قضايا إقليمية

العنصرية والتخبط السياسي في إسرائيل
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

يطرح أفيغدور ليبرمان وحزبه العنصري «إسرائيل بيتنا» أفكارًا مثيرة للجدل داخل كيان العدو. وهذه الأفكار تسعى إلى تكريس يهودية وصهيونية الدولة الإسرائيلية، عبر مشروع «قانون المواطنة» وهو واحد من سلسلة قوانين عنصرية (أكثر من عشرين تشريعًا) منها، القانون الذي يفرض عقوبة السجن على كل من يُحْيِي ذكرى النكبة الفلسطينية (1948).


الهدف من القوانين العنصرية
تستهدف هذه التشريعات بشكل أساسي هتك حقوق المواطنين العرب وإذلالهم داخل إسرائيل، ليس على صعيد المساواة والكرامة وحريّة التعبير فحسب، بل ايضًا على صعيد المحافظة على سِماتهم التاريخيّة والقوميّة والثقافيّة. والقلائل فقط يعرفون أن إسرائيل تمنح جنسيتها بموجب قانونين مختلفين، وذلك وفق واقع الشخص المعني (يهودي أو غير يهودي). فجميع المهاجرين اليهود، لهم الحق في الحصول تلقائيًا على الجنسية بموجب قانون «حق العودة»، أما فلسطينيو 1948، فهم يخضعون لـ «قانون المواطنة». وهذه المواطنة المتشعبة هي بالذات التي جعلت من الممكن حرمان مواطني إسرائيل الفلسطينيين من حق الحصول على الجنسية، أو حتى حق الإقامة، لزوجة أو زوج من خلال التجنيس.

 

الولاء مقابل الجنسية
لقد غابت عبارة «الدولة اليهودية» عن المسرح السياسي الدولي طويلًا قبل أن تعود في الأعوام القليلة الماضية. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ايهود أولمرت أوّل من أعاد لفظ هذه العبارة في العام 2007، عشية إعادة انطلاق المباحثات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في أنابوليس. واستطاع اللوبي الصهيوني الفاعل ضمن الإدارة الأميركية أن يضغط باتجاه طلب الاعتراف بيهودية الدولة مقابل فكرة استئناف المفاوضات، وكانت الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة باراك أوباما قد وضعت على رأس أولوياتها إعادة احياء مسار التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بعد ان كانت توقّفت لسنوات عديدة. وينص مشروع قانون المواطنة على تغيير تعريف إسرائيل من دولة «يهودية وديمقراطية» لتصبح «الدولة القومية للشعب اليهودي» وبالتالي هو يفرض قَسَم الولاء على أي شخص يرغب في الحصول على الجنسية الإسرائيلية أو استصدار بطاقة هوية خاصة تحت شعار «لا مواطنة بلا ولاء». وطرحت عضو الكنيست ميري ريغيف من حزب الليكود الحاكم، مشروع قانون جديد من شأنه أن يؤجج غضب أعضاء الكنيست العرب منهم على وجه الخصوص. فهو ينص على إرغام أعضاء الكنيست الجدد على أداء قَسَم الولاء لإسرائيل كدولة يهودية قبل أن يتمكّنوا من مزاولة عملهم في أروقة البرلمان الإسرائيلي. وفي السياق ذاته نقلت وكالة «صفا» عن النائب العربي في الكنيست إبراهيم برهوم قوله، إن التعديل المقترح يطالب بأداء قسم الولاء لجميع الراغبين بالحصول على الجنسية الإسرائيلية من غير اليهود عبر مسار التجنّس، ولمواطني إسرائيل الذين يتقدمون للحصول على بطاقة الهوية الأولى (وهو أمر إلزامي لكل مواطن يبلغ من العمر 16 عامًا). وتابع برهوم قائلًا : «أداء القَسَم هذا هو الولاء لدولة إسرائيل كـدولة يهودية صهيونية وديمقراطية، ولرموز الدولة وقيمها وخدمتها بأي شكل من الأشكال من خلال الخدمة العسكرية أو خدمة بديلة كما يعرّفها القانون». والتشريع الجديد يطالب مواطني إسرائيل وأولئك الذين لم يولدوا فيها بأن يؤدوا قَسَم الولاء لها للحصول على حقوق المواطنة. وفي حال امتنعوا عن ذلك يحرمون الكثير من الحقوق المدنية مثل وثيقة الهوية، ما يعني عمليًا تعطيل القدرة على القيام بالمقتضيات الحياتية اليومية، من قبيل فتح حساب مصرفي أو الحصول على رخصة قيادة سيارة...
ويفرض القانون المقترح في جانب آخر منه، واجب الخدمة الاجباربة العسكرية أو الاجتماعية على المترشحين للمواطنة، وفي حال رفض أحدهم فإن القانون يخوّل وزير الداخلية صلاحية سحب الجنسية منه. ويرى بعض المحللين أن الإسرائيليين يريدون من خلال القانون الجديد خفض نسبة العرب من 20% اليوم إلى 5 أو 6%، لأنّهم يخشون من التوازن الديموغرافي ويخافون أن يصبح العرب 40% وأن تصبح الدولة ثنائية القومية. ويقول الخبير البروفسور دان آفون الأستاذ في الجامعة العبرية إن «هذا القانون يعبّر عن مدى قلق اليهود الاسرائيليين وخوفهم من الغرباء، ويعبّر عن عمق المشكلة التي علينا مواجهتها».

 

العرب ضحية قانون المواطنة
لقد اعتبر العرب الموجودون داخل الخط الأخضر أنفسهم ضحية أولى لهذا القانون، كونه يجبرهم على الولاء لدولة احتلّت أرضهم واغتصبت حقوقهم. وهذا هو الوجه الحقيقي لدولة كانت تتباهى أمام العالم مدّعية بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وهذه الديمقراطية أظهرت أخيرًا وجهها العنصري الحقيقي، فهي تريد أن تجعل المواطن العربي الفلسطيني داخل إسرائيل، إنسانًا من دون أي هوية، وتريد أن تقضي على ماضيه وحاضره ومستقبله.

 

شاهد من أهله...
في هذا السياق، انتقدت صحيفة «هآرتس» التعديل القانوني، فرأت في افتتاحيتها أنه مضرّ ولا حاجة له، وقالت إن أحدًا لا يعرف ما هي الدولة اليهودية، وإن محاولة تمييزها من شأنها أن تصطدم بمعارضة من مواطنين كثيرين، بمن فيهم اليهود. ورأت الصحيفة في التعديل «مشروعًا كيديًا، مثيرًا للشقاق، مميِّزًا، بل وربما غير دستوري»، واضافت: «إن الغالبية اليهودية في إسرائيل ليست مضمونة إلى الأبد، ولكن ثمة ثلاثة عناصر يمكن أن تضمنها على المدى المنظور وهي: إقامة دولة فلسطينية، والتخلي عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى نطاق إسرائيل، وقانون العودة الذي يسمح لكل يهودي بالمواطنة». أما الكاتب عوفر شيلاح فكتب في صحيفة «معاريف» يقول: «إن المقلق في التعديل ليس مضمونه ولا توقيته ولا صورتنا في العالم بسببه، بل كونه برهانًا آخر على تغلّب الخوف علينا».
من ناحية أخرى انتقد الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريس مشروع الدولة القومية اليهودية قائلًا إنه «يشكل محاولة لاستغلال وثيقة الاستقلال من أجل جني مكاسب سياسية مؤقتة». وأضاف خلال مراسم إحياء ذكرى مؤسس إسرائيل ديفيد بن غوريون، «إن قانون القومية قد يؤدي إلى ضعضعة المجتمع الإسرائيلي والحدّ من مكانة إسرائيل كدولة ديموقراطية داخليًا وخارجيًا». أما الدكتورة أوريت كامير فكتبت تقول: «ليس ثمّة دولة ديمقراطيّة في العالم تطلب الولاء من مواطنيها... ففي الولايات المتّحدة الأميركيّة وفرنسا، وفي كلّ الدول الديمقراطيّة، يحقّ للمواطن التفكير والاعتقاد كما يحلو له، ولا تطلب منه دولته قَسَم الولاء، ولا تشترط استمرار مواطَنته بأداء قَسَم كهذا. جميع الدول - ومن بينها إسرائيل - تحظّر أعمال الخيانة مثل التجسّس والاتّصال بالعدوّ، وتحظّر أعمال العنف والتحريض، والتهرّب من تسديد الضرائب. لكن الحديث يدور عن أفعالٍ لا عن أفكار ومعتقدات ونوايا وبالتالي، فإن انتهاك حرّيّة التعبير والضمير والمعتقَد هو مساس أساسي وخطير بركائز النظام الديمقراطي، لذا سيعارض كل من يؤمن بالديمقراطيّة هذه الانتهاكات وسيحاربها ما نبض قلبه بالحياة».
ويستخلص بعض المحللين الإسرائيليين من خلال هذا الجدل الداخلي، أنه كلّما عجّلت الغالبية اليهوديّة ومندوبوها في إدراك الحقيقة التي مُفادها أنّ من واجب الديمقراطية إتاحة المجال للأقلّـية العربية في المحافظة على هويتها وإرثها وثقافتها؛ وكلّما تنازلت هذه الغالبية وممثّلوها عن الرغبة في التحكم بحياة الجمهور العربي، وإرغامه على تبنّي قيم غريبة لا يشعر بأنه شريك فيها، كلما أمكن تحسين الثقة بين الدولة والمواطنين العرب.