دراسات وأبحاث

التيبت صراع فوق سقف العالم بين «بوذا» و«ماركس»...
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

نسمع ما بين فترة وأخرى أخبار الإضطرابات والمظاهرات التي تجري في بلاد التيبت (Tibet) وتدخّل قوات الأمن الصينية لقمع هذه الإضطرابات أو احتوائها. فأين تقع هذه البلاد؟ ومَن هو شعبها، ولماذا يطالب بالإستقلال أو بحق تقرير المصير؟
سنحاول في هذه الدراسة القصيرة الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها، مما يعطي صورة شبه واضحة عما يجري هناك، وأسبابه ونتائجه...

 

موقع وموارد وسكان
• الموقع الجغرافي:

تقع بلاد التيبت في وسط قارة آسيا الشرقية فوق هضبة مرتفعة بمعدل 4200م فوق سطح البحر، وهي أعلى منطقة مسكونة في العالم لذلك تعرف بـ«سقف العالم» (Roof of the World). وتضم سلسلة جبال الهيملايا المرتفعة بمعدل يفوق الـ5000م، وهي تشكّل فاصلاً ما بين بلاد الصين والهند وتضم أعلى قمم العالم، وتشكّل جبالها منبعاً لأكثر أنهار آسيا وأغزرها، مثل: يانغتسي - النهر الأصفر، نهر الإندوس - الميكونغ والغانج. ولذلك يطلق عليها تسمية «قصر الماء لآسيا». كما أن جبال الهيملايا تعني باللغة السنسكريتية «مقر الثلج»، وفيها قمة جبل «إڤرست» (8848م أو 8882م) على حدودها الجنوبية مع «النيبال»، وهي أعلى قمم العالم.


• الموارد الطبيعية:
تعتبر منطقة التيبت من أغنى مناطق العالم بالأورانيوم الذي يقدّر بحوالى 50٪ من احتياط العالم، كما أنها تحتوي على كميات كبيرة من الحديد والذهب والنحاس وغيرها من المعادن الثمينة، كذلك لديها ثروة كبيرة من الغابات، والبترول والغاز الطبيعي.


• الثروة الحيوانية:
تمتلك بلاد التيبت ثروة كبيرة من مختلف أنواع الحيوان، كالجياد والماعز والغنم والثيران المعروفة باسم «الياك» (Yak) الغزيرة الشعر.


• السكان:
الشعب التيبتي ينتمي الى شعوب آسيا الوسطى وسلالاتها العرقية ومنه أعطي لهذه المنطقة إسمها، ويقدّر عددهم بحوالى 6 ملايين إنسان في العالم، ويقيم في منطقة التيبت حوالى 4.5 الى 5 ملايين نسمة يدين معظمهم بالديانة «البوذية التيبتية» (Tibetan Buddism). وهناك أقلية مسلمة تعرف باسم «كاشي».

 

تاريخ التيبت
يرى بعض المؤرخين أنه في القرن السابع الميلادي أسس «سونغ تسن غامبو» إمبراطورية واسعة وقوية في بلاد التيبت، ولتدعيم ملكه تزوج من أميرة صينية من العائلة المالكة، كذلك تزوج من أميرة أخرى نيبالية. ويعتقد أن هاتين الأميرتين أدخلتا الديانة البوذية الى هذه البلاد، وفي الفترة ما بين 742م و797م أصبحت البوذية هي الديانة الرسمية للدولة. في القرن التاسع ووفق المدونات البوذية - التيبتية يمكن ملاحظة وجود عدد من معاهدات السلام ما بين مملكة التيبت والصين. أهمها معاهدة العام 822 والمحفورة على ثلاثة أعمدة ما يزال أحدها واضحاً في عاصمة التيبت (لاسا). ولكن منذ منتصف القرن التاسع يلاحظ تلاشي هذه المملكة وتحوّلها الى إقطاعيات متناثرة.
في النصف الثاني من القرن العاشر وحتى الثاني عشر يمكن ملاحظة ازدياد انتشار البوذية بقوة، خصوصاً من قبل المعلمين الهنود.
بعد اجتياح المغول الصين في القرن الثاني عشر وتأسيس قبلاي خان أسرة يوان بدأت علاقات جيدة مع بوذيي التيبت، والعام 1357م ولد مؤسس نظام «غالوغبا» (Gelugpa) ومعناها «الأفاضل» وهي المدرسة التي انحدر منها «الدالاي لامات»، حكام التيبت الروحيون والزمنيون. وهنا يمكن ذكر أولهم المعروف باسم «غندون دروب» (1391 - 1474م). والدالاي لاما لقب لأكبر الرهبان البوذيين في بلاد التيبت ومعناها «الواسع الحكمة» أو «محيط الحكمة» (Ocean of wisdom) وهو الزعيم الروحي للطائفة البوذية التيبتية المعروفة باسم «القبعات الصفراء» (Bonnets Jaunes). والدالاي تعني = محيط بلغة المغول، وتعني الحكمة بلغة أهل التيبت، بينما كلمة «لاما» تعني «السيد الروحي» (Maître Spirituel) في اللغة السنسكريتية. ويعتقد أهل التيبت البوذيون أن الدالاي لامات يشكّلون متوالية خطية بحيث أنهم يتناسخون وتنتقل أرواحهم في جيل جديد كلما مات دالاي لاما، لذلك فهم يفتشون عن طفل ما وفق إشارات معينة وعلامات تظهر عليه ويجرون اختباراً للتأكد من ذلك، وبعد ذلك يأخذونه الى أحد الأديرة فيعلّمونه الديانة البوذية ليصبح دالاي لاما في ما بعد وهكذا...
في الفترة الممتدة من 1368 حتى 1644 يمكن ملاحظة هيمنة أسرة «منغ» (Ming) الصينية على نشاط وسلطة البوذية في بلاد التيبت وذلك وفقاً لمؤرخي الصين المعاصرين.
أما الفترة التاريخية ما بين 1644 و1949 فيمكن اعتبار التيبت تحت سلطة حكم «الدالاي لاما» والحكومة التيبتية تارة كرئيس للدولة وطوراً كتابع لامبراطور الصين.


أين التيبت في لعبة الأمم؟
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وقعت التيبت ضحية لعبة الأمم وصراع بريطانيا العظمى في الهند مع روسيا القيصرية من جهة والصين من جهة أخرى، فقد سعت بريطانيا لاحتلال التيبت،  وخشيت روسيا ذلك، لأنه يعني السيطرة على قلب آسيا، وقد استطاعت بريطانيا احتلال بلاد التيبت والعاصمة لاسا بعد معركة قاسية العام 1904 وفرضت على حكام التيبت معاهدات تجارية ورسمت الحدود ما بين الصين والهند وهو ما يعرف بـ«خط مكماهون»، وهذا الخط ما زال مثار نزاع ما بين التيبت والهند من جهة والصين من جهة أخرى حتى اليوم.
استغلت الصين العام 1908 رحيل القوات البريطانية من التيبت فاجتاحتها وسيطرت عليها حتى العام 1912، وبعد سقوط الإمبراطور الصيني وإعلان الجمهورية العام 1911، قام التيبتيون بطرد الصينيين من بلادهم ورفضوا أي وصاية صينية جديدة عليهم وكان هذا بمثابة إعلان استقلال بلادهم، وبالفعل فقد أعلن الدالاي لاما الثالث عشر إستقلال التيبت العام 1913، وبدأ عملية إصلاح جذرية في دولته من إصدار عملة وطنية خاصة، بنوك، طوابع، جوازات سفر، وأوجد علماً خاصاً لبلاده.
العام 1914 وفي اجتماع الصين وبريطانيا العظمى والتيبت قسمت بلاد التيبت الى «التيبت الخارجي»، تُدار مباشرة من قبل الدالاي لاما، و«التيبت الداخلي» وتُدار مباشرة من قبل الصين مع وجود سلطة «روحية» فقط للدالاي لاما، ولكن هذا الإتفاق لم يعمّر طويلاً لأن الصين لم توقّع عليه، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، أصبح القسم المعروف بالتيبت الداخلي جزءاً من المقاطعات الصينية المعروفة (كينغهاي - خام - سيشوان) وبقي القسم الخارجي تحت سلطة الدالاي لاما.
بعد وصول ماوتسي تونغ الى السلطة في الصين العام 1949، دخل جيش التحرير الشعبي الصيني منطقة التيبت العام 1950 بعد مقاومة ضعيفة من قبل الجيش التيبتي غير المجهّز والضعيف.
وفي 23 أيار 1951 وقّع ممثلون عن الدالاي لاما الرابع عشر (الحالي) اتفاق الـ17 نقطة للتحرير السلمي لبلاد التيبت تحت تهديد استمرار تقدّم جيش التحرير الشعبي الصيني (Apl).
خلال العام 1956 حاول التيبتيون الثورة بدعم من الولايات المتحدة ضد الإحتلال الصيني في عدد من مناطق البلاد، وامتدت الأعمال المقاومة حتى الأعوام 1957 و1958 و1959 حتى شملت جميع أنحاء البلاد وخصوصاً العاصمة لاسا، ولكن هذه الثورة قمعتها الصين بالقوة، ففرّ الدالاي لاما والتجأ الى الهند منذ ذلك العام ولحقه حوالى 100 ألف شخص، حيث أقام في مدينة درامسالا الهندية وأعلن من هناك حكومته في المنفى.
العام 1965 أعلنت الصين بلاد التيبت منطقة ذاتية الحكم تحت السلطة الصينية وضمن حدودها الإقليمية.
وهكذا فالتيبت اليوم هي Xizan باللغة الصينية، أو توفان (Tufan) ومعناها «بيت كنوز الغرب» بالنسبة الى الصين. ومساحة هذه المنطقة اليوم حوالى 1.220.000 كلم2، بينما يعتبر أهل التيبت أن بلادهم قبل ضمّ أجزاء من أراضيها الى أقاليم الصين الأخرى كانت حوالى 2.5 مليون كلم2 وهو ما يعرف بالتيبت الكبرى أو بلاد التيبت التاريخية.
أما سكان المنطقة ذات الحكم الذاتي فيبلغ عددهم حوالى 3 ملايين إنسان، وتعتبر العاصمة لاسا أكبر المدن وسكانها حوالى 200 ألف نسمة.

 

جدال فوق سقف العالم
تعتبر الصين أن إقليم التيبت هو جزء من أرضها الوطنية وتقدّم لدعم رأيها حججاً تاريخية تعود لمئات السنين، كما أنها تقدّم حججاً أنها حرّرت تلك المنطقة من العبودية والإستغلال الإقطاعي السائد فيها، وأنها جعلت منها بلاداً متقدمة، أقامت فيها المدارس والمستشفيات والطرق وسكك الحديد، كما أنها أقامت المصانع وحسّنت الزراعة ورفعت مستوى المعيشة لأبناء البلاد، كما أن الصين لن تقبل التخلّي عن أي جزء من هذه الأرض لما تحتويه من ثروات، مهما كانت الأسباب، ولما تمثّله من موقع استراتيجي، كذلك فإن عملية نقل الصينيين (الهان) الى الإقليم وارتفاع عددهم اليوم الى أكثر من مليوني صيني يطرح تساؤلات عديدة حول معنى الحكم الذاتي الذي يطالب به التيبتيون، كما أن دعوى الإنفصال ستشجع قوميات صينية أخرى على المطالبة بذلك، وهذا ما لن تقبل به الصين مطلقاً.

 

حكومة التيبت في المنفى
تعتبر هذه الحكومة التي يرأسها الدالاي لاما الرابع عشر (الحالي) تنزن غياتسو أن الوجود الصيني في بلادهم هو احتلال أجنبي ابتدأ مع الغزو لأرضهم العامين 1949 - 1950 من قبل جيش التحرير الصيني، وتتهم الحكومات الصينية بأنها قتلت حوالى 1.2 مليون من أهل التيبت، وتعمل على تغيير ديموغرافيا الإقليم من خلال نقل آلاف الصينيين الهان وتوطينهم في بلادها، كما تتهم الصين بتدمير الثقافة والحضارة التيبتية والمعابد البوذية، كذلك تلويث البيئة من خلال عملية تخصيب اليورانيوم ودفن النفايات النووية في بلاد التيبت، وقطع الغابات التي كانت تشكّل يوماً خزاناً عالمياً للأوكسجين على الأرض بمساحة 220 ألف كلم2، فأصبحت لا تشكّل سوى 40 ألف كلم2 اليوم فحسب، ولكن الدالاي لاما ومنذ العام 1979 لم يعد يطالب بالاستقلال بل بحكم ذاتي واقعي لمناطق وجود شعب التيبت، وبالطرق السلمية. وقد مُنح جائزة نوبل للسلام العام 1989، إلا أن شعب التيبت ما زال ينتفض بين فترة وأخرى ضد الوجود الصيني في بلاده بقيادة الرهبان البوذيين.


موقف القانون الدولي والأمم المتحدة
لم تعترف أي دولة بحكومة التيبت في المنفى، منذ إعلانها، كذلك فإن لائحة الدول والأقاليم التي تطالب الأمم المتحدة بتحريرها للعام 2008 لم تدرج إسم بلاد التيبت عليها، كذلك لم تذكر أن الصين هي قوة منتدبة.
كما أن الأمم المتحدة في أثناء قبول عضوية جمهورية الصين الشعبية في عضويتها العام 1971 لم تحتج على سيادة الصين على التيبت، هذه السيادة التي قبلتها جميع الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين منذ العام 1949.
كذلك فإن الشعب التيبتي لم يسأل يوماً حول الوضع القانوني للإقليم، فوفق القانون الدولي له حق الحكم الذاتي وهو ما لم يستفد منه حتى اليوم، كما أن لجنة القضاة الدولية في جنيف (منظمة غير حكومية، CIJ) تعتبر أن استفتاء حول الوضع المستقبلي للإقليم قد يساهم في حل الصراع السياسي على التيبت.


حدود القوة
الصين اليوم دولة عظمى، وإن كانت قد قامت على الفكر الماركسي مع ثورة ماوتسي تونغ العام 1949، فإنها اليوم قطب رئيس في سياسة العالم واقتصاده وهي تلعب دوراً بارزاً في مختلف الميادين السياسية والإقتصادية الدولية، ولن تقبل أي مسٍّ بما تعتبره حدودها الوطنية المعترف بها دولياً، لذلك فهي تحتاج الى كل ذرّة تراب لاحتواء عدد سكانها الهائل 1.3 مليار نسمة، كما أنها تحتاج لكل مورد طبيعي في أرض أقاليمها الواسعة خصوصاً في مناطق الحكم الذاتي كمنغوليا الداخلية وسينغيانغ والتيبت، ولن تفرط بأي منها مهما كان الثمن، ومهما ارتفعت أصوات من هنا أو هناك، فعالم اليوم هو عالم القوة وعلاقات الدول قائمة على هذه القوة والمصالح، لذلك فإن بوذيي التيبت لن يستطيعوا تغيير معادلة القوة هذه من خلال دعاوى اللاعنف والسلام التي ينادي بها الدالاي لاما، وهو الذي يدرك جيداً حدود قوته وقوة الصين والقوى الأخرى في العالم التي تدعمه كالهند والولايات المتحدة الأميركية.

 

المراجع والهوامش:
• History of Tibet - Is Tibet part of China? www.Google.com.
• Global security.org.
• Turmoil in Tibet - why Tibetans revolt against Chinese rule?
• Tibet - www.Wikipedia - Free Encyclopedia.
• صحيفة أوان: الكترونية: العدد 137 تاريخ 4/4/2008، مقال بعنوان: الصين والتيبت... تاريخ من العلاقات المعقّدة بقلم توفيق المديني.


• لاسا - Lhasa:
عاصمة إقليم التيبت ومعناها باللغة السنسكريتية «مقر الآلهة» (Place of Gods). ترتفع حوالى 3490م عن سطح البحر - هواؤها يحتوي على 68٪ من الأوكسجين مقارنة بالهواء الموجود على مستوى البحر. وفيها قصر الدالاي لاما، ويعرف باسم Potala وقد وضعته منظمة اليونسكو على لائحة التراث العالمي، ويحتوي أكثر من 1000 غرفة.