الواجب خلف الحدود

القوات الدولية المؤقتة العاملة في لبنان (Finul - Unifil)
إعداد: العقيد أنطوان نجيم

أنشأ مجلس الأمن الدولي قوة حفظ السلام المؤقتة التابعة للأمم المتحدة العام 1978 للتحقق من الانسحاب الاسرائيلي من لبنان واستعادة الاستقرار والأمن الدوليين، وتمكين الحكومة اللبنانية من إعادة بسط سيطرتها على المنطقة التي تخليها القوات الاسرائيلية المنسحبة.
وبعد الحرب الاسرائيلية السادسة في 12 تموز 2006، قرّر مجلس الأمن أنه بالاضافة إلى هذه المهام فإن قوة يونيفيل ستقوم بمراقبة وقف الأعمال العدائية ومراقبة إنتشار القوات المسلحة اللبنانية في جنوب لبنان ودعمها، وضمان وصول المساعدات الانسانية الى المدنيين والاشراف على العودة الآمنة للنازحين إلى ديارهم.
وبين التاريخين، وحتى الآن، ثلاثون عاماً مرّت على وجود هذه القوات الدولية المؤقتة في جنوب لبنان، ولم يعرف لبنان، وجنوبه، الاستقرار والأمن، ولم تنته قصته مع الإرهاب الاسرائيلي، فما هي قصة لبنان مع هذه القوات؟


قصة الشاطئ اللبناني مع القوات الدولية


• الإنزال الإنكليزي العام 1840: خلال العام 1833 احتلّت القوات المصرية بقيادة ابراهيم باشا سوريا وطاردت القوات التركية حتى أواسط آسيا الصغرى. ووقعت المنطقة بكاملها تحت السيطرة المصرية، وكانت فرنسا عصرذاك حليفة المصريين على عكس الانكليز مقاومي هذه السيطرة. وكان الامير بشير الثاني هو الآخر حليف ابراهيم باشا، ولم تكن سياسته الداخلية، كما الخارجية، تروق لكل فئات الشعب اللبناني، ما أدّى إلى إنتفاضة العام 1840 الشعبية ضد حكمه والوجود المصري في لبنان بوحي من الانكليز. وفي أيار 1840 عقد في لندن اجتماع سري ضمّ ممثلين عن الانكليز والنمسويين والروس والبروسيين، حيث وقّعت في 15 تموز اتفاقية سرية نصّت من بين بنودها في ما يتعلق بلبنان الاتفاق على إستبدال الامير بشير الثاني بحاكم آخر جديد. ونتيجة لذلك ظهر على الشواطئ اللبنانية بتاريخ 14 آب 1840 اسطول حربي مشترك انكليزي - تركي - نمسوي بقيادة اميري البحر ستوبفورد وباندريرا. وحصل بالفعل إنزال إنكليزي في جونيه وتمّ توزيع 30 ألف بندقية على المتمردين. طلب الأمير بشير عبر القنصل الفرنسي مساندة فرنسا له، ولما لم يتلقّ جواباً سلّم نفسه للانكليز قرب صيدا ومن هناك تم ترحيله إلى مالطا ومنها انتقل إلى إسطنبول حيث توفي بعد عشر سنوات.


• العملية الأولى لحفظ السلام:
إن نظام القائمقاميتين لم يُعد للبنان أمنه وإستقراره. ومنتصف العام 1860 تفاقم الوضع إلى درجة لم تعد تطاق وأصيبت المصالح الفرنسية بأضرار فادحة. وكان يحكم فرنسا آنذاك نابوليون الثالث امبراطور الامبراطورية الثانية الذي كان يؤيد قيام مملكة عربية موحّدة في الشرق. ورغبة منه في إعادة كسب ما فقدته فرنسا من نفوذ العام 1840، ومن أجل تأكيد دورها اقترح ارسال قوة عسكرية فرنسية لكي تضع حداً للحرب الاهلية المستعرة في لبنان وسوريا.
وضعت الحكومة الفرنسية مشروع إتفاق بين الدول الكبرى يتعلّق بإرسال القوات مراعية فيه التمنيات التي كان قد عبّر عنها الانكليز. وانعقد في باريس مؤتمر حضره ممثلون عن الدول الخمس (فرنسا، النمسا، روسيا، بروسيا، انكلترا) حيث تمّ توقيع الاتفاق في 3 آب 1860، وفيه يعلن الموقعون أن الغاية من هذا التدخل هي مساعدة الباب العالي في العمل على إعادة الهدوء إلى سوريا وإعادة تنظيمها. ونصّ البندان الاول والثاني من الاتفاق على أن عدد القوات الأوروبية يمكن أن يصل إلى 12 ألف جندي، وقد أبدت فرنسا استعدادها لتأمين نصف عدد القوات.
وفي 6 آب 1860، وقبل التصديق على الاتفاق (صُدّق بتاريخ 5 أيلول 1860) كانت القوات الفرنسية تبحر من مرفأ طولون الفرنسي على البحر المتوسط باتجاه بيروت.
وفي 16 آب 1860، تمّ إنزال القوات الفرنسية في بيروت وكانت مؤلفة من 7 آلاف رجل وسلاح مدفعية بقيادة الجنرال دوبوفور دوت بول الذي كان رئيساً لأركان جيش ابراهيم باشا.
ومن الجدير بالملاحظة أن المبادئ الاساسية لهذه العملية كانت:
1- ضرورة الحصول على موافقة الدولة المعنية أي تركيا.
2- الاتفاق بين الدول الكبرى لتنظيم عمل القوات بالتنسيق مع الباب العالي في مهمة التهدئة والتنظيم.
3- تحديد فترة انتداب القوات بستة أشهر.
وهل من قبيل المصادفة أن تتطابق هذه المبادئ مع المبادئ الاساسية الحالية لعمليات حفظ السلام التي تقوم بها منظمة الأمم المتحدة:
- موافقة الدولة المعنية.
- قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي بموافقة الدول الخمس وبالنصوص الغامضة والمختصرة نفسها.
- فترة انتداب محدودة من حيث المبدأ لمدة ستة أشهر.
وعند إنتهاء فترة الستة الاشهر على وصول القوات الفرنسية بدأت المفاوضات لتجديد فترة انتداب القوات. ولكن بعد مفاوضات جادة سمح للقوات بتأجيل إنسحابها إلى 5 حزيران 1861 حيث انسحبت بتاريخ 8 حزيران 1861.


• إنزال القوات الاميركية العام 1958:
في ايار 1958 انطلقت شرارة الأحداث في لبنان على أثر مقتل الصحافي التقدمي نسيب المتني في أيار 1958. وفي 11 حزيران 1958 التأم مجلس الامن الدولي وقرّر بناءً على طلب الحكومة اللبنانية إرسال فريق من المراقبين الدوليين GONUL، وكانت مهمته «التأكد من عدم حصول تسلّل غير مشروع للأشخاص وللأسلحة والمعدات الأخرى عبر الحدود اللبنانية». وفي 14 تموز 1958 وقع انقلاب عسكري في العراق وأعلن قادته تأييدهم للسياسة الناصرية، ما قلب موازين القوى في المنطقة لمصلحة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وللإنتفاضة اللبنانية. فأبرق في اليوم نفسه الرئيس كميل شمعون إلى واشنطن طالباً بموافقة حكومية المساعدة العسكرية السريعة من دون الرجوع إلى مجلس النواب. وصباح اليوم التالي في 15 تموز تمّ إنزال القوات البحرية الاميركية في الأوزاعي على بعد كيلومترات من جنوب بيروت. وكانت غاية الانزال منع الانتفاضة من السيطرة على البلاد. وبعد إنتخاب الرئيس فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية في 31 تموز 1958 غادر فريق المراقبين التابع للأمم المتحدة بتاريخ 25 تشرين الأول 1958 بعد أن تأكد من عودة الهدوء ومن انسحاب القوات الاميركية من الاراضي اللبنانية.

 

لبنان وقوات الطوارئ الدولية
مطلع السبعينيات من القرن المنصرم، تفاقم التوتر على طول الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وخصوصاً بعد إعادة تمركز عناصر فلسطينيين مسلحين قادمين من الأردن، وتكثّفت العمليات الفدائية الفلسطينية ضد اسرائيل والاعتداءات الاسرائيلية على القواعد الفلسطينية في لبنان.
وفي 11 آذار 1978 شنّت مجموعة فدائية هجوماً بالقرب من تل أبيب أسفر عن سقوط 37 قتيلاً و76 جريحاً اسرائيلياً. وأعلنت منظمة التحرير الفلسطينية مسؤوليتها عن هذا الهجوم، وبعد أيام قلائل وتحديداً ليل 14- 15 آذار 1978 بدأ الجيش الاسرائيلي عملية اجتياح واسعة لجنوب لبنان كان قد هيّأ لها منذ وقت طويل بإنتظار الفرصة المناسبة والتي كانت العملية الفدائية مجرّد حجة لها، ووصلت القوات الاسرائيلية إلى عمق يقارب 40 كلم من خطوط الهدنة الدولية فاحتلت جنوب نهر الليطاني، وأبقت على جيب مدينة صور وضواحيها. وكان المقصود في الحقيقة أن تأخذ اسرائيل المبادرة لتسهيل إرسال قوات تابعة للأمم المتحدة إلى جنوب لبنان، وكانت تقدر أنه من أجل منع المقاتلين الفلسطينيين من التسلل إلى الجنوب يجب أن ينتشر رجال القبعات الزرقاء على طول نهر الليطاني، وذلك يقضي أولاً بأن يقوم جنودهم باحتلال الساحة على حد ما كتب أمنون كابليوك في لوموند دبلوماتيك في نيسان 1978.
وبتاريخ 17 آذار 1978 تقدّمت كل من حكومتي لبنان واسرائيل بطلب دعوة مجلس الأمن الدولي إلى الانعقاد، فانعقد في اليوم ذاته وجاءت الاشارة الأولى إلى إحتمال إرسال قوات دولية إلى جنوب لبنان في تصريح السفير غسان تويني مندوب لبنان أمام مجلس الأمن.
وفي 19 آذار 1978 تبنى مجلس الأمن القرارين 425 (1978)، و426 (1978). في القرار الأول الذي أقر في الجلسة الصباحية قرّر المجلس أن ينشئ فوراً تحت سلطته المباشرة القوات الدولية المؤقتة للبنان على أن تتألف من أشخاص تقدمهم الدول الاعضاء في منظمة الأمم المتحدة، وأناط بالأمين العام مهمة وضع تقرير حول تطبيق القرار المذكور. وبالفعل لم يتأخر هذا الأخير في تقديم تقريره إلى أعضاء المجلس، وهو يحدّد فيه فترة انتداب القوات والتدابير التي سيتخذها من أجل وضع القرار 425 موضع التنفيذ.

 

مهمة القوات الدولية المؤقتة في لبنان وتنظيمها
إن لهذه القوات مهمتين واضحتين حسب نص الفقرة الثالثة من القرار 425:
- الأولى وهي تأكيد إنسحاب القوات الاسرائيلية لكي تكون وحدة الأرض اللبنانية وسيادة لبنان واستقلاله محترمة بدقة.
- الثانية وهي مساعدة الحكومة اللبنانية لتأمين عودة سلطتها الفعلية إلى الجنوب.
بعد تبني القرارين 425 و426 (1978) مباشرة بدأ الأمين العام للأمم المتحدة باتخاذ التدابير الضرورية لتشكيل القوات وجعلها عاملة في أقرب فرصة ممكنة.
وضعت هذه القوات تحت قيادة منظمة الأمم المتحدة التي أوكلت ذلك إلى الأمين العام بصفته الرئيس التنفيذي للعملية. ويمارس القيادة على الأرض قائد للقوات يعيّنه الأمين العام الذي ما تأخر في تسمية الجنرال إيمانويل أرسكين رئيس أركان قوات المراقبة الدولية في الشرق الأوسط قائداً لقوات الأمم المتحدة في لبنان. ويحق لقائد القوات أن يعطي الأوامر المنسجمة مع القرارات الصادرة عن الهيئة المختصة في منظمة الأمم المتحدة (مجلس الأمن) في ما يتعلق بقوات حفظ السلام. وتكون الأوامر التي يصدرها ملزمة لعناصر هذه القوات كافة. إنه المسؤول المباشر عن القوات بالإضافة إلى اضطلاعه بدور ممثل منظمة الأمم المتحدة على الساحة اللبنانية. ولكن بما أن قائد القوات تابع للأمين العام مباشرة يحق لهذا الأخير أن يلغي أو يعدل الأوامر الصادرة عنه.
وتمركزت القيادة العامة المتقدمة للقوات في الناقورة في جنوب لبنان وما تزال.
وعلى الرغم من أن عدد القوات الأصلي لم يكن قد اكتمل بعد فقد تبنّى مجلس الأمن في 3 أيار 1978، بناء على طلب الأمين العام القرار 427 القاضي بتدعيم القوات الدولية المؤقتة في لبنان.


تشكيل القوات الدولية وتعدادها
يجب أن يتم اختيار الفرق التابعة للقوات الدولية المؤقتة بالتشاور مع مجلس الأمن والفرقاء مع الأخذ بعين الاعتبار المبدأ المتعارف عليه والقاضي بإعتماد التوزيع الجغرافي المنصف.
ولم يلاقِ الأمين العام للأمم المتحدة صعوبات كثيرة في مشاوراته مع الفرقاء من أجل إختيار الفرق. ولم تشمل هذه المشاورات دولاً فحسب، وكان عديد من أبدى رغبته بالمشاركة قليلاً نسبياً، وإنما شمل كذلك القوى المعروفة بقوات الأمر الواقع حسب التعبير المستعمل من قبل منظمة الأمم المتحدة، وهؤلاء الفرقاء هم لبنان واسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.
تطبيقاً للقرارين 426 و427 (1978) ووفقاً للمبادئ الواردة فيهما، يبلغ تعداد القوات الدولية في لبنان 6 آلاف رجل تقريباً ومن بينها وحدات العمليات والوحدات اللوجستية.
بين 8 نيسان 1978 وعشية التجديد الثاني للقوات الدولية المؤقتة لفترة جديدة مدتها خمسة أشهر وفقاً للقرار 444 الصادر بتاريخ 19 كانون الثاني 1979 كان عديد القوات 5852 رجلاً قدموا من كل من: فيجي، فرنسا، إيران، ايرلندا، نيبال، نيجيريا، النروج، السنغال.
انسحبت اسرائيل أمام الرأي العام العالمي من جزء من الأراضي في الجنوب للقوات الدولية المؤقتة في لبنان، بينما سلّمت الأراضي الملامسة حدودها إلى ما كان يعرف بجيش لبنان الجنوبي، وبذلك أوجدت منذ العام 1978 وحتى العام 1982 بين شمال الليطاني وجنوب بيت ياحون منطقة عازلة للقوات الدولية وأنشأت كياناً يسمى «لبنان الحر».
كانت يونيفيل قوة حفظ سلام ومراقبة وللفصل بين القوات، ولكن كان يعوزها السلاح. وبموجب القرار 425 المفسّر بالقرار 426 سلاحها دفاعي ولكن في حال تعرّضها لعدوان فهي مخوّلة إستعماله ضد الذين يعرّضون سلامتها للخطر وضد كل من يهدد قيامها بمهماتها، لكنها لم تستعمل هذا الحق ولا مرة.

 

تقليص المهام
قبل الاجتياح الاسرائيلي العام 1982 طرح مندوب لبنان لدى الأمم المتحدة غسان تويني مشروع القرار الرقم 501 في مجلس الأمن. وكان لبنان يهدف من خلاله الى سد الثغرة بين بلاط - دير ميماس بقوات دولية إضافية حوالى الألف عنصر، لأن هذه الثغرة كانت تشكل منفذاً للقوات الاسرائيلية للقيام بعمليات عسكرية ضد الجنوب. ويجعل إقفال هذا المنفذ بقوات دولية اسرائيل عاجزة عن تنفيذ مخططاتها، وإلا فالاحتكاك المباشر بهذه القوات. استمهل مجلس الأمن وأرجأ النظر بالمشروع لمدة شهرين إلى أن أقرّه قبل الاجتياح الاسرائيلي العام 1982 بقليل. وقبل تنفيذ القرار بدأ الغزو الاسرائيلي عبر هذه الثغرة، وعبر مناطق واقعة تحت سيطرة الطوارئ من الناقورة إلى شبعا.
وقبل الغزو كانت التحرشات شبه يومية والصدامات بين الطوارئ وجيش لبنان الجنوبي تحدث بشكل يومي وتسفر عن مقتل العديد من الجنود، حيث وصل عدد القتلى حتى نيسان 1981 إلى 71 جندياً من مختلف الجنسيات. وهكذا تقلّصت مهمة الطوارئ لتتلخص في الآتي:
- الدفاع عن النفس من دون تصعيد المواجهة مع أي طرف في حال الصدام معه.
- تأمين بعض الخدمات الصحية والطبية والاجتماعية للسكان في الجنوب.
- نزع الألغام، فقد فجرت ما يفوق عن 3500 لغم مختلفة الأشكال والأحجام.
- التدخل في حال حصول منازعات بين أطراف مسلّحة ومحاولة تلافيها.
- توفير جوّ من الاطمئنان النفسي لدى الجنوبيين في إطار مناطق إنتشارها.

 

القوات الدولية المؤقتة والاجتياح الاسرائيلي العام 1982
في حزيران 1982، ومتذرعة بمحاولة اغتيال سفيرها في لندن، إجتاحت إسرائيل لبنان لتبلغ عاصمته بيروت وتحاصرها. وأدى هذا الغزو الى إحداث تغيير جذري في ظـروف إنشاء القوات الدولية المؤقتة، فمع حلول 8 حزيران 1982 أضحت منطقة عملياتها تحت السيطرة الاسرائيلية بحيث باتت مضطرة إلى العمل خلف الخطـوط الاسرائيلية، ولم يعد يمكنهـا تنفيـذ المهمــة التي أسنـدها اليها مجلس الأمن الدولي.
وفي 18 حزيران تبنى المجلس القرار الرقم 511 مؤكداً فيه تكليف القوات الدولية المؤقتة وحدّد انتدابها وجدّد دعوته لإنسحاب القوات الاسرائيلية من لبنان في شكل كامل. وبذلك حافظت قوات الأمم المتحدة على إنتشارها الأصلي مع بعض التعديلات حيث تمّ إخلاء بعض المواقع وتعزيز مواقع أخرى، واحتفظ مراقبو لجنة الهدنة العامة بمواقعهم الخمسة على طول خط الهدنة، وأبقوا ثلاث فرق في مراكز خارج منطقة عمليات قوات يونيفيل (صور، المطلة في شمال فلسطين المحتلة، وقلعة الشقيف شمال نهر الليطاني)، واستمرت جهود القوات الدولية حثيثة في ضبط الوضع وتقديم المساعدات والاتصال بالأطراف المتحاربين.
خلال هذه الفترة استمرت المصادمات مع قوى الأمر الواقع في الشريط المحتل ليبقى عمل القوة الدولية محصوراً في مهمات متنوعة وعامل أمان واطمئنان في المنطقة، منها منع تسلل العناصر المسلحين إلى اسرائيل ومنع دخول أي مسلّح إلى مناطق عملها ورفع التقارير الدورية إلى الأمم المتحدة وإجراء الاتصالات مع الأطراف المعنيين، بالاضافة إلى تقديم مساعدات إنسانية للمدنيين اللبنانيين على شكل مواد غذائية أو عناية صحية أو أشغال هندسية أو إصلاح أبنية متضررة، ومساعدة الفلاحين بالوصول إلى حقولهم وأرضهم ومساعدات في برنامج الأمم المتحدة ويونيسف.
وعلى الرغم من المأزق استمر مجلس الأمن يمدد فترة انتداب يونيفيل بناءً على طلب الحكومة اللبنانية وتوصية من الأمين العام.
القوات الدولية المؤقتة قبل الانسحاب الإسرائيلي العام 2000
بعد تبني النواب اللبنانيين المجتمعين في الطائف في 22 تشرين الثاني 1989 وثيقة الوفاق الوطني التي نصت على انتشار قوات الدولة اللبنانية لإعادة بسط سلطتها المركزية على كل الأراضي اللبنانية، انتشر الجيش في المناطق المحيطة بمدن صيدا وصور وجزين وقامت القوات الدولية المؤقتة بمساعدة الحكومة في بسط سلطتها الفعلية في المنطقة.
وعمدت في نيسان 1992 إلى إنجاز عملية تسلّم وتسليم للقسم الغربي من القطاع الغربي من قطاع عمل الكتيبة الغانية (32 كلم2 وتضم 7 قرى). وفي شباط 1993 أرسلت الحكومة اللبنانية وحدة تضم 300 جندي إلى منطقة عمليات قوات الطوارئ لضبط الأمن والنظام. والعام 1994 ركّز الجيش اللبناني نقطتي تفتيش دائمتين في منطقة انتشار القوات الدولية، كذلك ساعدت هذه الأخيرة رجال الدرك والضابطة الجمركية. وفي كانون الثاني 1996 عقد لبنان والأمم المتحدة اتفاقاً في شأن الوضع القانوني للقوات الدولية المؤقتة.
وفي نيسان 1996 ثمة حدث مأسوي وقع في بقعة انتشار القوات الدولية خلال «عناقيد الغضب»، إذ توّجت اسرائيل عدوانها بمجزرة قانا حيث احتمى الأهلون في مقر القوة الفيدجية لكن هذا لم يمنع اسرائيل من قصفها فقضى 106 شهداء من اللبنانيين، وجُرح أربعة جنود من القوات الدولية بالاضافة إلى أضرار جسيمة في العتاد.

 

الانسحاب الاسرائيلي العام 2000
بدءاً من 16 أيار 2000، بدأت القوات الاسرائيلية وجيش لبنان الجنوبي بإخلاء مواقعها تحت ستار من تبادل الرمايات. وفي 25 أيار أبلغت الحكومة الاسرائيلية الأمين العام للأمم المتحدة أنها أعادت انتشار قواتها طبقاً للقرارين 425 و426 (1978).
بين 24 أيار و7 حزيران زار مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن كلاً من اسرائيل ولبنان وسوريا لتقييم النتيجة المترتبة على تقرير الأمين العام الذي عرض فيه الترتيبات والوسائل المتعلقة بتطبيق هذين القرارين. وحدّد فريق رسم الخرائط في الأمم المتحدة، وبمساعدة القوات الدولية المؤقتة، خطاً على الارض يسمح بتأكيد الانسحاب الاسرائيلي. وعلى الرغم من أن هذا الخط لم يشكل الحدود الرسمية وإنما كان مطابقاً، وفقاً للأمم المتحدة، حدود لبنان المعترف بها حسب أفضل الخرائط وغيره المتوافرة لديها، ورفعت القوات الدولية خريطة الحدود اللبنانية ويظهر عليها خط الانسحاب إلى الحكومتين اللبنانية والاسرائيلية اللتين تحفّظتا عنها.
ساد الهدوء الوضع العام في بقعة عمليات القوات الدولية المؤقتة التي نظّمت دوريات يومية برية وجوية على طول خط الانسحاب، وكشف على الانتهاكات المحتملة من جانبي هذا الخط وكانت تبلغ الجهات المعنية من الطرفين عن كل خرق أو حادث.
تكلّم الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره في 22 أيار 2000 على الوسائل الإضافية اللازمة لقيام القوات الدولية المؤقتة بمهامها على أكمل وجه طبعاً للقرارين 425 و426 (1978) بعد الانسحاب الاسرائيلي. وشدّد على ضرورة تعزيز هذه القوات لكي تتكمن من القيام بالمهام الملقاة على عاتقها لا سيما على ضوء الوضع الأمني في جنوب لبنان، ونظراً إلى الأراضي الاضافية المطلوب الانتشار عليها بعد الانسحاب الاسرائيلي. وهكذا عزّزت هذه القوات بالحد  الادنى فأعادت انتشارها، في جنوب لبنان حتى الخط الأزرق، وتخلّت عن بقعة خلفية سلمتها إلى السلطة اللبنانية توفيراً للعديد اللازم لخطة الانتشار الجديد. ولما كانت عملية نزع الألغام وإزالة القذائف غير المنفجرة تطرح مشاكل ضخمة، ولا سيما في سياق عملية إعادة الانتشار، شاركت القوات الدولية بالنشاط الانساني لنزع الألغام ووضعت نظام ادارة المعلومات المتعلقة بالعمل المضاد للألغام.
في 30 كانون الثاني 2001 أصدر مجلس الأمن القرار 1337 (2001) الذي حدّد بموجبه فترة انتداب القوات الدولية ستة أشهر وقرّر إعادة عديدها إلى المستوى العملاني السابق (4500 رجل من الاختصاصات كافة) حتى 31 تموز 2001. وتراجع هذا العدد إلى 3600 رجل خريف 2001.

 

إنفجار أزمة جديدة
بدأت الأزمة في تموز 2006 عندما خطف حزب الله في إحدى عملياته ضد العدو الاسرائيلي ضمن إطار المقاومة لتحرير مزارع شبعا المحتلة وتحرير الأسرى اللبنانيين في السجون الاسرائيلية، جنديين اسرائيليين. ومتخذة كعادتها، من هذه العملية عذراً، شنت القوات الاسرائيلية في 12 تموز 2006 ضد لبنان بإنسانه وأرضه ومقدساته حرباً همجية مفتوحة استمرت 33 يوماً وسقط بنتيجتها 1200 شهيد مدني لبناني، وعرف لبنان من أقصاه إلى أقصاه دماراً غير مسبوق في مرافقه الحيوية وبناه التحتية، كما سقط للجيش اللبناني 47 شهيداً بالاضافة إلى دمار كبير لحق ببعض مراكزه.
وفي 11 آب 2006 تبنى مجلس الأمن القرار 1701 (2006)، وانتهت الأعمال العدائية في 14 آب 2006. وكانت الحكومة اللبنانية قد قرّرت في 7 آب نشر 15000 جندي في الجنوب اللبناني حتى الخط الأزرق.
وبناءً عليه قرّر مجلس الامن رفع عدد القوات الدولية المؤقتة العاملة في لبنان (يونيفيل) الممدّد لها حتى 31 آب 2007 حتى الحد الأقصى 15 ألف جندي. وكلفت مراقبة وقف الأعمال العدائية ومواكبة الجيش اللبناني ودعمه في عملية انتشاره وتسهيل العودة للمدنيين الذي نزحوا عن قراهم.
تاريخياً، فشلت القوات الدولية المؤقتة العاملة في لبنان منذ ظهور الصراع العربي الاسرائيلي على الساحة العالمية في فرض احترام ما يسمّى «الشرعية الدولية» على الطرف المعتدي اسرائيل، على الرغم من الخروقات الاسرائيلية المستمرة منذ اجتياحها الأول للجنوب اللبناني العام 1978 والاستهداف المستمر لمراكز الأمم المتحدة وبعثاتها، كما حدث في مجزرة قانا الأولى العام 1986، أو جرى من استهداف قوات المراقبين الدوليين في الجنوب اللبناني في تموز 2006 الذي أسفر عن مقتل 4 منهم من جنسيات مختلفة.
ويؤخذ على قوات يونيفيل عملها في لبنان بمبدأ الحياد في الصراع اللبناني - الاسرائيلي، ولم تستطع ولو لمرة واحدة صدّ العدوان الاسرائيلي على المدنيين اللبنانيين أو منع التسلل عبر الحدود الدولية اللبنانية، فواصل الجيش الاسرائيلي إنتهاكه القانون الدولي وحدود لبنان وسيادته المكفولة بالشرعية الدولية والقانونية كما حدث في اجتياح 1982، والاعتداءات الكبرى العامين 1993 و1996 وحرب العام 2006، كما لاقت تقاريرها الدورية تجاهلاً ملحوظاً أو مرفوضاً من قبل المنظمة الدولية.


أسس تشكيل القوات الدولية
أهم الأسس التي يقوم عليها تشكيل القوة الدولية التابعة للأمم المتحدة:
1- مبدأ عدم إشتراك قوات الدول الدائمة في مجلس الامن، وهي الدول الخمس الكبرى التي تتمتع بحق النقض، ولعلّ السبب في ذلك هو الرغبة في تلافي الخلافات التي قد تنشأ بين الدول الكبرى حول حجم وجودها في قوات الطوارئ الدولية.
2- مبدأ عدم إشتراك قوات دول تنتمي إلى أحلاف عسكرية.
3- مبدأ التمثيل الجغرافي المتوازن وقد نصّ على ذلك تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الصادر في 26/10/1973 أي نهاية حرب تشرين (اكتوبر) ولكن، في لبنان لم تحترم هذه المبادئ البتة.


الناطق الرسمي باسم القوات الدولية المؤقتة العاملة في لبنان
تعاقب على هذا المنصب حتى اليوم أربعة موظفين مدنيين، انطفأ ذكر الاثنين الأولين لأن احدهما خدم شهرين فقط والآخر خدم ستة أشهر. أما الرجل الثالث الذي لمع اسمه فهو تيمور غوكسيل (تركيا) الذي استمر حتى تسلّم اليوغوسلافي ميلوش شتروغر بتاريخ 3/6/2003 مهام الناطق الرسمي، وما يزال.والجدير بالذكر ان اليونيفيل الحالية استبدلت، مع القرار 1701، تسمية الناطق الرسمي بمدير الشؤون السياسية والمدنية.


أول قتيل للقوات الدولية
أول قتيل للقوات الدولية المؤقتة العاملة في لبنان هو من الكتيبة السويدية واسمه كارل اوسكار جوهانسون الذي قتل في 26/3/1978 بانفجار لغم كانت قد وضعته القوات الإسرائيلية قرب جسر الخردلي، وأصيب في الحادث رفيقه ماكس لندبرغ ونقل إلى مستشفى حيفا. وأول قتيل سقط على يدهم هو الدكتور خليل قالوش في يارون بتاريخ 30/3/1983 وكان يعمل طبيباً في مستشفى تبنين، وقد أطلق عليه النار أحد عناصر الكتيبة الفيجية على حاجز بالقرب من عين بعال.


القادة الذين تعاقبوا على قيادة القوات الدولية المؤقتة في لبنان
• الجنرال ايمانويل إرسكين (غانا) 19 آذار 1978 - 1981.
• الجنرال وليم كالاهان (ايرلندا) 1981 - حزيران 1986 (شهد اجتياح 1982).
• الجنرال غوستاف هاغلند (فنلندا) تموز 1986 - 30 حزيران 1988.
• الجنرال لارس اريك والغرن (السويد) 1988 - 22 شباط 1993.
• الجنرال تروند فور هوفداي (النروج) 1993- 22 شباط 1995. وشهد الاجتياح الإسرائيلي في تموز 1993.
• الجنرال ستانسلاف فوزنياك (بولونيا) 1995 - 1997 وشهد أكثر الاعتداءات الإسرائيلية وحشية: عدوان عناقيد الغضب نيسان 1996 ومجازره.
• الجنرال جيوجي كونوروتي (فيجي) تشرين الاول 1997 - 2000.
• الجنرال لا لييت موهان تيواري (الهند) 2000 - 2004.
• الجنرال آلان بلليغريني شباط 2004 - 2007.
• الجنرال كلاوديو غراتسيانو 2007 وحتى اليوم.


ارقام
• عديد القوى حتى 15/2/2008: 12901.
• عدد الموظفين المدنيين: اجانب: 304، محليون: 206.
• عدد الشهداء منذ العام 1978: 292.


مهام جديدة لليونيفيل
إضافة إلى التفويض الممنوح إلى القوة بموجب القرارين الدوليين 425 و426 والذي حصر نشاط قوة يونيفيل في مراقبة الوضع في جنوب لبنان وإرسال تقارير عنه إلى مجلس الأمن فإن مهمة القوة المعزّزة بمقتضى القرار 1701 للعام 2006 تشمل:
• مراقبة وقف الأعمال العدائية.
• مراقبة انتشار الجيش اللبناني على الخط الأزرق بالتزامن مع انسحاب إسرائيل من لبنان.
• تنسيق النشاطات المذكورة مع الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية.
• ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين والإشراف على العودة الآمنة للنازحين إلى ديارهم.
• التأكد من خلو المنطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني من أي مظاهر مسلّحة ما عدا سلاح الحكومة اللبنانية وقوة يونيفيل المنتشرة في المنطقة.
• مساعدة الحكومة اللبنانية وبناءً على طلبها في تأمين حدودها ومعابرها لمنع دخول أي سلاح بدون موافقتها.
• مهمة قوة يونيفيل المعزّزة ستكون دفاعية بشكل أساسي مع إمكان استخدام القوة المناسبة في حال دعت الحاجة، حتى سيكون من حق جنود قوة يونيفيل المعزّزة فتح النار دفاعاً عن النفس ولحماية المدنيين في لبنان، لكنهم لن يكلفوا البحث عن أسلحة حزب الله حسب القواعد المؤقتة لمهمتهم.
• بالاضافة إلى الدفاع عن النفس يمكن اللجوء إلى القوة التي يجب أن تكون متكافئة لمنع استخدام المنطقة العازلة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني لأنشطة عدائية. ويسمح أيضاً باستخدام القوة للتصدي لمحاولات عرقلة مهمة يونيفيل أو لحماية المدنيين من أي خطر وشيك.

 

القرار 1701
يدعو القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بالإجماع في 11 آب 2006 إلى وقف كامل للعمليات القتالية في لبنان. ويطالب القرار حزب الله بالوقف الفوري لكل هجماته، وإسرائيل للوقف الفوري لكل عملياتها العسكرية الهجومية وسحب كل قواتها من جنوب لبنان.
كما يدعو الحكومة اللبنانية لنشر قواتها المسلّحة في الجنوب بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة - اليونيفيل - وذلك بالتزامن مع الانسحاب الإسرائيلي إلى ما وراء الخط الأزرق. ويدعو إسرائيل ولبنان إلى دعم وقف دائم لإطلاق النار وحلّ بعيد المدى.
وتضمن القرار عدة بنود ومطالب أخرى أهمها:
- إيجاد منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني تكون خالية من أي مسلحين ومعدات حربية وأسلحة ما عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات يونيفيل.
- تمديد مدة عمل قوة الطوارئ الدولية في لبنان حتى 31 آب 2007.
- أعـرب المجلس عن عزمه المشاركة بشـكل فعال، وقـرر أن يسمـح بزيـادة عدد قوات يونيفيـل إلى حد أقصى قدره 15 الف جنـدي، وأن تتولى القـوة إضافة إلى تنفيد ولايتها عدة مهـام مـن بينها رصد وقـف الأعمال القتـاليـة وتقـديم مساعـدة لضمـان وصول المساعدة الإنسانيـة إلى السكـان المدنييـن والعودة الطوعية والآمنة للنازحين.