رحلة في الانسان

الانسان والحيوانات الأليفة: علاقة لها أسرارها
إعداد: غريس فرح


منذ أكثر من خمسة عقود، يحاول علماء النفس والمجتمع كشف النقاب عن علاقة الإنسان بالحيوانات الأليفة، وفائدتها على صعيد التفاعل العاطفي والعلائقي. وعلى الرغم من اختلاف الحوافز والميول التي تدفع إلى  اقتناء هذه الحيوانات، يجد البعض قواسم مشتركة، تربط البشر عمومًا بالحيوان. من هنا القول، إن جزءًا من علاقتنا بالحيوانات التي نقتنيها، يكمن في لاوعينا.
والسؤال المطروح, كيف نفسّر انجذابنا إلى الحيوان الأليف، وما هي الفوائد التي نجنيها من وراء ذلك؟

 

إنجذاب بالفطرة
في العام 2013، أكّدت الباحثة في علم النفس الأميركيّة فينيسا لوب، أن الانجذاب إلى الحيوان يعتبر ميلًا فطريًا ملازمًا لطبيعة الإنسان. والدليل على ذلك، أن الأطفال من عمر السنة إلى الثلاث سنوات، يسعدون بالتواصل مع الحيوانات الأليفة، أكثر من اللّعب بالدّمى التي بحوزتهم، هذا في حال منحوا حرّية الاختيار.
إلى ذلك، أثبتت الفحوصات الشعاعيّة المتطوّرة، أن دماغ الإنسان يمتلك خلايا عصبيّة متخصّصة بمراقبة حياة الحيوان. وهذه الخلايا موجودة، بحسب فريق مجلّة العلوم الأميركية «Mind»، في منطقة اللّوزة الدماغية «Amygdala»، الخاصة بالمشاعر، وهي منطقة تستجيب بسرعة لصورة الحيوان. إلى ذلك، تمّ العثور على قاعدة عصبيّة مهمّتها تسجيل الانفعالات العاطفية التي تولّدها رؤية الحيوانات الأليفة. والجدير ذكره أن هذه الانفعالات، بحسب الأبحاث، تشبه إلى حد بعيد تلك التي تولّدها رؤية الأطفال. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن ملامح الحيوان الأليف تحاكي للوهلة الأولى ملامح الطفل، وخصوصًا لناحية براءة النظرة، واتساع العينين بالنسبة لبقيّة تقاسيم الوجه، هذا بالإضافة إلى ردّات الفعل العفوية التي تصدر عنه. وهذا يدل على أن اهتمام البعض بالحيوان إلى حدود الوله، يعتبر توجهًا فطريًا، الهدف منه التركيز على دورة الحياة وتطوّرها.

 

دور الثقافة الاجتماعية
مع ذلك، توجد أبحاث تؤكد أن الاهتمام بالحيوان، يعتمد بالدرجة الأولى على التربية، والمحيط الإجتماعي، والخبرة الشخصيّة. فمثلًا، نرى أن التعلّق بالكلاب يعتبر حالة شائعة في الدول الغربية، في الوقت الذي نجد فيه أن سكّان دول أخرى تعتبرها حيوانات قذرة. على هذا الأساس، تؤكد بعض النظريات أن تربية الحيوانات، ترتبط بالثقافة الإجتماعيّة، ما يعني أنها إلى حد ما إنتقائية وتابعة للأعراف والتقاليد.
من ناحية ثانية، تؤكد بعض النظريات أن حب الحيوانات ينتقل بالعدوى، أي أن البعض يعتنون بالحيوان الأليف بدافع التقليد أو التشبّه بالغير. بعدها تبدأ مرحلة الارتباط الوثيق بينهم وبين مطلق كائن حيّ يشاركهم الحياة. واللّافت كما تشير الدراسات، إلى أن أنواع الحيوانات التي تعيش داخل المنازل، يتم انتقاؤها وفق اتجاهات ضاغطة تشبه الموجات التي تحتّم اتّباع موضة أزياء معيّنة. والمثال على ذلك الإتّجاه الجديد إلى تربية أنواع من الفئران والسّلاحف في بعض الدول الغربيّة، وخصوصًا في الولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى أنواع نادرة من الأسماك والطيور.

 

إلى أي حّد تفيد الحيوانات أصحابها؟
في هذا السيّاق توجد تأكيدات مفادها أن العلاقة مع مطلق حيوان يترّبى داخل المنزل، تعتبر جديرة بالاهتمام حتى ولو ولدت نتيجة الغيرة أو تقليد الغير. والدليل أن معظم الذين يعتنون بهذه الحيوانات، يعترفون بأهميّتها لناحية تأمين الرفقة والشعور بالتواصل الحميم. وفي الواقع، وكما تؤكد الدراسات، فإن العلاقة التي تربط الإنسان بالحيوان تشبه إلى حدٍ بعيد تلك التي تربطه بسائر البشر. وهذا يعني أن الحيوان يملأ الفراغ العاطفي لدى الإنسان في جميع مراحل حياته. إلى ذلك، فقد ثبت أنه يعود عليه بفوائد لا تحصى على الصعيدين الصحي والنفسي، وذلك وفق أكثر من دراسة جاءت نتائجها حاسمة لجهة تأكيد هذه النظّرية. فمثلاً، عرف أن مجموعة من الأطفال المنسحبة إجتماعيًا تمكّنت بعد أشهر من رفقة الكلاب والتعاطف معها من الكلام والتعبير والتواصل. كذلك أمنّت رفقة الكلاب الحميمة مجالاً لتعافي الكثيرين ممّن تعرّضوا لنوبات قلبية أو دماغيّة. وهذا يدل، كما تؤكد المراجع الطبيّة والعلميّة أن الكلاب وسواها من الحيوانات الأليفة، قادرة على تخفيف التوّتر المرافق للمرض، وتأمين سرعة الشفاء.
أما بالنسبة للدّعم النفسي فقد عرف أن معظم أصحاب الحيوانات الأليفة يقتنونها لهذا الغرض. كذلك تبيّن من خلال الفحوصات المخبريّة، أن هرمون الكورتيزول الذي يفرزه الدماغ أثناء التوّتر، ينخفض بمعدل ملحوظ لدى أصحاب الحيوانات الأليفة. وهؤلاء كما ثبت، يحتفظون بنسب مرتفعة لهرمون الأوكسيتوسين، وهو الهرمون الذي يؤمن الترابط العاطفي ويحافظ على العلاقات الحميمة.
أما بالنسبة للأطفال الذين يترّبون برفقة الحيوانات الأليفة، فيبدون أقل قلقًا وخوفًا من سواهم، الأمر الذي ينعكس لاحقًا على صحّتهم الجسديّة. كما يشير الإختصاصيون، إلى أن الحيوان يؤمن الراحة النفسيّة، وخصوصًا لمن يجد صعوبة في التعامل مع البشر.

 

هل تعكس الحيوانات شخصية أصحابها؟
آخر التقارير اللّافتة حول هذا الموضوع ورد في مجلّة العلوم الأميركية، ومفاده أن أنواع الحيوانات الأليفة تعكس شخصية من يقتنيها.
فمقتنو الكلاب مثلاً، يعتبرون أكثر إنفتاحًا من مقتني القطط. أما بالنسبة لباقي الحيوانات كالأرانب والسلاحف وسواها، فهي تخضع لميول أصحابها وتوّجهاتهم الحياتيّة. ولا ينسى الباحثون الإشارة بشكل خاص إلى المهتمين بتربيّة العناكب والأفاعي، فهؤلاء كما ثبت يقتنون هذه الكائنات الغريبة لغموضها المطابق لشخصياتهم.
إن دراسة العلاقة بين الإنسان والحيوان، ما زالت في بداية عهدها. مع ذلك فإن المعطيات التي جمعها الباحثون حتى الآن، قد تكون الشرارة التي تقدح زناد معرفة أوسع  وأشمل، وربما تتيح سبر أعماق تنّوع العلاقات التي منحت الإنسان خبرته، وأمنّت تطّوره عبر الأجيال.