أسرار النوم

الشخير «إبليس النوم» وهو مؤشر ومسبب للعديد من الأمراض
إعداد: روجينا خليل الشختورة

نستيقظ في الصباح ونحن نشعر بالانزعاج الذي يسبب لنا الإرهاق طوال اليوم. وبحسب الدكتور الياس الباشا (عضو في «الجمعية البريطانية لجراحي الدماغ والجهاز العصبي»، و«الأكاديمية الأميركية لطب النوم الشافي» واختصاصي في معالجة مشاكل النوم واضطراباته)، إنّه «إبليس النوم» أي الشخير الذي يعتبر من أكثر مشاكل النوم شيوعًا.


مؤذٍ أو مزعج فقط
هو صوت يمكن أن تكون بدايته في الأنف، أعلى الأنف، الفم أو حبال الصوت. فكل هذه المناطق تعطي الصوت نفسه. من هنا، نستنتج نوعين من الشخير: الخفيف والقوي. لكن حدة صوت الشخير ليس لها علاقة بالسبب الذي يكمن وراءه الشخير أو حتى بكمية الأذية الناجمة عنه. فمعظم الأوقات يكون الشخير الخفيف أخطر من الشخير القوي.
يتنوع الشخير بين المؤذي وغير المؤذي، وتختلف أنواعه باختلاف مسبباته. فعندما يكون الشخير مجرد صوت يزعج أهل البيت من دون إزعاج المريض خلال نومه أو خلال يومه (المريض يستيقظ فرحًا، نشيطًا، مكتفيًا بساعات نومه من دون أية أوجاع)، فهو من النوع غير المؤذي الذي لا يستلزم علاجًا (عمليات اللحمية أو اللوزات...). أما إذا ترافق الشخير مع اختناق ليليّ، فهو يكون مصدر أذىً لا بل مؤشرًا خطرًا.

 

الأسباب والنتائج
للشخير أنواع ترتبط بالمسببات، أوّلها الاختناق بالتسكير (Apstractive Sleep Apnia) حيث أنّ الهواء الذي يدخل عبر الأنف لا بدّ وأن يمرّ باللحمية، وإن مرّ عبر الفم لا بدّ وأن يمرّ باللوزتين. ومن الممكن أن تكون اللحمية واللوزتان كبيرتين لدرجة تسكير المجرى الهوائي ما يمنع الهواء من الدخول. كذلك قد يكون اللسان أكبر من الحنك، مع مشاكل في حبال الصوت، ما يحول دون دخول الهواء في المجرى ويؤدي بالتالي إلى الاختناق.
وهناك نوع آخر، الاختناق الدماغي (Central Sleep Apnia) فالمجرى الهوائي وحبال الصوت يتصلان بعضلات في الدماغ تجعل المجرى مفتوحًا لدرجة معينة ليلاً ونهارًا. يمكن ولسبب دماغي أن ترتخي هذه العضلات بشكل يجعل حبال الصوت تقترب كثيرًا من المجرى الهوائي إلى حدّ تسكيره.
وقد يعاني المريض النوعين السابقين معًا، عندها يكون الشخير ناجمًا عن اختناق مزدوج.
وتتعدد مخاطر الشخير وآثاره على صحة من يعانونه وعلى نشاطهم اليومي إذ يستيقظ الإنسان الذي يعاني الشخير تعبًا (ما يؤثر على نوعية عمله)، كئيبًا، عكر المزاج... والكآبة الناجمة عن اضطرابات النوم ليست كآبة ثابتة، إنما تتطور تدريجًا مرورًا بالتردد والخوف وصولا إلى الفوبيا والهوس (Obsession behavior)، ما يمكن أن يؤدي إلى الانتحار أحيانًا، فكلّ كائن حيّ إذا حرم من النوم لـ10 أيام أو أكثر لا بدّ أن يتعب وينهار وقد يفكر بالانتحار.
لذلك، من الضروري مراقبة الأهل لمن يعاني الشخير وتوجيهه إلى الطبيب المختص للقيام برسم تخطيطي للنوم يكشف العوارض والأسباب معًا.

 

شخير النساء أكثر خطرًا من شخير الرجال
يوضح الدكتور الباشا أنّه مع تقدم العمر، يبدأ هرمون الـ«Estrogen» لدى النساء بالشح، ويعتبر هذا الهرمون المضاد الأول للشخير. ففي معظم الأحيان، يكون الشخير اضطرابًا ليليًا ذكوريًا بنسبة 85%، أما وبعد توقف العادة الشهرية لدى المرأة، فتصبح النسبة متساوية، علمًا أنّ الشخير أكثر أذية للمرأة من الرجل ويعرّضها لاضطرابات مؤذية في القلب.
يضعف الشخير المناعة لأنّ الجسم يفرز الهرمونات الخاصة بها في مرحلة النوم العميق فقط. وتظهر أولى عوارض نقص المناعة عبر الالتهابات الطفيفة المزمنة أو ما يسمى بالفطر. من هنا، ضرورة النوم المتواصل ليتمكن الجسم من فرز أكبر كمية ممكنة من هرمونات المناعة في مــرحلة الــنوم العميق الذي يشــكل ســاعة ونصــف الســاعة أي 20% مــن فــترة النــوم.
إذًا، تتزايد الأمراض التي يمكن أن تصيب المرأة بعد عمر الـ50 بسبب عدم عمل جهاز المناعة نتيجة الشخير الذي يتأتى عن النقص في هرمون الـ«Estrogen»، ومن هذه الأمراض السرطان.
أما النصيحة التي يعطيها الدكتور الباشا في هذه الحالة فهي مزاولة الرياضة لأنها الطريقة الأنسب للتغلب على الكآبة والمحافظة على الرشاقة.

 

النوم ينقّي المخ من السموم

قال باحثون في الولايات المتحدة إنهم اكتشفوا أحد الأسباب الرئيسة للنوم، وهم يعتقدون أنّ نظام التخلص من الفضلات يعتبر المسبّب الرئيس للنوم. وأظهرت التجارب التي أجروها على الفئران، أنّ المخ يستخدم النوم كوسيلة للتخلص من السموم التي تتراكم خلال عملية اليقظة نتيجة لعمليات الإتصال بين الخلايا العصبية. وأثبتت الدراسة التي نشرها الباحثون في نشرة «ساينس»، أنّ خلايا المخ تنكمش في أثناء النوم مما يؤدي الى فتح ثغرة بينها تسمح للسوائل بغسل المخ. كذلك يشيرون إلى أنّ إخفاق هذا النظام في التخلص من بعض الفضلات قد يكون سببًا لبعض الأمراض التي تصيب المخ. وبينما كانت بحوث سابقة قد أثبتت أنّ للنوم دورًا كبيرًا في تعزيز الذاكرة والقدرة على التعلم، أثبت فريق البحوث في جامعة روشستر بنيويورك أنّ أحد الأسباب الرئيسة للنوم هو صيانة خلايا المخ. وقالت الدكتورة مايكن نيديرغارد (من فريق البحث)، «لا يتوافر في المخ إلاّ كمية محدودة من الطاقة، لذا يبدو أنه يتعيّن عليه الإختيار بين وضعين: إما أن يكون مستيقظًا ويفكر، وإما أن يكون نائمًا ويقوم بأعمال الصيانة». وأضافت: «المهمة التي يقوم بها المخ تشبه دور المضيف في حفلة بالمنزل، إما أن يتولى الترحيب بالضيوف وإما تنظيف المنزل... لكنه لا يملك الطاقة الكافية للقيام بالمهمتين معاً». ويأتي الإكتشاف الجديد مكملاً لذلك الذي حققه العلماء في العام الماضي باكتشافهم لنظام صرف خاص بالمخ يدعى النظام الغليمفاوي (Glymphatic System)، الذي يتولى مهمة إنقاذ المخ من الفضلات الضارة.
وبرهن العلماء بتصوير أمخاخ الجرذان أنّ فاعلية النظام الغليمفاوي تتضاعف عشر مرات عندما تكون الجرذان في حالة نوم. ولاحظوا أنّ خلايا معينة في المخ، والأرجح أن تكون الخلايا الدبقية التي تبقي الخلايا الدماغية حيّة، تنكمش أثناء النوم، مما يزيد من حجم المجالات بين الخلايا ويسمح بضخ كميات أكبر من السوائل التي تقوم بإزالة الفضلات الضارة. وقــالت نيديرغـارد إن عمليــة الغســيل هذه تعتبر حــيوية جــدًا لديمومة الحياة، ولكنها مســتحيلة في أثنــاء اليقظــة.

 

تقليل الملح يخفف الشخير

كشفت دراسة طبية حديثة أنّ تقليل الملح في النظام الغذائي يساعد في التغلب على الشخير، إذ يعتقد الباحثون أنّ الملح يزيد السوائل في الجسم فتتسرب خلال النوم باتجاه الرقبة وتؤدي لانقطاع النفس.
وذكرت صحيفة «ديلي ميل» (Daily Meal) البريطانية أنّ تجربة سريرية تجرى في مستشفى «دي كلينيكاس دي بورتو أليغري» البرازيلي لاختبار هذه النظرية على المرضى الذين يعانون انقطاع النفس الإنسدادي النومي الذي يتسبب بالشخير.
ويظن الباحثون أنّ الحبوب المدرة للبول والغذاء المنخفض الملح سيقللان من مستويات الملح عند المرضى، ويقولون إن الاستهلاك المفرط للملح سيؤدي إلى زيادة السوائل في الجسم، وعندما يستلقي المريض تتسرب هذه السوائل باتجاه الرقبة مما يؤدي إلى تضييق في المجاري الهوائية العليا وبالتالي إلى انقطاع النفس الانسدادي النومي.