قضايا إجتماعية

المسؤولية الاجتماعية عناصرها ومظاهرها وكيفية تنميتها
إعداد: ناديا متى فخري

 

المسؤولية الاجتماعية هي إحدى القنوات التي تدعم المصلحة العامة. وهذا سر قوتها كعنصر أساسي مطلوب لتمتين روابط العلاقات الانسانية. فالتوحد مع الجماعة يدفع الفرد الى بذل جهده من أجل اعلاء مكانتها، والوطنية من أوضح نماذج هذا التوحد. كل إنسان مسؤول إجتماعياً، والمسؤولية الإجتماعية جزء من المسؤولية بصفة عامّة، فالفرد مسؤول عن نفسه وعن الجماعة، والجماعة مسؤولة عن نفسها وأهدافها وعن أعضائها كأفراد في جميع الأمور والأحوال، والمسؤولية الإجتماعية ضرورية للمصلحة العامة، وفي ضوئها تتحقق الوحدة وتماسك الجماعة وينعم المجتمع بسلامٍ أشمل وأعمق. فالمسؤولية تفرض التعاون والإلتزام والتضامن والإحترام والحب والديمقراطية في المعاملة والمشاركة الجادّة التي هي صلة الرحم بين الأفراد في المجتمع الواحد... ثم إن الشعور بالمسؤولية الإجتماعية شعور نبيل معه نتجاوز الشكليات الى قدسية الواجب.


قنوات الدعم

المسؤولية الإجتماعية هي إحدى القنوات التي تدعم المصلحة العامة، وهذا سرّ قوتها كعنصر أساسي مطلوب لتمتين روابط العلاقات الإنسانية، ومن أسمى واجباتنا كأفراد أن نتعاطى مع ذاتنا ومع الآخرين ومع مجتمعنا بروح مسؤولة، فمثل هذا التعاطي يمدّ جسوراً متينة بيننا وبين المجتمع الذي ننتمي إليه ونحمل هويته... والإحساس بالمسؤولية يصقله الشعور بالواجب ويؤدي الى الإلتزام بأمانة وموضوعية بالمعايير الإنسانية التي تقود بدورها الى إيجابية التعايش والتواصل، والإجتهاد للتغلّب على مصادر الشقاق والتعصّب والعصبية والتطرّف، وهي عوامل لا تمهّد إلا الى شلل المجتمع وإحداث شرخ عميق في هرميته على كافة المستويات وفي كافة المجالات التي تنهض به: الإنتاج... العلاقات العامة... الخ.


عناصر المسؤولية الإجتماعية

تتكوّن المسؤولية الإجتماعية من عناصر مترابطة ينمّي كل منها الآخر ويدعمه ويقوّيه ويتكامل معه، وهذه العناصر هي: الإهتمام والفهم، والمشاركة.

* الإهتمام:
ويتضمن الإرتباط العاطفي بالجماعة وحرص الفرد على سلامتها وتماسكها واستمرارها وتحقيق أهدافها. وللإهتمام مستويات منها: الإنفعال مع الجماعة، حيث يساير الفرد وبصورة آلية حالتها الإنفعالية لمجرّد أنه يعتبر نفسه في قلب المسؤولية فيتعاون ويتفاعل بحماس تلقائياً مع الجماعة ويرى أن مسايرته لها موضوعية ومنطقية. أما الإنفعال بالجماعة، فيحدث بصورة إرادية حيث يأتي تضامنه مع الجماعة بناء على قناعة ذاتية منه، فيجعل أهدافها محور إهتماماته ويتفاعل معها بصدق وشفافية... والتوحّد مع الجماعة، هو شعور الفرد بالوحدة المصيرية معها، والتأثر بها لدرجة أنه يرى في خَيْرها خَيْره وكأنها امتداد لنفسه، يسعى من أجل مصلحتها ويبذل كل جهده من أجل إعلاء مكانتها ويشعر بالفوز إن فازت أو بالأمن كلما خيّم عليها الأمن؛ والوطنية هي من أوضح نماذج التوحّد مع المجتمع. ويندرج الإنتماء المتعقل في مستويات الاهتمام أيضاً، حيث تملأ الجماعة عقل الفرد ووجدانه وتصبح موضوع اهتمامه وتأمله، ويلتقي معها في تقارب فكري، ويغامر في سبيل الدفاع عن طموحاتها وأهدافها، وفي ذلك أحد أبعاد القوة لضمان التماسك والتكافل الجماعي.

* الفهم:
ويتضمن فهم الفرد للجماعة والقوى النفسية المؤثرة في أعضائها، وفهمه لدوافع السلوك الذي تنتهجه خدمة لأهدافها، وأيضاً، استيعابه للأسباب التي جعلته يتبنّى مواقفها... إن الفهم الصحيح يدعم مشاركة الفرد في القيام بمسؤولياته وهو أيضاً يشترط الإلتزام بأخلاقيات المجتمع ومسايرة المعايير والإهتمامات الإجتماعية ومقاومة الضغوط وتنسيق الجهد الشخصي التعاوني، كما يشمل التقارب الفكري والمساهمة في المناقشة المتعقّلة وتحديد النقاط التي يجب اعتمادها للوصول الى الغاية التي تخدم المصلحة العامة... التعاطي العقلاني يجعلنا نواجه الأزمات مواجهة مسؤولة، وحين يكون استعدادنا لتحمل المسؤولية الإجتماعية معتمداً على القوى الذاتية (العقل والعاطفة والتكامل النفسي) يعطي ثماره الجيّدة.
والفهم يعني إدراك الفرد للظروف المحيطة بالجماعة، ماضيها وحاضرها وقيمها واتجاهاتها، والأدوار المختلفة فيها. كما يقتضي تقدير المصلحة العامة والدفاع عن الوطن والعمل على رفعته وازدهاره.

* المشاركة:
المشاركة مسؤولية وهي الأرضية الأساسية لحياة إجتماعية مشرقة مستقرة. تُظهر المشاركة قدر الفرد وقدرته على القيام بواجباته وتحمّل مسؤولياته بضمير حي وروحية صافية، وإرادة ثابتة، والمقصود هنا مشاركة الفرد في أعمالٍ تساعد في تحقيق الهدف الإجتماعي حين يكون مؤهلاً إجتماعياً لذلك، ولها ثلاثة جوانب: أولها، التقبل، أي تقبّل الفرد للدور أو الأدوار الإجتماعية التي يقوم بها والملائمة له في إطار ممارسة سليمة. وثانيها، التنفيذ، حيث ينفذ الفرد العمل وينجزه باهتمام وحرص ليحصل على النتيجة التي ترضيه وترضي الآخرين وتخدم الهدف. وثالثها، التقييم، حيث يقيّم كل فرد عمله وفقاً لمعايير المصلحة العامة والأخلاق.
وتلعب الثقافة دوراً في مجال المشاركة الإجتماعية، فالثقافة هي همزة الوصل بين الفرد والواقع الإجتماعي. منها نتعلّم أصول العلاقات الإنسانية ونستدلّ على سبل التعايش الإنساني والإجتماعي السليم.


مظاهر المسؤولية الإجتماعية

مظاهر المسؤولية كثيرة، منها: المسؤولية الشخصية والإجتماعية عن الوالدين والأبناء وذوي القربى واليتامى، والمسنين الذين يعيشون معاناة سن الشيخوخة واحتياجاته الصحية والنفسية، وكذلك المسؤولية المهنية وتتضمن، الإخلاص في العمل، وإنجازه والتفاني فيه وبذل أقصى جهد لتحقيق إنتاج جيد، والمسؤولية القانونية: إحترام القوانين والإنضباط والمحافظة على النظام الإجتماعي، والأمانة...
ولا شك أن المسؤولية الإجتماعية تتجلى في كثير من المظاهر، كالإعتماد على النفس والقيام بالواجبات والإجتهاد والتفاعل والتعاون. وأن يكون الفرد مسؤولاً، هذا يعني أن يتحمّل مسؤولية آرائه وسلوكه الفردي والإجتماعي. ومن أخطر مظاهر نقص المسؤولية الإجتماعية:
الإغتراب، وهو غربة عن النفس وعن الواقع وعن المجتمع، ومن أهم أعراضه: العزلة، اللاّإنتماء، واللاّهدف، والضياع والإنسحاب، ورفض التعاون، واحتقار الذات واحتقار الجماعة.


نمو المسؤولية الإجتماعية

المسؤولية الإجتماعية على الرغم من أنها تكوين ذاتي يقوم على نمو الضمير - كرقيب داخلي - إلاّ أنها في نموّها نتاج اجتماعي يتم تعلّمه واكتسابه. وتبدأ عملية تعلّم المسؤولية الإجتماعية منذ أن يعي الناشئ تحمّل والديه المسؤولية في رعايته وتربيته وإشباع حاجاته المادية والمعنوية، وتنمو المسؤولية تدريجاً عن طريق التربية والتنشئة، وفي كلا المستويين يظلّ الهدف واحداً، وهو إعداد الفرد ليكون مواطن المستقبل ويكون راعياً وواعياً لذاته ومسؤولياته. لذلك لا يمكن أن نهمّش دور التربية المساعد على إذكاء الشخصية وتنمية ملكاتها (المهارات والقدرات، والحسّ الأخلاقي والوجداني، والعملي، والإرادة الفاعلة، والثقة بالنفس وروح المبادرة والإبداع في العمل... الخ). عموماً... نحن ندرك أن التربية هي أهم وسيلة يمكن عن طريقها تعزيز نمو المسؤولية وترتيبها في تكامل مع باقي عناصر الشخصية ومكوّناتها.

إن ما يتعلمه الناشئ في مجال الأسرة والمدرسة يتأصل في شخصيته ويثبت في تفكيره، ويمكن القول، إن كل أشكال الإمتثالية السلوكية وحسن الإلتزام بالمسؤولية، ليست من قبيل الصدفة، وإنما مردّها الى ما تشرّبه الفرد من تنشئة وجدانية وأخلاقية وسلوكية في الأسرة والمجتمع، فإذا كان البعض يشارك بمسؤولية تامّة، والبعض الآخر يعجز عن تحمّل حتى مسؤولية نفسه، فذلك يرجع الى ما يتسم به من قدرات وما يحمله في نفسه من مشاعر ومزايا نفسية ومعنوية تبرّر هذا السلوك أو ذاك...

ولأن الإتجاهات السلوكية التي نتميّز بها كأفراد هي في الغالب مكتسبة من التربية الوالدية والمدرسية، يجب أن يكون دور الأسرة قوة مساندة للدور الذي تلعبه المدرسة في هذا المجال، أي في مجال خلق جيل أكثر وعياً وإدراكاً لدوره... فالكلّ في دائرة المسؤولية: الأب والأم، والمربي والمعلم، والمؤسسات، والقيادات... الخ. وكما الدستور هو عماد الحياة الديمقراطية في البلاد، كذلك التربية الإجتماعية والوطنية هي الحجر الأساس لبناء الشخصية القادرة المنفتحة المسؤولة عن نفسها وممارساتها.