آفاق التكنولوجيا

الطائرات المدنية تحت رحمة الإرهاب
إعداد: رويدا السمرا

أنظمة ضد الصواريخ لحمايتها


في مواجهة الرعب الآتي من الأرض، تخطط شركات الطيران المدني لتزويد طائراتها، بأجهزة دفاع مضادة للصواريخ. ففي زمن امتدت فيه يد الإرهاب الى السماء، بات التحدي الذي يواجه طائرات الركاب كبيراً.

 خطر الصواريخ الخفيفة
 في السادس من شهر كانون الثاني الماضي، قرر جهاز الأمن الأميركي (Homeland Security)، تمويل مشروع، يزوّد طائرات الركاب بنظام حماية ذاتية ضد الصواريخ أرض ¬ جو. وكان مثل هذا النوع من الأنظمة يُخصص فقط للطائرات المقاتلة، وبشكل استثنائي، للطائرات الخاصة بالشخصيات الكبيرة، مثل "البوينغ747 " ((Air Force One، التي يتنقل بها رئيس الولايات المتحدة، أو الطائرة "HS 146" الخاصة بملكة انكلترا. لكن اليوم، أصبح خطر الصواريخ الخفيفة، التي يمكن لأي شخص أن يوجهها بمفرده الى أي طائرة مدنية، واقعاً حقيقياً. ففي الثامن والعشرين من تشـرين الثاني، سنة 2002، وبعد إقلاع طائرة "بوينغ 757" بقليل، من مطار مومباسا في كينيا، وهي تحمل مئـتين وواحـداً وسبـعين راكـباً، تعرّضـت لعمـلية إطـلاق صاروخين أرض ¬ جو، مرّا بالقرب منها على بعد عشـرات الأمتار فقط. وقد تعرّف على الصاروخين بشكل قاطع، ربّان الطائرة، وهو احتياطي في قوات بلاده الجوية، ويعرف بالتأكيد عمّا يتكلم.

 

 الكشف بواسطة الحرارة
 بعد تلك الحادثة، كثُرت التكهنات: هل كانت العملية حربية، تستهدف أحد العسكريين على متن الطائرة؟ هل هي عملية تخريب عمياء؟ وبقيت التساؤلات تدور لمدة عام كامل، الى أن لم يعد هناك من مجال للشك بوجود نوايا تخريبية: فقد كانت طائرة “ايرباص A300” من الشركة الألمانية "DHL"، تقلع من بغداد، عندما أصابها صاروخ، أطلق من الأرض، فتعطلت أجهزة التحكم في الطائرة، ولم تنج هي وركابها إلا بفضل براعة طاقم القيادة. وكانت هذه العملية تأكيداً على استهداف الطائرات المدنية عن سابق إصرار وتصميم.
 وتستعد الولايات المتحدة اليوم، لاتخاذ تدابير لحماية طائرات الركاب من خلال تزويدها بأنظمة حماية ذاتية. ويتوقع منها أن تطلب كعادتها، من كل شركات الطيران العالمية التي تستعمل المطارات الأميركية، أن تحذو حذوها في هذا المجال، والجدير بالذكر أن أميركا كانت قد فرضت، بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001، على شركات الطيران الأجنبية، أن تجهز غرفة القيادة في طائراتها، بأبواب مصفّحة.
 والواقع أن الفكرة تقتضي بتزويد الطائرات المدنية، بنظام حماية، باستطاعته أن يحدد أي جسم مشبوه خلال الطيران، ثم يعمل في خطوة ثانية على إبطال مفعوله. والمعروف أن الصواريخ مجهزة برأس كاشف، وهو عبارة عن موجّه ذاتي، يعمل على الأشعة تحت الحمراء، باستطاعته أن يتتبع الهدف ويلاحقه. ويركز الموجّه الذاتي في الصاروخ على الأجزاء الأكثر سخونة في الطائرة، أي محركاتها، بينما يصحح حاسوبه المسار الذي يجب أن يتبعه بدقة، في ملاحقة الهدف. لكن هذا المبدأ يمكن أن يصبح معكوساً: فللكشف عن الصاروخ الموجّه، يمكن أن تعتمد الطائرة المستهدفة على جهاز حماية ذاتية، يركّز في الجانب السفلي من هيكلها. وهو عبارة عن كاشف حساس يعمل على الأشعة تحت الحمراء، ويتأثر بالمصدر الحراري لدافع الصاروخ. ولكن هنا أيضاً يمكن أن يلجأ هذا الأخير الى رادار “دوبلر” ((Doppler، الذي يجعله قادراً على التمييز بين كل الأصداء الأرضية، وبين الصدى الآتي من جسم يحلّق بسرعة كبيرة.

 

 تحويل الهجوم بواسطة التشويش
 يُستعمل الرادار “دوبلر” خصوصاً، في الطائرات العسكرية لإصابة هدف متحرّك، فهو دقيق جداً وموثوق به تماماً. وعندما يتعلّق الأمر بتحييد صاروخ أرض ¬ جو، تتم العملية بشكل أساسي بواسطة التشويش. فالموجه الذاتي للصاروخ حساس على وهج الأجزاء الأكثر سخونة في الطائرة. وبالتالي، يمكن لهذه الأخيرة أن تطلق وراءها مصادر من الأشعة تجذب الصاروخ إليها، إذ تكون شبيهة من حيث التواتر، بالغازات التي تنبعث من محركات الطائرات. وهناك عدد كبير من الطائرات العسكرية، المجهزة بأنظمة تعمل على هذا الأساس، بعد أن أثبتت فاعليتها بشكل قاطع، لا سيما ضد الصواريخ "SA7" السوفييتية الصنع، و”الستينغر” الأميركية، خلال حرب أفغانستان وحرب الخليج، أو في كوسوفو.
 وفي سباق التسلّح، تمّ استحداث آخر طراز لصاروخ “ستينغر”، بحيث يتمكن جهاز القيادة فيه، من التمييز بين منبع حراري ساخن، يعمل بشكل متواصل (محرّك الطائرة)، وبين مصدر حراري أكثر سخونة بقليل، لكنه يعمل على فترات قصيرة، من ثماني الى عشر ثوان، وهي فترة عمل جهاز التشويش. ولهذا السبب، يتم إطلاق أجهزة التشويش، برشقات متتالية، اذ يفصل بين الرشقة والأخرى جزء من الثانية، وذلك بهدف تضليل الصاروخ، بجذبه تباعاً الى عدة نقاط ساخنة.

 

 المطلب الملحّ: كلفة محدودة
 لا يمكن إذن لأجهزة الحماية الذاتية أن تكتفي بنظام التشويش. ومن هنا وردت فكرة أن يتضمن هذا الجهاز أيضاً، نظاماً قادراً على “تعمية” الموجّه الذاتي، بواسطة مصابيح مثلاً، تطلق باتجاه الصاروخ، سلسلة من ومضات قوية من الأشعة تحت الحمراء. وتقضي بطريقة أخرى باللجوء الى أشعة الليزر التي “تعمي” الصاروخ عند توجيهها إليه. ومن الضروري أن تتم عملية الكشف ¬ التحييد، خلال فترة لا تتعدى الثواني القليلة. ما يعني أن العملية لا بد أن تكون آلية، من دون تدخل بشري من قبل طاقم الطائرة، كما هي الحال في الطائرات العسكرية.

 

 نظام فاعل وقليل الكلفة
 اليوم يسعى الأميركيون والأوروبيون وسواهم، الى تحقيق نظام، يكون في الوقت ذاته فاعلاً وقليل الكلفة نسبياً. وهنا تلعب الناحية الإقتصادية دوراً مهماً، إذ أن أصحاب العلاقة، شركات تجارية خاصة. وفي هذا المجال، وضع برنامج الدراسة، عبر جهاز الأمن الأميركي، حدوداً عملياتية ومالية معينة، للصناعيين المعنيين بالأمر. ومن المفروض أن يتمكن جهاز الحماية الذاتية من تغطية 360درجة حول هيكل الطائرة، خلال العشر دقائق التي تلي موعد الإقلاع، أو تسبق موعد الهبوط، وأن يكون فاعلاً ضد أحدث طراز للصواريخ أرض ¬ جو القصيرة المدى، وألا يزن أكثر من أربعمئة وخمسين كيلوغراماً، ولا تصل كلفته الشرائية الى المليون دولار للقطعة الواحدة. يضاف الى ذلك، وجود ضرورة هيكلية: فعند تركيبه على الطائرة، يجب ألا يتسبب جهاز الحماية الذاتية، بزيادة على قوة السحب، تتعدى نسبة الواحد بالمئة. وقوة السحب، هي القوة المعاكسة التي يتسبب بها احتكاك الهواء الذي يواجه جاذب المحركات في طائرة ركاب من نوع “أيرباص A320”. والواقع أن قوة السحب، تزيد من استهلاك الوقـود، كما يتسبب الوزن الزائد بتخفيض الحمولة التجارية. أما المستفيد الأكبر من كل هذه العملية، فهم الصناعيون: ففي الولايات المتحدة وحدها، هناك ما لا يقل عن ستة آلاف وثمانمئة طائرة تحتاج الى جهاز الحماية الجديد.
 وهكذا، وخلال سنوات قليلة، سوف تكون الطائرات التي نتنقل بها، مزوّدة بجهاز حماية ذاتية. ويتوقع أن تُعلم شركات الطيران زبائنها، عن وجود هذه الأجهزة على طائراتها، كبرهان عن اتخاذها كل الاحتياطات اللازمة، للمحافظة على سلامتهم.

 

 عن: Science et Vie - Juin 2004


 أرقام
 خلال الخمسة والعشرين عاماً الماضية، تم إسقاط ثمانمئة وخمسين طائرة مدنية، سواء في مناطق قتالية، أو من خلال عمليات تخريب. والواقع الجديد، هو خطر الصواريخ الخفيفة، المزوّدة بموجه بالأشعة تحت الحمراء، والتي لا يمكن الكشف عن وجودها، إلا بعد أن تنطلق. وفي تقدير أجهزة الاستقصاء في الكونغرس الأميركي، أن مئة وخمسين ألف صاروخ أرض ¬ جو من النوع الخفيف الذي يُحمل على الكتف، هي خارجة عن السيطرة تماماً. كما أن ثلاثين مجموعة مسلّحة تملك هذا النوع من الصواريخ، وأكثر من خمسة آلاف صاروخ تم تحديدها في أفغانستان، في حين يوجد نحو الأربعة آلاف صاروخ في العراق وحده.


 صواريخ خفيفة وسهلة الاستعمال
 يزن الصاروخ الخفيف أرض ¬ جو، أقل من خمسة عشر كيلوغراماً، ولا تتطلب طريقة استعماله أساساً معيناً، فهو يُحمل على الكتف، ويحدد مطلقه الهدف من خلال جهاز تصويب بدائي، ثم يضغط على زناد إشعال الدافع، ويتكفل بالباقي، جهاز التوجيه الذاتي في الصاروخ. ويقابل سهولة استعمال هذه الصواريخ وخفة وزنها، قصر مداها، الذي لا يتجاوز الستة كيلومترات، للطراز الأكثر استعمالاً، أي "SA7" السوفييتي الأصل، أو “ستينغر” الأميركي الصنع. وبالتالي فإن هذا النوع من الصواريخ الخفيفة، لا تصيب الطائرة، إلا على علو منخفض، أي في مرحلة الإقلاع أو الهبوط، وهي المرحلة الأكثر خطورة التي يمكن أن تمر بها الطائرة المدنية.