نوافذ مفتوحة

المفتاح في النهر والقفل على الجسر شاهد
إعداد: باسكال معوض بو مارون

«لن أحب سواك»

هي عادةٌ معروفة منذ زمن لكن مكان نشأتها وزمانها مجهولان، وقد وجدت طريقها اليوم وأصبحت تجسيدًا لمفهوم الحب والغرام: إنها ظاهرة أقفال الحب التي يلقي العشّاق مفاتيحها في النهر، في مشهد رومانسي، من أروع ما يمكن أن نشاهده.

 

...عبر البلاد
تُشير المصادر إلى أن أول ظهور لهذه العادة كان في روما، وما لبثت أن انتشرت في أوروبا كلها: في باريس بدأت ظاهرة «أقفال الحب» على جسر الفنون حيث يأتي العاشقان ومعهما قفل ذهبي اللون يقومان بإغلاقه على سور أحد الجسور، ويرميان المفتاح في النهر أملاً في الاحتفاظ بعلاقتهما للأبد. تحوّلت هذه العادة إلى ظاهرة تشمل كل جسور باريس على طول نهر السين. أما جسر الفنون فقد أصبح يلمع من البعيد بلون ذهبي، لأن حاجزه الفولاذي الأخضر مكسوٌ بالكامل بالأقفال المذّهبة، المحفور عليها بالأحرف الأولى أسماء العشّاق الذين يتعهّدون للشريك بالحب الأبدي، ويضيف بعضهم أحيانًا قصاصة قماش من طرحة العرس مع رسوم غرافيتية معبّرة.
في ألمانيا توارثت الأجيال هذه العادة منذ زمن بعيد أو منذ زمن بناء جسر هوهنتزولر الحيوي جدًا في مدينة كولون حيث توجد عشرات الآلاف من الأقفال، من مختلف الأحجام والألوان. الجسر الحديدي بات يعرف بـ»جسر العشّاق» أو «جسر الحب»، وقد تحوّل معلمًا سياحيًا يرتاده الناس من مختلف أنحاء العالم. وهو يعتبر من أشهر جسور العالم الحديدية، يمر عليه يوميًا حوالى 1200 قطار، والكثير من قصص الحب الشهيرة.
منذ 5 سنوات تقريبًا، حاولت السلطات المحلية في ألمانيا إيقاف هذه الظاهرة لكنها ما لبثت أن رضخت للأمر الواقع فثمة معارضة شعبية لأي أجراء يقمع هذه التصرفات الرومانسية.
ويعلّق العشّاق أقفالهم أيضًا على جسر ميلفان التاريخي في إيطاليا الذي يحمل الكثير من ذكريات الحرب والسلم والذي بُني قبل الميلاد بـ115 سنة.
 

تاريخ الظاهرة
لا يزال أصل هذه الظاهرة غامضًا، لكنّ الإيطاليين يقولون إنها تعود إلى رواية عاطفية إيطالية بعنوان «أرغب فيك» لفيديريكو موتشيا، حيث يعلّق البطل والبطلة قفلاً مع إسميهما على مصباح جسر ميلفيو قرب روما، ويتبادلان قبلة ويرميان المفتاح في مياه النهر، وقد أشار كاتب إيطالي قديم لهذا الموضوع في كتاباته.
ويقول الروسيون إنّ لهذه العادة المنتشرة بين أبناء المنطقة قصة عشق شهيرة بين فتاة اسمها Nada وشاب اسمه Relja تعود لمطلع الحرب العالمية الاولى، حين غادرRelja  إلى اليونان للقتال هناك ووقع في غرام فتاة يونانية، الأمر الذي حطم قلب العاشقة الصربية التي بقيت تنتظر بلا فائدة عودة فارسها وبقيت محافظة على حبها له حتى أصابها المرض وأودى بها مع مرور الزمن جاعلًا منها أسطورة عشق.

 

«كلّ هذا الحب»
بدأ العشّاق يتنافسون بحجم الأقفال التي يضعونها على الجسور، حيث سجّل عاشقان مجهولان رقمًا قياسيًا جديدًا بتعليقهما قفلاً يحمل الحرفين A و M يبلغ طوله 54 سنتم، وعرضه 40 سنتم، وسماكته 5 سنتم، ويزن حوالى 5 كلغ؛ إلا أن جسر المحطة التاريخي في ألمانيا يستطيع تحمّل أعباء «كل هذا الحب» لأنه يزن 13 ألف طن من الحديد. وبسبب حجمه الكبير، لم يعلّق العاشقان القفل على السياج المشبّك للجسر، وإنما على العمود الأفقي الذي يحمله، والجدير بالذكر أنه ليس للقفل مفتاح وقد أراد العاشقان بذلك القول إن حبهما غير قابل للتفكك أبدًا.

 

محطّمو القلوب
ينشط «لصوص النحاس» منذ سنوات في ألمانيا بسبب الارتفاع الفاحش لأسعاره عالميًا، وقد وصلت السرقات إلى جسر العشّاق الزاخر بالأقفال النحاسية. وألقت الشرطة القبض على شابين سرقا أقفال القلوب عدة مرات، خصوصًا يوم عيد الحب؛ وكانا قد نجحا في كسر 52 قفلاً قبل أن يسقطا في قبضة الشرطة. وتبلغ القيمة المادية للأقفال حوالى 16 يورو لكن قيمتها المعنوية دفعت بالشرطة إلى تعميم إعلان تطلب فيه من أصحاب «أقفال القلوب» المكسورة مراجعتها، بعد أن عثرت على مئات الأقفال التي حطّمها اللصّان في وقت سابق.