الجيش والمجتمع

العميد الركن المتقاعد رياض شيّا في الحربية
إعداد: باسكال معوض بو مارون


الولاء للوطن لا للطائفية...  وهكذا نبني الدولة المدنية الفاعلة

تحت عنوان «ولاء للوطن، لا للطائفية»، حاضر العميد الركن المتقاعد الدكتور رياض شيّا في قاعة المحاضرات في الكلية الحربية، في حضور عدد كبير من الضباط.

استهلّ العميد الركن رياض شيّا محاضرته بالتحذير من خطر امتداد النيران المشتعلة حولنا إلى الداخل اللبناني... وقال إن الدعوة إلى الحذر تصبح ماسة في وسطنا العسكري بالذات، لأنّ الجيش سيحمل عبء كل فتنة كما كان على الدوام، مشيرًا إلى أن الإختلاف بالرأي أمر مرغوب فيه، بل مطلوب أيضًا، وهو من أسباب التقدّم إذا أحسن استخدامه كما في الدول المتحضّرة ولدى الشعوب الراقية، أما عندما يتحوّل فتنة فحربًا أهلية، فهنا مكمن الخطر. وعرّف العميد الركن شيّا بالدين والطائفية وبيّن الفرق بينهما: الدين دعوة إيمانية توحيدية، ورسالة خلاص موجّهة لجميع البشر، وهو دعوة للمحبة والتسامح بين خلق الله جميعًا.
أما الطائفية فنقيض هذه الدعوة والتعصّب هو واحدة من الصفات القبليّة التي تحطّ من قدر الإنسان الذي كرّمه الله من بين سائر مخلوقاته. واعتبر الطائفية أدلجة للدين، أي نقل الدين إلى الإيديولوجيا، بحيث يتم استجداء الدين خدمة لمصالح دنيوية مادية هو بعيد عنها ولا شأن له فيها.
وقال المحاضر إن الطائفية فرضت أساسًا على لبنان الوطن نظامًا سياسيًا يقوم على المحاصصة، ارتضاه اللبنانيون صاغرين العامين 1861 و1864، ثم كُرّس في دستور 1926 و1943 وثمّ في اتفاق الطائف العام 1989، وأخيرًا في اتفاق الدوحة العام 2008. وهي تتناقض كليًا مع جوهر الفكرة اللبنانية التي أرادت لبنان مساحة رحبة من التنوّع والتعايش بين جميع مكوّناته، في مناخ من الحريّة والتسامح، تصان فيه جميع المعتقدات والشعائر وتمارس بحريّة، وتتعزز حقوق الأقليات وحقوق الإنسان بأرقى صورها. وما التنوّع الديني الذي يزخر به النسيج اللبناني سوى دليل على رقي الفكرة اللبنانية وغناها وابتعادها عن الطائفية وتناقضها معها.
أما السبل التي تقود إلى الولاء للوطن فهي في نظر المحاضر أربعة: أولها بناء الدولة المدنية الفاعلة المنزّهة عن أي مظهر طائفي أو فئوي، المسيطرة على مقومات الوطن والممسكة وحدها بجميع تفاصيل شؤون المواطنين من أصغرها إلى أكبرها، لا يشاركها فيها طائفة أو حزب أو جماعة... واعتبر أن هذه الدولة تقوم على مبادئ ومرتكزات أولها سيادة القانون وفعالية القضاء ونزاهته، أي أن يكون جميع الأشخاص والمؤسسات والهيئات مسؤولين ومتساويين أمام القوانين الصادرة والمعمول بها والتي يتم الإحتكام في إطارها إلى قضاء مستقلّ نزيه وفعّال. كما يجب اتخاذ ما يلزم من إجراءات لضمان التزام سيادة القانون والمساواة أمامه والعدل في تطبيقه. كذلك ينبغي تفعيل المؤسسات السياسية والإدارية وإصلاحها انطلاقًا من المبادئ والقواعد التي أرساها الدستور، ولا سيما فصل السلطات التي يشكّل الشعب وحده مصدرها، ويقتضي ذلك وضع قانون انتخابي يكفل صحة التمثيل الشعبي سواء بالنسبية أو بغيرها. كما يجب تعزيز حقوق الإنسان والحريّات العامة التي تزيل جميع أشكال التمييز سواء في الدين أو الأصل الإثني أو في اللغة، وحتى بين الرجل والمرأة، والقضاء على التعصّب بكل أشكاله، والعمل على وضع قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية.
ووفق المحاضر، فإن الشرط الثاني لبناء الدولة المدنية الفاعل بتعزيز وجود المجتمع المدني، يقتضي نشر الوعي بين المواطنين وممارستهم للحرية والمحافظة على الديمقراطية وحقوق المواطنين العاملين في المهن والقطاعات المختلفة من خلال نقاباتهم. أما ثالثًا فيجب توجيه التربية والثقافة عمومًا نحو زيادة الوعي والثقافة الوطنية، ما ينمّي الولاء والإنتماء للوطن، وذلك بالعمل على تعزيز مفهوم المواطنة بعيدًا عن الطائفية.
وفي النهاية شدّد على ضرورة إعادة العمل بقانون خدمة العلم لما في ذلك من أهمية بالغة في بناء وتعزيز الولاء للوطن دون سواه.
وختــم العميد الركن شيّا، أن ما نحتاجه للخروج من النفــق المظلــم الذي أدخلــت الطائفــية ونظـامهـا السياسي لبنــان فيه أكثر من قرن ونصف القرن من الـزمن، هو توافر الوعي والإرادة، وأنّ مصلحة اللبنانيــين هــي بــزوال الطــائفيـة من نظامهـم، بكل أدواتهــا، إلى غير رجعة.

 

تصوير: جاك واكيم