- En
- Fr
- عربي
قضايا عسكرية
تتجه عناصر المواجهة المرتقبة أو الحرب الباردة التي تسخن يومًا بعد يوم، بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية إلى الاكتمال بشكل واضح. فبالإضافة إلى التناقض الواسع بين الدولتين في كثير من الملفات العالمية، من إيران إلى أوكرانيا وشرق أوروبا وسوريا ودول شرق المحيط الهادئ وغيرها... لوّح الأميركيون منذ فترة بالانسحاب من معاهدة خفض الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، وهدّد الروس مقابل ذلك بإجراءات تعيد النشاط إلى سباق التسلّح بشكل متسارع ومن دون قيود.
ترفع هذه التطورات نسبة احتمالات الجنوح نحو صدام مباشر، يتخطى ما درجت عليه المواجهة الباردة حتى الآن، من استنفار وتحرّك ونقل قوى إلى خطوط ومناطق نفوذ كل طرف، وصولًا إلى مواجهة عسكرية مفتوحة، ستكون بلا شك مدمّرة للطرفين وطبعًا لمناطق واسعة من العالم.
سنحاول في هذه الدراسة المقتضبة، تسليط الضوء على الغواصات - التكتية والنووية بشكل عام، وتقديم عرض موجز عن قدرات أهم الغواصات الروسية والأميركية، ليُصار بعدها إلى ذكر بعض الوقائع التي تبيّن دور هذه الغواصات في أي مواجهة عسكرية مرتقبة بين الدولتين.
لمحة عامة عن الغواصات
يطلق مصطلح الغواصة على السفن البحرية التي تمتلك المقدرة على الإبحار فوق سطح الماء وتحته، إذ تتميز الغواصة بأنّها مركبة بحرية ذات هيكل انسيابي يساعدها على دفع نفسها، والغوص تحت سطح الماء؛ كما يمكنها البقاء تحته وهي مغمورة بالمياه لفتراتٍ طويلة، ويعود ذلك إلى تحكّم تجهيزاتها بالغوص أو الطفو من خلال توازن حساس بين تعبئة خزانات المياه والهواء التي تحملها كل غواصة أو إفراغها.
غالبًا ما تُستخدم الغواصات في المجالات الحربية فتكون مجهزة بالمناظير، ومسلحة بالطوربيدات، أو بالصواريخ، كما يتم تزويدها صواريخ مضادة للصواريخ، ومضادة للغواصات. كان أول ظهور للغواصات خلال الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918)، وكانت ألمانيا أول دولة استخدمتها لتدمير السفن التجارية. أما في الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، فقد كان للغواصات حضور قوي في المحيط الأطلسي من قبل القوات البحرية الألمانية، وفي المحيط الهادئ من قبل القوات البحرية الأميركية. وقد طُوِّرت الغواصات لاحقًا، فأصبحت تعمل على الطاقة النووية في الستينيّات من القرن الـعشرين، كما أنّها أصبحت تُطلق صواريخها من دون الحاجة إلى الظهور على السطح، إضافة إلى أنّها أصبحت تتحمّل البقاء تحت سطح الماء لعدّة أشهر.
تمتلك الغواصات مجموعة من الخصائص التي تؤهّلها للعمل في الظروف المحيطة بها، ومن أهم هذه الخصائص:
- ضبط درجات الحرارة: إذ تستخدم لهذا الغرض طاقة كهربائيّة تستمدّها من محرّك الديزل، أو البطاريات، أو المفاعل النووي.
- توفير المياه: تُزوَّد الغواصات نظام تقطير لمياه المحيط المالحة.
- الحفاظ على نسبة الأوكسجين: يوجد في الغواصة نظام محوسب يساعد على إطلاق كميات من الأوكسجين داخلها بشكلٍ منتظم يوميًا. وهذا الأوكسيجين يكون موجودًا في خزانات مضغوطة ملحقة بالغواصة، أو تطلقه مولّدات خاصة. أما ثاني أوكسيد الكربون، فيتم التخلص منه عن طريق جير الصودا الموجود في أجهزة تسمى «أجهزة غسيل الغاز».
«يو إس إس فيرجينيا»
هي أقوى الغواصات الأميركية، وتتولى قيادة الأسطول الذي تشارك فيه عند تنفيذ أي مهمة بحرية. هي هجومية، تمتلك منظومة متطورة لإدارة المعارك، وتتميز بقدرتها على الهجوم بسرعة من دون أن يستطيع العدو كشفها. وهي قادرة على إطلاق الصواريخ والطوربيدات والاشتباك مع الغواصات المعادية وسفن السطح، وأخذ المعلومات السرية ونشر الألغام، فضلًا عن قدرتها على تدمير سفن السطح وغواصات العدو. كما أنّها تتميز بامتلاكها أقوى رادار من بين الغواصات والقطع البحرية الأخرى، وقد انضمت إلى الأسطول الأميركي في العام 2005.
«ياسن» الروسية
تتمتع هذه الغواصة بالقدرة على المناورة والاختفاء، فهي تحاكي الشبح في صمتها ورشاقتها وقدرتها على التخفي. وتستطيع القيام بمهمات غاية في الدقة والمهارة بفضل تسليحها الذي يمكّنها من قصف أهداف على البر، وتحت الماء، وعلى السطح، وزرع الألغام.
انضمت أول غواصة نوع «ياسن» إلى الأسطول البحري الروسي في العام 2013، وأعقب ذلك إنتاج 3 غواصات من النوع نفسه. ووفق تقارير إعلامية أجنبية، يصف رئيس البرنامج الأميركي لتطوير الغواصات الأميركية الأميرال ديف جونسون غواصات «ياسن»، بأنّها لا مثيل لها، ويتعيّن أن يتم اتخاذ الحذر من تطويرها، إذ إنّها تنتمي إلى الجيل الرابع، مثلها مثل الغواصات الأميركية «فيرجينيا».
دور الغواصات الأميركية والروسية في الحرب البادرة بين الدولتين
تحت عنوان «كيف تستعد أميركا للحرب مع روسيا»، كتب ميخائيل خوداريونوك في «غازيتا رو»: يستعد الأسطول الأميركي لمواجهة روسيا في شمال الأطلسي، وكان قائد القوات البحرية الأميركية الأميرال جون ريتشاردسون قد أدلى بحديث مماثل، مشيرًا إلى أنّ نشاط الغواصات الروسية في هذه المنطقة بلغ مؤخرًا ذروته في الآونة الأخيرة.
وقد ظهرت فكرة «معركة المحيط الأطلسي» المرتقبة في الولايات المتحدة منذ فترة؛ ففي العام 2016، قال الأميرال جيمس ج. فوغو، قائد القوات البحرية في أوروبا، إنّ جهود روسيا لإنشاء أسطول حديث تعني أنّ الولايات المتحدة دخلت «المعركة الرابعة من أجل الأطلسي». وجاء الرد الروسي على لسان نائب رئيس إدارة العمليات الرئيسية في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية الفريق أول فاليري زابارينكو الذي قال: «لم يوضح الأميرالات الأميركيون في إطار أي نزاع عسكري يتصورون المعركة الرابعة من أجل الأطلسي»، ووفق الأخير، فإنّ هذه المعركة، لا يمكن أنْ تقوم كشيء معزول عن المسار العام للمواجهة المسلحة الافتراضية بين الولايات المتحدة وروسيا، والمقصود هو أن معركة المحيط الأطلسي يجب أن تكون مرحلة من نزاع واسع النطاق بين الجبّارَين النوويَين.