قضايا معيشية

الوصفة الطبيّة الموحّدة
إعداد: تريز منصور

مشروع عصري يؤسّس للحداثة في القطاع الطبي اللبناني
ثلاثة عصافير بحجر واحد

خلال الشهر الجاري يفترض أن تبصر النور  الوصفة الطبية الموحدة والتي توجب على الطبيب اختيار الدواء الأنسب والأقل كلفة لعلاج المريض، على أن يكون متاحًا للصيادلة استبدال الدواء الاساسي (Original) بآخر من فئة الجنيريك (generique) في حال لم تتضمن وصفة الطبيب اشارة «N.S»، أي غير قابل للاستبدال.
ومن المرتقب أن يؤدي اعتماد هذه الوصفة إلى إصابة عدة عصافير بحجر واحد: العصفور الأول هو محاربة الاحتكار الذي تمارسه شركات الأدوية على حساب المرضى، والثاني هو تخفيض حجم الفاتورة الدوائية في لبنان علمًا أنها تصل إلى نحو 120 مليار ليرة لبنانية سنويًا، أما العصفور الثالث، فهو تمويل المعاشات التقاعدية للأطباء.

 

من البداية
في 8 كانون الأول 2011، أطلقت وزارة الصحة ونقابتا أطباء لبنان في بيروت والشمال الوصفة الطبية الموحدة التي اعتبرها المعنيّون انجازًا تاريخيًا في العمل الصحي والطبي في لبنان.
في 15 كانون الثاني 2014، باشرت نقابة الأطباء في الشمال بتسليم الوصفة الطبية الموحدة للعمل بها وتقديمها إلى جميع الجهات الضامنة، باستثناء الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي الذي لم يتمّ الإتفاق معه على آلية تطبيقها.
وفيما حذّرت نقابة أطباء الشمال من استعمال أيّ نموذج آخر حتى في المستوصفات والمؤسسات الطبية، إلّا أنّ 1500 طبيب فقط من أصل 15000 بدأوا باستخدام الوصفة الطبيّة الموحّدة.
أما في بيروت، (حيث العدد الأكبر للأطباء)، فقد حال اختلاف وجهات النظر في نقابة الأطباء حول الوصفة الطبية الموحّدة دون اعتمادها.
وفي مطلع شباط الماضي أعاد الوزير وائل أبو فاعور إحياء تطبيق الوصفة الطبية الموحّدة  من خلال اتفاق تمّ بين جميع المعنيين بتطبيقها، نقابة الأطباء، نقابة الصيادلة والصندوق الوطني للضمان الإجتماعي.
ومنعًا للخلل، تتضمّن الوصفة الطبية الموحّدة ثلاث نسخ:  واحدة للمريض، أخرى للصيدلي وثالثة للطبيب، وهي تحمل رمز نقابة الأطباء منعًا لتزويرها، ولها رقم متسلسل.
مع الإعلان عن بدء اعتماد هذه الوصفة، كيف ينظر  المعنيون بها إلى هذه الخطوة؟ وهل من  معوقات تحول دون  التقيّد بها؟

 

نقابة الأطباء
يعتبر نقيب الأطباء الدكتور أنطوان البستاني أن للوصفة الطبيّة الموحّدة عدّة فوائد. ولكن في لبنان، لا تطبّق القوانين بسرعة، وبالدقة  اللازمة، ناهيك عن الثغرات التي من الممكن أن تواجهها عملية التطبيق.
ويضيف الدكتور البستاني: صدر قانون الوصفة الطبية في العام 2011، ولكن الخلافات داخل النقابة، أخّرت عملية التطبيق لغاية اليوم. ويوضح أن لهذه الوصفة هدفين إثنين، الهدف الأول يخصّ النقابة وهو تأمين المعاشات التقاعدية للأطباء، والثاني يخصّ المواطن، فهو يتعلّق بضرب سوق الإحتكار في لبنان، وبتخفيض الفاتورة الطبيّة. 
وأمل البستاني أن يكون تطبيق القرار المتعلّق بالوصفة الطبية الموحّدة لمصلحة الطبيب والمريض على حدٍّ سواء، وأن يؤدي إلى تحسين الأداء في القطاع الصحي اللبناني، فعلى الرغم من وجود عقبات قد تواجه التطبيق في البداية  فإن الجميع مستعدّ لتذليلها.

 

نقابة الصيادلة
من جهته يعتبر رئيس إتحاد الصيادلة العرب ونقيب صيادلة لبنان الدكتور ربيع حسونة أن «المستفيد الأول من اعتماد الوصفة الطبيّة الموحّدة هو المواطن اللبناني، إذّ أنها تخفض كلفة فاتورة الدواء وما ترتبه من أعباء على ميزانية الدولة والضمان الاجتماعي وعلى المواطن، وهي تساهم في تنظيم استعمال الدواء. وأشار حسونة  إلى أنّ مقاربة هذا الموضوع من زاوية المصلحة المادية للصيادلة تبين أنه يعود بالخسارة عليهم، لأنهم سوف يكونون مطالبين بصرف الدواء الأقل سعرًا. وأضاف: لأنّنا نمارس مهنة إنسانية، فنحن على انحياز تام إلى جانب المواطن، ومؤتمنون على صحته، لذلك كنّا من المبادرين إلى سنّ القانون ومطالبين باعتماده، وسوف نقوم بتداول الوصفة من دون تردّد فور البدء بتطبيقها».
وقال: «الإيمان بأي مشروع، يساهم في إنجاح تطبيقه، ونحن مؤمنون بهذا المشروع الإنساني، ومع تطبيق الوصفة الطبية الموحدة، على اعتبارها قانونًا عصريًا يطبّق في معظم دول العالم، تحت إسم قانون استبدال الدواء. ولكن لكي ينجح التطبيق، على الجميع أن يكونوا شركاء في ذلك. في الدول المتحضّرة الصيدلي شريك تدعمه الدولة بنسبة معينة، فليس من المنطقي أن تخسر الصيدليات ولا سيّما الصغيرة منها، نسبًا من أرباحها. فللمواطن حق  في العلاج الدوائي بكلفة مقبولة، وكذلك للصيدلي حق في تأمين باب رزقه».
وعن العلاقات بين الصيدليات وشركات الأدوية التي تسهّل تسويق منتجات مقابل أرباح أو حسومات، أكدّ النقيب أنه من غير الممكن تعويض خسائر الصيادلة، حتى ولو وجدت اتفاقات بينهم وبين شركات الأدوية. واعتبر أن الخلل يجب أن يعالج، من خلال دعم تقدمه وزارة الصحة.
وأكد الدكتور حسونة أنّ جميع الأدوية المسجّلة في وزارة الصحة الجنريك أو ذات العلامةً التجارية والمتوافرة في الصيدليات، هي أدوية ممتازة وذات فعالية وجودة عالية، ولكن على وزراة الصحة  القيام بخطوات أساسية هي:
- التأكد من اعتماد الوصفة الطبية الموحّدة وتطبيقها من قبل جميع الأطباء والمؤسسات والمستشفيات، وخصوصًا المستوصفات، حتى لا يدفع الصيدلي  وحده، ضريبة تطبيق القانون، ومن أجل أن نكون قد حققنا بالفعل للمواطن وللمريض إنجازًا يستحقه.
- ضبط عمليات بيع الهرمونات واللقاحات من قبل بعض الأطباء والنوادي الرياضية، لما يشكل من مخالفة لقانون الوصفة الطبية، وخطرًا على صحة المواطن والشباب، ناهيك بالشكّ في جودة هذه الأدوية من ناحية التخزين والحفظ.
- الشروع في اعتماد البطاقة الصحية ومكننتها، بدءًا من وزارة الصحة العامة، مرورًا بالأطباء والضمان الاجتماعي وصولاً إلى نقابة الصيادلة.
- العمل على وضع آلية تضمن نجاح هذه الخطوة عبر إنشاء لجنة تشرف على حسن تطبيقها.

 

الضمان الإجتماعي: تعديل المادة 42
اعتماد الوصفة الطبية الموحّدة كان يصطدم بعقبة قانونية ، وقد أزيلت هذه العقبة بعد موافقة مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي بالإجماع، على تعديل المادة 42 فأصبحت قانون مزاولة مهنة الصيدلة على الشكل الآتي:
لا يدفع الصندوق إلا ثمن الدواء والمواد الصيدلانية التي يصفها طبيب متعاقد مع الصندوق، ويحق للصيدلي وخلافًا لأي نص آخر أن يصرف لحامل الوصفة الطبية دواء تحت إسم جُنيسي (generique or brand generique) غير المذكور فيها، وذلك ضمن الشروط المحدّدة في المادة 47 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة في لبنان.
بهذا التعديل، سقطت العقبات التي افتعلها معارضو الوصفة الطبية الموحّدة، غير أن الأيام الآتية سوف تحكم ما إذا كان هؤلاء قادرين على إضعاف قدرة النموذج النهائي لهذه الوصفة، في تحقيق الهدف الأساسي من العمل بها: خفض كلفة الفاتورة الدوائية في لبنان.

 

وزارة الصحة
مدير العناية الطبية في وزارة الصحة الدكتور جوزف حلو أكد بدوره أن قانون الوصفة الطبيّة الموحّدة موجود منذ العام 2011، وقد طبقته نقابة أطباء الشمال، لكن بعض الخلافات الداخلية أدّت إلى  توقّف العمل به. واليوم أعاد وزير الصحة وائل أبو فاعور تفعيله. لقد كانت هناك بعض الإعتراضات من الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، ومن بعض الأطباء. اعتراض الجهة الأولى كان سببه تعارض بعض موجبات القانون مع المادة 42 من قانون مهنة مزاولة الصيدلة، وقد حلّت  المشكلة بتعديل المادة المذكورة. أما اعتراض الأطباء فسببه أن القانون سوف يجبرهم على كشف دخلهم الحقيقي، علمًا أن المستفيد الأول من تطبيق الوصفة الموحّدة هو الطبيب نفسه، لأنها تغذّي صندوق التعاضد الخاص بالأطباء.  
وأضاف الدكتور حلو: سوف تطبّق الوصفة الطبيّة الموحّدة إعتبارًا من منتصف تموز الجاري، أيّ فور الانتهاء من طباعة الدفاتر الخاصة بها. وتطبيقها سوف يساهم في تخفيض فاتورة الدواء على المدى الطويل، وهذا ما يمكن التأكد منه بواسطة الدراسات التي يقوم بها نظام معلوماتية خاص، هدفه مراقبة التطبيق في جميع المناطق والمراحل، بدءًا من المعاينة الطبيّة، مرورًا بالصيدليات، وصولاً إلى الضمان الإجتماعي، ووضع التقارير الإحصائية الدقيقة التي تُظهر مدى جدوى تطبيق الوصفة الموحّدة لناحية خفض قيمة الفاتورة الإستشفائية بشكل عام والدوائية بشكل خاص، ومكامن الخلل في تطبيقها. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن كلفة الفاتورة الإستشفائية في لبنان تبلغ نحو 420 مليار ليرة لبنانية سنويًا، ثلث هذه القيمة، أي نحو 120 مليار ليرة لبنانية عائد إلى الفاتورة الدوائية.

وحول مطالبة الصيادلة بتحقيق الشراكة مع الدولة إسوة بدول العالم، أكدّ الدكتور الحلو «أن قانون تبديل الدواء يطبّق منذ نحو عشرين عامًا في الدول المتطوّرة، وأن نسبة استخدام الجينيريك في أوروبا تصل إلى 95 في المئة، وأن الصيدلي في لبنان شريك مع الدولة، التي حدّدت هامش ربحه بـ 25 في المئة. مما يعني أن ربح الصيدلي لن يتغيّر في حال باع دواء مرتفع الثمن أو آخر منخفض الثمن. إن الوصفة الطبيّة الموحّدة تدخل ضمن السياسة العامة لتطوير الملف الطبي بشكل عام، وبالتالي لن تقف الوزارة عند التفاصيل الصغيرة».
وأكد الدكتور حلو «أن كل دواء مسجّل في وزراة الصحة العامة مطابق للمعايير العالمية لجودة الدواء بناء على تقرير صادر عن اللجنة الفنية لمنظمة الصحة العالمية، وعند شكّ لجنة التفتيش الصيدلى في الوزارة، بدواء ما يتمّ فحصه في مختبرات عشر جامعات في لبنان».    
كما أشار إلى أن «وزارة الصحة تلاحق مع السلطات المعنية كل الصيدليات ومستودعات الأدوية المسوّقة للأدوية المزوّرة، وقد صودر أحد المستودعات في الفترة الأخيرة ».
وختم الدكتور الحلو بالقول:  قد تظهر في الفترة الأولى من تطبيق الوصفة الطبية الموحّدة عثرات كثيرة وبلبلة، ولكن كل شيء قابل للتوضيح وللحل.