- En
- Fr
- عربي
عسكريون في السياسة
النائب الوليد سكرية:
أتمنّى لو يخضع زملائي للتجنيد...
حبه للحياة العسكرية واندفاعه لقتال إسرائيل دفعاه إلى ترك صفوف الجامعة والإلتحاق بالمدرسة الحربية رمز البطولة عند الشباب، فكان التلميذ الضابط المغوار.
إنه النائب العميد الركن المتقاعد الوليد سكرية. في مكتبه في مجلس النواب، كان لمجلة «الجيش» هذا اللقاء معه.
من هو؟
النائب العميد الركن المتقاعد الوليد سكرية من مواليد بلدة الفاكهة - قضاء بعلبك، تابع دروسه الإبتدائية والتكميلية في مدرسة برمانا العالية (BROUMANA HIGH SCHOOL) ودروسه الثانوية في ثانوية الرمل الظريف - بيروت حيث حصل على شهادة البكالوريا. ثم دخل كلية العلوم في الجامعة اللبنانية لمدة سنة قبل أن يقرر الدخول إلى المدرسة الحربية.
• متى تطوّعت في الجيش، ولماذا؟
- تطوّعت في المدرسة الحربية بتاريخ 16 أيلول 1970 يوم عيد ميلادي. كان طموحي أن أكون ضابطًا في الجيش فتركت الجامعة والتحقت في المدرسة الحربية. لماذا؟
أولًا، لأن رغبتي كانت شديدة للحياة العسكرية التي يجد فيها الشباب في سن المراهقة رمزًا للبطولة. وثانيًا، كان العداء لإسرائيل بعد حرب العام 1967 على أشده مما زاد رغبتي في أن أكون ضابطًا لأدافع عن لبنان وأقاتل إسرائيل.
خلال دراستي في المدرسة الحربية، كنت أرغب في أن أكون ضابطًا في فوج المدرعات، لكنّ مدرّبي الحربية أصرّوا على أن أكون في فوج المشاة نظرًا الى نشاطي الجسدي وقدرتي على التحمّل وتفوقي في دروس القتال والخرائط... وفي السنة الثالثة، تابعت دورة مغاوير مختصرة في فوج المغاوير في حمانا تميّزت فيها، فشكلت فورًا، مع ضابطين آخرين إلى قيادة الفوج وكانت المرة الأولى التي يشكّل فيها ضباط من المدرسة الحربية إلى فوج المغاوير قبل أن يتابعوا دورة مغاوير.
المسيرة العسكرية
• ما هي أبرز المحطات العسكرية التي مررت بها في الجيش؟
- عندما تخرّجت في المدرسة الحربية العام 1973، شكّلت إلى فوج المغاوير حيث تابعت دورة قاسية في منطقة حمانا وضهر البيدر. عقب الدورة، قمنا بعملية حفظ أمن في منطقة الشمال (تحديدًا مطاردة مطلوبين) وكانت الحادثة الأولى التي أواجهها في حياتي العسكرية. خريف العام 1974 تابعت دورة مغاوير في الولايات المتحدة الأميركية عدت بعدها إلى لبنان مطلع العام 1975، وشاء القدر أن نمضي حياتنا العسكرية في أصعب مرحلة شهدت تفكك الدولة اللبنانية، واجتياح إسرائيل لبنان مرتين (1978 و1982)... وما تلاهما من أحداث. لقد حاولنا جاهدين من موقعنا في فوج المغاوير ضبط الأوضاع ووضعنا نصب أعيننا المحافظة على وحدة الجيش على الرغم من ضعف الإمكانات، لكن تسارع الأحداث كان أكبر من قدراتنا جميعًا إذ كانت ذات بعد دولي يصعب السيطرة عليه.
العام 1976 إنتقلت إلى جنوب لبنان وتحديدًا إلى ثكنة النبطية ومنها إلى ثكنة صور وبقيت فيها لغاية العام 1978. العام 1979 شكلت إلى ثكنة أبلح، وفي شهر نيسان من العام ذاته دخلت كآمر سرية في الجيش إلى قطاع عمل قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان. وبما أنني أتقن اللغة الإنكليزية عيّنت ضابط ارتباط مع هذه القوات وبقيت في هذا المركز (في قانا) حتى شهر أيار من العام 1982.
قبل الإجتياح الإسرائيلي بشهر، إنتدبت مرة جديدة لمتابعة دورة في الولايات المتحدة الأميركية، عدت بعدها إلى لبنان العام 1983 كضابط إرتباط مع قوات المارينز لفترة وجيزة، ثم عيّنت قائد كتيبة لتدريب مجندين في معسكر خدمة العلم في اليرزة. ويومها كنت أول ضابط في الجيش برتبة نقيب يتسلّم قيادة كتيبة (كتيبة تدريب وليس قتال).
العام 1984 كنت في اللواء السادس (ثكنة هنري شهاب) وبقيت فيه حتى أعيد توحيد الجيش في أوائل التسعينيات. وبهدف إعادة اللحمة إلى صفوف الجيش، إنتدبت مع 50 ضابطًا آخرين للقيام بدورة أركان في سوريا إستمرّت حتى مطلع العام 1993، شكلت بعدها إلى الهيئة العليا للإغاثة (الأمانة العامة للمجلس الأعلى للدفاع) وتوليت مهماتها إلى جانب أمين عام الدفاع وواكبت عملها في عدوان إسرائيل على جنوب لبنان العام 1993، وبقيت في هذا المنصب لغاية العام 1996 حيث انتقلت إلى اللواء الثالث في البقاع الغربي كمساعد لقائد اللواء. ثم انتدبت لدورة أركان حرب عليا في سوريا استمرّت حوالى 13 شهرًا عدت بعدها إلى لبنان وعينت قائدًا للواء الثالث في قطاع صور. والعام 2000 عيّنت مسؤول أمن منطقة الضاحية الجنوبية، ثم قائدًا للواء الثالث في البقاع الغربي، ومنه إلى مبنى وزارة الدفاع نائبًا لرئيس الأركان للعديد، قبل أن أقدم استقالتي من الجيش العام 2002.
العام 2009 ترشحت للإنتخابات النيابية عن منطقة بعلبك - الهرمل على لائحة كتلة الوفاء للمقاومة (مع العلم أنني غير ملتزم حزبيًا إنما أؤيد المقاومة التي من أهدافها محاربة إسرائيل) بعد أن ترشح شقيقي الدكتور إسماعيل سكرية عن المقعد ذاته العام 2005.
زاد عسكري للحياة المدنية
• كيف تقيّم تجربتك العسكرية بعد 32 سنة من الخدمة العسكرية؟
- إنّ من يدخل المدرسة الحربية ينتقل من ذهنية تلميذ مدني إلى تلميذ ضابط عسكري قوامه الإنضباط، إلتزام القوانين والحرص على تطبيقها، الإنصهار الوطني بين كل الطوائف، الإندفاع... أهم مراحل تستوقفني في حياتي العسكرية مرحلة خدمتي في الجنوب في مواجهة العدو الإسرائيلي خصوصًا إجتياح العام 1978 وما تبعه... لقد كان للعداوة مع إسرائيل تأثير كبير في سلوكي ومناقبيتي العسكرية.
• ما هو الزاد الذي خرجت به من المؤسسة العسكرية؟
- أهم ما خرجنا به من المؤسسة العسكرية هو أن الإنتماء إلى الوطن، وليس إلى جزء منه، فوق كل اعتبار آخر حتى ولو كان على حساب الإنتماء الطائفي أو المناطقي. لقد سعينا خلال وجودنا في المدرسة الحربية وبعدها إلى بقاء لبنان موحدًا وعدم تقسيمه وشرذمته.
• بالإنتقال إلى السياسة، كيف تقيّم تجربتك السياسية منذ انتخبت نائبًا؟
- منذ انتخبت نائبًا العام 2009 ونحن نعيش في لبنان وضعًا غير مستقر وخلافات سياسية تنعكس بمجملها شللاً في عمل الدولة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا... أمام هذا الواقع، وكنائب في كتلة الوفاء للمقاومة النيابية، فإن القرارات السياسية الكبرى تتخذها الكتلة مجتمعة وكثيرًا ما يؤخذ برأيي في بعض المسائل إلا أنني ألتزم ما يصدر عن الكتلة.
إنمائيًا، أنتمي إلى تكتل نواب منطقة بعلبك - الهرمل التي طالما حرمت من الإنماء المتوازن، ولم تكن في اهتمامات الحكومات إلا بعد انتخابات العام 2005 وخصوصًا العام 2009 حيث أصبح لها تمثيل في الحكومة وصُرفت الأموال اللازمة لتمويل بعض المشاريع الإنمائية كتحسين حال الطرقات وغيرها... طموحاتنا أكبر مما تحقق، ولكننا حققنا الجزء اليسير مما للمنطقة علينا من دين.
أما على صعيد اللجان، فأنا عضو في لجنتين مهمتين: الدفاع والداخلية والبلديات، والإدارة والعدل. ومع أنني لست حقوقيًا في مناقشة القوانين وأبعادها، إلا أنني أبدي رأيي في مواضيع عديدة وكثيرًا ما يؤخذ به.
إنجازات في الموقع السياسي
• ماذا قدمتم للجيش من موقعكم السياسي؟
- أنا المدافع الأول عن الجيش والحفاظ على حقوقه وهذا من واجبي كوني إبن المؤسسة العسكرية. ومن خلال وجودي في اللجنتين السابق ذكرهما، فإن القوانين التي لها علاقة بالجيش تمرّ عبري لإبداء الرأي فيها.
عمليًا، إن أول إنجاز لنا كان مشروع قانون مقدم من الحكومة (حكومة الرئيس فؤاد السنيورة) يتعلّق بفروقات الرواتب للعسكريين ما بين العامين 1996 و1999، والتي بالشكل الذي صدر فيه القانون كانت مجحفة بحق العسكريين وتحرمهم حوالى 30 إلى 40% من حقوقهم. بعد إنتخابات 2009، عدّل القرار بناء على اقتراح تقدّمت به، وعند التصويت حزنا أكثرية الأصوات بفارق قليل جدًا.
الإنجاز الثاني يتعلّق بتعديل قانون الدفاع وتحويل المدرسة الحربية إلى الكلية الحربية، بحيث أصبحت شهادتها بمنزلة إجازة جامعية. في السابق كان ممنوع على الضابط أن يحمل إجازة جامعية كي لا ينتقل بموجبها إلى ممارسة أي وظيفة مدنية. هل يعقل مثلاً أن يحرم رئيس أركان خدم 40 عامًا في الجيش وقاد مئة مؤسسة فيه من أن يعين محافظًا لإحدى المحافظات لأنه لا يحمل شهادة جامعية؟
الإنجاز الثالث كان مساهمتنا في تعديل قانون الدفاع لإعطاء الحوافز للضباط الذين يرغبون بتقديم استقالتهم من الجيش. وقد كان لقائد الجيش العماد جان قهوجي اليد الطولى في إنجازه بعد صولات وجولات قام بها مع المعنيين أسفرت عن تسجيل هدف آخر لمصلحة الجيش.
إنجاز آخر يتعلّق بتعديل فقرة في قانون الدفاع لمساواة العسكريين بالمدنيين تتيح للعسكري كما الموظف المدني أن يتزوّج للمرة الثانية بعد إحالته على التقاعد في حال وفاة الزوجة أو الطلاق، ويكون لزوجته الثانية كامل الحقوق بعد أن حُرم منها في السابق. وقد تمّت المصادقة عليه في الجلسة العامة وهو بانتظار إنهاء الخلافات السياسية.
مسألة أخرى تتعلّق بحقوق رئيس الأركان الذي يحل مكان قائد الجيش في حال غيابه أو شغور المنصب، رفض في المرة الأولى وأعيد طرحه في المرة الثانية. هذا إلى طرح العديد من إتفاقيات التعاون العسكري التي تصب في خدمة المؤسسة العسكرية منها شراء أسلحة، تدريب عسكري، تبادل خبرات مع دول: روسيا، الأردن، فرنسا، وغيرها.
الخندق واحد بين الزملاء
• للمجتمع العسكري خصائصه ومميزاته. ماذا تحمل معك منها إلى السياسة؟ وماذا تحمل إليه السياسة؟
- إن العسكري هو الجندي المجهول الذي يعمل ولا يتكلم، هو الصامت الأكبر، وهذا ما يتمرّس عليه خلال الخدمة. أنا لست الضابط الوحيد في المجلس، وأعمل بضمير ووفق قناعاتي ويعود الفضل في ذلك إلى تربيتي العسكرية. أما الشق الثاني من السؤال، فلا أجد أي تأثير للسياسة على العمل العسكري. من يلبس الشخصية العسكرية على مدى 32 سنة من الصعب أن تتغير مبادئه لمجرد أن أصبح نائبًا. ما زلت أعمل كما لو كنت في الجيش ولكن الوظيفة اختلفت.
• أي لقب أحب إلى قلبك: سعادة النائب أو العميد الركن سكرية؟
- طبعًا العميد الركن سكرية وبهذا الإسم أعرّف عن نفسي لأنه أصبح جزءًا متجذرًا في شخصيتي. وهنا أودّ أن أوجّه تحية إلى كل زملائي النواب الآتين من المؤسسة العسكرية، في النهاية كلنا نعمل في خندق واحد. أما لباقي زملائي النواب، فأتمنّى لو أنهم يخضعون لدورة تجنيد إجباري لمدة ثلاث سنولت وليس لسنة واحدة.
كما أتمنّى لكل الشعب اللبناني أن يتعسكر ويتربّى على المناقبية العسكرية.
وكل عيد جيش وأنتم بخير.
تصوير: الرقيب جو طويل