إقتصاد ومال

الاقتصاد اللبناني والأرقام المخيفة
إعداد: تريز منصور

الاستقرار النقدي يخرق وحيدًا جدار الصعوبات
 

يمّر الاقتصاد اللبناني بمرحلة هي الأدقّ في تاريخه منذ الاستقلال. المؤشرات الاقتصادية تتراجع بمجملها، لتؤذن بانهيار كبير، إذا لم يتمّ تدارك الأمور. فمن التراجــع الكبيــر في القطاع العقــاري إلى التراجــع في النمــو، وفي الصــادرات الصناعيــة والزراعيــة والتسليفــات...
بين مطلع الاستقلال والستينيات من القرن الماضي، لم يكن عجز الموازنة العامة يتخطى الـ3 في المئة... وبينما كان لبنان يبيع الكهرباء لسوريا، وكانت مؤسـسة كهرباء لبنان تحقّق أرباحًا، بتنا اليوم أمام عجز سنوي في الكهرباء يصل إلى ملياري دولار، وهو يزحف ليشكّل نحو 50 في المئة من عجز الموازنة.    
ما هو واقع الاقتصاد اللبناني بالأرقام، وهل من نوافذ يطلّ منها الأمل؟ إثنان من أهل الاختصاص يعرضان  لـ«الجيش» رؤيتهما للواقع الصعب.

 

شلوق: «شرطان لتلافي الانهيار»
عميد كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية الدكتور غسان شلوق أوضح أن «مجموعة مؤشرات تتراكم منذ بداية هذه السنة لتعطي صورة سلبية عن الوضع الاقتصادي، ومنها على سبيل المثال، العجز الكبير في ميزان المدفوعات الذي بلغ في النصف الأول من هذه السنة نحو 1320 مليون دولار، وتراجع المؤشر الاقتصادي العام الذي يعدّه مصرف لبنان، بنسبة تقارب الخمسة في المئة خلال النصف الأول من هذه السنة. يضاف إلى ما سبق، مجموعة كبيرة من العوامل البسيطة المكمّلة، منها، تراجع حركة البناء والتجارة الخارجية، انخفاض قيمة الواردات بنسبة 11 في المئة وقيمة الصادرات بنسبة خمسة في المئة أيضًا في النصف الأول من العام الجاري، وتراجع في المؤشرات المختلفة التي يؤخذ بها لقياس الحركة الإقتصادية».
وأضاف الدكتور شلوق: «باختصار كل هذه العوامل تؤكد ما هو معروف بالانكماش الملحوظ في النشاط الاقتصادي خلال السنوات الأخيرة. وهذا الأمر لا بدّ أن ينظر إليه مع النظر في الوقت عينه إلى ارتفاع الدين العام الذي يبلغ في صيغته الصافية (وهي صيغة غير دقيقة)، نحو الـ 60 مليار دولار.
كما ينبغي النظر إلى اشتداد حدّة بعض المؤشرات الاجتماعية، لا سيّما الهجرة، اتساع دائرة الفقر، تراجع مستوى المعيشة، والبطالة... ولكن على الرغم من كل ذلك، فأنا من الذين يعتقدون بأنّ كل هذه المؤشرات، يمكن أن تنقلب بسرعة وفي لحظة واحدة رأسًا على عقب، إذا تحقق أمران واجبان هما: انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وصياغة مشروع اقتصادي انقاذي ولو محدود، يؤدي إلى دعم عملية الخروج من هذا النفق. وإذا كان ذلك حتميًّا بالنسبة إليّ، فإن الخيار الآخر هو أن يستمر الوضع على ما هو عليه، ما يعني أننا نتجه في وقت غير بعيد، وربما خلال شهور قليلة (ربما نهاية العام) إلى ما يشبه الانهيار الشامل».
وأضاف: «إن تنامي الدين هو من أخطر الأمور التي تواجه الاقتصاد اللبناني اليوم، وعلى الرغم من خطورته يمكن التصدّي له ومعالجته بشيء من اليسر، شرط  توافر بعض العناصر، خصوصًا أن الدين لا يقاس بحجمه فقط، إنما بثقل خدمته.
والعناصر هي: حسن إدارة الدين، ومعالجة كلفته، أي معالجة مستويات الفوائد، ومعالجة الوضع الاقتصادي العام، استنادًا إلى معطيات الدين ومستويات تطوره.
وإنني أراهن على عودة اللبنانيين إلى ذواتهم، والتقرير بعيدًا عن الاعتبارات الصغيرة الضيّقة، لينهضوا ببلدهم. وفي هذه الحالة، فإن عملية الصعود لن تكون صعبة، شرط توافر الوعي والرجال».
وفي الختام يشير شلوق إلى أن اقتصاد لبنان بين مطلع الاستقلال وستينيات القرن الماضي، كان متقدّمًا بوضوح على عدّة دول أوروبية. فالناتج القومي كان لديه يومها، أفضل ممّا هو عليه في اليونان وإسبانيا وحتى إيطاليا في بعض السنوات.
 

الحاج: الاستقرار النقدي يخرق جدار الصعوبات المالية
مدير التحرير الاقتصادي في جريدة «السفير» عدنان الحاج (رئيس جمعية الإعلاميين الاقتصاديين) يعتبر أن الوضع الأمني الهشّ في المنطقة العربية وكذلك في الداخل اللبناني، أثّرا جدًا على عدّة نشاطات اقتصادية في لبنان. ما جعل الركائز الثلاث الرئيسة التي تحفّز الاقتصاد اللبناني، في تراجع مستمر وأرقامها تظهر بوضوح العجز في الاقتصاد:
1- الاستثمارات والرساميل الواردة، وقد تراجعت خلال الثمانية الأشهر الأولى من العام  2015 أكثر من 3 مليارات دولار، أي بمعدل 33 في المئة. ويعود ذلك إلى انخفاض التحويلات الخارجية، بسبب غياب الاستثمارات الخارجية والعربية ولا سيّما الخليجية منها. في ما خصّ تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج، فقد بلغت نحو 6 مليارات دولار، بعد أن كانت 8.4 مليارات دولار في الفترة نفسها من العام الماضي. والسبب عائد إلى مغادرة معظم عائلات العاملين في الخارج للالتحاق برب الأسرة.
كما أنّ من يملك مشروعًا في لبنان، قلّص نشاطه بسبب الظروف، ناهيك عن تراجع عملية شراء العقارات من قبل المغتربين اللبنايين، والتي قد تكون النقطة الأساسيـة في الركود الاقتصادي.
2- الوضع السياسي، وقد تراجع ومعه تراجع عدد الزائرين العرب ولا سيّما الخليجيين منهم.
3- حركة الصادرات الزراعية والصناعية، وحالها ليس أفضل من حال الركيزتين السابقتين، فالصادرات الزراعية سجّلت تراجعًا من 200 مليون دولار إلى 160 مليون دولار. أما الصادرات الصناعية فقد تراجعت بنسبة 10 في المئة، بحيث كانت حتى آب
الماضي 3.4 مليارات دولار وأصبحت اليوم 2.7 مليارات دولار. وسبب هذا التراجع، إقفال المعابر في بعض الأحيان ولا سيّما اللبنانية السورية، وبالتالي زيادة كلفة التصدير.
وأضاف الحاج: «السوق العقاري تأثّر أيضًا، بسبب انعدام الاستقرار السياسي والأمني، وهو الذي يشكّل أحد أركان النشاط الاقتصادي في لبنان، فالمبيعات العقارية تراجعت حتى بداية آب من العام الحالي حوالى مليار دولار أي 14.5 في المئة».
واعتبر الحاج أن هذا القطاع كان ينمو سنـويًا بنسبــة 22 في المئة، وهو اليوم قائم على القروض السكنية لأصحاب الدخل المحدود، بحيث شكّلت نسبة 54 في المئة من الحوافز التي قدّمها مصرف لبنان للإقراض السكني. علمًا أن بعض المستثمرين في القطاع العقاري العرب بدأ يبيع عقاراته.
 

المالية العامة
في ما خصّ المالية العامة، أوضح الحاج، انّه منذ العام 2006 لا توجد موازنة عامة في لبنان، ممّا يعني أن النفقات والإيرادات لا تتمّ إلا وفق التقديرات وفي غياب الحسابات الدقيقة، وعلى الرغم من ذلك، فإن عجز الموازنة في العام 2015، يقدّر بـ 7700 مليار ليرة أي (5،5 مليار دولار)، وهو يموّل من سندات الخزينة، الداخلية والخارجية.
الدين العام الداخلي يبلغ 42.5 مليار دولار (65 ألف مليار ليرة لبنانية)، أي بزيادة أكثر من 7 في المئة سنويًا. أما بالنسبة الى الدين الخارجي، فهو في حدود 27 مليار دولار، ويزداد سنويًا نحو 3.2 في المئة. وبالتالي فإن إجمالي الدين العام يناهز الـ70 مليار دولار، أي بزيادة أكثر من 5.5 في المئة سنويًا، فالنفقات لم تتراجع، بينما الإيرادات تتراجع بنسبة 4.4 في المئة. ونسبة الدين العام الإجمالي تفوق الـ 127 في المئة من الناتج المحلي الذي يبلغ 50 مليار دولار.
أما ميزان المدفوعات الذي يشكّل الفارق بين الأموال الداخلة إلى لبنان والخارجة منه، فسجّل عجزًا قيمته 1317 مليون دولار، مقابل 131 مليون دولار للفترة نفسها من العام 2014.
وأما التسليفات المصرفية للقطاعات، فقد تراجعت حوالى 42 في المئة بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية.

الكهرباء
يؤكد الحاج أن إنتاج الكهرباء قد تراجع بنسبة حوالى 2 في المئة مقارنة مع العام الماضي الذي شهد تقنينًا قاسيًا، لكن الوضع كان أفضل ممّا هو عليه هذا العام.
ويقول: بالمبدأ يحتاج لبنان إلى 3000 ميغاواط/ساعة من الطاقة سنويًا، يؤمّن منها حاليًا 1500 ميغاواط/ساعة، أي نصف الكمية بما فيها إنتاج البواخر. وقد رفعت هذه الأخيرة طاقة إنتاجها من 280 ميغاواط/ساعة إلى 380 ميغاواط/ساعة، ممّا يعني أنها تحوّلت من عنصر مساعد في إنتاج الطاقة إلى عنصر أساسي في إنتاج الثلث منها. وفي المحصّلة فإن أكثر من 23 مؤشرًا من أصل 34 مؤشرًا اقتصاديًا، هي في حال تراجع في النمو مقارنة مع العام الماضي.
 

المرحلة الأدقّ منذ الاستقلال
أخيرًا، يرى الحاج أن الاقتصاد اللبناني يمرّ بمرحلة هي الأدقّ في تاريخه منذ الاستقلال، بحيث لم يكن عجز الموازنة يصل إلى أكثر من 2-3 في المئة قبل الحرب في العام 1975. بعد ذلك بدأ يرتفع نتيجة فقدان الدولة موارد إيراداتها في المرافق العامة والمرافئ. لكن حتى العام 1978، كان لبنان يبيع كهرباء إلى سوريا، وكانت كهرباء لبنان تحقّق أرباحًا، فيما عجزها السنوي يصل اليوم إلى ملياري دولار، وهو يزحف ليشكّل نحو 50 في المئة من عجز الموازنة، وكلفة العجوزات التراكمية لكهرباء لبنان تفوق (من دون فوائد) 7.23 مليار دولار وهي تزحف لتشكّل نحو 50 في المئة من الدين العام.
ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أن المعطيات الاقتصادية اليوم قد تغيّرت، وحجم الاقتصاد كبر، بحيث أن الناتج المحلي في السبعينيات كان 3 مليارات دولار، بينما هو اليوم 50 مليار دولار.
وبالمحصّلة فإن القطاعات الاقتصادية والمرافق العامة في البلاد تعاني اليوم صعوبات مالية، وصعوبات في التطوير، في ظلّ الظروف السياسية والأمنية القائمة في لبنان والمنطقة العربية. ويخرق هذه الصعوبات عنصر الاستقرار النقدي الذي يقوم على سياسة أدّت إلى تكوين احتياطي كبير من العملات الأجنبية يتخطى الـ 45 مليار دولار، مع استمرار القطاع المصرفي ومصرف لبنان في تمويل احتياجات الدولة عن طريق الاكتتاب بسندات الخزينة وشهادات الإيداع.