نحن والقانون

الضرب والإيذاء في القانون
إعداد: د. نادر عبد العزيز شافي
محامٍ بالاستئناف

الإيذاء في القانون هو اعتداء مقصود أو غير مقصود على حق الإنسان في سلامة جسمه، ينتج عنه أذى جسدي. قد يكون الأذى بسيطًا، وقد يُسبّب تعطيلًا، أو ينشأ عنه عاهة أو إجهاض أو بتر أحد الأعضاء.


العناصر المشتركة لجرائم الإيذاء
تشترك هذه الجرائم في وجوب وقوع الاعتداء على إنسان حيّ، أما إذا كان قد فارق الحياة، وأصبح جثَّة فلا يتحقَّق جرم الإيذاء. وتشترك جرائم الإيذاء في الركن المادي، وهو كل سلوك إيجابي أو سلبي يتضمن مساسًا بجسم إنسان آخر. أما إذا جرح الإنسان نفسه أو ضرب نفسه أو تناول مادة ضارة نتج عنها مرض، فإن فعله لا يشكل جرم الإيذاء. والاعتداء قد يكون بالضرب أو بالجرح أو بالإيذاء (554 عقوبات).


• الضرب: هو كل مساس بأنسجة الجسم عن طريق الضغط عليه مباشرة أو بالواسطة من دون أن يسبب ذلك جرحًا. وقد يقع ذلك بصفع المجنى عليه أو ركله أو بالإطباق باليدين على عنقه، أو ضربه بالرأس أو الكتف. وقد يقع باستعمال أداة (عصا أو حجر أو قطعة حديد أو غيرها).
 

• الجرح: هو كل قطع أو تمزيق في أنسجة الجسم، أيًا كانت جسامته، وأيًا كان سببه، وسواء كان ظاهرًا أو غير ظاهر (مثلًا حدوث تمزّق في الأنسجة يؤدي إلى نزيف داخلي)، أو وقع بوسيلة مباشرة أو بالواسطة (استعمال الأسنان والأظافر أو آلة حادة أو سكينًا أو إبرة أو عصا أو حجر...).


• الإيذاء: هو كل مسٍّ بسلامة الجسم من دون أن تعتبر ضربًا أو جرحًا؛ كأعمال العنف والشِّدة مهما اختلفت صورها وأشكالها (إطلاق الرصاص أو تفجير قنبلة بقصد إحداث الرعب ما يؤدي إلى الاصابة بصدمة أو شلل أو نزيف خارجي أو داخلي...).
تتمثَّل النتيجة الجرمية لجرم الإيذاء بالجروح أو الأذى أو الاصابة أو العاهة أو التعطيل، أو أي أثر يتركه التعدي في الجسم. وهذه النتيجة الفعلية هي التي تُحدّد المسؤولية الجزائية ودرجة جسامتها وعقوبتها. ويجب تعيين نتيجة الاعتداء والعلاقة السببية بين الفعل والنتيجة، فإذا تفاقمت الاصابة بعد صدور الحكم يكون من الجائز الملاحقة بوصف أشدّ (182 عقوبات).
وإذا وقع الإيذاء (مقصود أو غير مقصود) نتيجة عدة أسباب يجهلها الفاعل وكانت مستقلة عن فعله، أمكن تخفيض العقوبة (200 و568 عقوبات).

 

جرائم الإيذاء المقصود
إضافة إلى الاعتداء وإلحاق الأذى بجسم الإنسان الحيّ، والرابطة السببية بين الفعل والنتيجة، يشترط لتحقيق هذه الجرائم توافر القصد الجرمي للإيذاء، وهذا القصد يتكون من عنصري العلم والإرادة؛ أي أن يعلم الجاني بأن فعله يقع على جسم إنسان حيّ، وانصراف إرادته إلى النتيجة، وهي الإيذاء. تقسم جرائم الإيذاء إلى حالات مختلفة، جنحية وجنائية، بحسب النتيجة الحاصلة، والعقوبة الواجبة (554 إلى 558 عقوبات).

 

• الإيذاء الجنحي المقصود:
وهو على ثلاث درجات بحسب مدة مرض الضحية أو التعطيل عن العمل أو عدم قدرة المجنى عليه على القيام بوظائفه البدنية أو الفكرية المعتادة، من بدء الاصابة حتى انتهاء العجز. ويكفي توافر المرض أو التعطيل عن العمل لوقوع هذا الجرم. ويعود للمحكمة تحديد درجة المرض أو التعطيل عن العمل، ويمكن الاستعانة بتقارير الأطباء المختصين التي قد تُشير إلى احتمال حصول مضاعفات تزيد من خطورة الاصابة، مما يؤدي إلى تشديد العقوبة (182 عقوبات).
- التعطيل عن العمل لمدة لا تزيد عن عشرة أيام: من أقدم قصدًا على ضرب شخص أو جرحه أو إيذائه، ولم ينجم عن هذه الأفعال مرض أو تعطيل عن العمل لمدة تزيد عن عشرة أيام، عوقب بناءً على شكوى المتضرر بالحبس ستة أشهر على الأكثر، أو بالتوقيف التكديري وبالغرامة من عشرة آلاف إلى خمسين ألف ليرة، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
- التعطيل عن العمل لمدة تزيد على عشرة أيام ولا تزيد عن عشرين يومًا: إذا نجم عن الأذى الحاصل مرض أو تعطيل الضحية عن العمل مدة تزيد على عشرة أيام ولا تزيد عن عشرين يومًا، عوقب المجرم بالحبس مدة لا تتجاوز السنة وبغرامة مئة ألف ليرة على الأكثر أو بإحدى هاتين العقوبتين.
- التعطيل عن العمل لمدة تزيد على عشرين يومًا: إذا جاوز المرض أو التعطيل عن العمل العشرين يومًا، قضي بعقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة مئة ألف ليرة على الأكثر (556 عقوبات). وليكون للنيابة العامة حق تحريك الدعوى العامة من دون أن يتوقف ذلك على شكوى الضحية، وتنازل الشاكي عن شكواه لا يؤثر على الدعوى العامة ولا على العقوبة.

 

• الإيذاء الجنائي المقصود: وهو على صورتين:
- الإيذاء القصدي الذي يؤدي إلى فقدان عضو أو تعطيله أو إلى عاهة دائمة: إذا أدى الفعل إلى قطع أو استئصال أو بتر أحد الأطراف، أو إلى تعطيل أحدهما، أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل، أو تسبب في إحداث تشويه جسيم أو أي عاهة دائمة أو لها مظهر العاهة الدائمة، عوقب المجرم بالأشغال الشاقة المؤقتة عشر سنوات على الأكثر (557 عقوبات). ويعتبر عاهة دائمة: بتر اليد أو الساق أو العجز الذي يصيبهما فيتعطلان عن العمل، أو فقدان حاسة من الحواس كالبصر أو السمع أو القدرة على الكلام، أو الاصابة بشلل في بعض الأعضاء أو كلها، أو إحداث تشويه جسيم في جسم الضحية. ويعود تقدير جسامة العاهة للقاضي بالنظر إلى وضع الضحية وسنّه وجنسه، لأن تشويه الوجه يختلف كثيرًا بين فتاة شابة وبين رجل متقدم بالسن. إضافة إلى وجوب توافر الصلة السببية بين الفعل والنتيجة والقصد الجرمي لإحداث هذا الضرر بالضحية.
- الإيذاء القصدي الذي يؤدي إلى إجهاض حامل: يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة عشر سنوات على الأكثر من تسبب، بالضرب أو الجرح أو الإيذاء، بإجهاض حامل وهو على علم بحملها (558/554 عقوبات). فهذه الجريمة تشترط: وقوع الضرب أو الجرح أو الإيذاء، على إمرأة حامل، وحصول الإجهاض، وصلة سببية بين الفعل والإجهاض، والقصد الجرمي لدى الفاعل الذي يكون على علم بالحمل وقت ارتكاب الفعل. ففي المرحلة التي لا يظهر فيها الحمل يجب إثبات علم الفاعل به، أما في المرحلة التي يكون فيها الحمل ظاهرًا للعيان ويكون الفاعل قد لاحظه، فتكون نيته الجرمية متحقّقة. وإذا لم يثبت علم الفاعل بالحمل فهو يُسأل عن جريمة الإيذاء القصدي عندما تتوافر لديه النية الجرمية لإيقاع الضرر بالضحية. أما إذا كان الجاني يعلم بالحمل ويريد إسقاط الجنين ولكن فعله لم يفضِ إلى الإجهاض، فإنه يعاقب على الشروع في هذه الجريمة (558 و200 عقوبات).

 

• تشديد العقوبة:
يتم تشديد العقوبات المذكورة في الحالات الآتي ذكرها:
- جريمة الإيذاء القصدي لسبب سافل، أو للحصول على المنفعة الناتجة عن الجنحة.
- إقدام المجرم على التمثيل بالضحية، أو وقوعها على حدث دون الخامسة عشرة من عمره، أو على شخصين أو أكثر، أو على أحد أصول المجرم أو فروعه.
- وقوع الجريمة عمدًا، أو تمهيدًا لجناية أو لجنحة، أو تسهيلًا أو تنفيذًا لها، أو تسهيلًا لفرار المحرضين عليها أو فاعليها أو المتدخلين فيها، أو للحيلولة بينهم وبين العقاب.
- إقدام المجرم على أعمال التعذيب أو الشراسة نحو الضحية، أو ضدّ موظف في أثناء ممارسته وظيفته أو في معرض ممارسته لها أو بسببها، أو على إنسان بسبب انتمائه الطائفي أو ثأرًا منه لجناية ارتكبها غيره من طائفته أو من أقربائه أو من محازبيه، أو استعمال المواد المتفجرة.
- ارتكاب الجريمة من أجل التهرب من جناية أو جنحة أو إخفاء معالمها (559/257 و548/549 عقوبات).

 

جرائم الإيذاء غير المقصود
تتحقَّق عندما يقع الإيذاء نتيجة إهمال أو قلة احتراز أو مخالفة القوانين أو الأنظمة؛ أي من دون توافر النية الجرمية للإضرار بالضحية، مثلًا، اتجاه إرادة الفاعل إلى سلوك معيَّن من دون قصد المساس بسلامة جسم الضحية. وقد يكون الإيذاء غير المقصود بسيطًا أو مُشدَّدًا.


• الإيذاء غير المقصود البسيط:
يعاقب على كل إيذاء غير مقصود بالحبس ستة أشهر على الأكثر أو بغرامة لا تتجاوز المئتي ألف ليرة (المادة 565/2 عقوبات). ويزاد على هذه العقوبات نصفها إذا اقترف المجرم أحد الأفعال التي تؤدي إلى التسبّب بحادث ولو مادي ولم يتوقف فورًا عن فعله، أو لم يعن بالمجنى عليه، أو حاول التملص من التبعة بالهرب (المادة 566/2 عقوبات).
كما أن كل سائق مركبة تسبَّب بحادث ولو مادي ولم يتوقف فورًا، أو لم يعن بالمجنى عليه، أو حاول التملص من التبعة بالهرب، يعاقب بالحبس لمدة لا تتجاوز الشهر وبغرامة لا تجاوز المئة ألف ليرة (566/1 عقوبات).


• الإيذاء غير المقصود المُشدَّد:
يعاقب على الإيذاء غير المقصود بالحبس من شهرين إلى سنة إذا نجم عن خطأ المجرم إيذاء وفق الآتي:
- إذا جاوز المرض أو التعطيل عن العمل العشرين يومًا.
- إذا أدى الفعل إلى قطع أو استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف أو إلى تعطيل أحدهما أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل أو تسبب في إحداث تشويه جسيم، أو أي عاهة أخرى دائمة أو لها مظهر العاهة الدائمة.
- التسبب في إجهاض إمرأة حامل (565/556 و557/558 عقوبات).


• الملاحقة وأثر شكوى المتضرر وتنازله عن الشكوى في جرائم الإيذاء غير المقصود:
- إذا أدى الإيذاء إلى مرض أو تعطيل عن العمل لمدة لا تزيد عن عشرة أيام، تُعلَّق الملاحقة على شكوى المجنى عليه. وتنازل الشاكي عن شكواه يسقط الحق العام ويكون له على العقوبة ما لصفح المدعي الشخصي من المفعول (المادة 565/554 عقوبات).
- أما إذا أدى الإيذاء إلى مرض أو تعطيل عن العمل لمدة عن تزيد عن عشرة أيام، فإنّ سلطة تحريك دعوى الحق العام الجزائية تعود للنيابة العامة من دون انتظار شكوى المتضرر، وتنازل الشاكي عن شكواه يزيل الدعوى المدنية، من دون أن يسقط دعوى الحق العام. ويعتبر إسقاط الحق الشخصي عذرًا قانونيًا مخففًا يؤدي إلى تخفيض العقوبة إلى النصف (المادة 565/555 عقوبات).


المراجع:
1- د. محمد عبده: قانون العقوبات، القسم الخاص، بيروت، 2011، ص157.
2- محكمة التمييز الجزائية، غ6، قرار رقم 173/74، تاريخ 13/6/1974، موسوعة د.سمير عاليه، جزء 4، رقم 686، ص 401.