الواجب خلف الحدود

الأفضل من أجل لبنان لكي نشرّف موطننا
إعداد: ريما سليم ضومط - ليال صقر

الكتيبة الكورية
«نحن هنا لمساعدتكم بالعقل والقلب»

تنتشر القوات الكورية في جنوب لبنان منذ التاسع عشر من تموز 2007، بدءاً من جنوب الليطاني حتى جل البحر جنوباً، ومنها إلى طيردبا شرقاً مروراً بالعباسية حتى مجرى نهر الليطاني.
وصلنا إلى قيادة الموقع الكوري بعد أن أرشدتنا إليه فرقة مؤللة من قوات حفظ الأمن الإيطالية، فاستقبلنا الجنود الذين يتولون الحراسة بابتسامة ودية، ورافقنا أحدهم إلى داخل الموقع حيث كان في استقبالنا الملازم الأول جانغ هو لي الذي أظهر ترحيباً وحفاوة واضحين، ودعانا للدخول إلى قاعة كبيرة مجهزة بأحدث الوسائل التقنية من مكيفات وتلفزيونات ذات شاشات عملاقة، وأجهزة كمبيوتر متطورة.
بدأ اللقاء بعرض فيلم وثائقي مصوّر حول كيفية إنضمام القوة الكورية إلى قوات اليونيفيل، بدءاً من القرار 1701 فالإنطلاق من كوريا تحت شعار «قوموا بالأفضل من أجل لبنان» ثم الوصول إلى بيروت.
وتحت شعار «نحن متحدون» شاهدنا التدريب المكثف الذي خضع له الجنود الكوريون من القفز بالمظلات إلى الرمايات، فالتدريب بحراً وبراً، إلى المركز التعليمي، إلى المطبخ والبراعة في تحضير المأكولات!
«نحن مستعدون للقيام بالأفضل كعائلة واحدة»، تحت هذا العنوان نرى مشاهد لنزع الألغام ودوريات ونشاطات إنمائية مختلفة.
في ختام العرض ظهرت على الشاشة عبارة موجهة إلى اللبنانيين: «أخوتي، أخواتي، نحن هنا لمساعدتكم بالعقل والقلب». وأخيراً مشاهد مختلفة من بقاع لبنانية مع عبارة «السلام للبنان، لكي نشرّف موطننا».

 

اختبرنا الحرب
بعد العرض المؤثر الذي شاهدناه، كان حوار مع الرائد جانغ هو لي أوضح خلاله أن الكوريين قد اختبروا الحرب في بلادهم، لذا فهم يدركون تداعياتها ويشعرون بواجب المساعدة تجاه الدول التي تعاني الحروب ولا سيما لبنان الذي قاسى أبناؤه لفترة زمنية طويلة.
وعن مهمة القوات الدولية الكورية أشار أنها تنقسم إلى شقين: الأول تطبيق القرارات الدولية على صعيد حفظ الأمن من خلال الدوريات وعمليات المراقبة، والثاني تقديم المساعدات الإنسانية والدعم الإنمائي للمجتمع اللبناني والجنوب بشكل خاص. وأوضح أنه فور انتهاء تمركزها، باشرت القوات الكورية الأعمال الإنسانية، ومن بينها المساعدات الطبية للقرى الجنوبية، حيث يتولى طاقم طبي مؤلف من طبيب وممرضة وأربعة جنود ممرضين ترافقهم سيارة إسعاف مجهزة بكامل المعدات الطبية الخاصة بالطوارئ زيارة المناطق الجنوبية الواقعة ضمن قطاعهم ومعاينة المرضى فيها، حيث يتم فحص حوالى الأربعين مريضاً يومياً، إضافة إلى مدّهم بالأدوية اللازمة للعلاج والتي استقدمتها القوات الكورية من موطنها بهدف خدمة المجتمع اللبناني. وأكد أن القوات المذكورة خصصت سيارتي إسعاف بكامل تجهيزاتها الطبية لنقل الحالات الطارئة إلى المستشفيات.

 

خدمات... والحزام الاسود
من جهة أخرى أوضح الرائد الكوري أن قوات بلاده خصصت لبنان بتقديمات تشمل خدمات إنمائية متنوعة من بينها إنشاء مدارس لتعليم الكومبيوتر وأخرى لتعليم الفنون القتالية كالتايكواندو، مشيراً إلى أن جميع القوات الدولية الكورية في لبنان هم من عديد القوات الخاصة ويحملون الحزام الأسود في اللعبة المذكورة.
وعن علاقة القوات الدولية الكورية بالجيش اللبناني، أكد جانغ هو لي أن التنسيق بين الطرفين يتم بشكل ممتاز موضحاً أن قوات بلاده تدعم المؤسسة العسكرية في لبنان عن طريق مدّها بمعدات تقنية غير عسكرية.

 

شعب يستحق كل الدعم والتقدير
أما عن علاقتهم مع المدنيين فقد أوضح أن الشعب اللبناني ودود ومتواضع، مما أثر بشكل واضح في الجنود الكوريين. وأضاف أن القوات الكورية قامت بكثير من التحضيرات قبل المجيء إلى لبنان من بينها الاطلاع على حضارة لبنان وثقافته ودراسة قوانينه، مؤكداً أن هذا الأمر سهّل عملية التعاطي مع المواطنين.
كما أكد أن القوات الكورية وضعت الخطط اللازمة لدعم لبنان جيشاً ومجتمعاً، وقد باشرت بتنفيذها بحماسة كبيرة آملاً أن تتمكن من القيام بالأفضل من أجل هذا الوطن الصغير الذي يستحق شعبه كل الدعم والتقدير.

 

يوم عمل
شكرنا مودعين وانتقلنا إلى موقع آخر حيث التقينا الملازم الأول جانغ هو لي الذي وصل إلى لبنان منذ التاسع عشر من تموز 2007. سألناه عن شعوره في ظل وجوده في أرض غريبة بعيداً عن أهله وعائلته وبيته، فبادر إلى الاجابة أنه لا يحسّ بأنه في غربة، بل على العكس، فهو سعيدٌ   ويشعر وكأنه في كنف عائلته، كما ويشعر بالفخر لتأدية عمله. ويشير الملازم الاول إلى استمتاعه بالسفر وبالتعرف إلى ثقافة جديدة.
يتواصل الملازم الأول مع عائلته عبر الهاتف الذي مدّتهم به الدولة الكورية للإتصال المباشر بعائلاتهم في منازلهم مباشرة. ويقوم بذلك مرتين يومياً وذلك بغية طمأنتهم عن أحواله. كما ويستخدم الانترنت وما يقدمه من خدمات للهدف نفسه.
طلبنا منه وصف يوم عملٍ تقليدي له في لبنان فقال: نستيقظ عند السادسة صباحاً في أيام الأسبوع العادية، وعند السابعة أيام السبت والأحد. نركض بعدها حوالى الكيلومترين ونعود إلى مراكزنا ونغتسل لنتناول فطورنا (الذي ننتقي مكوّناته بأنفسنا)، ونبدأ عملنا الجدي عند الثامنة فنقوم بدوريات خلال النهار وغيرها من المهام التي توكل إلينا. ينتهي عملنا عند الخامسة من بعد الظهر، فننصرف حينها إلى الاستمتاع بأوقات فراغنا. وقد وفّرت لنا القيادة لأجل هذا الغرض عدة وسائل ترفيهية: مشاهدة التلفزيون والأفلام، الانترنت والإتصال بالأهل... ثم نختم نهارنا بالاغتسال والخلود للنوم ليبدأ في اليوم التالي نهار جديد...


• إلى أي حدّ تشعر أنك تقوم بعمل أساسي وفعّال؟
- وفقاً لتجربتي الشخصية في لبنان، وبعيداً عن مهمة حفظ الأمن والتي نكرّس مجهوداً كبيراً لها،  ثمة موضوع آخر أريد التطرّق إليه، وهو يتعلق بالأمور الحياتية الأساسية في المنطقة. فقد سألني بعض الأطفال عن إمكان توفير خدمات مثل المياه والطاقة الكهربائية. صحيح أننا نحاول الحدّ من المخاطر والمشاكل ولكن هناك أمور أخرى يجب معالجتها.
وأضاف قائلاً: اللبنانيون ودودون جداً، وهذا ما نلحظه بوضوح خلال تأدية مهامنا، أحياناً نلجأ إلى قطع الطرقات بآليات اليونيفيل العسكرية نظراً الى طبيعة الطرقات الوعرة والترابية غير المعبّدة في قسم كبير منها، ومع ذلك يتفهّمون الأمر ولا ينزعجون.
سألناه عما أحبه في لبنان فرد قائلاً إنه يحب الطبيعة اللبنانية وخصوصاً زُرقة البحر، وأبدى إعجابه بقرب الشاطئ من منطقة تمركز المخيّم (الجبلية بطبيعتها)، وهو «أمر غريب ففي كوريا يلزمك مدة تراوح بين الثلاث أو أربع ساعات للوصول إلى الشاطئ».


• وسوى ذلك؟
- لم تتسنّ لي الفرصة بعد لتذوّق الاطعمة اللبنانية، لكني تذوقت الفاكهة ووجدتها لذيذة جداً، الموز والكرز وغيرها أكثر ما أحببته في لبنان.
وحول الاختلاف في الثقافة والتقاليد وكيف يتكيّف معه، قال: «نحن هنا، وعلينا تقبّل الآخر وفهمه، وعلينا من هذا المنطلق محاولة استيعاب هذا الفارق الثقافي، علينا بالاحترام والطاعة، ومحاولة التعامل والتفاعل مع الواقع».
حاولنا بعدها معرفة ما إذا سنحت له الفرصة بزيارة المعالم والمدن اللبنانية فأخبرنا أن القيادة تفضّل عدم تجوال العسكريين في المناطق البعيدة عن المركز إلا في أوقات محددة، وبما أن التعليمات تقضي بضرورة حمل السلاح، «نفضل البقاء في المركز، فنحن شعب مسالم بطبيعتنا ولا نحبّذ التجوال بين الناس بأسلحتنا».
وقد لاحظ الملازم الأول الكوري وبالرغم من فترة وجوده القصيرة في لبنان الفرق والتقدم الذي طرأ على المنطقة منذ وجود قوة حفظ الأمن.
ويختم حديثه قائلاً: نحاول بكل الأساليب المتاحة تطوير القرابة بين المجتمعين الكوري واللبناني للوصول إلى الأفضل.

 

شرف وفخر
بدوره يؤكد الجندي الأول دنغ سنغ لي أن إحقاق السلام في لبنان يستحق عناء الغربة وأنه يعتبر دعم بلاده للبنان شرفاً له وأنه يشعر بالفخر لكونه هنا في المنطقة. ويضيف: التواصل عبر الهاتف والانترنت مع الأهل في كوريا يخفّف عنا عناء الغربة، مشيراً إلى أن القيادة ستوفّر لعسكرييها عمّا قريب مزيداً من التقنيات بغية تقريب المسافات وتسهيل التواصل.
يمارس الجندي الأول دنغ سنغ لي الرياضة، ويطالع حيناً ويدرس أحياناً أخرى... وأكثر ما لفت انتباهه لطف اللبنانيين وبشاشة وجوههم والطعام اللبناني خصوصاً «الفلافل»، ومن الفواكه الكرز إذ إنه باهظ الثمن في كوريا...
وحول إحساسه بشأن الثقافة المغايرة والتقاليد والعادات المختلفة، يقول: «قبل وصولنا إلى لبنان، زودنا فكرة واضحة حول الأوضاع الإجتماعية والعادات والتقاليد في لبنان، وهذا ما سهّل الأمور».
العلاقات المباشرة مع اللبنانيين محدودة كما يقول الجندي الأول، فهي غير موجودة إلا من خلال مستوصف الخدمات الطبية الذي انشأه المخيم  لمساعدة اللبنانيين طبياً، لكن لا بد للأمر أن يتطوّر، فلم يمض على وجودنا في لبنان سوى فترة وجيزة.

 

دورية
في ختام زيارتنا للمعسكر الكوري، دعينا لمرافقة الجنود في دورية لهم في المنطقة، فانطلقنا وراء آليتي «فاب» وجيب عسكري سالكين طرقات فرعية بين شجر الليمون والزيتون وحقول الذرة.
من طيردبا فالعباسية إلى برج رحال، كان مواطنون يرحبون بقوات حفظ السلام ويلوحون لهم بالأيدي. أما الاطفال فلم يكتفوا بالتلويح بل كانوا يرفقونه بالهتافات.
توقفنا في نقطة مراقبة في برج رحال حيث تفرّق الجنود على التلال لتنفيذ مهمتهم، فيما كنا نراقب عن مسافة غير بعيدة مدى جديتهم والتزامهم في تأدية واجبهم.
بعد فترة من المراقبة عاد الجنود إلى آلياتهم ليفيدوا رؤساءهم أن المهمة نفّذت بنجاح، وأن المنطقة نظيفة وخالية من الشبهات.

تصوير: راشيل تابت