رحلة في الإنسان

الشاشات الصغيرة ومشاهد العنف
إعداد: غريس فرح

ما هي ايجابياتها  وأين تكمن السلبيات؟

مشاهد العنف التي تدخل المنازل عبر الأفلام التلفزيونية، شكلت منذ عقود محور نقاش الكثيرين، وخصوصاً الأهل الذين يتخوفون من تأثيراتها السلبية على أفراد العائلة، وتحديداً الأطفال والمراهقين.
هذه المشاهد كما يصفها بعض العلماء النفسيين المعاصرين، هي في الواقع سيف ذو حدين. وهذا يعني أنها لا تخلو من الإيجابيات، علماً أن لسلبياتها الغلبة الأكبر.
ما هي إيجابيات هذه المشاهد وكيف تؤثر سلباً في النفوس، ومن هم الأكثر تضرراً؟


مشاهد العنف والنظريات الحديثة
اللافت في الموضوع أن بعض الدراسات الحديثة التي غاصت في محتوى العنف التلفزيوني، أشارت بوضوح إلى العديد من ميزاتها الإيجابية على سلوك الكبار والصغار. ويستند القيّمون على هذه الدراسات في هذا الاستنتاج إلى نظرية «التنفيس». وهي نظرية تؤمن بأن مشاهد العنف تساعد على التخلص من المشاعر العدوانية المكبوتة عن طريق سبر أعماق اللاوعي، وانتزاع الدوافع الكامنة التي تبقى دون إدراك الوعي. وهذا يعني أنها تعمل كالأحلام لتساعد على التعبير عن المشاعر الدفينة، وعلى خفض نسبة التوتر لدى المشاهدين.
وحسب رأي بعض الاختصاصيين المؤيدين هذه النظرية، فإن السلوك العدواني والميل إلى العنف اللذين يميزان فئة من الناس، ينبعان من عوامل اجتماعية مختلفة لا علاقة لها بهذه المشاهد. ومن جهتهم، فهم يشددون على أهمية ما سبق وأشرنا إليه من أن العنف التلفزيوني يعتبر أحياناً ضرورياً لمحاربة الكبت، ومشاعر الغضب، وصرف طاقات المشاهد المحفزة.

 

المشاهد العنيفة مدرسة للأطفال
يتّضح من بعض الدراسات أن مشاهدة أفلام العنف لا تترك تأثيراً سيئاً في نفوس الأطفال بالقدر الذي تتركه أحداث العنف الواقعية التي تعرضها نشرات الأخبار، وفي مقدّمها الإنفجارات والحروب. فأفلام العنف تبقى في نظرهم مجرد خيال لا يلبث أن يدحضه الواقع، وخصوصاً في ظلّ التوجيه العائلي الصحيح. لكن الأحداث الواقعية الدموية تعبر، بحسب الباحثين النفسيين، إدراك الطفل بشكل يؤثر سلباً في شخصيته وسلوكه، واستجابته لمحفزات الغضب في محيطه الاجتماعي.
من جهة ثانية، ثبت بالمراقبة أن أفلام العنف قد تكون وسيلة من وسائل التعلم. فمن خلالها يتعرّف الأفراد وخصوصاً الأطفال على ما يحدث في الحياة، الأمر الذي يزودهم الخبرة، والمقدرة على التمييز بين الخير والشر، ويساعدهم على الابتعاد عن الأشرار في حياتهم المستقبلية.
إلى ذلك، فإن هذه الأفلام تعلّم الأساليب والحيل التي من خلالها يحتاط الأفراد لمكر اللصوص والمجرمين، فيكتسبون المناعة الضرورية لمواجهة متاعب الحياة.

 

التأثيرات السلبية والنظريات المناوئة
هذه النظرية التي تشدد على إيجابيات أفلام العنف، تقابلها نظريات تؤكد أن هذه الأفلام تبعد الأفراد عن الواقع، وتمهد الطريق أمام التوجهات العدوانية والإجرام. وحسب مجندي النظرية الثانية، فإن التأثير السلبي لأفلام العنف يتجلى عبر عوامل ثلاثة هي: التعلم والتقليد، الإثارة، والبيئة والاستعداد الوراثي.
 

• عامل التعلم والتقليد:
في هذا السياق ثمة تشديد على عامل الاندماج، أو انصهار مشاهدي هذه الأفلام مع أبطالها، الأمر الذي يترك تأثيره السلبي في سلوكهم وتعاملهم مع الغير. وباعتبار أن مشاهد العنف الخيالية تعرض بشكل مبالغ فيه، فهي تتغلغل عميقاً في نفوس محبيها، وفي مقدمهم الأطفال الذين يسعون جاهدين إلى تعلّم حيلها وتقليد أبطالها بطرق مختلفة. وهنا  ينبغي التشديد على أهمية دور التقليد في خفض قدرات التحكم العقلانية، وتنمية الميول غير السوية. وعلى هذا الأساس، يتعلم المشاهد من دون وعي منه أساليب العدوان التي يتبعها المجرمون، الأمر الذي يؤدي به أحياناً إلى الانحراف.
 

• عامل الإثارة:
غني عن القول أن أفلام العنف تولّد لدى المشاهدين حالات من الإثارة التي تتفاوت حدتها وفق وضعهم النفسي. وهنا يجدر بالإشارة أن الأطفال هم الأكثر تضرراً لأنهم يستجيبون للإثارة بعفوية مطلقة، ويقعون في دوّامة العنف الذي قد يدمّر حياتهم ومستقبلهم. وكما تورد الدراسات، فإن الأمثلة الحيّة على ذلك كثيرة، منها حوادث تعرّض لها أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم وقعوا فريسة العنف التلفزيوني. فمنهم من ألقى بنفسه من النافذة في محاولة لتقليد الأبطال، ومنهم من آذى رفاقه، أو قتل حيواناً أليفاً من دون رحمة.
 

• عامل البيئة والاستعداد الوراثي:
يرى الباحثون في هذا المجال أن مشاهد العنف المتمثلة بسلوك الإجرام، تعزز الاستعدادات العدوانية الكامنة لدى المشاهدين وخصوصاً إذا كانوا من الذي تعرضوا في صغرهم للعنف التربوي، وعلى هذا الأساس يتم الاستنتاج أن الأفلام المشار إليها، ليست المسؤولة الوحيدة عن تأجيج العنف لدى المدمنين على مشاهدتها، بل تعتبر عنصراً داعماً للاستعدادات الوراثية والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والتربوية. ويشير البعض إلى عوامل ذات صلة وثيقة بالعنف السلوكي الناجم عن مشاهدة أفلام العنف وفي مقدمها حالة الفرد النفسية، ومعدل الذكاء والطباع، هذا بالإضافة إلى الانحرافات التربوية.

 

ما الحل؟
من هذا المنطلق يدعو الباحثون إلى اتخاذ بعض وسائل الحيطة من أجل التحقق من سلبيات هذه الأفلام، عن طريق إتباع الإرشادات الآتي ذكرها:
• الاقتناع بأنها قصص من نسج الخيال حتى ولو كانت تمثل جزءاً من الواقع الحياتي.
• استدراك عملية التماهي مع أبطالها.
• في حال وجود مشاهد بالغة الإثارة، من الأفضل إبعادها عن أنظار الصغار أو مرافقتهم في أثناء مشاهدتها من أجل شرح محتواها الإيجابي، وخصوصاً مراحل تنفيذ القانون التي يتم عبرها القبض على اللصوص  والمجرمين.
• عدم استخدام القسوة في منع الصغار عن مشاهدتها لأن الضغط التربوي يولّد تداعيات مدمرة.