تسلّح

القبة الحديدية تفشل أمام الإرادة الحديدية
إعداد: العميد أنطوان نجيم

القبة الحديدية هي نظام متحرّك للدفاع الجوي قيد التطوير لدى شركة «رافايل» الإسرائيلية، وقد صُمّم لاعتراض الصواريخ وقذائف المدفعية القصيرة المدى.
إبتكر هذا النظام كتدبير دفاعي مضاد للصواريخ والقذائف التي تطلقها المقاومة الفلسطينية على الأراضي المحتلّة. أعلنت عملانيته ونُشر للتجربة في الفصل الأول من العام 2011. وقد صُمّم لاعتراض الأخطار القصيرة المدى حتى 70 كلم في كل الظروف المناخية. وفي السابع من نيسان 2011 نجح في اعتراض صاروخ غراد أطلق من غزة على إحدى المستوطنات الإسرائيلية.
وكانت المرة الأولى في التاريخ التي يتم فيها اعتراض صاروخ قصير المدى.


قليل من التاريخ
خلال حرب تموز 2006، أطلق حزب الله حوالى 4000 صاروخ، معظمها قصير المدى كصواريخ كاتيوشا، على مدن شمال فلسطين المحتلّة ومنها حيفا ثالث أكبر مدينة. وقتلت مئات الإسرائيليين، وتسبّبت بنزوح أكثر من 250 ألف إسرائيلي عن ديارهم في حين اختبأ مليون إسرائيلي في ملاجئ تحت الأرض.
أما في جنوب فلسطين المحتلّة فقد سقط على الأراضي المحتلة بين العامين 2000 و2008 أكثر من 4000 صاروخ و4000 قذيفة مصدرها حركة حماس في قطاع غزة، وقد تعزّزت هذه الصواريخ بإدخال قواذف غراد 122 ملم. وهكذا وجد الكيان الصهيوني أن أكثر من مليون إسرائيلي يعيشون في الجنوب هم عرضة لخطر الصواريخ، وفي مداها الفعلي.
وفي شباط 2007، صنّف عامير بيرتس، وزير الدفاع الإسرائيلي، القبة الحديدية كحل دفاعي لخطر الصواريخ القصيرة المدى. ومذ ذلك طُوّر نظام الـ210 مليون دولار بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي. وبُني نظام القبة وفق تكنولوجيا طُوّرت أصلاً لنظام الدفاع الجوي سبايدر (Spyder).

 

التجارب
أنجزت الإدارة الإسرائيلية لتطوير الأسلحة وشركة «رافايل» للتكنولوجيا العسكرية، وبنجاح كبير، سلسلة من التجارب على نظام دفاع ضد الصواريخ القصيرة المدى عرف باسم القبة الحديدية. وتضمّنت التجارب الاولى، في تموز 2008 إطلاق عدد من صواريخ «تامير» (TAMIR) المفترض استعمالها في نظام القبة لاعتراض صواريخ القسّام و«كاتيوشا»، وقيّم المهندسون قدراتها على مستوى بعض المتغيّرات مثل المدى الفعّال، الإمرة والتحكّم من الأرض، السرعة والمناورة.
وفي آذار 2009، اختبرت اسرائيل بنجاح نظام الدفاع المضاد للصواريخ ولكن من دون اعتراض صاروخي حقيقي.
وفي تموز 2009 نجح النظام في اعتراض عدد من الصواريخ تحاكي صواريخ القسام و«كاتيوشا» القصيرة المدى في اختبار أجرته وزارة الدفاع الإسرائيلية.
في آب 2009 أنجز الجيش الإسرائيلي إنشاء كتيبة جديدة سوف تشغل نظام القبة الحديدية وتشكل جزءًا من فرقة الدفاع الجوية في القوات الجوية الإسرائيلية. وقُرِّر نشر النظام على طول حدود قطاع غزة والحدود اللبنانية وحُسب له أن يغدو عملانياً منتصف العام 2010.
في كانون الثاني 2010 نجحت القبة الحديدية في اعتراض حواجز صواريخ متعددة تحاكي القسام و«كاتيوشا»، وأعلن مدير عام وزارة الدفاع بنحاس بوكريس أن هذا النظام سوف «يتحوّل» أمناً لسكان الكيان الصهيوني في جنوب فلسطين المحتلة وشرقها.
في تموز 2010، نجحت القبة كذلك في اعتراض حواجز صواريخ متعدّدة تحاكي القسّام وكاتيوشا. وخلال التجربة حدّدت بنجاح أي صواريخ قادمة تشكل خطرًا، وأيًا منها تتجه نحو الحقول المفتوحة، وهكذا لا يطلق النار على هذه الأخيرة كونها لا تشكل تهديدًا.
في آذار 2011، أعلن الجيش الإسرائيلي عملانية النظام، وأمر وزير الدفاع إيهود باراك بنشره.

 

تمويل إضافي
أخذت إسرائيل التمويل الاولي لنظام القبة الحديدية وتطويره على عاتقها وحدها، ومع ذلك، أعلن البيت الأبيض في أيار 2010 عن أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سوف يسعى لدى الكونغرس الأميركي للحصول على مبلغ 205 مليون دولار بغية الحث على إنتاج بطاريات القبة الحديدية ونشرها. وصرّح الناطق باسم البيت الأبيض طومي فيتو ان الرئيس الأميركي يُقر بتهديدات الصواريخ والقذائف التي تطلقها حركة حماس وحزب الله، لذا قرّر السعي لدى الكونغرس للحصول على تمويل يدعم إنتاج إسرائيل نظام دفاع مضاد للصواريخ القصيرة المدى ويدعى القبة الحديدية. وبهذا يُسجّل أول تدخل أميركي مباشر في المشروع.  وقد أقرّ الكونغرس الأميركي التمويل (410 أصوات مقابل 4) في 20 أيار 2010.

 

ميزات نظام القبة الحديدية
نظام القبة الحديدية هو حل دفاعي متحرّك مبتدع فعّال لمقاومة الصواريخ القصيرة المدى وقذائف المدفعية عيار 155 ملم التي يصل مدى خطرها حتى 70 كلم في الظروف المناخية كافة ومنها الغيوم المنخفضة، والأمطار، وعواصف الغبار أو الضباب، ويستعمل صاروخًا معترضًا وحيدًا مع رأس خاص يفجر أي هدف في الهواء خلال ثوانٍ.
ويرى خبراء إسرائيليون أن أحد الإنجازات التي يتميَّز بها نظام القبة هو جهاز رادار متطور يستطيع التمييز بين قذائف صاروخية يمكن أن تصيب منطقة آهلة بالسكان وأخرى يمكن أن تسقط في منطقة غير مأهولة. وتشمل المنظومة نظام تعقُّب وبطارية مكونة من عشرين صاروخًا اعتراضيًا موجَّهًا بالرادار لتفجير قذائف المدفعية في الجو، فضلاً عن استهداف صواريخ «كاتيوشا» يراوح مداها ما بين 5 كلم و70 كلم. كما يعتمد النظام على التعاون مع سلاح الجو والمضادات الأرضية لمواجهة صواريخ المقاومة.
ويشمل هذا النظام جهاز رادار، ونظام تعقّب، وبطارية مكونة من 20 صاروخًا اعتراضيًا تحت إسم «تامير».

 

عمل النظام
يكتشف رادار القبة ويحدد الصاروخ أو قذيفة المدفعية المنطلقة ويرصد مسارها. ثم تنقل معلومات الهدف الى نظام إدارة المعركة والتحكّم بالسلاح للمعالج. فيحلل مسار الخطر بسرعة وتقدّر نقطة الإصابة المتوقعة. وإذا طرح المسار المقدر للصاروخ خطرًا حرجًا يعطى أمر خلال ثوان لينطلق صاروخ معترض ضد التهديد المحدق. ويتلقى هذا الأخير مستجدات المسار من نظام إدارة المعركة من وصلة اتصال. ويقترب الصاروخ المعترض من الهدف ويستعمل راداره الباحث لاكتشاف الهدف ليوجه ضمن المسافة المقطوعة، ويفجّر رأس الهدف الحربي فوق منطقة محايدة تقليلاً للضرر الملازم عن المنطقة المحمية.

 

نشر النظام
أصبح نظام القبة الحديدية عملانياً مطلع العام 2011، ونُشر في البدء في القواعد الجوية جنوب فلسطين المحتلة. ولاحقًا احتل مواقع أخرى كما في مستوطنة سديروت خلال التدهور الأمني الحاد عند الحدود مع قطاع غزة.
ووفق صحيفة «جيروزالم بوست»، تفاوض وزارة الدفاع الإسرائيلية عددًا من الدول الأوروبية حول إمكان بيعها هذا النظام بهدف حماية قوات حلف شمال الأطلسي المنتشرة في أفغانستان والعراق.
وكانت وزارة الدفاع الإسرائيلية قد اعلنت في 19 تموز 2010 أن القبة الحديدية باتت جاهزة للنشر العملاني في تشرين الثاني من العام نفسه. على أن تركز في البدء في مستوطنة سديروت بالقرب من قطاع غزة. وفي آذار الماضي أعلن الجيش الإسرائيلي أن أول نظام دفاعي منشور بالقرب من بئر السبع بات عملانيًا، وفي نيسان أعلن أن نظامًا آخر منشورًا بالقرب من عسقلان غدا عملانيًا بدوره.
وفي السابع من نيسان، وبعد قليل من نشره في محيط عسقلان نجح في اعتراض صاروخ غراد أطلق من قطاع غزة، مسجلاً بذلك ولأول مرة في التاريخ، اعتراض صاروخ قصير المدى وتدميره، وقد استطاع بعض المستوطنات الإسرائيلية المجاورة لعسقلان رؤية هذا الحدث الفريد.

 

انتقادات
عرف نظام القبة الحديدية انتقادات لجهة كلفته العالية بالمقارنة مع كلفة صاروخ القسّام، ما يعني أن إطلاق عدد كبير من هذه الصواريخ، وتالياً اعتراضها، سوف يكون هجومًا على الموارد المالية الإسرائيلية. فصاروخ الاعتراض «تامير» تراوح كلفته بين 35 و50 ألف دولار اميركي، في حين لا تتجاوز كلفة القسّام بضع مئات الدولارات. وردت شركة «رافايل» المصنّعة أن الكلفة مبالغ فيها إذ أن رادار القبة يحدّد أي صواريخ ستضرب السكان فيعالجها النظام، ويهمل الأخرى.
كما انتقد لعدم فعاليته في اعتراض صواريخ القسّام المنطلقة من جنوب مستوطنة سديروت نظرًا إلى قصر المسافة والوقت بين الأهداف المقصودة في المستوطنة ونقطة إنطلاق الصواريخ في قطاع غزة. وقد تكون أنظمة أخرى مضادة للصواريخ أكثر فعالية مثل نظام الدفاع اللايزري «نوتيلوس» (Nautilus) الذي طوّرته بين العامين 1995 و2005 إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية معًا، وتمّ التخلي عنه لعدم جدواه. ولكن شركة «نورثروب غرومن» الاميركية افترضت تطوير نموذج بدئي متطوّر من نظام «نوتيلوس» تحت اسم «سكاي غارد».
ويستعمل هذا النظام حزم اللايزر يطلقها على الصواريخ وتراوح كلفة الحزمة بين ألف وألفي دولار أميركي، وأعلنت الشركة المصنّعة أنها بمبلغ 180 مليون دولار تستطيع نشر هذا النظام الجديد خلال 18 شهرًا. بيد أن رسميي الدفاع الإسرائيلي رفضوا هذا الاقتراح بسبب الوقت الطويل والكلفات الإضافية. ومن ناحية ثانية أصر الرسميون على أن التحسينات الحديثة على نظام القبة الحديدية ستجعله قادرًا على اعتراض صواريخ القسّام.

 

هل تنجح القبة؟
وفق تقارير عسكرية واقتصادية، يتوقَّف نجاح القبة على أمرين رئيسين هما:
الأول: قدرتها على صد الصواريخ بكفاءة عالية.
الثاني: قدراتها على تخفيض النفقات وألا تكون عبئًا اقتصاديًا.
لكن هذا لا يبدو مضمونًا على الأقل. فالمنظومة كما يبدو غير قادرة على التعامل مع سقوط عشرات الصواريخ دفعة واحدة ما يعني فشلها من الناحية العسكرية، إضافة إلى ارتفاع كلفتها بصورة ضخمة. وهكذا تترسّخ القناعة بأن هدف المنظومة سياسي ومعنوي أكثر منه عسكري.
وفي هذا الصدد أيضًا، يقول العميد الركن المتقاعد أمين حطيط، إن الحديث عن القبة الفولاذية بمنزلة إعلان دعائي يهدف إلى رفع معنويات المجتمع الإسرائيلي. ويؤكد عدم قدرتها على صد هجوم كثيف بالصواريخ خلال أي حرب قادمة في المنطقة مثل إطلاق 500 صاروخ يوميًا، إذ بمنطق النسبة المئوية يستطيع هذا النظام أن يمنع سقوط الصواريخ على الأرض بما نسبته 1-3، أو 1-2، فكل 500 صاروخ تحتاج إلى 1000 أو 1500 صاروخ لصدّها، وهذا أمر غير معقول بالنسبة إلى إسرائيل.
ومن ناحية ثانية قال رئيس معهد فيشر للبحث الاستراتيجي والجوي والفضائي العميد احتياط أساف أغمون, إنه من الخطأ الشديد الأمل بأن تأتينا القبة الحديدية وحدها بالهدوء الكامل الذي نرجوه على حدودنا الجنوبية، علينا أن ننظر إليها باعتبارها عنصرًا مهمًا في مجموعة كاملة.

 

فوائد النظام وميزاته
- حل فعّال.
- يعمل ليل نهار وفي الظروف المناخية كافة.
- علاج ناجح لاطلاق متتابع ضد عدد كبير من التهديدات.
- تمييز فعال للتهديدات ومعالجة فعالة لها.
- نسبة مئوية عالية جداً من نجاح اعتراض القذائف والصواريخ.
- يقلص الضرر عن المنطقة المحمية.
- انطلاق عمودي للصاروخ المعترض.
- رأس حربي عالي الفعالية مع صمام تقاربي.
- قاذف متحرك.
- اندماج مع مختلف أنظمة الرادار والاكتشاف.