هو وهي

الخصوصيّة في الزواج
إعداد: ريما سليم ضوميط


أين تبدأ وأين تنتهي؟

ولدتما معًا وتظلّان معًا... ولكن في وجودكما معًا أتركا بعض الفسحات لترقص في ما بينكما رياح السماوات". هذا ما ينصح به جبران خليل جبران المتزوّجين في كتابه "النبي"، داعيًا إيّاهم إلى الإتحاد معًا، وفي الوقت نفسه ترك مساحة من الخصوصيّة والحريّة الشخصيّة.
كيف يمكن ترجمة هذه الخصوصيّة على أرض الواقع، وهل من المقبول أن يخفي أي من الزوجين أسرارًا عن شريكه؟ أسئلة تجيب عنها المستشارة في العلاقات الزوجيّة السيدة جيسي طعمة.

 

•إلى أي مدى يحق لكل من الزوجين الإحتفاظ بحياته الخاصة بعد الزواج؟
- من الضروري أن يدرك الثنائي أنهما يصبحان واحدًا بعد الزواج. فالـ"أنا" تصبح "نحن"، وتختفي الإستقلاليّة الفردية، لأن كلّ منهما يصبح مرتبطًا حكمًا بالآخر. فأيّ قرار يتّخذه أحدهما ستنعكس نتائجه على شريكه. والمثل على ذلك، أنه إذا وقع أحدهما في الدين، من الطبيعي أن يحتمل كلاهما تداعيات هذه المشكلة. من جهة أخرى، يحقّ لكلّ طرف أن يحتفظ بمساحة معيّنة من الحرّية التي تشكّل متنفّسًا من ضغوطات الحياة اليوميّة، والتي يتم الإتفاق عليها مسبقًا بين الزوجين. والمثل على ذلك، أن الرجل له هواياته الخاصة (سيّارات، سباحة، صيد، إلخ..)، فمن الضروري أن تدعم زوجته هذه الهوايات وأن تكون أول المشجّعين له، حتى ولو لم ترغب في مشاركته إيّاها. في المقابل، قد تجد المرأة متعة في التسوّق، أو في قضاء وقتٍ في الدردشة مع الصديقات، ويفترض بالرجل احترام رغبتها هذه. فعندما يتفهّم الطرفان حاجات بعضهما البعض ويحترمانها، يصبح من السهل التنسيق في ما بينهما لإتاحة هذه الفسحة التي تنعش علاقتهما كثنائي.


• هل يجوز لأحد الزوجين التدخّل في اختيار شريكه لأصدقائه، أو الإعتراض على صداقته لشخص معيّن؟
- هناك نقطة هامة يجب الانطلاق منها دائمًا وهي أن الأولوية للزواج وللشريك تحديدًا. فإذا كان أحد الزوجين يعترض على صداقة شريكه لشخص معيّن، فهو حتمًا يملك مبرّرًا لهذا الرفض. لذلك يجب منحه الفرصة لتبرير رفضه، مقابل أن يصغي هو أيضًا إلى دفاع شريكه. وهنا لا بد من أن يقنع أحدهما الآخر بوجهة نظره. فإذا كان الرفض مثلًا ناتجًا عن سلوك اجتماعي معيّن للصديق أو عادات سيئة لا يرضى بها الزوج، ويخشى أن يكتسبها شريكه بفعل هذه الصداقة، تطرح هنا مشكلة الثقة. فالمفترض في الزواج أن يثق كل طرفٍ بقرارات الآخر وأن يكون متأكّدًا من أن شريكه يتمتّع بالأهليّة والقدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة، وبالتالــي لا يجــوز التشكيــك بــه.
الجدير ذكره في إطار اختيار الأصدقاء، أن البعض يعترض على اختيار الشريك لصديق عازب. والواقع أن أحد أسباب الطلاق، خروج أحد الزوجين مع أصدقاء عازبين بصورة دائمة. فهؤلاء لا يتفهّمون متطلّبات الحياة الزوجيّة ويتوقّعون من أصدقائهم المتزوّجين مجاراتهم في أمورٍ قد تؤثّر سلبًا على زواجهم كالسهر لوقت متأخّر خارج البيت، أو تضييع يومٍ كامل في التسوّق أو في ممارسة رياضة ما. ولا أقول هنا أنه يجب أن يتخلّى المتزوّجون عن أصدقائهم العازبين، وإنّما المطلوب أن يلتزموا الحدود التي تفرضها الحياة العائلية، فنمط حياة العازب يختلف عنه لدى المتزوّج.


• وماذا عن التدخّل في تفاصيل علاقة الشريك بذويه؟
- في الزواج يصبح كلّ طرفٍ واحدًا مع الآخر، لا مع العائلة بأسرها. وكما أن السريّة بين الزوجين مقدّسة ويجب احترامها من قبل الطرفين، كذلك على كلٍّ منهما أن يحترم خصوصيّة الآخر في علاقته مع عائلته. ولا يجوز التدخّل في تفاصيل هذه العلاقة، إلّا في ما يؤثّر مباشرة على حياة الثنائي. مثلًا، إذا قرّر أحد الزوجين أن يقدّم دعمًا ماديًّا شهريًا لعائلته، من واجباته أن يستشير الطرف الآخر في هذا الموضوع. إذ ليس من أموال خاصة أو قرارات خاصة في الزواج بل هناك مشاركة ومصارحة.


• هناك بعض الأزواج الذين  يرفضون اطلاع الشريك على هواتفهم الخاصة أو البريد الإلكتروني، فهل لهذا الأمر ما يبرّره؟
- الشفافيّة في الزواج ضروريّة جدًّا. فالزوجان لا يفترض أن يخفيا عن بعضهما أي أمرٍّ مهما كان بسيطًا. وبالتالي لا يجوز لأيٍّ منهما أن يخفي عن شريكه كلمة المرور الخاصّة ببريده الإلكتروني أو بهاتفه. فمن حقّ كلٍّ منهما الاطّلاع على رسائل الآخر واتصالاته. لكن السؤال الأهم هو: لماذا قد يرغب أحد الزوجين بمراقبة هاتف شريكه أو بريده الإلكتروني؟ هل هناك نقصٌ في الحب أو الاهتمام؟ هل هناك شكّ في تصرّفات الآخر؟ المطلوب إذًا التواصل لمعرفة العلّة، بدلًا من النقاش حول ما إذا كان الإطلاع على خصوصيات الآخر مقبولًا أم لا. وهنا أشدّد على أهمية المصارحة بين الزوجين. فالشخص الذي يعاني الشك والغيرة يجب أن يصارح شريكه بالأمر، لا أن يلعب دور التحرّي، لأنّه بذلك يهدّد سلامة زواجه. في المقابل، يفترض بالشريك أن يتفهّم مخاوف الآخر، وأن يعمل على إزالتها، بأن يؤمّن له كل الوسائل التي تحدّ من غيرته، كأن يتيح أمامه هاتفه ساعة يشاء، فيؤكّد له بذلك أنّه لا يخفي عنه شيئًا ويزيل أسباب الشك. ولكن المشكلة أن معظم الأزواج الذين يجدون أنفسهم في مواقف كهذه، يضيّعون الوقت في الدفاع عن خصوصياتهم بأسلوب عدائي لأنهم يشعرون بالإهانة بسبب مخاوف الشريك، في حين أنه يجب تفهّم هذه المخاوف والسعي إلى معالجتها.
وهنا لا بد من إعادة التذكير بأهميّة الثقة في الزواج، والتي يجب أن يسعى الثنائي إلى تنميتها من خلال المصارحة والتفاهم على مختلف المسائل التي تعترض زواجهما، بغية الحفاظ على زواج ناجح. أما إذا أهملا هذه الناحية، وانهارت ثقتهما ببعضهما البعض، فعلى الزواج السلام!