الأزمة المالية العالمية وصناديق التحوّط تبتلع خزائن الصناديق السيادية

الأزمة المالية العالمية وصناديق التحوّط تبتلع خزائن الصناديق السيادية
إعداد: د. عبد الله رزق
أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية

إنفجرت الأزمة المالية، المنتظرة منذ عام على الأقل، وتفاقمت نتائجها بسرعة مذهلة على صعيد العالم، وظهر أن أقصى ما يمكن فعله، على الرغم من الاحتياطات والخزائن المكدّسة، هو التخفيف من الآثار السلبية.

أفلس مصرف (Lahman Brs)، وبيعت شركة ميريل لينش المالية إلى (Bank of America) وتمّ تأميم "العملاق التأميني شركة "American International group عبر شراء 79,9% من أسهمها، من قِبل وزارة الخزانة الأميركية ووضع المصرفان الاستثماريان الباقيان في العناية الفائقة.

وعليه، فالأزمة التي ولدت قبل عام في قطاع التسليف على الرهونات العقارية، من جرَّاء قروض غير محسوبة إلى مشتري بيوت سكن عاجزين عن تسديد ديونهم، ها هي تتسع لتبلغ قطاعات جديدة، ولتهدِّد التوازن والاستقرار الاقتصادي الدوليين، في لحظة تستريح فيها شبكة العولمة إلى واقع سيطرتها المطلقة واستحواذها الكامل على آليات النشاطات الاقتصادية الدولية وحركتها.

 

الرهن العقاري بوابة الأزمة

إن المنطق الطبيعي للإقراض البنكي، هو تأكّد البنوك والمؤسسات المالية التي تقدّم الرهون من مسألتين أساسيتين:

أولهما، عدم المغالاة بقيمة الممتلكات العقارية التي يتمّ رهنها.

وثانيهما، الاطمئنان إلى سجل المقترض وكفاية دخله للقيام بالمدفوعات اللازمة تسديدًا للقرض.

وهاتان المسألتان ضمانة البنك لأمواله وأموال المودعين فيه.

هذه البدهية الإقراضية، تطوَّرت في المسار التاريخي لتحوِّل المؤسسات المالية نحو المزيد من التخصُّص، حيث بدأ يختصّ البعض منها بإصدار القروض، والبعض الآخر في جمع المال غرض تمويل القروض. وهكذا بدأت المؤسسات، التي أثبتت جدارتها في جمع رأس المال، شراء الرهون من تلك المؤسسات الجديرة في إصدارها.

وهكذا بدأ التطور في سوق الرهن الثانوي.

أما على صعيد الولايات المتحدة الأميركية، فقد بدأت المشاكل المرتبطة بالإقراض والرهن العام 1938، وبخاصة في أثناء إدارة الرئيس روزفلت، على الرغم من أن تلك الإدارة هي التي أنتجت فكرة توسيع الملكية الإسكانية من خلال إشراك الحكومات، حيث تمّ إنشاء "الجمعية الفدرالية للرهن العقاري الوطني" وقد عرفت باسم "فاني ماي".

كانت هذه الجمعية تقوم بشراء الرهون من البنوك، كما تفعل الشركات الخاصة، لكن باستخدام أموال دافعي الضرائب، وقد أُعطيت خاصية هامة ألا وهي: القدرة على الاقتراض من الحكومة الفدرالية بأرخص مما تستطيعه المؤسسات الخاصة. وهكذا استطاعت أن تحتكر سوق الرهن الثانوية. وقد حبّذت البنوك الجيِّدة في إصدار الرهون هذا الواقع والترتيب، كونه وفّر لها سوقًا جاهزًا يتم به إعادة بيع الرهون والحصول على الربح اللازم.

على هذه القاعدة، بدأت مستويات الائتمان وضمانات الرهون تنخفض على مدى سنوات، إنطلاقًا من أنّ الذين قاموا بتسيير أمور المؤسسة "فاني ماي" لم يستخدموا أموالهم الخاصة بل أموال دافعي الضرائب (لذلك كانوا أقل حرصًا وتشدّدًا)، على اعتبار أن هذا العمل يتمتَّع بجدوى اجتماعية، حيث يتمّ تيسير أمور الناس لشراء منازل سكنية، ومن الواجب تخفيف الشروط والتغاضي عن الصدقية الائتمانية، خدمة للحاجة الاجتماعية.

أمام تعاظم الأثر السلبي لهذا السلوك، قامت الحكومة الفدرالية العام 1968 بخصخصة مؤسسة "فاني ماي" مطالبة إياها بجمع الأموال من أسواق القطاع الخاص. وعملاً بالثقة المطلقة بأنّ الكونغرس لن يسمح بإفلاس "فاني ماي" تعاظمت رغبة مورّدي رأس المال من القطاع الخاص بالتعامل معها حتى وإن كان المردود المنتظر لكنه أقل مخاطرة لذلك عادت إلى احتكار سوق الرهن الثانوي.

غير أنّ الكونغرس، العام 1970، قام بتبنِّي مؤسسة مشابهة لـ"فاني ماي" مفسحًا المجال للمنافسة، واستمرت المؤسسات المالية المصدِّرة للرهون بسياسة عدم التشدّد في المعايير والضمانات المطلوبة. وتحت شعار دعم "الرخاء السكني" عرض البنك الاحتياطي الفدرالي العام 2002، مقادير من الأموال على البنوك وبأسعار فائدة أقل من نسبة التضخم، وبإصدار 100% من الرهون إلى مقترضين ليس بالضرورة تمتُّعهم بالصدقية الائتمانية.

عُرِضت هذه الرهون على المؤسستين المذكورتين، فتمّ تصنيف رهونها وبيعها إلى صناديق استثمارية وإلى الجمهور، على قاعدة أنها استثمارات حد أدنى من المخاطر. لذا بدأت قيم العقارات وأسهم الشركات العقارية بالارتفاع ليس فحسب في أميركا، بل في كل أنحاء العالم، وظهر ما يُسمّى بفقاعة القطاع العقاري، حيث اعتبر شراء العقار أفضل أنواع الاستثمار مقابل الأنشطة الأخرى بما في ذلك التكنولوجيا الحديثة المعرَّضة للخسارة بشكل أكثر من غيرها.

وأقبل الأميركيون أفرادًا وشركات على شراء العقارات للسكن أو للاستثمار أو للمضاربة. فوصلت الفقاعة إلى مداها الأقصى العام 2007 حيث بدأت تفوح روائح عدم القدرة على التسديد، إذ أعلن 12 مليونًا من أصل 20 مليون، عدم قدرتهم على سداد القروض. لذا هبطت العقارات، وفقد أكثر من مليوني أميركي ملكيتهم العقارية وكُبِّلوا بالالتزامات المالية.

 

أسبوع الآلام الأميركي، مرشح للتمديد

إثر انفجار الفقاعة العقارية في شباط/فبراير 2007، بدأت تلوح "تباشير" الأزمة المالية، وجثم شبحها على حركة الأسواق المالية العالمية، وعلى الاقتصاد السلعي، وكانت احتمالاتها محور التحليلات والتوقُّعات للخبراء وللهيئات وللمؤسسات الدولية ذات الشأن والصلة، إلى أن كانت الهزَّة الكبرى أوائل النصف الثاني من أيلول/سبتمبر 2008 بانهيار بنك "ليمان برذرز" الاستثماري، وبيع "ميريل لينش" لبنك أوف أميركا، و"تأميم" شركة التأمين العملاقة "A.I.G.". أما تردُّدات الهزَّة، فكان انخفاض مؤشرات أسهم البورصات العالمية، وتهديد المصرفين الاستثماريين الباقيين في الولايات المتحدة الأميركية "مورغان ستانلي" و"غولدمان ساكس"، الأمر الذي يطرح تساؤلاً كبيرًا حول احتمال أفول دور مؤسسات الوساطة في بيع السهم، تلك التي نشطت في الولايات المتحدة الأميركية قبل 73 عامًا، وشهدت توسعًا كبيرًا حتى الراهن من الأيام، حيث لم يبق سوى المصرفين المذكورين المهدَّدين، وقد يكون الاتجاه إلى المصارف الاستثمارية الصغيرة الأقرب إلى المؤسسات الاستثمارية.

واللافت في سياق هذا المسار الأزموي، هو استخدام الأموال العامة الأميركية لإنقاذ أموال المضاربة الخاصة، وذلك عبر شراء 79,9% من أسهم شركة التأمين بمبلغ 85 مليار دولار، من قِبل المجلس الاحتياطي الفدرالي، ما يعني التحكم بقراراتها الإدارية والتنفيذية وبما يشبه "التأميم" المرفوض تقليديًا في أدبيات اقتصاد السوق. والمبرر لهذا التجاوز أن هذه الشركة تقدِّم خدمات التأمين وإعادة التأمين لـ 74 مليون زبون حول العالم. والخوف من أن يصبح هذا الكمّ الهائل من البشر من دون تأمين في حال إفلاس الشركة، مع العلم أنه يعمل في الشركة حوالى 116 ألف شخص في 130 دولة، وهي قامت بتأمين الكثير من الاستثمارات ضد عدم الدفع أي ما يُعرف بـ "كريديت ديفولت سوابس". لذلك خسرت 25 مليار دولار في انفجار الفقاعة العقارية.

هذا، وعلى الرغم من "التدابير السريعة"، وتأمين السيولة بمبالغ خيالية، من قِبل البنوك المركزية الأوروبية واليابانية، وإعلان وزارة الخزانة الأميركية قرار السماح لمجلس الاحتياط الفدرالي ببدء المزادات على السهم والسندات المرهونة لديها مقابل قروض المصارف والمؤسسات المالية، فإن الأزمة تشهد فصولاً متتابعة حتى كتابة هذه السطور. وخطة الإنقاذ الحكومية موضع تجاذب، ودلالة على حجم الكارثة صدر عن المرشحين للرئاسة الأميركية إعلان مشترك يدعوان فيه إلى التنبُّه من الكارثة. لذا، الاضطراب وعدم اليقين والبلبلة والذعر تسود الموقف.

 

الأزمة الراهنة حتى انفجارها مسار متواصل

شباط/فبراير 2007: الولايات المتحدة الأميركية تشهد ارتفاعًا كبيرًا في عدم قدرة المقترضين على دفع مستحقات قروض الرهن العقاري، أي انفجار الفقاعة العقارية، وهذا ما أدى إلى أولى عمليات إفلاس مؤسسات مصرفية متخصصة.

حزيران/يونيو 2007: مصرف الاستثمار الأميركي ""Bear Steams، أول بنك كبير تعلن خسائره الناتجة عن قروض الرهن العقاري.

آب/أغسطس 2007: البنك المركزي الأوروبي يضخ 94,8 مليار يورو من السيولة، والخزينة الفدرالية الأميركية تضخ 24 مليار دولار، كما يتدخَّل العديد من البنوك الأخرى، كبنك اليابان والبنك الوطني السويسري.

أيلول/سبتمبر 2007: بنك إنكلترا يمنح قرضًا استعجاليًا إلى مصرف Northern Rock، لتجنيب الإفلاس، وقد تمّ بعد ذلك تأميمه.

تشرين الثاني/أكتوبر 2008: الخزينة الفدرالية الأميركية تخفض نسبة الفائدة الرئيسة ثلاثة أرباع النقطة، لتصل إلى 3,5% وهو إجراء اعتبره الخبراء ذا بعدٍ استثنائي.

آذار/مارس 2008: الخزينة الفدرالية الأميركية تعلن عن استعدادها لتقديم مبلغ يصل إلى 200 مليار دولار لمجموعة محدودة من البنوك الكبرى.

آذار/مارس 2008: العملاق المصرفي الأميركي "Jp Moran Chase"، يعلن شراءه مصرف "Bear Steams"، الذي يعاني صعوبات، وهي العملية التي حظيت بدعم مالي من طرف الخزينة الفدرالية الأميركية.

تموز/يوليو 2008: الضغط يشتد على مؤسستي "Freddie Mac" و""Fannie Mae الأميركيتين المتخصِّصتين في إعادة تمويل القروض العقارية، والخزينة الأميركية تعلن عن خطة لإنقاذ القطاع العقاري.

أيلول/سبتمبر 2008: إعلان إفلاس مصرف "Lahman Brothers"، وبيع مؤسسة "ميريل لنش" المالية، والتهديد بالإفلاس لعملاق التأمين العالمي "A.I.G."، وتداعي أسعار الأسهم في مختلف بورصات العالم، والخطر يتهدَّد المصرفين الاستثماريين الأميركيين الباقيين "مورغان ستانلي" و"غولدمان ساكس". باختصار إنه انفجار الأزمة المالية في الولايات المتحدة وعلى صعيد العالم.

هذه الأزمة المالية ليست فريدة في التاريخ، بل هي حلقة من سلسلة أزمات مالية تتوالى على الصعيد العالمي في العقدين الأخيرين: أزمة فقاعة الإنترنت العام 2000، وأزمة 1997 – 1998، حيث عصفت مجموعة من الأزمات النقدية والمصرفية في آسيا وفي روسيا ثم البرازيل والأرجنتين التي انهار نظامها النقدي العام 2000.

 

لماذا الأزمة؟

إن الإجابة التفصيلية التي تعتمد على السيرورة اليومية لمظاهر الأزمة وآلياتها، إضافة إلى تجليَّاتها وعواملها الظاهر منها والمختبئ، عدا عن آثارها وانعكاساتها على المستويات الاقتصادية كافة، خصوصًا منها الاقتصاد الحقيقي. هذا النوع من الإجابة، قد يكون ليس كافيًا، وإن كان يؤشر ويعلّم لمعالم الأزمة ووجوهها والتدابير المحتملة في التعامل معها.

هذا النوع من الأزمات بات يتفشَّى بثبات وسرعة مع نمو دافع المضاربة – المضاربة التي هي أساس الداء - فهو أبسط وأسرع تفسير للهزَّات الماليَّة، وهو اليوم أعمق تفسير للأزمة الحالية.

فانحراف النشاط الاقتصادي عن العمل المنتج نحو تدوير المنتجات عدّة مرات بغرض المضاربة ورفع أسعارها إلى أكثر من قيمتها الحقيقية، يؤدي حتمًا إلى الوقائع المماثلة.

لا مناص للمبالغة في المضاربة من أن تهوي بالأسعار عاجلاً أم آجلاً، ولا بدّ للسوق من أن يصحِّح نفسه. وهذا ما حصل مرتين في السنوات العشر الأخيرة: الأولى مع فقاعة الإنترنت، واليوم مع "فقاعة العقارات".

فاقتصاد الفقاعة أو اقتصاد البالون ظاهرة تتكرَّر مع المضاربة على سلعة ما، بحيث يتزايد سعرها، ما يؤدي إلى المضاربة عليها، فينتفخ السعر كالبالون.

ولما كان هذا الانتفاخ يجافي العوامل الاقتصادية الموضوعية، يحدث الانفجار أو "الانهيار" ما يؤدي إلى هبوط حاد ومفاجئ للسعر.

يصح هذا الأمر أيضًا على بعض الاقتصادات التي تشهد رواجًا كبيرًا لفترة زمنية محدودة، من دون أن يكون مستنداً إلى قاعدة إنتاجية متينة تولّد الدخل المنتظم والنمو المتواصل على أسس دائمة ومستقرَّة.

أطلَّت الأزمة الراهنة بعد سنوات من ارتفاع أسعار المنازل في سوق الإسكان الأميركي ارتفاعًا غير مألوف نتيجة مضاربات من قِبل مشترين ينوون إعادة البيع سريعًا بعد ارتفاع الأسعار، وقد شجَّعهم على ذلك انخفاض تكلفة تمويل هذه العقارات.

وفي حمَّى الشراء، وبتشجيع من بعض الوسطاء والبنوك، تورَّط كثير من المشترين في قروض رهن عقاري وديون أخرى عالية المخاطرة. ويبدو أنهم لم يحسنوا تقدير درجة خطورة هذه المعاملات، لذلك عندما بدأ سوق الإسكان تصحيح وضعه، أخذت أسعار المنازل في الانخفاض وأسعار الفائدة في الارتفاع، وزادت مخاوف المراقبين من مخاطر عدم قدرة المقترضين على التزام تسديد أقساطهمز وترتَّب على هذه المخاطر لجوء البنوك إلى الاحتفاظ بالسيولة خشية تعرضها لديون معدومة، فأدى شحّ السيولة إلى ارتفاع الفائدة.

أصبح الوضع العام غير مطمئن، وليس هناك ما هو أخطر على الأسواق المالية من ارتفاع مستوى عدم اليقين فيها. إذ أن نقص السيولة لدى البنوك سيؤثر في ما بعد على قدرة الشركات في الحصول على المال اللازم لتمويل أنشطتها فتمتد هذه الصعوبة إلى المستهلكين الذين سيقل إنفاقهم، الأمر الذي يؤول في النهاية إلى تباطؤ نمو الاقتصاد. لهذا نشاهد اليوم من أهم التدابير المتخذة لوقف الأزمة في مكان ما أو لتلافيها والحؤول دون تماديها هو تدخل البنوك المركزية لتوفير السيولة اللازمة للبنوك التجارية.

 

مثلث سلبي يحتضن الأزمة الراهنة

إضافة إلى الضرر الذي لحق بالجمهور الأميركي، أصيبت المصارف الدائنة بخسارات فادحة وكذلك الشركات العقارية التي أعلنت إفلاسها.

وبدأ، بشكل عام، التخوُّف من حدوث كساد اقتصادي، ولم يقتصر الأمر على قيم الأسهم والأوراق المالية بل شمل الاقتصاد الحقيقي.

هذا، وقد أتت هذه الوقائع على أرضية أزمة تستفحل في الولايات المتحدة الأميركية منذ فترة طويلة بعناوين ثلاثة كبيرة:

  • عجز تجاري متمادٍ.
  • عجز ميزانية.
  • مديونية عالية.

فتضافرت العوامل لتؤثّر على مصدر النمو الأميركي أي على الاستهلاك الداخلي.

أما بما يتعلَّق بالميزان التجاري، فإنّ الولايات المتحدة الأميركية تعاني عجزًا وصل العام 2006 إلى حوالى 760 مليار دولار. وقد بدأ هذا العجز العام 1971، ولم يتوقَّف خلال أكثر من ثلاث عقود متتالية. أما أسبابه فيمكن تحديدها بالآتي:

أ - صعود اقتصاديات أوروبا واليابان بعد تعافيها من آثار الحرب العالمية الثانية.

ب -  ظهور اقتصاديات ديناميكية جديدة كجنوب شرق آسيا والصين.

ج - ثورة التكنولوجيا ووسائل الإنتاج الحديثة وانتشارها لدى نمور الاقتصاد الآسيوي، وبعض أوروبا الحديثة، ولم تعد التقنيات حكرًا على الدول الصناعية الكبرى في قارتيّ أميركا الشمالية وأوروبا.

د - عدم تمتّع الدول الآسيوية بمستويات معيشية عالية كالموجودة في أميركا وأوروبا، ما ألزم هذه الدول أن تصنع منتجات بكلفة أقل، ما ساعدها على اختراق الأسواق الأميركية ومنافسة منتجاتها.

هـ - هذه الحقائق الاقتصادية، دفعت بعض الشركات الأميركية للتصنيع في الخارج والتصدير إلى الأسواق الأميركية كي تتمكّن من منافسة البضائع الأجنبية المنشأ. وهكذا تحوَّلت الولايات المتحدة الأميركية إلى بلد مستورد للمنتجات الأميركية.

أدّت العوامل الآنف ذكرها إلى عجز تجاري كبير، وفقدان ملايين الوظائف، وأسهمت في تباطؤ الاقتصاد وجعلته أقرب إلى الكساد الشامل، حيث بلغ معدل النمو الحقيقي بعد احتساب التضخم العام 2006 حوالى 2,9%.

ونتيجةً لحالة العجز التجاري عانى الدولار الأميركي انخفاضًا حادًا أمام العملات.

أضيف إلى عجز الميزان التجاري في السنوات الأخيرة عجز في الميزانية قُدِّر في ميزانية العام 2008 بحوالى 410 مليارات دولار، أي نسبة 2,9% من الناتج.

وتكمن الخطورة في أنّ النفقات المرتفعة يغلب عليها الطابع العسكري، أي أنها نفقات لا تهدف إلى زيادة الاستثمار والتشغيل ورفعهما بل إلى تمويل العمليات الحربية التي تخوضها الولايات المتحدة في أكثر من مكان في العالم، وبشكل خاص في العراق وأفغانستان.

وبهذا تُستخدم الضرائب كوسيلة للحصول على أصوات الناخبين (مشاريع سياسية) بدلاً من أن تكون إيرادات لتمويل العجز المالي.

أما على صعيد المديونية العالية، فإنّ إحصاءات وزارة الخزانة الأميركية تشير إلى ارتفاع الديون الحكومية (الإدارة المركزية والإدارات) من 4,2 تريليون دولار العام 1990 إلى 8,4 تريليون دولار العام 2003، إلى 8,9 تريليون دولار العام 2007.

وبهذا تكون الولايات المتحدة الأميركية ضمن الدول ذات المديونية العالية، حيث تشكّل تلك الديون حوالى 64% من الناتج. ويمكن قياس مدى حجم هذه الديون، إذا علمنا أنها تساوي عشرة أضعاف الناتج المحلي لجميع الدول العربية، أو ثلاثة أضعاف الديون الخارجية للدول النامية.

هذا إضافة إلى أن ديون الأفراد في أميركا تصل إلى 9,2% تريليون دولار منها 6,6 تريليون دولار ديون عقارية. وبالطبع، لا يخفى تأثير هذه الديون على القدرة الشرائية، وبالتالي على الاستهلاك المحفِّز للنمو الاقتصادي أميركيًا.

 

الذعر يعمّ العالم

لما كان الاقتصاد الأميركي هو الأكبر عالمياً، ويساوي حوالى 4/1 اقتصاد العالم، أو 14 تريليون دولار، و10% من التجارة العالمية، وهو أكبر مستورد في العالم، فإن الهزّة التي أصابت أسواقه المالية، وإفلاس مصارفه، وتهديد شركاته العملاقة، ستترك آثارًا سلبية على العالم بأسره. لذلك أصاب ما حدث من انفجار مالي، كنتيجة لأزمة الرهن وانفجار الفقاعة العقارية، البورصات المختلفة بحمَّى من التراجعات الحادة والهبوط المخيف استدعت تحركًا وتضامنًا دوليين عنوانهما الدفاع عن المصالح وتفادي الأسوأ.

طبعًا العدوى ليست ميكانيكية، فالمؤشرات الصراعية التي يُبديها بعض الاقتصادات الناشئة الكبرى تؤهلها للاضطلاع بدور إنقاذي في الأزمة الراهنة، وذلك من أجل الاستقرار في الأسواق العالمية المحتاجة إليه، وهي تحرز خطوات إيجابية في السباق الاقتصادي، وفي إثبات أهليتها على صعيد موازين القوى.

على الرغم من ذلك، ولأن المسألة سيرورة ما زالت في بداياتها، فقد كان التقدير شاملاً بأن الأسوأ لم يأتِِ بعد. ويُجمع المسؤولون السياسيون والاقتصاديون على الصعيدين الدولي والمحلي، على ان الأزمة ستترك تأثيرًا على الظواهر الاقتصادية الأخرى من بطالة وتضخُّم وقدرة معيشية، خصوصًا لدى البلدان الأكثر فقرًا. وإذا كان من الصعوبة بمكان قراءة النتائج اليوم وتقدير التكِاليف المحتملة، فإنه يمكن تلمُّس الحجم انطلاقًا من الخسائر الأولية في خسائر الأسهم، التي جاوزت 3,6% تريليون دولار[i]، ويكون حتى الآن قد شطب حوالى 19 تريليون دولار[ii] من قيمة الأسهم في مختلف أسواق المال العالمية خلال 10 شهور ومنذ 30 تشرين أول/أكتوبر عندما كانت مؤشرات الأسواق في ذروتها.

هذا، وقد تراجعت أسهم المصارف في الدول الصناعية خلال الأيام القليلة الماضية ما بين 25 و35%[iii] وكذلك حال الشركات الصناعية والخدماتية والعقارية.

إن المسار الانتكاسي لارتدادات الأزمة لا تدلُّ عليه، فحسب، التراجعات في قيم الأسهم، بل ما أشار إليه صندوق النقد الدولي في تقديره الذي صدر يوم 20 أيلول/سبتمبر 2008 حول الاقتصاد العالمي ونسب النمو المحتملة[iv]، حيث أكد انخفاض نسبة النمو عالميًا العام 2008 إلى 3,9%، في حين أنه كان 4,1%. وبالنسبة إلى العام 2009، فقد توقع نسبة 3,7% مقارنة بالتقدير السابق 3,9%.

أما في ما يتعلَّق بالولايات المتحدة الأميركية، فقد أبقى الصندوق على توقعاته السابقة للنمو بنسبة 1,3% للعام 2008، لكنه خفض توقعاته لعام 2009 إلى 0,7% بعدما كانت 0,8%. وكذلك في ما يختصُّ بمنطقة اليورو، فقد انخفضت توقعات صندوق النقد من 1,7% إلى 1,4% للعام 2008، ومن 1,2% إلى 0,9% للعام 2009. وهكذا حال اليابان من 1,5% للعامين 2008 و2009 إلى 1% و1,1% على التوالي.

هذا في حين أنه أكَّد على توقُّعاته السابقة للصين بنسبة 9,7% للعام 2008 و9,8% للعام 2009.

 

اليوم والعام 1929

كثرت القراءات والتحليلات للأزمة الراهنة، وحاول البعض مقارنتها بأزمة العام 1929 التي أصابت النظام الاقتصادي العالمي واستمرت فصولاً حتى العام 1933. وقد شكَّلت منطلقًا لعدَّة نظريات اقتصادية حاولت التفسير والقراءة والاستنتاج، ولعل أهمها النظرية الكينزية التي أعادت إلى الفكر الاقتصادي مقولة تفصيل دور الدولة التدخلي في الحياة الاقتصادية.

وإذا كان التشابه بين الأزمتين ناتجًا عن الإفراط في التسليفات لمشتري الأسهم، فإن أوجه الاختلاف، يمكن تلخيصها بالآتي:

ا - كانت أزمة العام 1929، في أحد جوانبها تعبيرًا عن الدخول السياسي في أنظمة مغايرة للنظام الرأسمالي وللاقتصاد السوقي (نشوء الاتحاد السوفياتي). وقد شكّل ذلك تحدٍيًا حقيقيًا للرأسمالية، وكان العالم يومذاك خارجًا من حرب عالمية، فتفجَّرت حينها البطالة الواسعة بشكل آلي. بينما اليوم، وعلى الرغم من التحذير من بعض الظواهر الاقتصادية السلبية المصاحبة، فإن الاستنتاج المنطقي لا يشير إلى تعميم تلك الظواهر لأسباب تعود بالأساس إلى التقدم الكبير تقنيًا وتكنولوجيًا في الإنتاج ووسائله.

2 - ينتشر النمو الاقتصادي اليوم في قارات لم تكن معروفة قبل الحرب العالمية الثانية (الصين، الهند) حيث يعيش إنسان من ثلاثة. طبعًا، لا شك في انتقال ما يحصل اليوم في الولايات المتحدة وأوروبا إلى البلدين الآسيويين المذكورين، حيث ستتقلَّص مبيعاتها، وتتأثَّر مراكمتهما للاحتياطات الكبيرة بالدولار نتيجة تبعيتهما لسعر صرف العملة الأميركية وتقلباتها. لكنه، على الرغم من ذلك، فإن نسب نمو هذه البلدان تؤكد إمكان تفادي حالة الانهيار الشامل في العالم كله.

3 - ثمّة فروق، في البلدان المتقدمة والصناعية نفسها، بين الحالة الاقتصادية في أوائل الثلاثينيات والحالة اليوم، فاقتصادات السوق وطبيعة آليات حركتها تبعد الأزمات الشاملة. ففي الثلاثينيات اتجهت الحكومات إلى تقليص السيولة باعتبارها دواءً للأزمة، وكانت النتيجة بخلاف الهدف المرجو، حيث تمّ خنق الحياة الاقتصادية. أما اليوم، فقد ضخّت المصارف المركزية وتضخ سيولة أكبر للتداول، ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار وتضخم وزيادة طلب قد تعجز الاقتصادات عن تلبيته، أو تتجه نحو انكماش اقتصادي. وفي الحالتين تبدو السيولة علاجًا ووسيلة لإعادة توازن واستقرار.

4 - إن نظام الرعاية الاجتماعية، خصوصًا في أوروبا، سيكون من العوامل الحائلة دون التراجع في مستوى الاستهلاك وبالتالي الانكماش.

هذه الفوارق لا تستبعد العثرات المحتملة. وخلاصة القول، إن الظروف والعوامل والمستويات الإنتاجية والاجتماعية المتقدمة تساهم في إبعاد "شبح" التطابق بين الأزمتين.

 

هل المناعة العربية كافية؟

لم تشذّ البورصات العربية عن السياق العام للحركة التنازلية للأسهم، وامتلأت الشاشات بالخطوط الحمراء، على الرغم من أن معظم البنوك المركزية العربية أعلن اطمئنانه إلى وضعه المالي، ومنها البنوك المركزية الخليجية التي أعلنت تمسكها بإجراءات العملة الموحدة المنتظرة، واستعداداتها لإنقاذ أي مصرف خليجي أو عامل في الخليج قد يكبح جماحه. وحتى الآن لم تظهر أزمة سيولة في تلك المصارف على الرغم من تحمُّلها الخسائر البالغة في الأسواق المالية والدولية. وهذا ما أشارت إليه مصادر مصرفية خليجية ذات صلة بعمليات الاستثمار؛ فهيئة استثمار أبو ظبي اشترت أسهمًا في بنك "سيتي غروب" عبر صفقتها المشهورة العام 2007 بقيمة 7,5 مليار دولار أميركي. في ذلك الوقت كانت قيمة السهم حوالى 30,70 دولار، لكنها أقفلت على 15و24 أوائل أسبوع الأزمة. وقد تراجع سهم ميريل لينش حوالى 65% منذ عقدت الكويت صفقة الإنقاذ بقيمة 2 مليار دولار، هذا إضافة إلى أن الهيئة العامة للاستثمار في الكويت تحمَّلت خسائر في صفقة إنقاذ "سيتي" التي وصلت كلفتها إلى ثلاثة مليارات دولار.

ولا تتمايز عن هذه الحال البنوك الإسلامية التي توظِّف 30% من ودائعها المقدَّرة بحوالى 400 مليار دولار في الأسواق الغربية[v]، وتحديدًا في أسهم البنوك والشركات الصناعية والعقارية وأسهم بيوت المال، التي تتعهد استثمارها في عمليات "حلال".

وعلى الرغم من إيرادات النفط الكبيرة، والتي من المنتظر أن تؤدي دورًا إيجابيًا في حماية أسواق المال الخليجية، فإن سمات التذبذب وقلة الخبرة وغلبة الأفراد المتعاملين على حساب المؤسسات تنذر بالاحتمالات الأسوأ.

كما أن مستقبل دول الخليج لم يعد يعتمد فحسب على دخلها من الصادرات بل أيضًا وبشكل متزايد على تنويع مصادر الدخل (وهذا ما يتنبه له البعض)، وكذلك على حسن إدارة هذه الدول لموجوداتها المالية واستثماراتها العالمية، خصوصًا مع تزايد المخاطر واحتمالات الخسائر كما يحدث في الأزمة الراهنة حيث تتدهور قيمة الاستثمارات الهائلة التي ضخَّتها صناديق الثروة السيادية في بنوك غربية تفلس أو أفلست، وبشكل خاص منها الصناديق الخليجية.

 

سلسلة المعالجات لم تحل دون الانفجار

مع بدايات العام 2008 قرَّرت الإدارة الأميركية خطة للإنعاش الاقتصادي، رصدت لها أموالاً تصل إلى 168 مليار دولار[vi] على شكل حوافز تتضمَّن إعفاءات ضريبية لمدة سنتين بهدف تنشيط الاستهلاك، لكن المبلغ المذكور لا يتجاوز حوالى 1,5% من الديون العقارية الفردية و0,3% من ديون الشركات، ولا يكفي إطلاقًا للمعالجة على الرغم من شطب ديون تصل إلى 175 مليار دولار. فأضيف إلى التدابير تخفيض أسعار الفائدة، لتسهيل القروض المصرفية الاستثمارية، وحثّ الأفراد على زيادة الإنفاق.

لكن هذا الأمر وضع الأمور في دوَّامة لم تنعكس إيجابًا بشكل كافٍ، خصوصًا وأن سعر الفائدة وصل إلى صفر % عمليًا. فالعام 2007 كانت الفائدة 4,2% ونسبة التضخم 3,2%، ما يعني أن السعر الحقيقي للفائدة 1%، لكن خفض الفائدة إلى 3% العام 2008 وارتفاع التضخم إلى 4,1%، جعل السعر الحقيقي للفائدة 1,1%.

هذا علمًا أن الخسائر المالية الأميركية والعالمية للمؤسسات المالية المشاركة في الرهن العقاري وصلت إلى أرقام خيالية لم تحص كفاية، أو لم تمهل التطورات حتى يتوافر رصدها كما يلزم. والحلول أمامها غير متيسِّرة سوى عبر فرصة تأمين السيولة المفقودة.

وكانت الطائرات الآسيوية قد بدأت تقذف أطنانًا من الدولارات في محاولة لتهدئة الأسواق. فاستفادت الولايات المتحدة الأميركية من ارتفاع أسعار النفط خليجيًا، ومن نمو صناديقها السيادية، وحاولت الإفادة من الصناديق الآسيوية الممتلئة بفضل أسعار المواد الأولية والخامات إضافة إلى النمو الاقتصادي الجامح.

ومع انفجار الوضع، وتفاقم حالات التدهور والإفلاس في المصارف الاستثمارية والمؤسسات المالية والشركات المالية العملاقة، وتدفُّق السيولة الهائل من البنوك المركزية الأوروبية والأميركية واليابانية، وعروض الشراء للمصارف الاستثمارية المتبقية من الصين "الخصم العنيد"، وفشل خطة إنهاء أزمة الائتمان، يُطرح اليوم أمام الكونغرس الأميركي خطة لوقف التدهور تقوم على قاعدة تأسيس صندوق متخصص يشتري الأصول التي تنطوي على إخطار من البنوك، وإنشاء مؤسسة للتعامل مع الأصول المتعثرة ذات صفة رسمية.

هذا وكانت لجنة الشؤون المالية والبورصات الأميركية قد أصدرت أمرًا استثنائيًا حذّرت بموجبه من عمليات البيع على المكشوف لـ 799 سهمًا في القطاع المصرفي والمالي. وتتضمَّن عمليات البيع على المكشوف التي تطبِّقها صناديق المضاربات استدانة سهم يعتقد أن سعره سينخفض ثم إعادة بيعه على أمل قبض فارق كبير في اللحظة التي ينبغي فيها شراؤه لإعادته. وهذا الأسلوب عادة يسرّع عملية التدهور.

أما على صعيد أوروبا، الأقرب إلى التأثيرات السلبية بفعل الأزمة المالية، ولأنها عمليًا في المأزق الأميركي نفسه بسبب كثرة المؤسسات المالية المتورِّطة في أزمة الائتمان والرهن العقاري، فإن الاتحاد الأوروبي وضع أمامه كأولوية دراسة مشروعين رئيسين وهما:

1 - إيجاد وسائل وأشكال التنظيم الصارم لنشاطات وكالات التصنيف التي يفترض بها التحقق من قدرة المقرضين.

2 - وضع هيكلية أوروبية شاملة للمصارف تأخذ بالاعتبار عمليات الدمج العابرة للحدود التي حدثت، والمنوي إحداثها.

تدابير من هنا وهناك، لكن المشكلة تبقى تأمين السيولة المطلوبة وإعادة تقويم أو دمج المؤسسات التي تعرَّضت بفعل الأزمة. ولهذا الأمر برز في الآونة الأخيرة من حركة الأسواق، والفوائض المالية، دور متميِّز للصناديق السيادية التي كانت قد استخدمت في إطفاء بعض جوانب أزمة الائتمان. ولا بد من أن تتوجَّه الأنظار إليها اليوم على الرغم من الخسائر التي ألحقت ببعض استثماراتها كما أسلف وأوضحنا.

وكانت تلك الصناديق المتخمة، والتي تفتش عن أماكن استثمار، تواجه أسئلة ومحاولات تقييد وتقنين لدورها وفعاليتها، فهل تشكل الأزمة الراهنة فرصة أو مناسبة لتجاوز كل عناصر القلق والحذر التي تمارسها الأسواق الأميركية والأوروبية في مواجهة الصناديق السيادية؟

وكيف تستطيع هذه الصناديق تلافي التوريط الاستثماري؟ وهل هذا هو المطلوب على صعيد دور تلك الصناديق ومهماتها؟

أسئلة تتوالد، ولا بد للإجابة عنها من تحديد ماهية الصناديق السيادية أولاً.

 

الصناديق السيادية تخمتها مثار القلق

الصناديق السيادية ليست ظاهرة جديدة بل يعود تاريخ بعضها إلى العام 1953، غير أن نشاطها المفرط تجلّى مؤخرًا، خصوصًا بين النصف الثاني من العام 2007 والنصف الأول من العام 2008، حيث استحوذت، وبظل أزمة الائتمان، على حصص في مؤسسات مالية عملاقة مثل "مورغان ستانلي" و"بيرستيرن" و"ميريل لينش" و"سيتي غروب" وغيرها.

تتفاوت الأرقام التي تحدد موجودات تلك الصناديق، خصوصًا أن عددًا كبيرًا منها لا يعلن عن حجم أمواله، لكن السائد وحسب دراسة "لمورغان ستانلي" أن موجودات تلك الصناديق مجتمعة تصل إلى 2,5% تريليون دولار[vii]. وفي دراسة أخرى لمؤسسة "ستاندرد تشارترد" تقدر حجمها بحوالى 12% من إجمالي القيم المتداولة في بورصة نيويورك، أو 42% من إجمالي القيم المتداولة في بورصة طوكيو.

تمثِّل الصناديق الخليجية العربية مواقع المراتب العشر الأولى في تصنيف الثروة السيادية العالمية وموجوداتها تصل إلى أكثر من نصف موجودات تلك الصناديق.

وعلى عكس الاعتقاد السائد في حصرية تلك الصناديق بالعائلات المالكة في دول الخليج، فهناك عدة دول، منها اقتصادات متقدمة وأخرى ناشئة، تتمتع بصناديق ذات موجودات عالية جدًا كالنروج وسنغافورة والصين وروسيا. ويمكن تحديد مصادر أموالها بمصدرين رئيسين: أولهما عائدات النفط المرتفعة والمتزامنة مع ازدياد الدول المنتجة للخامات، وثانيهما الاحتياطات النقدية الأجنبية التي تتكدّس في بلدان تشهد نموًا جامحًا.

 

الحيرة والحذر يحكمان المواقف منها

تظهر الصناديق السيادية الآن كأدوات استثمار فاعلة وواسعة النطاق، لكن كونها مملوكة من بعض الدول فهي تثير الريبة والحذر مخافة تأثيرها على السياسات الاقتصادية العالمية، خصوصًا في اللحظة الراهنة. هذا، وعلى الرغم من الإقرار بدورها في الاستقرار الاقتصادي والحاجة الماسّة إلى سيولتها المالية، فالأوساط الاقتصادية في أميركا وأوروبا تتعاطى معها كحال شارب السم لمعالجة السم خصوصًا وأن الجزء الأساسي من استثماراتها شبه سرّي وغير واضح.

وعلى الرغم من ذلك، فقد بدأ مسؤولون من مؤسسات حكومية أميركية معنية بالشؤون الاقتصادية، يؤكّدون على ضرورة أن تفتح واشنطن أبوابها أمام تدفُّق أموال الصناديق السيادية إثر الوضع الذي بدأت تعانيه الأسواق المالية مع سريان مفعول أزمة الائتمان والتي تحولت إلى أزمة مالية تقض المضاجع وتثير الاحتمالات الأسوأ.

وقد تجلى الموقف المتناقض من دور الصناديق السيادية حين عقدت جلسة استماع أمام الكونغرس لممثلين عن الخزانة، منذ أشهر معدودة، ذهبوا فيها إلى القول: إن استثمارات الصناديق السيادية لم تساعد النمو الداخلي فحسب، بل ساعدت على استقرار أسواق المال والشركات الأميركية. وقال مدير مكتب العلاقات الدولية في لجنة السندات والتداول: "إذا قمنا بمنع الصناديق السيادية من الاستثمار في بلادنا، بحجة أن ذلك يشوّه أسواقنا، فسنجد أننا قمنا بتشويه الأسواق بأنفسنا في نهاية المطاف"[viii].

وبالمقابل كانت غالبية الأميركيين ترى أن الصناديق تمثل تهديدًا للأمن القومي، لذلك ارتفع الصوت بدعوتها حينذاك إلى اعتماد معايير أكثر شفافية في استثماراتها.

وعلى الرغم من ذلك وما قبل الانهيار الأخير، قامت الصناديق السيادية بدور متميِّز لإعادة الثقة واليقين لبعض المؤسسات والمصارف التي كانت مهدَّدة بعد أزمة الرهن العقاري والائتمان المالي. وقد بلغت القيمة الإجمالية التي اشترتها تلك الصناديق في الولايات المتحدة حتى آخر العام 2007 حوالى 1,5 تريليون دولار، ومن المنتظر أن تصل إلى 3 تريليون دولار نهاية العام 2010[ix] خصوصًا مع حدوث الانهيار المالي مع بروز الحاجة الماسة إلى السيولة المالية، بما فيها الآثار التي أصابت حصص الصناديق السيادية ؟ وما هي احتمالات تطورات الموقف حيالها؟

قبل محاولة الإجابة عن ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن ما تجمع عليه مؤسسات التقييم المالية هو أن موجودات تلك الصناديق في طريقها إلى تحقيق طفرة جديدة مع استمرار أسعار النفط مرتفعة وكذلك الخامات والمواد الأولية، ومن المتوقع أن تبلغ تلك الموجودات حوالى 12 تريليون دولار العام 2015. وفي خضم حماسها لإيجاد جهات استثمارية لخزائنها المتنامية فهي تركّز على القطاع المالي، الهدف المفضَّل لديها، يليه القطاع العقاري ثمّ تجارة التجزئة.

هذا النهج الاستثماري، المتلائم مع الحاجات المتولِّدة من الأزمة الراهنة، قد يكون غير مستجيب لمصالح الدول ذات الصناديق السيادية وللأهداف التي كانت وراء نشوئها. فها هي استثماراتها، التي ضخّت في البنوك والمؤسسات التي أفلست، تخسر جزءًا كبيرًا من قيمتها. فقد نشرت صحيفة "وول ستريت" الأميركية أن استثمارات الصناديق السيادية في الأسواق الأميركية تكبَّدت خسائر فادحة من جراء عملياتها في السوق الأميركي، وبلغت الخسائر على الورق حوالى 20 مليار دولار[x]. وحسب لجنة الضمانات والتبادل الأميركية، فإن حكومات الشرق الأوسط والدول الآسيوية كانت أكبر المشترين عن طريق صناديقها السيادية. هذا وإن كان معظم الصناديق غير مضطرة إلى إعلان خسائرها أولاً بأول، فإن البعض يرى أنها تستطيع تحمل خسائر مؤقتة وتجاوز بعض التحولات النزولية سعيًا وراء عائدات طويلة الأجل.

وعلى الرغم من أن استبعاد تصفية هذه الصناديق استثمارات باشرتها بالفعل فالخوف من إقدامها على استثمارات جديدة، تحت إلحاح وفرصة النفوذ أولاً، والاستجابة السياسية لأصحاب القرار الاقتصادي والمالي في الولايات المتحدة ذات الحاجة الملحة إلى السيولة ثانيًا، وأيضًا بأمل اقتناص صفقات جديدة وإن عالية المخاطر ثالثًا.

 

ما هو المطلوب: الانضباط أم تغيير الوجهة؟

مع أن حجم استثمارات الصناديق السيادية يعتبر ضخمًا، غير أن تأثيره على الاقتصاد العالمي وأسواق رأس المال ليس كبيرًا، إذ أن مجموع تلك الاستثمارات لا يشكل سوى 12% من الناتج الإجمالي العالمي و5,1% من إجمالي قيمة السندات والأسهم المدرجة في الأسواق المالية العالمية والتي هي بحدود 100 تريليون دولار[xi].

ففي الوقت الذي تهدف فيه السياسة الاستثمارية للصناديق إلى تحقيق العوائد المجزية على استثماراتها الخارجية، والتي هي اليوم موضع شك وعدم يقين، فإن التأثير الاقتصادي السلعي للأزمة الراهنة مرشح أن يتوسَّع ويتعمَّق. لذلك يتساءل المحلِّلون عن جدوى استمرار تدفق سيولة تلك الصناديق باتجاه الأسواق المالية لإنقاذ شركات عملاقة في أوروبا أو أميركا بدلاً من توجيهها إلى أسواق الداخل.

فمن خلال تعبيرها عن قدرة صاعدة لاقتصادات ناشئة تثير القلق والحذر، وتُطَالبُ بالانضباط والتزام المعايير التي تتطلَّبها تلك الأسواق، فهي في الوقت نفسه، قوة اقتصادية لكتلة باتت أكبر من الولايات المتحدة، وتمنح مساعدات طارئة إلى أغنى دول العالم، وتضع دول "الغرب" المتقدِّم أمام معضلة تتمثَّل من جهة بالحاجة إلى أموالها، ومن جهة ثانية في ما تقود إليه هذه الحاجة من إجبارها على التخلي عن بعض مفاتيح السيطرة أو التحكم عبر بيع جزء هام من بناها التحتية لمراكز قوى تثير عندها حفيظة الاستقلال السياسي وتهديد مواقع القوى ومراكزها، خصوصًا وأن الصناديق السيادية تتمتَّع بأفق استثماري أبعد، وبقدرة تحمل أقوى لمواجهة التقلبات في القوائم المالية. فهي تقدِّم مصدر سيولة واستقرار يتصفان بالترحاب والحاجة على الرغم من "الحذر" و"عدم الاطمئنان".

واللافت أنه بقدر ما تتحسَّن سيولة صناديق السيادة تتحوَل إلى عامل إيجابي للأسواق بأنواعها المختلفة.

والسؤال الملحّ اليوم، على الرغم من كل التحذيرات والاستنفار والدعوات للانضباط الطوعي، ضمن المعايير التجارية البحتة، هل تستطيع أن تترجم الدول صاحبة الصناديق وزنها المالي إلى نفوذ اقتصادي وسياسي، أكثر من أن تكون "جمعيات خيرية"، تقدم العون والمساعدة "للقوي" حين يحتاجها؟

وعلى الرغم من التطمين الذي يقدِّمه صندوق النقد الدولي تجاه قوانين تحكم وعمل وتحرك استثمارات الصناديق السيادية، والتزامها معايير الشفافية، فمن المستغرب إصرار وإلحاح صناع القرار على ضرورة انضباط الصناديق السيادية، في وقت تبقى فيه صناديق التحوط العالمية بدون ضوابط مشابهة، فالعالم ما زال يتذكر كيف قامت صناديق التحوط بمضارباتها الشرسة على الجنيه الإسترليني، ما يجعل البنك المركزي البريطاني يتخلى عنه ليهبط إلى أدنى مستوياته عندها في أسواق الصرف العالمية.

إن ما تحتاجه أسواق المال الآن هو استقطاب المزيد من استثمارات الصناديق السيادية، وليس صدَّها من خلال تشريعات وسياسات رادعة.

أما ما تحتاجه الصناديق السيادية، فهو الالتفات إلى إمكانات الاستثمار في المناحي غير المالية الصرفة دعمًا لاقتصادات بلدانها وتنويع مصادر دخلها في زمن الأزمات العالمية واستفحالها. والمعني بهذه الوجهة خصوصًا صناديق الدول الخليجية التي تأثرت كثيرًا بحركة أسهم الأيام الماضية والاحتمالات القادمة قد تكون أكثر سوءًا، هذا التوقع مبني على تجارب الأزمات السابقة وانعكاساتها المؤلمة.

 

صناديق التحوط وعاء استثماري مالي جاذب

يصل عدد صناديق التحوط في العالم إلى نحو 10 آلاف صندوق تدير أكثر من 5,1 تريليون دولار[xii]، وتعد الآن من أسرع المحافظ المالية نموًا، كونها وعاءً استثماريًا خاصًا يضم عددًا محدودًا من المستثمرين لا يزيد في الغالب عن 500 مستثمر، يهدف إلى الاستثمار في الأوراق والأسواق المالية وأسواق السلع والعملات الآجلة.

هي لا تخضع للجهات الرقابية كباقي الصناديق الاستثمارية فيتم التعامل فيها على قاعدة عقد شراكة بين المستثمر والجهة التي تدير الصندوق، وعادةً يكون الحد الأدنى للاستثمار فيها حوالى نصف مليون دولار، لذلك تعتبر أوعية استثمارية خاصة بالأثرياء.

يتمتع مدير صندوق التحوط بمزايا خاصة فهو يحصل على نسبة تراوح بين 1 و2% من قيمة الأصول و20% من الأرباح المحقّقة، وكذلك لا يخضع لأية قيود أو جهة رقابية.

قامت فكرة هذه الصناديق على المتاجرة بالأسهم عبر مركزين ماليين أحدهما طويل الأجل يتم من خلاله شراء الأسهم التي يتوقع أن ترتفع أسعارها، فيحتفظ بها إلى حين الارتفاع فيبيعها بأعلى سعر، والثاني للأسهم القصيرة الأجل والتي تسمّى عمليات البيع على المكشوف، حيث تباع الأسهم المتوقّع انخفاضها ليصار إلى شرائها في وقت لاحق، طبعًا مع استخدام قروض البنوك وشركات التمويل واستثمارها في أدوات مالية تدرّ عائدًا أعلى من سعر فائدة الإقراض، وهذا ما يطلق عليه "الرفع المالي".

ونتيجة للفائض المالي المذهل في الصناديق السيادية وتفتيشها الحثيث عن مجالات الاستثمار المالية، تتجه اليوم وبأعداد متزايدة إلى الاستثمار في مثل هذه الصناديق.

وقد انتبه أخيرًا بعض البنوك الكبرى في العالم إلى أهمية صناديق تحوُّط إسلامية تستقطب رؤوس الأموال العربية المهاجرة، أو تلك التي لم تجد فرصًا فعالة في بلادها وهي تبحث عن آليات استثمارية جديدة تتوافق مع الشريعة الإسلامية.

وتشير الإحصاءات إلى أن الاستثمار في صناديق التحوط الإسلامية تفوق 60 مليار دولار حاليًا[xiii]، ويتوقع لها أن تتضاعف عدة مرات خلال السنوات المقبلة.

وقد برز أخيرًا التأثير الكبير لصناديق التحوط على الأسواق المالية بسبب قدرتها على الاقتراض بنسب قد تصل إلى عشرة أضعاف رأسمالها أو أكثر لتمويل بعض الصفقات.

 

الإقبال الخليجي، يتعاظم على صناديق التحوط

شهدت السنوات الأخيرة اهتماماً متزايداً بصناديق التحوط، حيث بلغت "شعبيتها" مستويات متقدمة، كأدوات استثمار مفضَّلة لدى الفوائض المالية الفردية فيها والمؤسساتية على حساب الأدوات الأخرى الهادفة إلى خلق السلع والخدمات، وتنويع مصادر الدخل الوطني للبلدان ذات "السلعة الواحدة".

والملفت أن المستثمرين الخليجيين من مؤسسات وأفراد كانوا في طليعة المهتمين بهذه الأداة "النوعية"، فأقبلوا عليها منذ البدء، وثابروا بعد ذلك على زيادة حجم استثماراتهم فيها، حتى بدأت الخزائن السيادية وبعد أن ضاقت سبل توظيفاتها الخارجية، نتيجة المحاذير المطروحة حول استثماراتها، تنحى منحى التوظيف المتزايد فيها. وبغض النظر عن الجدوى الاقتصادية والاجتماعية للتوظيف في صناديق التحوط، وفي معدلات المخاطر، ونسبية احتمالات تحقيق العوائد المتوخاة ماليًا، فهذه الصناديق توجِّه فائض السيولة نحو ما يقال عنه منتج استثماري سائل نسبيًا يوفر التنويع في الاستثمار، إضافة إلى تحقيق "القيمة الايجابية المطلقة". ويستند عملها ونشاطها على "الإدارة الكفوءة"، وهي كإستراتيجية استثمارية جديدة تتطلَّب مستوى عالٍيًا من الاختصاص لفهمها، لذلك يتجه المستثمرون فيها اليوم إلى إيجاد صناديق جامعة لصناديق التحوُّط التي توحي في تسميتها ضمان أقل نسبة مخاطرة أمام تغّيرات الأسواق المالية. وفي هذا وذاك يبقى الاقتصاد الحقيقي المستهدف وطنيًا بعيدًا كل البعد عن أهداف تلك الفوائض المستخدمة في أدوات استثمارية مالية تعظّم الدخل الشخصي وليس الدخل الوطني.

لذلك يكون التساؤل حول اتجاه الصناديق السيادية المستحدثة، نحو صناديق التحوط والأشكال المشابهة موضع تساؤل اقتصادي جدي، خصوصًا في زمن المخاطر والتحديات الراهنة عالميًا بفعل أزمتي المالية والغذائية العالميتين، وتردداتهما الإقليمية والوطنية.

لكنه على الرغم من هذا التساؤل الذي يحوز جزءًا واسعًا من الأدبيات الاقتصادية فإن ماليِّين من مشارب مختلفة يتوقَّعون ارتفاع استثمارات حكومات ومؤسسات الخليج العربي في صناديق التحوط خلال السنوات الثلاث، بحيث تصل حصتها إلى 100 مليار دولار في العام 2012[xiv].

خلال مؤتمر الاستثمارات البديلة الذي عقد في دبي في نيسان/أبريل 2008، توقع الخبراء أن يساهم مركز دبي المالي العالمي بتشريعاته وهيكله اللذين يتسمان بمعايير عالمية في جذب عدد كبير من مديري تلك الصناديق إلى المنطقة. كما أكد تقرير صدر أخيرًا عن معهد الخدمات المالية في لندن تحت عنوان (تقرير صناديق التحوط – طبعة 2007) [xv].

إن دخل المديرين الـ "25" لأفضل صناديق التحوط قد تضاعف مرتين عن العام الماضي فوصل إلى 570 مليون دولار، وغالبية هؤلاء هم أميركيون وبريطانيون. من هذه الأرقام يمكن إدراك إلى أين تسير الثروة، ومع من ترتكز.

وهكذا تحاول بدأب صناديق التحوط تطوير استراتيجياتها للتوافق مع الشريعة الإسلامية، كي تستغل جزءًا من موجودات إسلامية تقدر قيمتها بمبلغ 750 مليار دولار مستثمرة في صناديق الأسهم والعقارات.

 

احتمالات واستنتاجات:

إن وصول أزمة الائتمان إلى الانهيار، وإفلاس مصارف استثمارية، ودعم الاثنين الباقيين وتحويلهما إلى مجموعتين قابضتين، ومنحهما أموالاً فيدرالية خلال المرحلة الانتقالية على شكل قروض طويلة الأجل، بحيث أصبح ممكنًا للمصرفين الحصول على ودائع مصرفية تتمتع بتأمين "مؤسسة تأمين الودائع الاتحادية" لمساعدتهما على تجاوز الأزمة المالية، مقابل احترامهما للقواعد الصارمة التي ستفرضها السلطات المالية. هذه المرحلة تعلن القضاء على نموذج العمل المصرفي الاستثماري الذي هيمن على سوق "وول ستريت" و"العالم" طوال أكثر من 20 عامًا.

هذا كله، إضافة إلى تخصيص المبالغ الطائلة من السيولة، لا يعني أن الأسوأ قد ذهب إلى غير رجعة. لذلك فإن مدير صندوق النقد الدولي اقترح بعد أسبوع من الانهيار، تصور حلٍ شامل لأزمة شاملة، يقوم على محاور ثلاثة: تأمين السيولة، وشراء الأصول الهالكة وضخّ الأموال في المؤسسات المالية.

ففي المحورين الأول والثالث، يبدو أن للصناديق السيادية دورًا متزايدًا، ما يفرض على الاقتصادات الناشئة ذات الصناديق الضخمة أن تستخدم جزءًا من موجوداتها في إعادة رسملة كبريات الشركات الغربية.

ولعل هذه الحاجة الماسة قد تغيِّر بعض الموقف السلبي السائد اتجاه عمل الصناديق السيادية وعملها، وإن كان الحجم والمدى غير واضحين حتى الآن، لكنه وبالمقابل، فإنه تثار أسئلة صعبة حول دور الموجودات المتعاظمة بسبب طفرة النفط واستخداماتها الاقتصادية في تنويع الدخل ليس الخليجي فحسب، بل والمساهمة في إنقاذ بعض اقتصاديات المنطقة من الانهيار خصوصًا وأن الكثير من الاقتصادات الناشئة تعاكس التيار المأزوم القادم من البلدان المتقدمة، فتقدم نموًا متواصلاً وتنمية مستدامة، بهدف احتلال الدور الاقتصادي الفاعل في العلاقات الدولية. أما في حال المنطقة العربية حيث تتزايد الثروة العامة والشخصية (النمو الكبير لعدد الأثرياء)، فحرارة التحديات الاقتصادية والتنموية تفرض منطلقًا آخر في التعامل مع فوائضها. وإلحاحية ذلك تفوق إلحاحية الوصول إلى محافظ استثمارية مالية تزيد الأثرياء ثراءً ولا تكبّر الاقتصادات كما لا تنوع من مصادر دخلها.

 

المصادر والمراجع:

  1. تقرير معهد الخدمات المالية في لندن، (صناديق التحوط – طبعة 2007).
  2. صحيفة الاتحاد: 7 أبريل 2008، مؤتمر الاستثمارات البديلة.
  3. صحيفة الشرق الأوسط: 30 ديسمبر 2005، صناديق التحوط العالمية.
  4. صحيفة الشرق الأوسط: 7 نوفمبر 2006، صفحة مصرفية إسلامية.
  5. صحيفة الشرق الأوسط: 17 مايو 2007، عالم الأعمال.
  6. الصحف اليومية، خاصة: "الحياة و"النهار" من 16/9/2008 حتى 23/9/2008.
  7. موقع alaswaqnet: صناديق التحوط تسعى لجذب استثمارات الأثرياء.
  8. موقع صحيفة الاقتصادية الإلكترونية: هيمنة صناديق التحوط.
  9. موقع middle east North Africa، صناديق التحوط الإسلامية Financial network.
  10. "غوغول": أخبار اقتصادية عالمية.
  11. "غوغول": الصناديق السيادية، مجموعة مقالات.
  12. "غوغول": أزمة الرهن العقاري، مجموعة مقالات.
  13. "غوغول": الأزمة المالية العالمية، مجموعة مقالات.

 


[i] - الحياة، لندن، 19/9/2008.

[ii] - المرجع نفسه.

[iii] - الاقتصادية، العدد 5458، 20/9/2008.

[iv] - مؤسسة الخليج للصحافة والطباعة والنشر، 20/9/2008.

[v] - الحياة، لندن، 17/9/2008.

[vi] - موقع "غوغول" الإلكتروني، صفحة أخبار اقتصادية عالمية، 20 نيسان/ابريل 2008.

[vii] - الجزيرة نت، 7/8/2008.

[viii] - موقع "غوغول"، الصناديق السيادية.

[ix] - الأسواق، 6/4/2008.

[x] - النهار، بيروت 24 أيلول/سبتمبر 2008.

[xi] - الأسواق، الصناديق السيادية الخليجية مصدر استقرار في الأزمات، 6/4/2008.

[xii] - موقع "الاقتصادية"، الإلكتروني، هيمنة صناديق التحوط، 10/11/2007.

[xiii] - المصدر السابق.

[xiv] - المصدر السابق نفسه.

[xv]  صناديق التحوط الإسلامية، شباط/فبراير 2008. -   Financial network

The world monetary crisis and the reserve funds are devouring national treasuries

The world monetary crisis which has been expected one year ago at the least finally broke out and its results exacerbated with an astonishing speed on the international level. It seemed that all what we could do, in spite of the accumulated reserves and funds, is to litigate its negative effects.

The Bank of Lehman Brothers declared its bankruptcy and Meryll Linch monetary company was sold to the Bank of America. The Giant Insurance Company American International Group was nationalized after buying 79.9% of its shares by the United States Federal Treasury and the other two investment banks were placed under intensive care.

The researcher is studying the issue of the crisis which erupted one year ago in the sector of real estate mortgages by reason of uncalculated credits disbursed to the benefit of individuals who bought houses and were unable to settle their debts. The researcher noticed that the crisis widened and reached new sectors to threaten the international economic stability and balance in a moment where the globalization network rests secure concerning its total control over the international economic activity mechanisms and their movement.  

La crise financière mondiale et les caisses de réserve «avalent» les trésors nationaux

La crise financière mondiale, attendue depuis un an au moins, a éclaté, et ses répercussions se sont dramatiquement aggravées au niveau mondial. Il s’est avéré que le maximum que l’on puisse faire, malgré le surplus et les fonds accumulés, n’est autre qu’alléger ses effets négatifs.

La Banque Lahman Brs a annoncé sa faillite, la société Meryl Lynch a été vendue à la Bank of America et la société gigantesque American international group fut nationalisée, quand le ministère du Trésor américain a acheté 79,9% de ses titres, les deux autres banques d’investissement passèrent à la phase des soin intensifs.

Le chercheur évoque dans son étude la crise qui est née depuis un an au niveau du secteur des crédits à cause des crédits donnés à des acheteurs de maisons incapables de payer leurs dettes. Le cadre de cette crise s’élargit pour toucher de nouveaux secteurs et menacer par la suite l’équilibre et la stabilité économiques mondiaux, au moment où le réseau de mondialisation contrôle entièrement les activités économiques internationales et leurs mouvements.