤكدة أن الأحداث التي تعصف بالعالم العربي منذ أكثر من سنتين ونصف، جعلت الوضع الأمني للدولة العبرية الأكثر خطورة منذ نهاية الحرب الباردة، بحسب ما أورد موقع «واللا الإخباري».  وتوقع كبير معلقي صحيفة «يديعوت أحرونوت» رون بن يشاي، أن تواجه إسرائيل في النصف الثاني من هذا العام، تبعات الفشل المحتمل للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، في ظل الفجوة الكبيرة في المواقف بين الجانبين. كما توقّع أن تواجه تبعات السياسة «الانبطاحية» - على حد تعبيره - التي يتبناها الرئيس الأميركي باراك أوباما في المنطقة والعالم، والتي «يعكسها ميله للتردد في مواجهة الأطراف، التي تشكّل تحدّيًا لكل من إسرائيل والولايات المتحدة وتوجّهه للتوصّل إلى توافقات غير واقعية معها». وأوضح بن يشاي أن أكبر تحدٍ ستواجهه إسرائيل مستقبلًا هو مصير البرنامج النووي الإيراني الذي يفترض أن يتم حسمه في غضون أشهر إثر تجدد المفاوضات بين إيران والدول الكبرى. وأشار إلى أن مسألة شن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية قد تعود لتشغل دوائر صنع القرار بتل أبيب. وأكد أن إحدى القضايا المهمة التي تقلق المؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل، تكمن في مستقبل الحكومة  المصرية وقدرتها على إدارة شؤون البلاد. في السياق نفسه، حذرت صحيفة إسرائيل اليوم من أن أحد التحديات الكبيرة التي سيواجهها الكيان العبري خلال العام الجديد، يكمن في تعاظم أنشطة حركات «الجهاد العالمي» على حدود كل من سوريا ولبنان ومصر. ويقول المعلّق العسكري للصحيفة يوآف ليمور إن إطلاق قذائف الكاتيوشا في الآونة الأخيرة من لبنان يمثّل مقدمة للواقع الأمني الجديد الذي يمكن أن يسود خلال العام 2014. وأشار ليمور إلى أن خطورة أنشطة التنظيمات الجهادية تتمثّل في حقيقة أن إسرائيل لا تملك عنها معلومات كافية مما يقلّص قدرتها على إحباط عملياتها، فضلًا عن أن هذه التنظيمات غير قابلة للردع؛ وشدد على أن ما يجعل الأمور بالغة التعقيد على هذا الصعيد هو حقيقة أن هذه التنظيمات ترى أن كل الأهداف مشروعة، وبالتالي كل الوسائل التي توظف في تحقيقها مشروعة أيضًا. على ضوء ما تقدم كشف الموقع الالكتروني للمتحدث باسم الجيش الاسرائيلي عن نيّة الجيش إجراء تغييرات في سياسات القوى البشرية لديه ضمن خطته للعام الجديد 2014، على ضوء التقليصات في ميزانية الأمن، والتحديات المتغيّرة في الشرق الأوسط. وتتضمّن هذه التغيّرات تعزيز القوى العاملة في مجال الحرب الإلكترونية «السايبر» وسلاح الغواصات ووحدات الإعتراض في منظومات القبّة الحديدية والعصا السحرية، مقابل تقليص وإغلاق وحدات أخرى لم يذكرها.  وستركز الخطة على زيادة الاستعدادت للطوارئ والحفاظ على جاهزية الوحدات القتالية وتقوية نموذج ما يسمى «جيش الشعب» من خلال توسيع تجنيد المتدينين، والعمل على نقل مواقع الجيش الحسّاسة إلى النقب. وتحدثت الخطة عن تسريح آلاف الجنود من الخدمة الدائمة بسبب التقليص في ميزانية الأمن، ونقل مقترح لخطة عام 2015 ينص على تقليص وحدات الذراع البري وقيادة الجبهة الداخلية وسلاح الجو. وأقرّت الخطة أوامر صارمة في تقليص الميزانية هذا العام تقضي بتخفيض تكاليف الحفلات والمراسم العسكرية الجارية في الجيش. وذكرت الخطة معطيات جديدة حول واقع التجنيد، مشيرة إلى أن 66% من الشبان الذين تنطبق عليهم شروط التجنيد يخدمون في الجيش فقط ، وتصل نسبة التجنيد في وسط النساء الى 57.4% ، حيث وصفت الخطة هذه المعطيات بالخطيرة. على صعيد آخر اتضح أن من أبرز القواعد التي يتبناها الجيش الصهيوني في استراتيجيته العسكرية الراهنة: زيادة عسكرة التجمّعات الاستيطانية ورفع كفاءة الجندي المقاتل ونوعية السلاح، إضافة إلى تحسين ظروف الحرب الوقائية وقوة الردع ونقل المعركة إلى أرض العدو وبناء الأحزمة الأمنية والمرونة في اتخاذ القرارات الميدانية والتحكم في تسلح الأطراف المعادية. كما يتبنّى الجيش نظرية أمنية على أساس الحرب في أي لحظة، وكذلك سرعة الهجوم والدفاع والمفاجأة والضربة الاستباقية.
لكن على الرغم من هذه التمنيات والاحتياطات تبقى اسرائيل هذا العام أيضًا أسيرة معاناة نواقص وأزمات أبرزها، ضعف العمق الاستراتيجي بسبب عوامل الجغرافيا السياسية،  وتراجع قوة الردع التي تجلّت في الحروب الأخيرة للكيان الصهيوني، سواء في قطاع غزة أو جنوب لبنان. كما أنها تعاني اختلال استراتيجية نقل المعركة إلى أرض العدو، إضافة إلى الفساد المالي والأخلاقي والسياسي، حيث بيَّن تقرير أصدره برنامج الدفاع والأمن البريطاني للشفافية الدولية في تموز 2011، أن الكيان الصهيوني يحتلّ مكانة عالية في مخاطر الفساد العسكري، ناهيك عن التهرّب من الخدمة العسكرية والتغيّرات في المحيط الحيوي سياسيًا وعسكريًا، وتغيّر موازين القوى ورحيل حلفاء ومجيء قوى أخرى معادية. ويواجه الجيش الاسرائيلي تحديات لناحية الظروف السياسية الداخلية وطبيعة المجتمع الإسرائيلي، وحيثيات التفوّق العسكري في ضوء تنامي قوى المقاومة، وتحولات البيئة الإستراتيجية المحيطة، ما يُدخل المؤسسة العسكرية في مسارات غير مستقرة وغير واضحة المعالم، قد يكون لها تأثير كبير على طبيعة الدولة العبرية نفسها وعلى مستقبلها. وقد أوضح تقرير برنامج الدفاع والأمن البريطاني للشفافية الدولية، إثر تحليل معلومات عن 82 بلدًا حول العالم خلال الفترة الممتدة من تموز 2011 حتى كانون الأول 2012، أن إسرائيل تحتل مكانة عالية في مخاطر الفساد العسكري، حيث أن المجال مفتوح لإهدار المال والحصانة القانونية والتهديدات الأمنية في القطاع العسكري، علاوة على مظاهر الفساد الأخلاقي والسياسي. وكشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في كانون أول 2011، في تحقيق لها تحت عنوان «جيش الزجاجة»، أن ما اعتبر في السابق ظاهرة ثانوية ومعزولة تحول إلى وباء حقيقي أصاب الجيش الإسرائيلي، حيث حفلات السكر وتعاطي المخدرات داخل القواعد العسكرية، وصولا للمستوى القيادي. ويختصر كتاب صادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بعنوان: (الجيش الإسرائيلي 2000- 2012)، ما تواجهه المنظومة العسكرية الإسرائيلية من تحديات ومشاكل بالنقاط التالية:
- تراجع قوة الردع.
- اختلال ظروف استراتيجية نقل المعركة إلى أرض العدو.
- الفساد المالي والأخلاقي والسياسي.
- التهرّب من الخدمة العسكرية.
- التغيّرات السلبية في البيئة المحيطة سياسيًا وعسكريًا.