سلامتكم تهمنا

الحوادث المرورية في لبنـان أسبابها وسبل الوقاية منها
إعداد: د. الياس الشويري
رئيس لجنة النقل البري في منطقة السلامة العالمية وممثل المنظمة لدى الامم المتحدة

شهد لبنان منذ أوائل التسعينات توسعاً عمرانياً كبيراً لم يسبق له مثيل. وقد أدى هذا التوسع العمراني العشوائي في الكثير من الأماكن الى ازدياد الحاجة بشكل كبير الى التنقل داخل المدن وخارجها، الأمر الذي أدى بالتالي الى ازدياد هائل في أعداد المركبات وقد نتج عن ذلك تصاعد ملحوظ في أعداد الحوادث المرورية التي تسبب الكثير من الخسائر البشرية والمادية.

 

أسباب الحوادث المرورية
أسباب الحوادث المرورية متعددة، منها ما يتعلق بالعنصر البشري ومنها ما يتعلق بعوامل أخرى، غير أن العنصر الأول يظل الأهم. ● أخطاء السائقين:
 يتمثل هذا العنصر بأخطاء مستعملي الطريق (السائق والمشاة) ، ويعتبر الإنسان السبب الرئيسي لكثير من الحوادث نظراً للدور الذي يقوم به عند تعامله بشكل خاطئ مع الطريق والمركبة. فقد بلغت النسبة المئوية للعوامل العائدة للإنسان والتي كانت سبباً في حوادث المرور في لبنان خلال العام 2003 ما يقارب 80%، أما الـ20% الباقية فتعود الى أسباب خاصة بالسيارة أو الطريق.
من أبرز التصرفات الخاطئة لدى السائقين ما يلي:
- عدم التقيد بنظام السير على الطرق، مثل تجاوز السرعة المقررة والتجاوز الخاطئ، وعدم التقيد بأولويات المرور، والانعطاف الخاطئ والوقوف الخاطئ والسير بعكس السير، إلخ...
- قيام بعد السائقين بقيادة مركباتهم وهم في ظروف صحية ونفسية غير ملائمة، كالقيادة تحت تأثير المسكرات والمخدرات والإرهاق البدني.
- عدم مراعاة آداب المرور عند التعامل مع الركاب والمشاة. ¬
- عدم كفاءة نسبة كبيرة من السائقين وتدني أهليتهم وثقافتهم المرورية، نتيجة لنقص في التدريب. ¬
- العمل لساعات طويلة في اليوم مما يسبب التعب والإرهاق، ويؤدي بالتالي الى عدم التركيز الذهني أثناء القيادة.


●عدم انتباه المشاة:
 المشاة يلاحظ من جانبهم اقتراف الأخطاء التالية:
- عـدم التقـيد بالأمـاكن المخصصة لعـبور المشاة أو عدم استعمالها حسب الأصول.
-عدم تقدير مخاطر مخالفة قواعد السير، كمخالفة الإشارة الضوئية.
-السير على الطريق بالرغم من وجود الأرصفة.
- التعدي على الأرصفة من قبل التجار والباعة والمتجولين في الأسواق التجارية في المدن، حيث يضعون بضائعهم على الرصيف مما يجبر المشاة على السير على الطريق المخصص للمركبات، ويزيد من احتمال تعرضهم لحوادث الدهس.
-غياب التوجيه الأسري وعدم الإكتراث بتربية الطفل للتقيد بقواعد المرور. ¬
- عدم الاستجابة لحملات التوعية المرورية (الخجولة) بالقدر الكافي.

 

 ● الطريق:
 يعتبر الطريق سبباً مباشراً في وقوع بعض الحوادث أو سبباً في حوادث أخرى، وذلك بسبب وجود الأخطاء التالية: ¬
- غياب التخطيط عند إنشاء الطرق، فنجد الأخطاء الهندسية المتمثلة بوجود المنعطفات الحادة وضيق الطريق وميلان سطح الأرض وعدم الاهتمام بالبنية التحتية، مثل إيجاد أماكن لتصريف المياه التي تتجمع على الطريق في فصل الشتاء، مما يسبب وقوع أعطال مفاجئة للسيارات ويعرضها للصدم من قبل المركبات التي تسير خلفها، وكذلك عدم مراعاة المواصفات المطلوبة للخلطات الإسفلتية.
-عدم تأمين الطرق بالعدد الكافي من العلامات والحواجز على المنعطفات الخطرة.
-عـدم كفايـة الأرصفـة الخاصـة بالمشاة.
- إهمال أماكن عبور المشاة على سطح الطريق أو عند التقاطعات.
- وجود الحفر والمطبات غير المدروسة على الطريق والإبطاء في معالجتها.
- عدم توافر الساحات والحدائق العامة والملاعب بشكل كاف، مما يضطر الأطفال للعب في الشوارع.
 
● المركبة:
 تعتبر صلاحية المركبة من العناصر الرئيسية لضمان السلامة المرورية، والسائق هو المسؤول الأول والأخير عن هذه الصلاحية، وذلك بإجراء الفحوصات الدورية وتفقد التجهيزات الفنية، مثل الإضاءة والفرامل والمقود، وكذلك التقيد بـالحـمـولات المسمـوح بهـا وزنـاً وحجـماً.

 

 ● العوامل البيئية المحيطة والعوامل الأخرى:
 العوامل البيئية المحيطة، هي مجموعة العوامل الطبيعية المتمثلة بتكون الصقيع والضباب والرياح الشديدة وحدوث الانهيارات والسيول في فصل الشتاء، وإرتفـاع درجة الحرارة وتأثيـره على نشاط الإنسان ودرجة إنتباهـه في أشهر الصيف. أما العوامل الأخرى فتتمثل بكثافة السير على الطرق الناتجة عن الزيادة السنوية في عدد المركبات، وعن موقع لبنان كمركز سياحي، وعودة المغتربين لقضاء إجازاتهم لدى الأهل وعند حدوث أية أمور طارئة أخرى.

 

 الخسائر البشرية خلال العام 2003
بلـغ عـدد الحـوادث التي سجلت في لبنان في العام 2003، 1693 حادثاً نتج عنها سقـوط 346 قتـيلاً الى 2754 جريـح. وتبـين الجداول المنشورة أدنـاه نسـب تـوزع الحوادث والخسائر تبعاً لأنـواع المركبـات، بحيـث يبـدو واضحـاً ان غالبـية الإصابـات تنجـم عن حـوادث السـيارات.
تجدر الإشارة هنا الى أن المئات (أو ربما الآلاف) من الحوادث التي تقع في لبنان تنتهي بالتراضي بين الأطراف المعنية من دون اللجوء الى قوى الأمن الداخلي، ولذلك فإن هذه الاحصاءات لا تشملها. كما أن أعداد القتلى المذكورة تشمل فقط الذين توفوا في مكان الحادث أو في طريقهم الى المستشفى، ولا تشمل جرحى الحوادث المرورية الذين توفوا بعد دخولهم المستشفى. أما الخسائر المادية المباشرة فتشمل مصاريف تصليح وفقدان دخل وتكاليف طبية وإدارية وغيرها، لكن ثمة خسائر غير مباشرة مادية ومعنوية تشمل التفكك الأسري وخسارة المعيل والإعاقة الدائمة وغيرها. وكلفة الخسائر غير المباشرة قد تفوق أحياناً الكلفة المباشرة بكثير، خصوصاً أن انعكاساتها تستمر على المدى الطويل. هناك عامل آخر مهم في هذا المجال هو عامل العمر. ونجد في الجدول توزيع أعمار ضحايا الحوادث المرورية في لبنان. ويلاحظ أن ضحايا الحوادث هم بغالبيتهم من الشباب كما تبين الإحصاءات، فأكثر من 43 في المئة تتراوح أعمارهم بين 18 و40 سنة. أما نسبة الضحايا من المشاة فتبلغ نحو 30 في المئة. وإذا أردنا المزيد من التفاصيل المهمة يتبين لنا أن غالبية الضحايا هم من الذكور (80% من القتلى وأكثر من 75% من الجرحى) .

 

الحلول
من خلال دراسة الجداول الإحصائية ودراسة أسباب حوادث السير، يتبين لنا مدى تشعب المسؤولية وارتباطها بعدة جهات، لذا لا بد من تضافر الجهود التشريعية والتنفيذية والهنــدسيــــــــة والتعليمية لحل هذه المشكلة والتخفيف من حدتها. وفي ما يلي بعض التوصيات:
● البدء بتعليم الطفل مبادئ السلامة المرورية في أولى خطواته وعدم الانتظار لحين دخوله المدرسة.  مراعاة الأهل لقواعد السلامة في استعمال الشارع فالأطفال يقلدون من هم أكبر سناً.
 ● الذهاب مع الطفل في أيامه الأولى الى المدرسة ومرافقته عند العودة الى البيت، واختيار الطريق الأسلم في الذهاب والإياب وبيان أسباب اختيارها.
 ● عدم السماح لأطفال بركوب الدراجات إلا بعد التأكد من جهوزيتهم لذلك ومن صلاحية الدراجة.
● تعليم الأطفال كيفية التعامل مع الإشارات الضوئية والمرورية.
 ● وضع منهاج للتوعية المرورية وإقراره من قبل وزارة التربية لكافة المدارس.
 ● إنشاء الحدائق والملاعب والمنتزهات بعيداً عن الشوارع الرئيسية لتمكين الأطفال من اللعب فيها.

 

- المشاة غير الأطفال:
 ● نشر الوعي المروري للمواطنين عن طريق وسائل الإعلام، وحثهم على التقيد بقواعد المرور.
 ● تطبيق قواعد السير عند مخالفة المشاة لقواعد المرور.
 ● مراقبة المتعدين على الأرصفة، كالباعة وأصحاب البسطات ومنعهم من ذلك.
● توعية المواطنين حول أهمية ارتداء الملابس الفاتحة ليلاً والغامقة والداكنة نهاراً وفي الأيام التي يكون فيها الجو مثلجاً. ¬

 

- السائقون:
 ● التركيز على تدريبهم وتأهيلهم والتأكد من ذلك عند إجراء الفحص.
 ● التشديد في الرقابة على السائقين المخالفين، وخصوصاً المخالفات من الدرجة الأولى والمخالفات المتحركة.
 ● إتباع نظام الأسبقيات بالنسبة للسائقين المخالفين وضرورة الحزم في التنفيذ.

 

-  الطريق:

 ● تخطيط ممرات المشاة ووضع الإشارات الضوئية على التقاطعات ووضع العواكس الأرضية.
 ● زيادة عرض الأرصفة في الطرق المزدحمة بالمشاة، ووضع الحواجز الحديدية في الأماكن غير المخصصة لعبور المشاة.
 ● زيادة الجسور المعلقة والأنفاق في الشوارع المزدحمة.
 ● إزالة العوائق التي تحجب الرؤية الموجودة على الأرصفة كأشجار الزينة.
 ● صيانة الطرق خصوصاً في فصل الشتاء.
 ● إلزام المتعهدين الحفاظ على السلامة العامة عن طريق الشواخص التحذيرية.
●  إبعاد المدارس ورياضة الأطفال عن الشوارع الرئيسية. ¬

 

-  توصيات عامة:
● إعادة النظر في التشريعات المتعلقة بالسير وأنظمته وخصوصاً قانون العقوبات في ما يتعلق بمرتكبي حوادث السير، وتفعيل دور القضاء لإصدار أحكام رادعة بحقهم لأن جميع حالات الحبس تستبدل بغرامة، باستثناء مدة التوقيف الأولي قبل إجراء الصلح حتى تتناسب هذه التعديلات والردع المطلوب.
 ● اعتماد خطة وطنية شاملة للتوعية للحد من حوادث السير تشتمل على تحديد دور كل مؤسسة ودائرة، وحتى كل مواطن في مجال التوعية المرورية.
 ● إجراء دراسة شاملة لموضوع نقل الركاب وتحديد الاحتياجات ووسائط النقل المناسبة والاهتمام بشركات النقل المنظم وتطويرها، مع إعادة النظر في موضوع استخدام القطارات في عملية النقل.
 ● إجراء دراسة شاملة من قبل المختصين لموضوع تصميم الطرق وإنشائها ومن ثم تأثيثها بالشواخص والدهانات اللازمة، وما يتبعها من تنظيم للشوارع وترقيم لطرق وبرمجة للإشارات الصوتية، بحيث تتناسب وحركة السير مما يؤدي الى توفير عدد كبير من رقباء السير الذين ينظمون حركة السير على العديد من الإشارات الضوئية في المدن الرئيسية، لأنها لا تفي بمتطلبات انسياب حركة

 

المرور.
● تخفيض الرسوم الجمركية على السيارات وقطعها وذلك للإسهام في استبدال السيارات القديمة التي لم تعد صالحة للسير على الطرق ولإصلاح السيارات الممكن إصلاحها بكلفة معقولة ومناسبة.
 ● إنشاء معاهد للتدريب على القيادة تكون ذات مستوى فني وتقني يتناسب وكيفية التعامل مع الطريق والسيارة من قبل جميع سائقي المركبات.
 ● إيجاد مجلس أعلى للسلامة على الطريق تكون لديه سلطات واسعة لتنسيق جميع جهود الدوائر والمؤسسات التي لها علاقة بالسلامة المرورية ومتابعتها لتنفيذ الواجبات المطلوبة منها، لأن ما يجري حالياً من تنسيق في تجميع هذه الجهود يجري بشكل فردي وبعلاقات شخصية ولا يفي بالغرض المطلوب.
 ● التأكيـد على إجراء الفحـوص الطبـية الدورية اللازمة لسائـقي المركبات العامـة ومرتكـبي الحوادث المتـكررة لغـرض التأكد من الحالة المسلكية والنفسية لكل منهم.