محاضرات

البيئة الأمنية الدولية وتغيّر صفة الحرب...
إعداد: ندين البلعة

تحديات في مواجهة القوى المسلّحة

 

التحديات الإستراتيجية التي ستواجهها القوات المسلّحة في القرن الحادي والعشرين كانت موضوع محاضرة في كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان ألقاها البروفسور Dougelas Lovelace  مدير مركز الدراسات الإستراتيجية في كلية الحرب التابعة للقوات البرية الأميركية في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الإستراتيجية (NESA) التابع لجامعة الدفاع الوطني في واشنطن (NDU). استمع الى المحاضرة قائد الكلية العميد الركن علي الحاج سليمان، ضباط من مختلف الأجهزة والوحدات، ضباط مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية وضباط دورة الأركان الرابعة والعشرين.

 

النزاع المستمر والتغيّرات
أوضح البروفسور دوغلاس بداية أن الآراء الواردة في المحاضرة لا تعكس رأي الجيش الأميركي، بل هي رأيه شخصي ولكن من منظور أميركي. وقد تناول فيها ستة عناوين رئيسة:
- مفهوم «النزاع المستمر» والإتجاهات المؤثرة على البيئة الأمنية الدولية.
- عوامل التغيير في النزاع.
- التعقيدات بالنسبة للقوات المسلّحة.
- الميزات الأساسية لقوى عسكرية مستقبلية ناجحة.
- قواعد العمل المشتركة.
- التداعيات على تطوير القوى.
ركّز البروفسور دوغلاس على العوامل المؤثرة في الأمن الدولي والتي تغيّر طبيعة الحرب وصفتها، ذاكراً على أساسها المميزات الأساسية التي يجب أن تتوافر لدى القوى المسلّحة لمواجهة كل التغييرات.
«النزاع المستمر» هو مصطلح برز في الولايات المتحدة الأميركية لتحديد المواجهات التي تتخطّى الدول والأفراد الى لاعبين هم على استعداد دائم لاستخدام العنف لتحقيق غاياتهم السياسية والأيديولوجية، ما يخلق تقلبات غير مسبوقة، تعقيدات وغموضاً في البيئة الأمنية الدولية. وهذا ما يتطلّب قادة ومؤسسات تعليم قادرين على التجدّد والتكيّف، متمكّنين ومخضرمين ثقافياً.

 

الإتجاهات المؤثّرة
سبعة عوامل تؤثّر على البيئة الأمنية الدولية وتغيّر صفة الحرب، وهي على النحو الآتي:


• العولمة: التي الى جانب وجهها الإيجابي في ترابط العالم وحرية التجارة والإزدهار العالمي، تنشر عناصر تُزعزع الاستقرار، خصوصاً من خلال الإنترنت ووسائل الإعلام التي تؤدي الى نفوذ غير مستقر، بحيث أن منافعها ليست موزّعة على الشعوب بالتساوي.


• التكنولوجيا: وهي «تقوّينا وتقوّي الأعداء». فأعداء السلام هم ايضاً قادرون على استخدامها لنشر المعلومات الخاطئة والاعتداء على المنشآت الحساسة وبث رسائل الكراهية والعدائية بصورة أسرع من الماضي.


• النمو السكاني: يؤدي بدوره الى عدم الاستقرار. فالقسم الأكبر يعيش في المدن، وهذا التمدّن المتزايد يخدم الأعداء المحتملين من متمرّدين وثوّار ويؤمّن لهم الأرباح والحماية، فيسمح بأن يسبحوا ضمن هذا البحر من المدن من دون أن يشعر بهم أحد.


• زيادة الطلب على الموارد: هو اتجاه سيىء، فالطلب على الموارد الأساسية يتزايد ويؤدي يوماً بعد يوم الى النقص في المواد الأولية، ويزيد النزاعات عليها.


• تغيّر المناخ والكوارث الطبيعية: هي مصادر محتملة للنزاع خصوصاً في الدول النامية، لعدم قدرتها على التفاعل مع المتغيّرات والكوارث. وبعكس الماضي، لم تعد الكوارث محصورة في بلد واحد، بل إن المعاناة البشرية، من خلال تطوّر وسائل الإعلام، تهزّ المجتمع الدولي والعالم.


• انتشار أسلحة الدمار الشامل وأسلحة التكنولوجيا المتقدّمة البيولوجية منها والكيميائية والجرثومية: يمكن معرفة أماكن وجود هذه الأسلحة، ولكن هل يمكن التحكّم بها بشكل مرضٍ؟ ربما تقع في أيدي أشرار يسيئون استخدامها.


• الدول المقصّرة أو الفاشلة: وهي الدول التي لا قدرة لها للحفاظ على أراضيها، وبعضها يكون ملجأ للإرهابيين.


تغيير صفة الحرب
الى جانب الإتجاهات التي تؤثر على البيئة الأمنية الدولية، نجد عوامل تغيّر صفة الحرب، بدءاً بتنوّع اللاعبين، حيث لم تعد النزاعات تنشأ بين الجيوش فحسب، مروراً بالنزاعات غير المرتقبة وتغطيتها من قبل وسائل الإعلام؛ المقاتلون الهجينون الذين سيستخدمون مزيجاً متنوعاً وواسعاً من التكتيكات ومنظومات الأسلحة، وبالتالي لن تبقى القوات المسلّحة للدولة هي المالك الحصري للتكنولوجيا.
من هنا نستنتج أنه لن يكون لدينا ترف كما في الماضي لتطوير قواتنا مع عدو واحد، بل سنكون بحاجة الى قوى تتكيّف في كل ساعات النزاع وضد كل الأعداء.

 

ميزات أساسية
تكمن الصفات الأساسية لقوى عسكرية مستقبلية ناجحة في عدة أطر، أهمها أن تكون مرنة قادرة على القيام بكل المهمات في أي وقت، وتتكيّف مع كل الأسلحة التي تواجهها في أي معركة.
التنوّع هو صفة أساسية ايضاً للقوات المسلّحة التي يجب أن تكون مبتكرة قابلة للتغيّر، مع عقيدة مرنة لجهة ابتكار أفضل الطرق لتكييف العقيدة حسب الوضع الراهن، بما يسمح للوحدات بالتنوّع والتكيّف والتغيير.
باختصار يجب أن تكون القوات المسلّحة متنوعة (التنوّع في استخدام القدرات)، محمولة، رشيقة (خفيفة الحركة)، قابلة للإستدامة والعمل المتبادل.
أما النقطة الأهم فتكمن في توافر المهارات والقدرة علي التعامل مع مجالات جديدة يخلقها العدو، بحيث تستطيع القوى معالجة كل حالة ضمن إطارها الفريد السياسي والإستراتيجي (التكيّف)، وتنفيذ نشاطات وأعمال الأمن، الإرتباط، الإغاثة وإعادة البناء والإعمار، بالإضافة الى التقييم المستمر خلال العمليات لاستنباط العبَر والقيام بالتحسينات والتعديلات اللازمة.
كما لا يمكن تجاهل عامل أساسي في تطوير القوى العسكرية، وهو الثقافة والمعارف وزيادة قدرات فهم اللغات والثقافات المختلفة (قادة مخضرمين ثقافياً). القادة المبدعون هم أولاً الذين سيقودون القوى الى هذا التطوّر الثقافي والقدرة على التكيّف والتطوّر والتحليل.
واختتم البروفسور Dougelas Lovelace المحاضرة بالإجابة عن بعض الأسئلة الإستيضاحية، ثم تسلّم درعاً تقديرية من قائد الكلية العميد الركن علي الحاج سليمان.