كلمتي

بالوحدة والشهداء:انتصر لبنان
إعداد: العميد الركن صالح حاج سليمان
مدير التوجيه

من رأى تقاطر اللبنانيين الى ملعب فؤاد شهاب الرياضي في جونيه، رجعت به الذاكرة الى مدن لبنان وقراه من الشمال الى الجنوب، ومن الجبل الى البقاع، وهي تحتفل بعودة جيشها الى ثكناته مظفّراً منتصراً، واستقرت به المشاهد، مؤرّخة موثّقة مفسّرة بالصورة والرقم واليوم والساعة، في مدينة بيروت عاصمة لبنان الإدارية والوطنية، وعاصمة العرب الفكرية والثقافية، ومحطة الغرب والشرق اللذين ينتظران لها، ويتمنيان، استمرار الأمن واكتمال الأمان.
من رأى تقاطر اللبنانيين، أفراداً وعائلات، أهلاً للشهداء وبنات وأبناء، جيراناً للأبطال وحبيبات، سياسيين وتربويين وإداريين وعمال مصانع وحقول، سأل واستفسر وأجاب نفسه بنفسه: إن شعب لبنان يحتفل اليوم بالنصر، وإن جنوده يجدّدون العهد لأبناء وطنهم بالاستمرار في السهر والتضحية وبذل الغالي، وإن المؤسسة العسكرية تكرّم شهداءها، وتؤكّد وقوفها الى جانب أهاليهم وعائلاتهم.
بالمقابل، من رأى ما رأى، ومن رأى ما رأينا، ومن رأى ما رأيتم تأكدت لديه متانة الإرادة اللبنانية الجامعة، وانتصار البلاد بالعقل والساعد، بالعرق والدم، وانتصارها بالسياسة في مكان، وعلى السياسة في مكان.
ومن رأى، استرجع مشاهد أهالي الشهداء أمام المستشفى العسكري في بيروت، وأمام مستشفيات الشمال، وهم يتسلّمون رفات فلذات أكبادهم بيد، ويتعهّدون مواصلة التضحيات بيد أخرى، فاختلط عليهم الأمر بين البكاء والكبرياء، وبين النّواح والصّياح، وعادوا بالأبطال الى مساقط رؤوسهم الشامخة تتقدمهم القبعات الحمراء، وتلحق بهم أكاليل الغار... بذلك كان التعويض عن نقص العتاد وشحّ الطلقات، وبذلك كان الخشوع أمام آلام الجرحى ومهابة المستشهدين.
أما من استطاع الاستسلام لخياله في واقع الانتصار ذاك، فقد تيسّر له أن يرى أرواح الشهداء مرفرفة فوق المكان، تضبط المشاعر وتوجّه العواطف وتزيد من الالتزامات وتحدد الواجبات بمواصلة العمل لتوحيد الجهود وضمّ السواعد. أرواح الشهداء قالت: كما أنتم تجتمعون لتكريمنا، اجتمعوا للحفاظ على ما تبقى من أبطالكم ومن بنات وأبناء وطنكم. وكما أنتم تحفظون الذكرى لما سبق من أيامكم وفاءً وعرفاناً، أقيموا الوعد لما قد يأتي مع غدكم بترسيخ وحدتكم ومنع خلافاتكم من تدمير البنيان وإيلام الإنسان، وكما أن الوطن لا يحيا إلا بشهدائه، فإنه لا يسعد إلا بتضامن أحيائه، وبعض الأيام هو للشهادة، وبعضها بالتأكيد... هو للحياة.