نحو مجتمع أفضل

التحدث مع أولادنا أقوى أدوات حمايتنا لهم من المخدرات

يُقال «درهم وقاية خير من قنطار علاج»، في موضوع إدمان المخدرات الوقاية أكثر من ضرورة، فمن خلالها نستطيع وقف الضرر قبل حدوثه، ومنع أولادنا من ارتكاب خطأ يندمون عليه بعد فوات الأوان. وأهم أسس الوقاية في هذا المجال، إعطاء صورة أوضح عن المخدرات، وسوء استخدام الأدوية، وإبراز العواقب الاجتماعية والقانونية والجسدية والعقلية الخطيرة التي تنتج عن تعاطيها. تُشكّل المحادثات بين الأهل وأولادهم أهم وسائل حمايتهم شرط أن تُستخدم فيها أساليب فعالة.
في البداية يبدو من الضروري أن نجيب عن سؤال أساسي: ما هي الأسباب الرئيسية لتعاطي المخدّرات بين الشباب؟
ثمة عوامل تنطوي على خطر تعاطي المخدرات كالمحيط الذي يعيش فيه الشخص، والمشاكل العائلية، والعوامل الوراثية، والتفكك الأسري، والاضطرابات السلوكيّة والنفسية، والتسرّب المدرسي، وتجربة المخدرات من عمر صغير، ووجود شخص مدمن في العائلة، وضغط الأقران، ومستوى الدخل. لكن بالإضافة إلى ما سبق ذكره، هناك أسباب لتعاطي المخدرات والكحول، قد تكون نابعة من معتقدات شخصية أو مفاهيم خاطئة، وهي الآتية:
- البحث عن الشعور بالراحة: عندما يشعر الشخص أنّه في حال سيئة ولا يمكنه العثور على طريقة سليمة للتخلّص من إحباطه أو اللجوء إلى أحد المقربين، فقد يلجأ إلى المواد المخدّرة من أجل نسيان المشاكل التي يمرّ بها وبحثًا عن الشعور بالراحة. يمكن أن تسبّب الظروف القاسية في كثير من الأحيان خسائر عاطفية للأطفال، وفي بعض الأحيان قد تسبّب الاكتئاب، لذلك عندما يُمنح الأشخاص فرصة لتعاطي شيء يجعلهم يشعرون بتحسّن، لا يمكن لكثيرين منهم المقاومة خصوصًا عندما يكون مفعول المادة سريعًا.
- تحقيق أداء أفضل: الضغوطات التي نعانيها في الحياة اليومية كثيرة، والبعض يلجأ إلى التخفيف من وطأتها عليه بتعاطي المخدرات.
-الانتماء إلى مجموعة: يشعر الكثير من الأشخاص بالخجل ويفتقرون إلى الثقة بالذات، ما يجعلهم يعتقدون بأن المخدرات أو الكحول تساعدهم في التغلّب على خجلهم، وأنّ ذلك يقرّبهم أكثر من بعض الناس والمجموعات التي يرغبون في الانتماء إليها.
- الحشرية والتجربة: يلجأ الأشخاص الذين يسعون للشعور بالإثارة والمغامرة ولا يستطيعون تحمّل الوحدة والفراغ، إلى تعاطي المخدرات.

 

كيف نتحدث مع أولادنا؟
تعدُ المحادثات واحدة من أقوى الأدوات التي يمكن للوالدين استخدامها للتواصل مع أطفالهم وحمايتهم، وللأسلوب المتبع في الحديث دور مهم في جعله فعالًا. في ما يأتي بعض النصائح التي يمكنكم اعتمادها عندما تريدون التحدث مع ولدكم عن الكحول والمخدرات:
- حافظ على ذهن منفتح، فإذا كنت ترغب في إجراء محادثة مثمرة مع ابنك المراهق يجب أن لا يشعر بأنك تحكم عليه أو تدينه، ففي هذه الحالة لن يبدي تجاوبًا تجاه أفكارك، ومن المهم اعتماد الموضوعية في النقاش.
- الإصغاء بانتباه إلى ما يقوله، من خلال إظهار الاهتمام بحديثه طوال الوقت، والأهم تفهّم ما يشعر أو يفكر به. اسأل ابنك عن إمكانية التحدث معه حول مخاوفه، وما إذا كان يقبل أن تقدم له بعض النصائح من خلال طرح سؤال مفتوح وليس سؤالًا يقتصر جوابه فقط على «نعم» أو «لا».
- محاولة وضع نفسك مكانه، اسأله مثلًا ما هي الطريقة التي من الأفضل اعتمادها عند التحدث عن موضوع كهذا.
- كن واضحًا بشأن أهدافك، فقد يكون من المفيد كتابتها مسبقًا بهدف معرفة ما ترغب في الحصول عليه كنتيجة من المحادثة. تجنّب أساليب التخويف والترهيب وتحدّث عمّا يراه ويسمعه ابنك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، البرامج التلفزيونية، الأفلام، والأغاني التي تتعلق بتعاطي المخدرات، ومن ثم ناقش طرق رفض وسائل الضغط خصوصًا ما يتعلق بالأصدقاء.
- حافظ على الهدوء، فإذا حاولت التصرّف مع ابنك بغضب سيصعب عليك تحقيق أهدافك، وإذا كنت قلقًا بشأن إجراء محادثة معه، ابحث عما يساعدك على التخفيف من التشنج قبل بدء المحادثة. ومن الجيّد أن تختار مكانًا مريحًا كي تستطيع التركيز على الموضوع، كالتنزّه في مكان هادئ أو الجلوس في الحديقة، وطبعًا لا بد من الحفاظ على الإيجابية في النقاش.
- عدم اعتماد أسلوب المحاضرة، حاول التركيز على السلوك الذي تود مناقشته وليس على الشخص بحدّ ذاته. أكّد على أن تعاطي المخدرات أمر خطير ولكن هذا لا يعني أنّ ابنك هو شخص سيئ. إن فرض رأيك بهدف منع حدوث شيء ما هو غير فعّال، مثلًا عبارات من نوع «لا يمكنك فعل ذلك، لأنني والدك، قلت لك ذلك»... ستعطّل النقاش وتجعل ابنك يرفض التحدّث إليك. استمع إلى آراء ابنك وأسئلته حول المخدرات واجعله يشعر بالاطمئنان عندما يتحدث معك عن الموضوع.
- انتبه إلى لغة الجسد، اعتمد طريقة جلوس مناسبة أو مشابهة لطريقة جلوس ابنك، وانتبه إلى عدم توجيه أصابع الاتهام إليه، أو جعل ذراعيك في وضعية التكاتف، وحافط على وضعية مريحة.
- كن صبورًا، تذكّر أن تكون واضحًا بشأن أهدافك، كن إيجابيًا وأظهر التعاطف، وإذا لم يحصل النقاش بالطريقة التي كنت تأمل بها، تذكّر أنه سيكون لديك فرص أخرى للمحاولة. أجرِ أكثر من محادثة، مما سيمنحك الكثير من الفرص لتصحيحها وتحسين ما لم يكن جيّدًا في المرة الأخيرة.

 

الوقاية تبدأ باكرًا!
تبدأ عملية تحصين أولادنا ضد المخدرات في سنوات الطفولة المبكرة، وفي كل مرحلة من المراحل هناك ما يجب فعله.
من ٢ إلى ٤ سنوات: تبدأ مرحلة الوقاية من تعاطي المخدرات في سنوات ما قبل المدرسة، وذلك من خلال إرشاد الطفل وتوجيهه لتبني العادات الصحية. في هذه المرحلة ينبغي أن نشرح للطفل أهمية الاهتمام بجسده والعناية به: تناول الطعام بشكل صحيح، النظافة الشخصية، اللعب والحفاظ على نمط نوم مفيد... ساعد طفلك على اتخاذ القرار الصائب من خلال تعزيز قدراته بالمكافآت، وفي حال وجد صعوبة في حل مشكلة ما، عليك العمل معه لمساعدته على إيجاد الحلول الممكنة للمشكلة. حوّل مهماته اليومية إلى طريقة للاستمتاع، علّمه كيف يتعرّف مشاعره ويعبّر عنها بصوت عالٍ، وكيف يتقبلها ويتحكّم بها.
من ٥ إلى ٨ سنوات: يكون الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين ٥ و٨ سنوات مرتبطين بالأسرة، ويسعون دائمًا إلى إرضاء والديهم، لكنهم يبدأون أيضًا في هذه المرحلة استكشاف ذواتهم. تحدّث إلى أطفالك عن شعورهم حيال ما يسمعونه عن المخدرات. تحدث عن الاختلافات بين الاستخدامات الطبية واستخدامات العقاقير غير المشروعة. امنح أطفالك القدرة على اتخاذ المواقف وعدم التمسك بالأصدقاء غير الداعمين لهم. تعرّف على أصدقاء طفلك وأهلهم للتأكد من أنهم يوجهون لأولادهم أنواع الرسائل نفسها التي توجهها لأطفالك. وبالطبع عليك التأكّد من اتّباعهم العادات الصحيّة مثل النظافة الشخصيّة والأكل السليم وممارسة الرياضة.
من ٩ إلى ١٨ سنة: في مرحلة المراهقة، يسعى الأولاد إلى تحديد هويتهم، يميلون إلى منح آراء أصدقائهم قدرًا كبيرًا من الأهمية، في حين يبدأون في الوقت نفسه بالتشكيك في وجهات نظر الأهل ونصائحهم. إنّ المراهق الذي لا يعرف كيف يتصرّف عندما تُعرض عليه مادة مخدّرة يتأثّر بسهولة بضغط زملائه، أخبره أنّه يستطيع دومًا أن يستخدمك كحجّة للرفض. تأكد أنّ أولادك يعلمون أنك ستفرض العواقب إذا تم خرق القواعد. يحتاج الولد إلى سماع الكثير من التعليقات الإيجابية عنه كفرد وليس فقط عندما يقوم بعمل جيّد، وأن نظهر له الاهتمام بيومياته ومناقشتها معه لنكتسب ثقته. شجّعه على التطوع في مكان ما يتيح له إدراك تأثير المادة المخدرة على مجتمعه، كالمستشفيات أو مراكز خدمات الضحايا أو التّأهيل.
من ١٩ إلى ٢٥ سنة: في أثناء تحضير ولدك للحياة بعد المرحلة الثانوية، يمكنك مساعدته بإرشاده إلى تجارب صحية، مع دعمك لاستقلاليّته. إحرص على إبقاء علاقتك معه دائمة؛ فهو يتعلّق بدعمك وأمانك ويعرف أين يتوجّه في حال حدوث أي مشكلة أو موقف صعب. كن حذرًا من ظهور مشكلات محتملة في صحته العقليّة لأنّ هناك صلة قوية بين قضايا الصحة العقلية وبين استخدام المخدّرات والكحول.

 

علامات الخطر
ثمة علامات مقلقة تظهر في حالة استخدام المخدّرات، وعلينا كأهل التنبه لها. أبرز هذه العلامات: تغيّر مفاجئ في الأصدقاء، انخفاض أو ارتفاع معدّل الأكل والنوم، ظهور مشاكل صحيّة، إهمال المظهر الخارجي، التراجع في المدرسة، عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية، الكذب، مخالفة القواعد، تدهور العلاقات الأسرية، اللامبالاة...

 

طلب المساعدة
إذا شعرت أنك بحاجة إلى مساعدة، ابحث عن محترف متخصّص في إشكالية الإدمان. ستستمر قضية المخدرات في التغيّر مع مرور الوقت، ولكن الشيء الوحيد الذي سيظل ثابتًا هو الحاجة إلى المعلومات والدعم عند تربية الأولاد. أنت أهم وأقوى تأثير في حياة ابنك المراهق. إذا كنت تعتقد أنّ ابنك المراهق متورط في تعاطي المخدرات بشكل كبير، فاتصل بطبيب أو مستشار أو مقدّم رعاية صحيّة للحصول على المساعدة.
«درهم وقاية خير من قنطار علاج» ، لذلك ليس من السابق لأوانه أبدًا البدء في التحدّث إلى ولدك حول تعاطي المخدرات، ومن الضروري أن تكون قدوة ومثالًا جيدًا له، وتسعى لبناء علاقة قوية معه. يمكن أن تساعد المحادثات التي تجريها اليوم مع ابنك، على اتخاذ خيارات صحيّة له في المستقبل. من أجل جيل أفضل، ابدأ بتزويد المراهقين الفرص، وعلّمهم المهارات الحياتية، واعترف بجهودهم وعزّزها، واستمر في المشاركة والاندماج بشكل كافٍ في حياتهم.
تعمل جمعية سي.دي.أل.أل في مجال تنمية المجتمع والوقاية وكذلك علاج الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الصحة النفسية والإدمان.
من خلال برامجها المتعدّدة، تقدّم خدمات اجتماعية متكاملة للأطفال والمراهقين والشباب ومقدّمي الرعاية في مراكزها في بيروت وحالات.
وتهدف من خلال تعاونها مع مجلة «الجيش » إلى المساهمة ببناء وطن متعافٍ وخالٍ من المخدّرات.
خط المساعدة  ٢١١٣١١/ ٨١ مكتب الدخول ٤٤٦٧٤٦ /٧١
cdll.org.lb
baladrugs.com
اذا كنت شابًا أو والدًا أو مدرّسًا وتريد أن تصبح ناشطًا وقائيًا، أو مرشدًا نفسيًا لمدارس صحية ، تسجّل في أحد برامجنا التدريبيّة ٢٨١٠٨٨ /٧٠
دايانا مراد مرشدة إجتماعية وأخصائية نفسية.