قضايا إقليمية

المظلة التي حمت أولمرت من صاعقة فينوغراد
إعداد: احسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

اسرائيل تفتقد الرؤيا الاستراتيجية
 ليست نقاط الفشل الخمسون التي وردت في تقرير لجنة فينوغراد الثاني، هي وحدها التي كانت تثقل كاهل رئيس حكومة العدو إيهود أولمرت وتضغط عليه للسقوط، بل كانت هناك ملفات مخزية أخرى تنتظره ايضاً في مجالات الفساد المالي والإداري، وهي لم تبث بعد حتى الآن.
لقد جاء في تقرير فينوغراد الثاني، على سبيل المثال، لا على سبيل الحصر، في الصفحة 545 أن تواصل المراوحة في المكان بعجز ومن دون حسم في أثناء حرب تموز من العام الماضي قد شكّل فشلاً أساسياً خطيراً. وفي الصفحة التي تليها: إن الامتناع عن الإستعداد لخطوة برية واسعة، قد شكّل فشلاً ذريعاً على صعيد العجز عن اتخاذ القرار. كما شكّل غياب النقاش المنظم فشلاً واضحاً ايضاً. ثم جاء أن التقصير والقصور في المستويين العسكري والسياسي في الأداء والتنفيذ قد أوجدا فشلاً مزدوجاً تقع المسؤولية العليا عنه على كاهل المستوى السياسي بالذات. كما أشار التقرير الى أن إسرائيل بقيادة أولمرت افتقرت الى الرؤية الاستراتيجية السياسية - الأمنية الشاملة، وأنها خرجت الى حرب ابتدائية «حرب خيار» بادرت اليها بالذات من دون أي تفحّص معمّق، ومن دون أن تكون مستعدة لها كفاية، الأمر الذي أدى الى كشف حقائق مقلقة عن العيوب والاخفاقات على مستويي التفكير والتنفيذ. وفي الصفحة 575 جاء أن «الاخفاقات والعيوب كانت حاسمة وعامة وشاملة، وخطيرة وذات مغزى كبير للمستقبل». وفي هذا السياق تتوالى السقطات والهفوات والعيوب الى حد أن أكثر من صحافي إسرائيلي، علّق على ذلك بالقول: «كلما قرأتُ في التقرير أكثر كلما اشتد بي اليأس أكثر»، إذ تجلى بكل وضوح أن دولة ذات عنجهية كبرى وغطرسة لا متناهية قد فشلت على مدى أكثر من شهر من التخبط والقتال المتردد، في أن تقرر كيفية إدارة هذه الحرب المخزية مع مجموعة قليلة العدد من المقاتلين الشجعان وضمن رقعة جغرافية ضيقة ومحدودة جداً من حيث المساحة. وهذه الحال وصفها التقرير بالقول: «إن الدولة لم تجر أي نقاش مرتب حول الخروج للحرب وحول أهدافها وطرق إدارتها. دولة تغيّر أسس سياستها بلمح البصر، من دون اتزان وبغير فهم لمغزى أفعالها وعواقب هذه الأفعال... دولة لم تستخدم بشكل ذكي قوتها».

 

كتاب محزن عن حرب محزنة ودولة بائسة
على ضوء ما تقدم, اعتبر العديد من الكتّاب الإسرائيليين تقرير فينوغراد بشقيه الأول والثاني على أنه «كتاب محزن عن حرب محزنة ودولة بائسة خرجت الى حرب بائسة كشفت كم أن وضعها الوجودي بائس... كتاب محزن عن جيش فاشل وحكم فاشل وحكومة فاشلة... كتاب محزن عن أمة تطير الآن الى داخل العاصفة في حين أن حجرة القيادة فارغة وفي قمرة الطيار لا يوجد أحد». وعلى الرغم من هذه النظرة الحزينة والكئيبة الى الواقع الاسرائيلي فثمة من رأى فيها فرصة لبذل الجهد من جديد من أجل «تغيير الذات» ولكن كيف؟ فرئيس الحكومة أولمرت بالرغم من تحمله لفظياً المسؤولية الكاملة عن نقاط الفشل المذكورة آنفاً، إلا أنه بدا متمسكاً بكرسي السلطة دفاعاً عن حاضره ومستقبله السياسي اللذين تطابقا مع حاضر دولة إسرائيل ومستقبلها بالذات. والعاصفة التي هبت عليه بداية بانسحاب حزب إسرائيل بيتنا بزعامة العنصري المعروف ليبرمان من إئتلافه، ثم مطالبة حزب شاس الديني الشرقي بتوضيحات وشروطات وحالة من التذمر والتردد في حزب العمل بل وحتى داخل حزب كاديما الذي يتزعمه أولمرت، لم تؤد الى اقتناع هذا الأخير بضرورة التنحي والاستقالة. ثم جاءته الضغوطات المحرجة من جانب جنود الاحتياط الذين أحسوا بأنهم قد غرر بهم، بالاضافة الى التحركات التي قامت بها العائلات الثكلى التي خسرت أبناءها خصوصاً في الأيام الأخيرة للحرب، ومع ذلك بقي أولمرت. فما هي إذن عناصر المظلة التي حمته من الخسران المبين ومن السقوط المدوي في مهاوي التاريخ، ومن حالة من «الجنون السياسي» تعتري الساحة الإسرائيلية السياسية الحزبية برمتها؟!

 

أولمرت حمى نفسه بعدة اعتبارات
لقد بادر أولمرت الى حماية نفسه بعدة اعتبارات منها أنه هدد بالقبول بحل الإئتلاف والذهاب الى انتخابات مبكرة، ومنها أنه بادر الى تصعيد الموقف العسكري والانساني في قطاع غزة كي يوحي للإسرائيليين عموماً وأحزاب اليمين خصوصاً بأنه ما يزال يملك القدر الكافي من القوة والشراسة التي يمكن الاعتماد عليها والثقة بها تحت شعار «اصمتوا إننا نطلق النار». فأولمرت لعب على حبلين، حبل التصعيد في قطاع غزة لصرف الأنظار عن عيوبه وسقطاته، وحبل الإعلان عن الرغبة التكتيكية في التسوية السياسية الدائمة مع الفلسطينيين، وبذلك يكون قد أمسك العصا من الوسط وأرضى قوى اليمين واليسار على السواء، الأمر الذي جعل كلاً من إيهود باراك (وزير الحرب) وتسيبي ليفني (وزيرة الخارجية) يكفان عن مطاردته وإقلاق راحته، وذلك من خلال حسابات حزبية وشخصية واضحة المعالم. وأولمرت من جهته يتوسل الى الجميع بالتلويح بالمخاطر التي تهدد إسرائيل من كل حدب وصوب من حرب غزة، الى الخطر الإيراني الى متطلبات العملية السلمية ومستلزماتها، وعملية إصلاح العيوب الكثيرة التي كشفها تقرير فينوغراد في الجيش والمؤسستين السياسية والأمنية.
حزب كاديما بالذات، وهو حزب أولمرت، يفتقد حالياً الى القيادة الكاريزمية البديلة، كما ويفتقد الأسباب المنطقية والواقعية التي تدفعه الى أن يفرط عقد نفسه بنفسه لأن الرابح الوحيد من مثل هكذا خطوة إنتحارية هي أحزاب اليمين وخصوصاً حزب الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو.
أمام هذا المشهد الدرامي للداخل الإسرائيلي ولواقع السلطة الإسرائيلية نجد أن القاضي فينوغراد تصرّف كمن يريد أن يعود الى البيت بسلام، على حد قول أحد الصحافيين الإسرائيليين، فهو قد سمح لأولمرت بأن يستعيد أنفاسه من جديد، وكذلك سمح لخصومه السياسيين والشعبيين بأن يلوحوا له بتقريره.

 

الجيش هو الطرف الوحيد الذي خرج مهمشاً
الطرف الوحيد الذي خرج مهمشاً من تقرير فينوغراد هو الجيش الإسرائيلي وقيادته العليا والدنيا، خصوصاً بعد أن تمّ تحميله القسم الأكبر من المسؤولية عن الفشل. وفي هذا السياق توجد مخاوف كبيرة من أن تؤدي إنتقادات فينوغراد الى إحداث عطب دائم في هذا الجيش، من حيث أن العديد من ضباطه وقيادييه سوف يختارون في المستقبل الطريق الأسهل من عدم العمل وعدم المبادرة، خشية أن يتحولوا في المستقبل الى كبش محرقة، ما يؤثر سلباً على الدافعية القتالية وعلى تحفيز ضباط نوعيين على اختيار الطريق العسكرية بدلاً من الطريق المدنية. ومن أجل ذلك خاطبت رئيسة حزب ميرتس زهافا غلؤون رئيس الحكومة بالقول: «لقد انتصرت في حربك من أجل البقاء ولكن دولة إسرائيل خسرت. لقد قامرت بحياة الجنود من أجل أن تحقق نصراً إعلامياً. سيدي رئيس الحكومة، دماء الأبناء تصرخ عليك من تحت التراب. ينبغي ربطك على عمود العار الشعبي».


اعتبر العديد من الكتّاب الإسرائيليين تقرير فينوغراد بشقيه الأول والثاني على أنه «كتاب محزن عن حرب محزنة ودولة بائسة خرجت الى حرب بائسة كشفت كم أن وضعها الوجودي بائس»


الطرف الوحيد الذي خرج مهمشاً من تقرير فينوغراد هو الجيش الإسرائيلي وقيادته العليا والدنيا خصوصاً بعد أن تمّ تحميله القسم الأكبر من المسؤولية عن الفشل


وفقاً لتقرير فينوغراد تجلى بكل وضوح أن دولة ذات عنجهية كبرى وغطرسة لا متناهية قد فشلت على مدى أكثر من شهر من التخبط والقتال المتردد في أن تقرر كيفية إدارة هذه الحرب المخزية مع مجموعة قليلة العدد من المقاتلين الشجعان وضمن رقعة جغرافية ضيقة ومحدودة جداً من حيث المساحة