إقتصاد وبيئة

الشمس والرياح والمياه طاقة متجدّدة وأمل في توفير مستقبل آمن ونظيف
إعداد: تريز منصور

الدكتور غندور: «لنؤمّن للأجيال القادمة حياة رغيدة واستمرارية بالإنتاج وبكلفة أقل»

 

الطاقات المتجدّدة هي وسيلة لنشر المزيد من العدالة بين دول العالم الغني ودول العالم الفقير. وباعتمادنا الطاقة المتجدّدة، سنجعل مستقبل أولادنا وأحفادنا أكثر أماناً. فالطاقة المتجدّدة بأنواعها كافة، من طاقة شمسية وطاقة رياح وطاقة هيدروليكية (مياه) وطاقة عضوية وغيرها من الطاقات «الطبيعية»، تعتبر الأمل للمستقبل، من ناحية لأنها لا تنضب، ومن ناحية أخرى لأنها غير ملوثة للبيئة. وأما من الناحيتين الإقتصادية والإجتماعية، فإن تطبيق التقنيات الحديثة لتوليد هذه الأنواع من الطاقة سيوفر فرص عمل متعددة للشباب.
خلال مؤتمر الطاقة المتجدّدة في برلين العام 2001، ظهرت الحاجة الماسة لدفع عجلة استغلال الطاقات المتجدّدة، من ناحية لأن الطلب على الطاقة يزداد بشكل سريع جداً، وأسعار البترول ترتفع والمخزون النفطي يقلّ، ومن ناحية أخرى بسبب المتغيرات المناخية المتزايدة، التي تؤدي بدورها الى كوارث. لذلك كان هناك حافز كبير لإنشاء هيئة دولية للطاقة المتجدّدة (International Renewable Energy Agency - IRENA)، واتفق الحاضرون على تكوين مجلس دولي مستقل للطاقة المتجدّدة (World Council For Renewable Energy - WCRE). ويمثّل هذا المجلس الصوت العالمي لهذه الطاقة، ويحاول التشجيع على تنفيذها وإصدار الوثائق اللازمة للإعلام عنها، كما يسعى للتوصل الى حلول عملية واتفاقيات مشتركة على نطاق دولي.

إن منطقة الشرق الأوسط ومن بينها لبنان، تتمتّع بثروة هائلة من هذه الطاقة، وبدأت الإستثمارات بها في أكثر من دولة.
أما على صعيد لبنان، فإننا ما زلنا بعيدين عن هذا الإستثمار العالمي الجديد في حقل الطاقة المتجدّدة، باستثناء بعض المبادرات الخاصة، ولكن الحاجة إلى هذا الإستثمار تبرز بقوة، ولا سيما إلى سدّ العجز في إنتاج الكهرباء، الذي تراوح نسبته بين 800 - 900 ميغاوات. والجدير بالذكر هنا أن البيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية، قد أتى على ذكر أهمية إيلاء هذا القطاع الحيوي الإهتمام اللازم، والعمل على الإستثمار في مجال الطاقة المتجدّدة، بنسبة تصل إلى 10 في المئة العام 2020.
وللوقوف على واقع هذه الطاقة ومدى قدرة لبنان على الإستفادة منها، وحجم استعمالها في العالم عموماً ومنطقة الشرق الأوسط خصوصاً، إلتقت مجلة «الجيش» الدكتور مازن غندور (أستاذ في كلية الهندسة - الجامعة اللبنانية، وباحث في مجال الطاقة المتجدّدة)، لتتبين منه حقيقة هذا الموضوع.

 

ما هي الطاقة المتجدّدة؟
•الطاقة المتجدّدة، كلمة يردّدها العالم بأسره اليوم، ما هي ولماذا برزت، وإلى أي حدّ يحتاج العالم إلى هذه الطاقة؟

- بعد مائة وخمسين عاماً على اكتشاف النفط، أصبح العالم مدمناً على استخدامه، بحيث أنه بدونه سوف تتوقف عجلة الحياة اليومية، كما أنه تحوّل سلاحاً سياسياً، ومصدراً للحروب. وما تعيشه منطقة الشرق الأوسط خير دليل على ذلك.
ويحذّر الجيولوجيون من أننا استنفذنا ما يصل إلى ثلث كمية النفط التي زوّدتنا إياها الطبيعة، وبحلول منتصف القرن الحالي سوف نصل الى ما يعرف بالذروة النفطية. ولقد ذكر تقرير صدر حديثاً عن الوكالة الدولية للطاقة، أنه «يتعيّن علينا أن نتخلّى عن النفط قبل أن يتخلى هو عنا». ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، بماذا سوف نستبدل النفط؟ التحوّل عن ذلك الى مورد طاقة ثان، ليس بالأمر السهل، ذلك أن حضارتنا بأكملها تعمل بالنفط في الأساس، والإعتماد على الوقود الأحفوري سيظل قائماً، لأن التقنيات البديلة لم تزل مرتفعة الكلفة، وباعتبار أن أغلب التقنيات المعاصرة تعمل بالطاقة الكهربائية.
إن توليد الكهرباء تحديداً والارتقاء الى مستوى استغلالها لتصبح الطاقة الوحيدة، بات هاجساً لمراكز البحث وتطوير الصناعة، كما بدأت تطبيقات كثيرة في مجالات الطاقة المتجدّدة: من استعمال الوقود الحيوي في وسائل النقل والعمل على تطوير استغلال الطاقات المتجدّدة كالهواء، الشمس والمياه الجارية.
كما أن العديد من التقارير والدراسات، قد اكد أن الاستمرار في استعمال النفط والفحم سوف يزيد من انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي، مع ما سينتج عن ذلك من ارتفاع لدرجة حرارة الأرض والمتغيرات المناخية والإجتماعية والإقتصادية.
وبالتالي من أجل خفض هذه الإنبعاثات بنسبة 50 في المئة في العقود المقبلة، لا بدّ من البدء بتدابير واتخاذ إجراءات بديلة وجذرية، تغيّر بنية الإقتصاد العالمي، عبر الإعتماد على مصادر متجدّدة ونظيفة كالطاقة الشمسية والهوائية والمائية.

 

• هل يمكننا اعتبار قطاع الطاقة المتجدّدة ناشطاً في دول العالم، وهل يمكنه التعويض عن قطاع النفط، وكيف يتوزّع إنتاجه؟
- يشهد قطاع الطاقة المتجدّدة نمواً مطّرداً في العديد من دول العالم، وخصوصاً في أوروبا وأميركا والصين والهند. وقد بيّنت الأرقام المسجّلة لغاية تاريخه، أن الطاقة المتجدّدة تعادل ما يزيد عن 3 في المائة من مجمل إنتاج الطاقة الكهربائية في العالم (بدون إنتاج الطاقة الكهرمائية)، وقد زادت الإستثمارات وبشكل سريع من 38 مليار دولار العام 2005 إلى أكثر من 100 مليار العام 2009.
وتتوزّع الزيادة المطّردة على الولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا والصين واليابان والهند والعديد من الدول الأخرى في أوروبا وأوستراليا...

 

أنواع الطاقة المتجدّدة
• ما هي أنواع الطاقة المتجدّدة وكيف يمكن الإستفادة منها، وخصوصاً في لبنان؟

- إن أنواع الطاقة المتجدّدة التي يعمل على تطويرها والإستفادة منها هي: الطاقة الهوائية والطاقة الشمسية والطاقة المائية وطاقة الكتلة الحيوية.
تبلغ الإستطاعة الإسمية لقطاع الكهرباء في لبنان 2354 ميغاوات (MW)، وهي بأغلبها من مصادر تعمل على الوقود الأحفوري (فيول وغاز ومازوت)، عدا 280 ميغاوات (MW) من معامل كهرمائية. تبلغ حالياً الإستطاعة المنتجة الاجمالية حوالى 1500-1600 ميغاوات، نظراً إلى قدم العديد من المعامل ومشاكلها التقنية وحاجاتها الى الصيانة الدورية، في حين أن الطلب على الكهرباء يصل إلى حدود 2400 ميغاوات، وهو رقم مرشح للازدياد، خصوصاً مع توقّع زيادة نسبة النمو، والتي سترتبط مباشرة بزيادة الطلب على الكهرباء بنسبة تقارب الـ10 في المائة سنوياً.
ويبلغ العجز في قطاع الكهرباء حوالى 800 - 900 ميغاوات، ويترجم ذلك من خلال التقنين والمداورة في توزيع الكهرباء على كل الأراضي اللبنانية، وكذلك لسدّ بعض النقص من خلال الإستجرار من الدول المجاورة (سوريا أو مصر)، وذلك حسب فائض الإنتاج وزيادة الطلب لدى هذه الدول.
وإن آخر إستثمار في مجال الكهرباء في لبنان، كان في إنشاء معملي البداوي والزهراني، علماً أنهما كانا من المفترض أن يعملا على الغاز، وليس على المازوت كما هو حاصل اليوم. وبالرغم من ذلك فإن أزمة الكهرباء ما زالت تراوح مكانها، ويُعمل على إيجاد مصادر جديدة وبديلة، تعوّض هذا النقص والطلب المتنامي على هذه السلعة.
والجدير بالذكر هنا، أن البيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية، قد أتى على ذكر أهمية إيلاء هذا القطاع الحيوي الإهتمام اللازم، والعمل على الإستثمار في مجال الطاقة المتجدّدة، بنسبة تصل إلى 10 في المئة العام 2020.

 

والطاقات المتجدّدة الرئيسة، ماء وهواء وشمس، متوافرة بكثرة في لبنان:
•الطاقة الكهرمائية:

تعتبر هذه الطاقة المتجدّدة الأقدم والأكثر استعمالاً في توليد الطاقة الكهربائية، ويتمّ ذلك عن طريق انشاء سدود على الأنهر ونقل المياه بأنفاق وأنابيب كبيرة، وعن ارتفاعات عالية، لتشغيل مولدات كهربائية باستطاعات مختلفة. ولكن هذه الطاقة تتعلّق بكمية المتساقطات السنوية، والتي تتأثر دائماً بارتفاع الحرارة في فصل الصيف وزيادة التبخّر. يعمل حالياً في العديد من المعامل الكهرمائية على الإستفادة من المياه، عن طريق تجميعها بعد استعمالها، وإعادة ضخها إلى ما وراء السدّ، وذلك عند انخفاض الطلب على الكهرباء (بعد منتصف الليل). ولقد استثمرت هذه الطاقة في لبنان بشكل وافٍ، حيث أنشئ العديد من المعامل منذ أواسط القرن الماضي، وأبرزها مشروع الليطاني الذي يلبّي ما يقارب 190 ميغاوات في معامله في مركبا (عبد العال)، وبسري (أرقش)، وجون (شارل الحلو).
أما المعامل الأخرى، فهي موزّعة في عدة مناطق وعبر عدة مصادر (قاديشا، نهر ابراهيم، البارد والصفا)، لتصل كمية الاستطاعة المركبة (Installed power) إلى 281 ميغاوات MW كهرمائي.
تعتبر هذه الطاقة الأوفر والأقل كلفة والأكثر فاعلية وكفاءة، إضافة إلى غياب تام لاستهلاك الوقود وانبعاث الغازات.
وأجري العديد من الدراسات، التي أكدت إمكان زيادة الإستفادة من هذه الطاقة في لبنان، عن طريق مشروع الليطاني، والبدء بمشروع العاصي وزيادة المعامل على أنهر ابراهيم والبارد وأبو علي، للوصول الى إضافة استطاعة جديدة بقيمة 208 ميغاوات.

 

• طاقة الرياح:
تعتبر الثانية من حيث القدرة المنتجة بعد الطاقة الكهرمائية، إذ تنمو هذه الطاقة بشكل كبير وهي ما زالت تحتل المركز الأول لناحية حجم الإستثمار والإستطاعة المركبة، التي وصلت الى حوالى 150 جيغاوات في العالم خلال العام 2009، وتشكل حالياً حوالى 2 في المئة من الطاقة المنتجة في العالم. وصلت الإستثمارات فيها الى حوالى 50 مليار يورو العام 2009، مع تأمين حوالى 450 ألف فرصة عمل في العالم. وتنمو هذه الطاقة بشكل سريع، وما زالت تحتل المركز الأول لناحية حجم الإستثمار والإستطاعة المركبة.
والسؤال الملحّ في هذا الاطار، أين موقع لبنان من هذا النمو المتسارع لهذا القطاع في العالم؟
لقد بيّنت معطيات الأرصاد الجوية والأقمار الإصطناعية والعديد من الدراسات والقياسات، أن منطقة شرق البحر المتوسط ومن ضمنها لبنان، تتمتّع بحركة رياح ناشطة وبسرعات جيدة، مما يعطي مؤشراً واضحاً وأكيداً، حول إمكان استثمار هذه الطاقة عن طريق عنفات (مراوح ريحية Wind Turbine)، باستطاعات عالية وعلى ارتفاعات مختلفة. وأبدى العديد من الدول المحيطة بلبنان، اهتماماً ملحوظاً بطاقة الرياح، وبدأ البعض منها بإنشاء مزارع ريحية.
ولقد بيّنت المعطيات الأولية والقياسات التي أجرتها إحدى الشركات الفرنسية، إضافة إلى المؤشرات النباتية (ميلان الشجر)، أن العديد من المناطق تتمتّع بسرعات رياح وسطية مرتفعة (6 - 7 م/ث)، إضافة إلى أن لبنان يتمتّع بواجهة بحرية طويلة (210 كلم)، وتضاريس متنوعة من جبال ووديان وأخاديد وممرات، ما يعطي مجالاً لحركة رياح ناشطة على مدار السنة.
وتعتبر مناطق ضهر البيدر، القليعات ومرجعيون، من أهم الأماكن التي سُجلت فيها سرعات رياح جيدة، حيث من الممكن البدء بالتخطيط لإنشاء مزارع ريحية في هذه المناطق، خصوصاً وأنها مناطق عدد سكانها قليل، وقريبة من خطوط النقل الكهربائي.
وأضاف الدكتور غندور:
إن كلفة إنتاج الكيلوواط الواحد من الرياح تبلغ 1500 دولار، لا سيما أن المصانع المنتجة للمولدات والعنفات الريحية، تعجز عن تلبية الطلب المتزايد، وبالسرعة اللازمة. من هنا لم ينل هذا القطاع اهتماماً كبيراً في لبنان، خصوصاًَ وأن مؤسسة كهرباء لبنان تعاني عجزاً دائماً ونقصاً في التمويل، لذا من الممكن اعتبار إشراك القطاع الخاص في الإستثمار في هذه الطاقة، أحد الحلول المساعدة، وطبعاً يتطلّب ذلك تعديل العديد من التشريعات، وأبرزها القانون 462 المتعلّق بالإستفادة من الطاقة المتجدّدة (الرياح)، والدخول على الشبكة.

 

• الطاقة الشمسية:
تحقّق هذه الطاقة تقدّماً ملحوظاً في العالم، وهناك برامج عديدة لاستخدام الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وأوستراليا والصين والبلدان النامية.
تُستغل هذه الطاقة من خلال الخلايا الفوتوفولطية (كهروضوئية)، أو من خلال اللواقط الشمسية لتسخين المياه، وللاستعمالات المنزلية والصناعية وتجهيزها، ومن ثم ضغط هذا البخار واستعماله في توليد الكهرباء.
وصلت طاقة تسخين المياه الى 100 جيغاواط العام 2006، ويتطوّر هذا الرقم بشكل سريع وزيادة سنوية تبلغ 14 في المئة. وهناك العديد من الدول يفرض تركيب سخانات تعمل بالطاقة الشمسية في الأبنية الجديدة، كجزء من السياسة الوطنية.
أما الخلايا الكهروضوئية، فتعتبر تكنولوجيا ربط إنتاج الطاقة الشمسية بشبكة التغذية الكهربائية، من أسرع التكنولوجيات تطوراً في مجال الطاقة المتجدّدة. وقد وصلت القدرة التراكمية للطاقة الفوتوفولطية الى حوالى 10 جيغاواط في السنوات الماضية، وتحقّق المانيا والولايات المتحدة والصين تقدّماً كبيراً في هذا المجال، والرقم المقدّر العام 2030 يصل الى نحو 200 جيغاوات.
في لبنان، تُقدّر فترة الإشعاع الشمسي بحوالى 3000 ساعة/سنة، أي ما يعادل 2000ك.و.س./م2، أو 6ك.و.س/م2 في اليوم. وبالرغم من التطوّر الكبير الذي تشهده عدة دول (الولايات المتحدة، الصين وألمانيا)، في مجال الطاقة الشمسية، فإن لبنان والمنطقة ما زالوا بعيدين عن الإستثمار في هذا المجال، على الرغم من أن منطقتنا تنعم بحوالى 250 - 300 يوم شمس في السنة. إلا أن ارتفاع أسعار الألواح الشمسية وتجهيزاتها إلى حوالى 4 دولارات للواط الواحد، وعامل القدرة المنخفض (15 - 20٪)، لم يسمح بتطوّر هذه الطاقة بشكل فاعل في لبنان. في حين أن طاقة التسخين الشمسي قد حقّقت تقدّماً ملحوظاً، وقد بيّنت الدراسات أهمية المردود الإقتصادي لهذه الطاقة.
والجدير بالذكر، أن الإتحاد الأوروبي (وخصوصاً فرنسا)، قد أطلق فكرة المشروع المتوسطي للطاقة الشمسية في الصحارى العربية جنوب وشرق المتوسط، وربطها بالشبكة الكهربائية الأوروبية عن طريق كابلات بحرية، وتأمين الكهرباء للدول المشاركة في المشروع ومن ضمنها لبنان. لكن هذا المشروع لم يزل في مراحله الأولى، ونأمل أن يتطوّر ويحقّق النجاح المرتجى.
وهناك أيضاً بعض المشاريع في مجال الطاقة الشمسية، مثل تأمين الكهرباء لبعض محطات الإرسال التلفزيونية والإتصالات على قمم الجبال. كما وضعت في عدة مناطق ومن ضمنها الجنوب، مصابيح إنارة للشوارع، تعمل على الطاقة الشمسية وتوفر الكثير على البلديات، ومن الممكن تعميم هذه الفكرة على جميع المناطق، لتأمين مصادر دائمة وبديلة لإنارة الشوارع.

 

• طاقة الكتلة الحيوية:
يصل إنتاج الإيتانول الى أكثر من 45 مليار ليتر في العالم، أي ما يعادل 55 جيغاواط. وتحتل البرازيل والولايات المتحدة الأميركية المراكز الأولى في إنتاج هذه الطاقة، وقد شرعت عدة دول أوروبية بإنتاج البيوديزل، وأنتجت أكثر من 60 مليون طن من الإيتانول، ووصل استهلاك البرازيل من هذه المادة الى مستوى مرتفع جداً، إذ وصل الى 70 في المئة من الإستهلاك في قطاع النقل.
في المنطقة العربية وخصوصاً في لبنان، يندر الاهتمام بهذه الطاقة، والجدير بالذكر، أن كمية النفايات الصلبة الكبيرة التي تنتج في لبنان، التي تقارب الـ5000 طن في اليوم، هي أيضاً مصدر طاقة رئيس وجيد، لو عملنا على فرز النفايات واستعمال العضوي منها لتوليد الغاز والوقود العضوي.

 

أين نحن من هذه الطاقة؟
• ما هي السبل أو الطرق، للبدء في استعمال الطاقة المتجدّدة في لبنان والمنطقة العربية؟

- لا بدّ للوصول بقوة إلى عالم الطاقة المتجدّدة في لبنان والمنطقة العربية، عن طريق دعم المشاريع والأبحاث العلمية في هذا المجال، وكذلك المساعدة والعمل على إيجاد مصادر طاقة بديلة ونظيفة ومستدامة.
وفي هذا المجال، يظهر مدى تأخر لبنان ودول المنطقة، عن الكثير من المواضيع الهامة، وفي مقدّمتها موضوع مصادر الطاقة والبيئة والتلوّث والإحتباس الحراري، والمخاطر الناتجة عن انبعاث الغازات، وما سيترتّب عن ذلك من متغيّرات كثيرة وخطيرة على البشرية جمعاء، وتطال جميع الدول الغنية والفقيرة على حدّ سواء.
وإذا كان العالم الصناعي سيحاول سريعاً مواجهة هذه الكوارث، للوصول الى نسبة الإنبعاثات المقرّرة بحلول العام 2020، فهل ستتمكّن الدول ذات الإقتصاديات الضعيفة والتقليدية، التي تعاني نسب تلوّث عالية في مناخها الجوي ومصادر المياه، من مواجهة التحدّي بالقدرة نفسها؟
هذا هو التحدّي الذي ينبغي للدول النامية، ومن بينها العديد من دول منطقتنا العربية، أن تتنبّه له وأن ترصد له المخصّصات المالية المناسبة، وأن تقدّم لمواطنيها التوعية المستمرة لخطورة التلوّث، وترشيد استخدام وسائل الطاقة الملوّثة، التي تتسبب بزيادة ثاني أوكسيد الكربون بنسب كبيرة.

 

الإقتصاد الأخضر
• ما هو الإقتصاد الأخضر، وكيف يتمّ الإستثمار فيه؟

- إن حوالى 20 في المئة من 2 تريليون دولار من برامج تحفيز الإستثمار، هي استثمارات في الإقتصاد الأخضر النظيف (الهواء، الشمس والماء). إنها استثمارات وحوافز في مجال الطاقة المتجدّدة، والتخفيف من كمية النفايات، وزيادة التركيز على الإستخدام المستدام، واستعادة النظم البيئية الطبيعية والتنوّع البيولوجي.
ومن المؤكد أن الإقتصاد الأخضر يمكن أن ينقذ الإقتصاد العالمي من الركود ومن فقدان الوظائف، وتفاقم الفقر، ويطلق نمواً اقتصادياً مستداماً بالفعل. وعلى سبيل المثال في مجال الطاقة النظيفة عالمياً، هناك 2.3 مليون عامل، يعملون في مجال الطاقة المتجدّدة. وتشير التقديرات، إلى أن الإستثمارات في هذا المجال، يمكن أن توجد حوالى 20 مليون وظيفة على المستوى العالمي، بما في ذلك 2.1 مليون وظيفة في مجال طاقة الرياح و6.3 مليون وظيفة في مجال الطاقة الشمسية، و12 مليون وظيفة في مجالات الزراعة والصناعة على أساس الوقود الحيوي.
وبالتالي فإن الإقتصاد الأخضر، يشقّ طريقه لبناء ما تقوّض في الإقتصاد التقليدي. ونأمل أن تتمّ إتاحة الفرصة أمام النماذج الناجحة التي رأيناها، لكي يرتفع حجم الإستثمارات، وبذلك تدفع العالم نحو ظروف أفضل، حتى نصل الى بناء مجتمع عالمي، يعيش في وئام مع الطبيعة، ويقوم بنجاح على اقتصاد أخضر عالمي.

 

• كباحث في مجال الطاقة المتجدّدة، ما هي المشاريع التي تقومون بها لإنجاز وتطوير هذا القطاع في لبنان؟
- منذ العام 2003، نقوم بأعمال بحثية في هذا المجال، وكان لدينا عمل علمي بحثي مشترك بين الجامعة اللبنانية وجامعة دمشق، لدراسة إمكان استغلال طاقة الرياح في لبنان وسوريا، كما تمّت المشاركة في عدة مؤتمرات محلية وإقليمية ودولية، حول الطاقة المتجدّدة، وآفاق تطويرها في لبنان والمنطقة.
كذلك، عملنا مع وزارة الطاقة قبل العام 2006، على وضع أطلس للرياح في لبنان، ولكن المشروع قد تعثّر بسبب الحرب، ويتابع العمل حالياً على إنجاز هذا الملف.
ويُعمل حالياًَ مع بعض الجمعيات البيئية التي تُعنى بشؤون الطاقة المتجدّدة، ويتمّ التعاون على نشر أهمية هذا القطاع الحيوي، للتخفيف من أزمة الكهرباء وللحدّ من التلوّث.
وأيضاًَ، يتمّ التعاون مع بعض الجامعات الكندية في مقاطعة كيبيك - كندا، من خلال إجراء دورات تدريبية في مجال طاقة الرياح، ولهذه الغاية قمت بعدة زيارات، للعديد من أهم مزارع الهواء في تلك المقاطعة (كيبيك). ويدرس حالياًَ إمكان إرسال بعض الطلاب لمتابعة الدراسة في هذا الإختصاص، بعد نيل شهادة الهندسة.

 

• هل هناك اختصاص في الطاقات المتجدّدة في كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية؟ وكيف يتمّ توجيه الطلاب بغياب الإستثمارات في هذا المجال في لبنان؟
- لا يوجد اختصاص محدّد ودقيق في مجال الطاقات المتجدّدة، وانما نسعى في الكلية الى توجيه الطلاب نحو هذا الاختصاص عبر مشاريع التخرّج، وإلى استحداث مواد متعلّقة بهذا القطاع. وكذلك يُعمل حالياً في معهد الدكتوراه للعلوم والتكنولوجيا في الجامعة اللبنانية، على تأسيس ماستر في الطاقات المتجدّدة، وذلك بالتعاون مع اختصاصيين وجامعات خارجية مثل كندا وفرنسا.
وختم الدكتور غندور حديثه بالتأكيد أنه «بات من الضروري والملحّ، البحث في لبنان عن حلول لمشكلة الكهرباء، لنؤمن للأجيال القادمة حياة رغيدة واستمرارية بالإنتاج وبكلفة أقل. وإذا كانت الدولة عاجزة عن الإستثمار في مجال الطاقة المتجدّدة، نظراً الى كلفتها الباهظة، فيمكنها الإستفادة من تجارب بعض الدول الأوروبية كألمانيا وإسبانيا وفرنسا مؤخراً، بحيث يسمح القانون لكل وحدة سكنية بإنتاج الطاقة المتجدّدة، ومن ثم تشتري الدولة هذه الطاقة المنتجة بأسعار تشجيعية. كما يمكن للدولة الإستثمار بالإقتصاد الأخضر، الذي باستطاعته إنقاذ الإقتصاد من الركود ومن فقدان الوظائف ومن تفاقم الفقر، ومن توفير فرص للنمو الإقتصادي المستدام».

 

تدابير لتعزيز اعتماد الطاقة المتجدّدة
في ضوء الوضع الراهن للطاقة المتجدّدة في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومن أجل دعم استخدامها على نطاق واسع، ثمة تدابير من شأن اعتمادها تعزيز مساهمة المصادر المتجدّدة في إمدادات الطاقة لدى البلدان العربية، ولعل أهمها:
• إدخال الموارد المتجدّدة في الخطة الوطنية للطاقة في كل بلد، لتحل مكان الموارد التقليدية أو تندمج معها عندما يكون ذلك مناسباً. وهذا سيوفر فوائد إقتصادية وبيئية متنوعة.
• اعتماد ترتيبات تمويلية لخفض تكاليف تصنيع معدات الطاقة المتجدّدة، وحوافز مالية لتشجيع استخدام هذه المعدات وآليات الإقتصاد بالطاقة.
• إلغاء الدعم الحكومي لأسعار مشتقات الوقود الأحفوري والكهرباء، لتعزيز القدرة التنافسية لتكنولوجيات الطاقة المتجدّدة بطريقة منصفة.
• تقوية الجامعات والمعاهد الهندسية والتقنية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بإدخال برامج تدريب مهني ومنح شهادات ديبلوم وإجازات متقدّمة في الطاقة المتجدّدة، لتخريج فنيين ومهندسين وحرفيين وخبراء مؤهلين في هذا المجال.
• تعزيز التعاون البحثي وتبادل الخبرة بين المنظمات ومراكز الأبحاث في بلدان المنطقة، ومع المنظمات والمراكز الإقليمية والدولية المهتمة بالطاقة المتجدّدة.
• رعاية برامج للتثقيف والتدريب ورفع الوعي الجماهيري في مجالات الطاقة المتجدّدة، ويجب أن يستهدف بعضها صنّاع السياسة والمؤسسات التمويلية.
• اعتماد آلية لنقل التكنولوجيا من أجل دعم الصناعة المحلية لمعدات الطاقة المتجدّدة.