إقتصاد ومال

الإنتاج النفطي الجديد: هل تغيّرت شروط اللعبة؟
إعداد: تريز منصور

بفضل القفزات العلمية الكبيرة التي حقّقتها العلوم الجيولوجية والهندسية – البترولية، ومع تراجع احتياطات النفط السهلة الاستخراج، تنمو القطاعات النفطية غير التقليدية بشكل متسارع. وحاليًا تتجه الأنظار إلى النفط الصخري والنفط الرملي المتوافرين بكميات ضخمة في كندا وفنزويلا وبلدان أخرى.
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه اليوم هل تشكّل هذه المصادر البديلة تهديدًا للمصادر التقليدية للطاقة؟


موارد طاقة هائلة
تُعتَبر الطاقة عصب التطور الاقتصادي وأساس نموّه، لذلك تسعى الدول الغنيّة بمصادر الطاقة إلى الاستخدام الأمثل لها، بغية المحافظة على استمرارية عجلة النموّ فيها. لكن تغييرات كبيرة حصلت في عالم النفط خلال العقد الأخير، إذ ساهمت التقنيات الحديثة، في ظل الفورة التي شهدتها الأسعار قبل عدة سنوات، في تحفيز مصادر إنتاج جديدة من الرمال والصخور الزيتية، وتعزيز الاحتياطات الهيدروكربونيــة، بعــد أن أصبــح الأمــر متاحًــا تقنيًــا ومجديًــا اقتصاديًــا.
ويؤكد العلماء الباحثون أن ثمّة مخزونات سائلة ضخمة محتجزة بين طبقات صلبة في باطن الأرض، تحتوي على مليارات الأطنان سهلة الاستخراج، عبر تقنيات متوافرة في معظم دول العالم، خصوصًا إذا كانت هذه المخزونات قريبة من سطح الأرض، وهي توفّر موارد طاقة هائلة تكفي العالم لعقود طويلة.

 

النفط الصخري
النفط الصخري هو عبارة عن مواد هيدروكربونية تشكّلت من الترسّبات العضوية على مدى ملايين السنين، كالنفط العادي، لكنها لم تتشكّل ككتلة سائلة مستقلّة، بسبب انخفاض نسبة الضغط بين طبقات الأرض حيث تنتشر.
توجد طبقات صخرية ضخمة في باطن الأرض تختزن بين ثناياها مواد كيميائية تسمى «كيروجين» والتي يُستخرج منها النفط بعد تسخينها وتكريرها بطرق مناسبة. انتشار هذه المواد بين التشققات الصخرية، جعل استخراجها أمرًا معقدًا ومرتفع الكلفة، فجرى تجاهلها لسنوات طويلة، لا سيّما وأن التقنيات المناسبة لم تكن متاحة قبل عقود قليلة. إلاّ أن الكميات الكبيرة المتوافرة من هذه المواد فتحت شهية الشركات والدول، ودفعت العلماء والمهندسين إلى تطوير تقنيات جديدة تسمح باستخراجها بكلفة معقولة ومجدية اقتصاديًا، وفق أسعار السوق النفطية. وبعد العديد من الاختبارات نجحت تقنية «التكسير الهيدروليكي» (hydraulic fracking)، التي تقوم على ضخ كميات ضخمة من السوائل الضاغطة، في باطن الأرض داخل الطبقات الصخرية، فتتفتت ويتسرب من داخلها النفط أو الغاز الصخري ليتجمع في أمكنة محصورة، حيث يمكن استخراجها وضخّها إلى الأعلى. تتطلب هذه العملية حرارة مرتفعة لمعالجة المواد الهيدروكربونية المستخرجة وتحويلها إلى مواد نفطية قابلة للاستعمال. لكن هذه التقنية وحدها لا تكفي، فالطبقات الصخرية التي تحتوي النفط تمتد على مساحات من آلاف الكيلومترات. لذلك، كانت هناك حاجة إلى تطوير تقنيات أخرى مثل «الحفر الأفقي» horizontal drilling حيث تصل الحفارة إلى قلب الطبقة الصخرية المستهدفة ثم تتجه لتحفر أفقيًا لمسافات طويلة.
ويتيح هذا الأمر الوصول إلى كميات وافرة من النفط العادي أو الصخري المستهدف باستخدام رأس بئر واحد، ممّا يخفّض من الأكلاف الاقتصادية، ويحدّ من استثمار سطح الأرض الذي قد يكون عبارةً عن مساحات زراعية أو صناعية أو غابات أو غيرها. ومع تكامل هاتين التقنيتين، أصبح في المتناول استخراج النفط الصخري بأكلاف منافسة للنفط التقليدي، إذ تراوح كلفة استخراج البرميل اليوم بين 50 و70 دولارًا، وهي في انخفاض مستمر، ما يعني أن استقرار أسعار النفط العالمية فوق هذا المعدل يجعل استخراج النفط الصخري مجديًا اقتصاديًا.
 

النفط الرملي
النفط الرملي هو عبارة عن خليط من المواد الهيدروكربونية المختلطة مع التربة والرمول والماء ومواد أخرى. وهو يوجد على مساحات شاسعة جدًا على سطح الكرة الأرضية في كندا وفنزويلا وسواهما. ونتيجة انتشاره على سطح الأرض أو تحتها بقليل، يتم استخراجه عن طريق المناجم، وليس عبر حفر الآبار، حيث تجري معالجته لفصل المواد البترولية عن بقية المواد، عبر تسخينها ومن ثم زيادة لزوجتها عبر خلطها بمواد أخرى، كي يسهل نقلها إلى المصافي المختصة التي تحولها إلى بترول خفيف قابل للاستعمال.
لم تبدأ فنزويلا باستخراج النفط الرملي بعد، لكن كندا عملت على تطوير هذا القطاع منذ عدة سنوات وأصبحت تنتج منه كميات تجارية كبيرة اليوم، وهو ما جعلها من الدول المصدرة للنفط على مستوى العالم.
وتشير الدراسات إلى أن المخزونات المتوافرة في هذين البلدين وحدهما تعادل كل كميات النفط التقليدية المتوافرة في العالم حاليًا. وعلى الرغم من وجود عوامل بيئية وجيولوجية واقتصادية تمنع من استخراج كل ما هو متوافر، فإن الكميات المتاحة للإنتاج والتي تقدّر بحوالى 10 في المئة من المخزون، تعطي هاتين الدولتين احتياطات نفطية وافرة، وستشكل مصدرًا كبيرًا ومتزايدًا للإنتاج النفطي، إلى جانب احتياطات أصغر في روسيا وكازاخستان وغيرها.

 

الانعكاسات السياسية وتغيير الخريطة النفطية
انتاج النفط الصخري والرملي ستكون له انعكاسات سياسية أيضًا، فالدول الكبرى لن تكون بحاجة إلى النفط التقليدي كما في الماضي. الولايات المتحدة أنتجت مثلاً في العام الماضي 22 في المئة من احتياجاتها النفطية من البترول الصخري، بينما لم تكن تنتج إلا 2 في المئة منه قبل عشرة أعوام. وسوف يكون هذا المنحى في ارتفاع مستمر مع انخفاض الكلفة التكنولوجية، وارتفاع أسعار النفط مجددًا بعد تعافي السوق، ومع خطط الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الداعية إلى توسيع الإنتاج وتخطّـي المحاذيـر البيئية المرتبطـة بهـذا القطاع.
أما على صعيد الغاز الصخري، فقد بدأ استخراجه بكميات تجارية في الصين ذات الاحتياط الأضخم في العالم، وكذلك في كندا وأميركا، فيما تمتلك الأرجنتين والجزائر وغيرهما احتياطات كبيرة لم يبدأ استخراجها بعد. ويسير استخراج هذا الغاز على وتيرة استخراج البترول الصخري نفسها ويحتل مكانة سوقيةً أكبر عامًا بعد عام.
أما بالنسبة إلى روسيا، فهي لم تبدأ بعد بإنتاج النفط الصخري بوفرة على الرغم من امتلاكها احتياطات ضخمة منه إضافة إلى التكنولوجيا المطلوبة، وذلك لأنها تمتلك أصلاً مخزونات وافرة من البترول والغاز العاديين.
وسط هذه التطورات التكنولوجية، ومع تراجع احتياطات النفط السهلة الاستخراج، تنمو القطاعات النفطية غير التقليدية بشكل متسارع، وتتحول تدريجيًا لتصبح خلال عقود قليلة مصدر الإنتاج الأساسي للنفط والغاز في العالم، وتجعل من الدول المنتجة للنفط حاليًا ومنها دول «أوبك» لاعبين عاديين غير مسيطرين على الساحة الدولية. في المقابل ستستأثر أميركا وكندا وروسيا وفنزويلا بحصة الأسد من الثروة النفطية الجديدة، وتضاف إليها الصين التي تملك احتياطات ضخمة من الغاز الصخري، وبذلك تصبح هذه الدول الخمس من أكبر منتجي الطاقة النفطية في العالم.
الواقع الجديد، على صعيد مصادر الطاقة وطرق نقلها عبر البحار أو في الأنابيب، أدى إلى صراعات جيوستــراتيجيــة وحروب وتدخلات في كثير من الدول، كما أدّى بالتالي إلى نشوء حالة من القلق لدى المنتجين التقليديين من الآثار المحتملة على أسعار النفط والغاز المنتجة من مصادر تقليدية، وبالأخص على أسعار الغاز.

 

إمكانات وحدود
على الرغم من وفرة الاحتياطات، إلا أن تزايد عدد وسائل النقل الخاصة والنمو البشري والاقتصادي سوف يزيد من استهلاك النفط بمستويات كبيرة خلال العقود القادمة، وسوف يؤدي ذلك إلى ضغط كبير على النفط الصخري والرملي. وللحفاظ على مستويات إنتاج مستقرة من هذين الموردين، ينبغي الاستثمار دومًا بآبار وحفارات ومناجم جديدة، مع ما يمليه ذلك من أعمال سطحية على مساحات واسعة فوق سطح الأرض. ومع أخذ العوامل البيئية والجغرافية بالاعتبار، قد يكون المجال الجغرافي المتاح للاستثمار أقل من الحاجات المستجدة، وعليه يوجد حدّ أقصى للتوسع والاستمرار، وفق طبيعة كل بلد وكثافة سكانه وانتشارهم في محيط الموارد المتوقعة. لذلك لا يمكن اعتبار كل المخزونات الصخرية والرملية قابلة للاستغلال الفعلي. ستشكل هذه الموارد مصدرًا واعدًا للطاقة لعقود وستساهم في توفير الحلول للحاجات المستجدة، لكن الأفق يبقى محدودًا وهو لا يعدو كونه تمديدًا مؤقتًا لعصر النفط الأحفوري لبضعة عقود.
كذلك أثبتت عدّة أبحاث أن معدل النشاط الزلزالي والهزّات الأرضية ازداد في المناطق المركزية من الولايات المتحدة منذ العام 2008. وقد ربط الباحثون هذا الواقع بضخّ المياه في آبار الغاز والنفط، مما رفع الضغط الهيدروديناميكي في مسامات الصخور، ويؤدي إلى تشقّقها وإلى تغيّرات على مستوى سطــح الأرض.