زيارة رسمية

تلبية لدعوة رسمية من نظيره الروسي

الرئيس العماد سليمان يعتبر أن لروسيا دوراً هاماً في إرساء سلام عادل وشامل في المنطقة

 

الرئيس ميدفيديف يؤكد دعم بلاده الكامل لبنان في مختلف المجالات ويصف الزيارة بـ«التاريخية»

 

في خطوة هي الأولى من نوعها لرئيس لبناني، قام الرئيس العماد ميشال سليمان بزيارة رسمية الى روسيا الاتحادية على رأس وفد رسمي، تلبية لدعوة رسمية من نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف.
تمحورت الزيارة التي وصفها الرئيسان اللبناني والروسي بـ«التاريخية» حول عملية تطوير وتعزيز أواصر الصداقة وعلاقات التعاون بين بلديهما، وأودت الى نتائج إيجابية من بينها تأكيد الرئيس ميدفيديف على دعم بلاده الكامل لبنان في مختلف المجالات، وموافقة روسيا على استبدال المساعدة العسكرية من طائرات «ميغ 29» بطوافات عسكرية من طراز «مي 24» المتطورة، والتي تعتبر من أهم الطوافات العسكرية في الصناعة الروسية، إضافة الى توقيع إتفاق تعاون عسكري يؤدي الى تعاون مستمر في مجالات التجهيز والعتاد والتدريب بين الجيشين اللبناني والروسي.


لقاء ثنائي
توّجت الزيارة الى موسكو بقمة لبنانية - روسية، بدأت بلقاء ثنائي بين الرئيسين سليمان وميدفيديف في القاعة الخضراء في قصر الكرملين، تحوّل الى اجتماع موسّع انضم اليه أعضاء الوفدين اللبناني والروسي.
في بداية القمة، رحّب الرئيس الروسي بنظيره اللبناني واصفاً الزيارة التي يقوم بها بـ«التاريخية». ثم تناول العلاقات الثنائية بين البلدين، مؤكداً دعم روسيا الكامل لبنان، واهتمامها بتعزيز قدرات الجيش اللبناني والقوى الأمنية لصون لبنان وحمايته.
من جهته، شكر الرئيس سليمان نظيره الروسي لاستقباله الحار، واعتبر أن لروسيا دوراً هاماً تؤديه من أجل إرساء سلام عادل وشامل في المنطقة. كما وضع نظيره الروسي في أجواء التهديدات الإسرائيلية المتواصلة بحق لبنان، داعياً روسيا الى اعتماد أساليب ضغط مناسبة لإلزام إسرائيل تطبيق القرارات الدولية، خصوصاً تلك المتعلّقة بعودة الفلسطينيين الى أرضهم، مجدداً موقف لبنان الرافض التوطين.
وأشار الرئيس سليمان في حديثه الى الأهداف الثلاثة التي يأمل تحقيقها من خلال زيارته الى موسكو، وأولها أن تبقى روسيا الى جانب لبنان في القضايا المصيرية التي تواجه منطقة الشرق الأوسط. أما الهدف الثاني فهو تحسين العلاقات الثنائية على المستويات الثقافية والإقتصادية والتجارية والسياحية. في حين أن الهدف الثالث هو التنسيق في مجال عضوية لبنان غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي كون روسيا عضواً دائماً في هذا المجلس.

 

اللقاء الصحافي
أعقب القمة الموسّعة لقاء صحافي في صالون «المليخيت»، تلاه صدور بيان مشترك حول تفعيل عملية تطوير وتعزيز أواصر الصداقة وعلاقات التعاون بين الجمهورية اللبنانية والإتحاد الفدرالي الروسي.
تحدث الرئيس ميدفيديف خلال اللقاء الصحافي عن العلاقات الثنائية الإيجابية بين لبنان وروسيا، وعن فرص تعزيزها في عدة مجالات من بينها الثقافة والتعليم والطاقة والإستثمارات والمياه والملاحة البحرية والسياحة وحماية البيئة. وأكد أن هناك آفاقاً جديدة تفتح في ما يتعلّق بالتعاون العسكري الفني.
من جهة أخرى تطرّق الرئيس الروسي الى الدور الذي يضطلع به لبنان كونه بات عضواً غير دائم في مجلس الأمن، وشدّد على أن روسيا ترفض أي محاولات تهدف الى التدخّل في شؤون لبنان الداخلية، وهي تدعو الى الحفاظ على سيادة أراضي الجمهورية اللبنانية ووحدتها، وأنه على اللبنانيين أن يحلّوا مسائلهم كافة بأنفسهم وفق ما ينص عليه الدستور اللبناني.

 

الرئيس سليمان
بدوره، شكر الرئيس سليمان نظيره الروسي على تأييد دولته الدائم لبنان، ومساهمتها في اعتماد القرار 1701 الذي يلتزمه لبنان ويعمل على إلزام إسرائيل على تطبيقه. وأشار الى توافق لبنان وروسيا على ضرورة السعي لإزالة العراقيل التي تحول دون إحياء عملية السلام الشامل والكامل في الشرق الأوسط على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. وإذ أكد على تصاعد وتيرة التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان ومؤسساته، فإنه دعا الى تحرّك دولي وقائي ورادع لوقف هذه التهديدات، ولا سيما على صعيد مجلس الأمن.
وتناول الرئيس اللبناني في حديثه ظاهرة الإرهاب وتأكيد البلدين على التعاون والتنسيق من أجل مواجهة هذا الخطر.

 

التعاون العسكري
كذلك تطرّق الى موضوع التعاون العسكري بين بيروت وموسكو، موضحاً أن الحكومتين تسعيان الى تحقيق تعاون طويل الأمد، علماً أنه سيتم تعزيز التعاون القائم مع روسيا في مجال نزع الألغام والتخلّص من القنابل العنقودية.
وأشاد الرئيس اللبناني بالمساعدات العسكرية التي قدّمتها روسيا للجيش اللبناني وأهمها الإستعداد لتقديم عشر طائرات من طراز «ميغ 29» كهبة لسلاح الجو اللبناني، ما ساهم في ضرورة توقيع اتفاق تعاون عسكري يرتكز على تزويد الجيش بالعتاد وتدريب العسكريين والضباط. والجدير بالذكر، أنه في متابعة للملف العسكري بين الجانبين، وبناءً على طلب الجانب اللبناني الذي قام بدراسات تقنية ومهنية تتعلّق بالهبة الروسية، وافقت السلطات الروسية على استبدال المساعدة العسكرية من طائرات «ميغ 29» بطوافات عسكرية من طراز «مي 24» المتطورة والتي تعتبر من أهم الطوافات العسكرية في الصناعة الروسية، وذلك لسدّ حاجة الجيش الملحّة لهذا النوع من المروحيات خصوصاً مع تزويدها صواريخ خاصة بها.

 

لقاءات وزيارات
عقد الرئيس سليمان في أثناء وجوده في موسكو سلسلة من اللقاءات مع شخصيات دينية وديبلوماسية وثقافية، إستهلها بلقاء مع المعتمد البطريركي للكنيسة الإنطاكية الأرثوذوكسية لدى البطريركية الأرثوذوكسية لموسكو وعموم روسيا المطران نيفون صيقلي، الذي أطلعه على أوضاع أبناء الجالية في موسكو ودور المطرانية في تثبيت إنتمائهم لوطنهم الأم.
والتقى الرئيس ايضاً بطريرك الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية البطريرك كيريل الذي تحدث بإسهاب عن العلاقات القلبية الطيبة التي تربط الكنيسة الأرثوذوكسية بالشعب اللبناني. وفي ختام اللقاء، قدّم البطريرك الى الرئيس سليمان هدية تذكارية عبارة عن شمعدانين ذهبيين نادرين، وقدّم له رئيس الجمهورية قطعة من خشب الأرز محفورة على شكل أرزة وفي داخلها قطعة من النقود البيزنطية النادرة.
وزار الرئيس سليمان دار الإفتاء الروسي حيث التقى رئيس مجلس شورى المفتيين لروسيا المفتي راوي عين الدين، وتناول الحديث الدور الذي يقوم به المسلمون في إغناء حوار التقارب العملي بين مختلف أبناء الشعب الروسي.
والتقى الرئيس سليمان أبناء الجالية اللبنانية في العاصمة الروسية في فندق «الريتز» خلال حفل استقبال أقامه سفير لبنان في موسكو عاصم جابر على شرف الرئيس والوفد المرافق.
وتناول في حديثه اليهم موضوع إقتراع المغتربين مشيراً الى أنه «لا يوجد رابط بين تخفيض سن الاقتراع واستعادة الجنسية، فالأمران يجب أن يتم إقرارهما، واقتراع المغتربين أمر نص عليه البيان الوزاري وتضمنه قانون الانتخابات النيابية، وهذا حق للمغتربين الذين سيقترعون. لا يجوز أن نعيد الجنسية لمن فقدها من باب التوازن الطائفي، ولذلك قلت بعدم الربط بين المسألتين، بل لجذب المغترب وجعله أكثر تعلقاً بوطنه ومشاركته في الحياة السياسية، وإيصال لبنان بشكل أكبر الى اللبنانيين الذين فقدوا جنسيتهم من جراء الإهمال، وتوسيع قدرة لبنان في عالم الإنتشار الذي نتغنى به دوماً، وهذا يتم باستعادة الجنسية. لذلك، يجب إقرار هذه المواضيع الثلاثة من دون أي ربط بينها. علينا وضع آلية للتعيينات، تكون منصفة وتوصل الكفوء من أي مكان كان، تماماً كما يحصل في تعيينات الجيش اللبناني فالمناصب القيادية في الجيش موزعة مناصفة إنما ليس على أساس الإنتماء المذهبي للضابط أو السياسي، بل على العكس لأن من يظهر انتماء الى المذهبية أو السياسة، يتم استبعاده عن الوظيفة في الجيش، من هنا نقول إن الوحدة الوطنية محققة في الجيش بشكل ممتاز، وهذا ما يجب أن تصبح عليه الدولة، احتراماً للشباب  وخياراتهم السياسية، كي لا يشعر أن المرشح اختار انتماءً سياسياً أو حزباً لأجل الوصول الى منصب ما، واحتراماً للمنصب الذي يدفع الشعب ضرائب في سبيل المحافظة عليه، فلا يصل المسؤول الى المنصب عبر انتمائه السياسي بل الوطني، والتضحيات التي قدّمها في سبيل الوطن، فهذا يحتاج الى آلية تعيينات تبعد الطائفية السياسية».
والتقى الرئيس سليمان السفراء العرب المعتمدين في موسكو الذين تحدث بإسمهم عميد السلك السفير اللبناني عاصم جابر، مرحباً برئيس الجمهورية ومشيراً الى ما تحقق على الساحة اللبنانية في ظل سياسته.
وفي يومه الأخير في موسكو، زار الرئيس سليمان مقر مجلس الدوما حيث التقى رئيسه السيد بوريس غريزلوف، الذي أكد وقوف بلاده الى جانب لبنان مشيراً الى أن الإتحاد السوڤياتي كان من أول الدول التي اعترفت باستقلال لبنان العام 1943.
ومن ضمن زياراته، جال الرئيس سليمان والوفد المرافق في الساحة الحمراء حيث اطلعوا على معالمها التاريخية العريقة.
كما زار الرئيس سليمان نصب الجندي المجهول في حديقة الكسندروفسكي قرب الكرملين، حيث استقبله عدد من كبار ضباط الجيش الروسي، وقام بوضع إكليل من الزهر.

 

شهادة الدكتوراه الفخرية
في ختام زيارته، انتقل الرئيس والوفد المرافق الى مقر معهد «مغيمو» الدولي الروسي للدراسات الاستراتيجية والديبلوماسية والسياسية التابع للخارجية الروسية. وكان في استقباله عند المدخل رئيس الجامعة أناتولي توركونوف ونائبه السيد فرابيوف، وعرضا له تاريخ المعهد وكبار المحاضرين الذين استضافهم ومن بينهم الرئيسان الأميركيان جورج بوش الأب وبيل كلينتون والمستشارة الألمانية انجيلا ميركيل والأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي أنان.
بعدها انتقل الجميع الى قاعة المحاضرات الكبرى في الجامعة حيث ألقى السيد توركونوف كلمة ترحيبية بالرئيس سليمان، ثم طلب من الحضور الوقوف لتقديم الشهادة التي ورد فيها: «إن المجلس الأكاديمي لجامعة موسكو الوطنية ومعهد «مغيمو» للعلاقات الدولية التابع لها قرر منح الدكتوراه الفخرية لفخامة الرئيس العماد ميشال سليمان، رئيس الجمهورية اللبنانية، لمساهمته الفاعلة في تدعيم أسس السلام وتوطيد أوجه التعاون الدولي وعلاقات الصداقة بين الأمم»، فيما منح الرئيس سليمان السيد توركونوف درع الرئاسة.
وبعد تسلّمه شهادة الدكتوراه وارتدائه الثوب والقبعة الخاصين بالمناسبة، ألقى الرئيس سليمان محاضرة تناول فيها دور لبنان التاريخي والحضاري وعلاقاته الدولية مستعرضاً الأسس التي قامت عليها هذه العلاقات بشكل عام ومع روسيا بشكل خاص، هنا نصها:
حضرة رئيس الجامعة
السيدات والسادة الأساتذة
سعادة السفراء
السيدات والسادة
بكل مشاعر الصداقة والإعتزاز، أعبّر لكم عن سعادتي بمنحي شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعتكم العريقة التي نكنّ لها كل تقدير. هذه الجامعة ذات التأثير العالمي الواسع، والمكانة العلمية المرموقة والتي تلعب دوراً مميّزاً في تاريخ بلدكم العظيم، وقد تخرّج منها كبار في ميادين الفكر والسياسة والدبلوماسية، ودخلت مؤخراً مجموعة غينيس العالمية، نظراً للرقم القياسي الذي سجّلته في تدريس اللغات.
أتوجّه بالشكر الخالص لرئيس الجامعة وأساتذتها والعاملين فيها على هذه المبادرة النبيلة التي طبعت في نفسي شعوراً مؤثراً وأظهرت مدى الاهتمام والتقدير للبُعد العلمي والثقافي والفكري الذي ترتكز عليه العلاقات بين بلدينا.
وإنني من على هذا المنبر أتمنى أن يكون هذا اللقاء مناسبة لتعميق التعاون والتواصل بين جامعاتنا ومعاهدنا العلمية في مجالات البحث والتعليم والتدريب كافة. كيف لا، وقد تخرّج العديد من مفكرينا وعلمائنا من المدارس والجامعات الروسية التي أعطت لبنان كوكبة رائدة من الأدباء والعلماء والأطباء والمهندسين والموسيقيين والرسّامين... كما ساهمت مجموعة رائدة من المستشرقين الروس، في تعريف الشعب الروسي الى الحضارة العربية عموماً واللبنانية خصوصاً طوال عقود. إضافة الى دور الكنيسة الأورثوذوكسية في مجال التثقيف وتعزيز التفاعل الحضاري بين شعبينا عبر العصور.


أيها الأصدقاء
إنها المرة الأولى التي يقوم فيها رئيس للجمهورية اللبنانية بزيارة رسمية الى روسيا منذ استقلاله العام 1943، وإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين العام 1944، وهي زيارة يمكن وصفها بالتاريخية من هذا المنطلق، يسرني بالتالي أن أتواصل معكم في هذا الإطار الجامعي المعروف بسعة اطلاع المشرفين عليه وبرفيع مستوى روّاده.
لقد طغت على صورة لبنان خلال العقود الماضية مشاهد العنف والحروب التي شهدها أو شنّت عليه. ويبقى من أولى واجباتنا اليوم أن نسعى للإضاءة على صورة لبنان الفعلية والمشرقة التي تكوّنت عبر تاريخه الطويل ومكّنت شعبه من الصمود بعزّة وكرامة في وجه التحديات كافة.
إن لبنان، أيها الأعزاء، أرض حضارة قديمة وعريقة، نقل شعبها، انطلاقاً من شواطئه المتوسطية المسالمة، منذ آلاف السنين، عناصر أبجدية متقدمة الى اليونان، ومنها الى القارة الأوروبية، مغلّباً لغة الحوار والتبادل الحر في تعاطيه مع العالم الخارجي.
ولبنان، الذي يعود دستوره الى العام 1926، يمثّل أقدم ديمقراطية برلمانية في الشرق الأوسط؛ ويعتمد حرية الرأي والمعتقد، وتتعايش على أرضه ثماني عشرة طائفة مختلفة تتشارك في السلطة على قاعدة ميثاقية توافقية. وقد عرف في إطار سعيه لممارسة الديمقراطية تداولاً للسلطة عبر انتخابات نيابية ورئاسية دورية، بالرغم مما تعرّض له من أزمات واعتداءات وحروب أعاقت لفترة، قدرة سلطته المركزية وحسن عمل مؤسساته.
لبنان عضو مؤسس لمنظمة الأمم المتحدة ولجامعة الدول العربية، وشارك في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وساهم بصورة فعلية في النهضة الأدبية والفكرية العربية أواخر القرن التاسع عشر، وأمسى منذ منتصف القرن الماضي مركزاً ثقافياً وطبياً وجامعياً ومصرفياً وسياحياً للشرق الأوسط، ومنبراً للرأي الحر.
وقد نسج الشعب اللبناني مع الشعب الروسي عبر القرون الماضية، وشائج إنسانية وفكرية روحية تشهد عليها دُور عبادتنا ومحفوظاتنا وكتب التاريخ.
إلاّ أن لبنان كدولة ناشئة تعرّض لانتكاسة أولى من جراء النكبة التي حلت في فلسطين العام 1948، وأدّت الى تدفق عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين الى أرضه المحدودة المساحة والموارد. ثم عاد وعانى أزمات داخلية وتعرّض منذ نهاية الستينيات الى اجتياحين إسرائيليين واسعين العامين 1978 و1982، أدّيا لاحتلال أجزاء من أرضنا الغالية، والى سلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية المدمرة كان آخرها عدوان تموز 2006، وهي اعتداءات استدعت صدور القرار 452 عن مجلس الأمن الدولي العام 1978، والقرار 1701 العام 2006، والتي دعت جميعها لانسحاب إسرائيل بدون شروط من جميع الأراضي اللبنانية، وعهدت الى قوة الأمم المتحدة العاملة في الجنوب، المعروفة باليونيفيل، بمهمة مساعدة الحكومة اللبنانية على استعادة سيادتها وبسط سلطتها على كامل تراب الوطن.
وقد وجد لبنان دوماً في روسيا المناصر القوي والداعم الحازم في مواجهة هذه المحن.
هذا، وكان لبنان قد تمكّن، بفضل تضامن شعبه ومقاومته وجيشه من تحرير معظم أراضيه المحتلة العام 2000، وهو يسعى اليوم لفرض تنفيذ القرار 1701 بجميع مندرجاته، واسترجاع ما تبقى له من أراضٍ محتلة في الجزء الشمالي من قرية الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا، بمختلف الطرق المتاحة والمشروعة، وذلك بالتزامن مع سعيه للتوافق على استراتيجية وطنية دفاعية شاملة. ويستند لبنان لتحقيق هذه الأهداف على مجمل قدراته الذاتية وعلى دعم الدول الصديقة ومنظمة الأمم المتحدة المسؤولة الأولى عن المحافظة على الأمن والسلم الدوليين.
كما تمكّن من تحسين معدلات نموه واستقطاب المزيد من السواح والمستثمرين وتفعيل حركته الثقافية بحيث أُعلنت بيروت العام الماضي عاصمة دولية للكتاب ونُظّمت في ربوع لبنان مؤتمرات ومهرجانات فنية رفيعة المستوى.
وبموازاة هذا الجهد، فإنكم تقدّرون بأن توطيد السلام والاستقرار والتقدّم في لبنان، بفعل تداخل المشاكل الإقليمية وتشعّبها، يبقى بحاجة لتحقيق سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط ككل. وعناصر هذا الحل متوافرة بحد ذاتها في قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومرجعية مؤتمر مدريد وضماناته،  والمبادرة العربية للسلام التي اعتمدها القادة العرب بالإجماع في بيروت العام 2002، هذه المبادرة التي تدعو لانسحاب إسرائيل من كامل الأراضي التي تحتلها منذ العام 1967، وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وضمان عدم توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية التي لا تسمح لها أوضاعها الخاصة، كلبنان، بتوطينهم، إضافة لحقهم الطبيعي والشرعي في العودة الى أرضهم وديارهم الأصلية.
وفي مطلق الأحوال، كما أشرت الى ذلك خلال محادثاتي مع الرئيس ميدفيديف، فإن خبرة السنوات الطويلة تشير الى صعوبة تحقيق تقدّم جوهري على مسار الحل الشامل والعادل بقضية الشرق الأوسط:
1- إذا لم تتوافر لدى إسرائيل إرادة سياسية فعلية بالتزام خيار السلام، الذي اعتبره العرب في بيروت خياراً استراتيجياً.
2- وإذا لم يعتمد المجتمع الدولي موقفاً ضاغطاً لتغليب هذا الخيار.
3- وإذا لم يتم تحديد برنامج واضح ومهل زمنية معقولة للتنفيذ.
ذلك، مع استمرار السعي لإلزام إسرائيل بوقف بناء المستوطنات وتهويد القدس وفرض الحصار على غزة واعتماد الممارسات المخالفة للقانون الدولي، كما أشار الى ذلك تقرير «غولدستون».


أيها الأصدقاء
قلت في كلمتي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول 2008 إن فلسفة الكيان اللبناني تقوم على الحوار والوفاق والعيش المشترك. وها نحن نكرر هذا القول في جامعتكم العريقة، مستندين في ذلك الى إيماننا العميق بدورنا الإنساني والعالمي، والى طموحنا الأكيد الى الإفادة من تجربتكم العلمية والتقنية الحديثة. إن التعايش على قاعدة التوافق والحوار، تحدٍّ يواجهه العديد من المجتمعات القائمة على التعددية. وقد تمكّن لبنان، في ما خصّه، من إثبات مقدرته على رفع هذا التحدي بنجاح، بالرغم من الصعوبات، وبلورة مفاهيم المشاركة الميثاقية في السلطة وتثبيت دعائمها.
إن تاريخ العلاقات المشتركة بين بلدينا يدفعنا للارتقاء بها في إطار المصالح المشتركة،  والرؤى الإنسانية التي تجمعنا ونؤمن بها في عالم خالٍ من الحروب والنزاعات المدمّرة للشعوب. عالم يقوم على مكافحة الإرهاب والتمييز العنصري والفقر والتلوّث والإستئثار المادي بالثروات والموارد الطبيعية، ويعمل على الحدّ من أسلحة الدمار الشامل وجعل منطقة الشرق الأوسط، بدون تمييز، منطقة خالية من الأسلحة النووية.
إن العلاقات القديمة والمعاصرة بين لبنان والإتحاد الروسي تشير الى أواصر وثيقة بين الشرق العربي وبلادكم الزاهرة، ونحن نعمل على تطويرها في المجالات كافة: في مجال أوروبي متوسطي للاتحاد الروسي دور فيه، وفي مجال آسيوي يتطلع الى النمو ومكافحة الأزمات العالمية، وفي مجال عربي يعوّل على علاقات صاعدة مع بلادكم خدمة للإنسانية؛ في اختصار، لبنان والاتحاد الروسي طرفان في نهضة عالمية، استناداً الى معطيات التاريخ وحقائق الجغرافيا. تاريخ موغل في التأسيس الحضاري، ومعطيات الموقع الجغرافي ذات التأثيرات العظمى في الثقافة والاقتصاد والسياسة.
إن ثقافة السلام هي ثقافة إنسانية في جوهرها، تقوم على الاعتراف بالآخر مهما كانت معتقداته وسياسته ومصالحه المشروعة، وتسعى في الوقت نفسه للعدالة كشرط من الشروط الأساسية لهذا السلام.
ولبنان الملتزم الحوار بين الحضارات، يؤكد على هذا الجوهر بعيداً من منطق الاحتلال والعدوان؛ ونؤمن بأن روسيا الاتحادية تشاركنا هذا الإيمان. ولقد دعوت من على منبر الأمم المتحدة من هذا المنطلق، لجعل لبنان مركزاً دولياً لحوار الحضارات والأديان والثقافات. فلبنان هو، كما تراه روسيا، موئلاً حضارياً يختزن طاقات إنسانية وثقافية واقتصادية تتجاوز مساحته، ونقطة رئيسة من نقاط ارتكاز دبلوماسيتها النشطة في الشرق الأوسط.
إن صلات لبنان ببلادكم قائمة على التعاون والاحترام المتبادل والتفاعل الإيجابي. ونطمح لإقامة أفضل العلاقات معكم، إن على الصعيد الثنائي أو من خلال مداولات مجلس الأمن، حيث سيكون لبنان من خلال عضويته غير الدائمة في المجلس، معكم في الدفاع عن القانون الدولي وعن مبادئ الأمم المتحدة وشرعتها ومقاصدها.
ولقد زادتني المحادثات التي أجريتها مع فخامة الرئيس ميدفيديف والمسؤولين الروس، ولقاءاتي مع القيادات الروحية خلال هذين اليومين، إيماناً بمستقبل واعد للعلاقات في مختلف المجالات بين روسيا والعالم العربي عامة، وبين لبنان وروسيا بشكل خاص.


أيها الأصدقاء
نواجه اليوم بوضوح، تحديات وإشكاليات صعبة ومعقّدة تحتّم علينا مواكبتها ومعالجتها برؤى ثابتة وعمل دؤوب يرتكز حتماً على التقدّم العلمي، ولكن مع الحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخ الحضاري لكل مجتمع بشري.
إن مفاهيم التعدّد والتنوّع والتفاعل والانصهار هي من الثوابت التاريخية للشعوب التي يجب الحفاظ عليها وترسيخها وتحصينها لأنها هي وحدها الكفيلة بالحفاظ على القيم الحقيقية للسلام والعدل والمساواة والتعاون المبدع والخلاق بين مختلف المجموعات والحضارات.
لقد خضتم في روسيا تجربة جريئة باتجاه إرساء نظام جديد قائم على الديمقراطية وتكافؤ الفرص. وهذه الخطوات تتماهى مع سعينا الدائم لإعلاء حقوق الإنسان وتثبيت الديمقراطية التي تعبّر عن رأي الشعب وخصوصية المجتمعات وفرادتها.
إن التمسّك بهذه الثوابت وهذه القيم يؤدي فعلاً الى تحقيق التنمية الشاملة والعادلة داخل مجتمعاتنا وبين دول العالم.


أيها الأعزّاء
إن الإنجازات العلمية والتطوّر التكنولوجي يبقى منقوصاً إذا لم يقترن بالقيم الإنسانية، وقد توافقنا منذ عصور على أن العلم هو أساس كل تقدّم، وأن القيم الأخلاقية هي التي تبعث فيه الروح كما تفعل بالجسد.
فالعلماء والمفكّرون الذين حملوا عبر الأجيال مشاعل المعرفة والنور والذين ساهموا فعلياً في تكوين الحضارات والثقافات أدركوا أهمية التفاعل والحوار بين مختلف الشعوب.
كذلك، وبالرغم من أهمية التيار الذي تنامى أواخر القرن الماضي باتجاه عولمة الاقتصاد وتقنين مختلف أوجه الحركة داخل المجتمعات البشرية في أطر تنظيمية نمطية وشاملة، فإن التضامن الإنساني بين المجموعات، من ضمن احترام خصوصياتها يبقى حاجة وضرورة. وقد جاءت الأزمة المالية العالمية لتؤكد على ضرورة التعاضد والتعمّق في مفهوم إدارتنا العامة للمشاكل العالمية، بما يكفل تحقيق التقدّم الإقتصادي والإجتماعي المناسب لشعوبنا.
كما أكدت ضرورة قيام السلطات العامة بدور مسؤول ووازن لوضع ضوابط أخلاقية للنظام المالي والرأسمالي بحيث يصبح أقل تفلّتاً وأكثر رحمة، إضافة لضرورات المساهمة في تحقيق أهداف الألفية الثالثة التي وضعتها الأمم المتحدة. ولروسيا دور أكيد في بلورة هذا النظام الدولي الجديد وتثبيت دعائمه، والذي يفترض أن يبتعد في الوقت نفسه عن الامتيازات الأيديولوجية الخلافية والتصادمية.
حضرة رئيس الجامعة
أعبّر لكم تكراراً عن اعتزازي بمنحي شهادة الدكتوراه الفخرية وأعتبرها لفتة أخوية صادقة موجّهة الى الشعب اللبناني الذي يكنّ لبلدكم أعمق مشاعر الإحترام والصداقة. واعلموا أنني أولي الإهتمام الكبير لدور الجامعات والمعاهد العلمية ومراكز الأبحاث، لأني أؤمن بأنها القاطرة القيادية لأي تقدّم، والموئل الذي تنطلق منه سياسات التنمية والتطوير والتنوير لأي مجتمع.
ويسرّني بهذه المناسبة، أن أوجّه اليكم دعوة لزيارة لبنان حضرة الرئيس، للإطلاع عن كثب على أوضاع بلادنا وعالمنا الجامعي، وإثراء مساحة التعاون الثقافي والأكاديمي والفكري التي تجمعنا.


عشتم
عاشت الجامعة
وعاشت الصداقة اللبنانية - الروسية


كلمة الطلاب
بعدها ألقت إحدى الطالبات التي تتخصّص في شؤون الشرق الأوسط كلمة باسم الطلاب هنأت فيها الرئيس سليمان على نيله شهادة الدكتوراه الفخرية وأعربت عن سعادة زملائها باستقبال رئيس جمهورية لبنان «بلد العزّ والكرامة ومهد الحضارة ولؤلؤة الشرق الأوسط». وإذ أعربت عن الاعتزاز بالعلاقات المميّزة التي تجمع بين بلادها ولبنان، فإنها أملت في أن ينهض لبنان من جديد في ظل قيادة الرئيس سليمان.
وبعدها أقيم كوكتيل للمناسبة حضره كبار المدعوين وأعضاء السلك الدبلوماسي العربي الذين هنأوا الرئيس سليمان على منحه شهادة الدكتوراه الفخرية.


إعلان مشترك
صدر إعلان مشترك حول تفعيل عملية تطوير وتعزيز أواصر الصداقة وعلاقات التعاون بين الجمهورية اللبنانية والاتحاد الفدرالي الروسي هنا نصه:
1- يؤكد الطرفان أنهما يسعيان الى تطوير علاقتهما وتعاونهما البنّاء على أساس مبادئ العلاقات الدولية المعترف بها عامة، وكذلك على أساس المبادئ التي تنص عليها شُرعة منظمة الأمم المتحدة، بما في ذلك تلك المتعلقة بالمساواة، والاحترام والثقة المتبادلين.


2- يعتقد الطرفان أنه ينبغي أن يُعتمد نظام عالمي متعدد الأقطاب وعادل وديمقراطي في القرن الواحد والعشرين، يرتكز على أسس التسليم بالسلطة العليا للقانون الدولي، وعلى احترام سيادة جميع أعضاء المجتمع الدولي ومصالحهم الشرعية؛ وكذلك على التدابير الجماعية التي تتصدّى للتهديدات والتحديات التي تقف في وجه الأمن وتحول دون تنفيذها، وتضمن إطراد التطوّر، انسجاماً مع الدور التنسيقي الرئيس الذي تلعبه منظمة الأمم المتحدة.


3- سوف يضمن الطرفان قيام عملية التنسيق والتعاون بينهما ضمن إطار الهيئات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، ووكالاتها المختصة وضمن إطار المنظمات الدولية الأخرى في ما يختص بالمشاكل الدولية، ومنها الحؤول دون حصول النزاعات الإقليمية والبحث عن تسوية سلمية لها، والعمل على مكافحة الجريمة المنظمة التي تتعدى حدود الدولة، وبالأخص مكافحة تجارة المخدرات غير المشروعة وتبييض أموال الأعمال الإجرامية وعائداتها، والعمل ايضاً على مكافحة تدهور حالة البيئة، وعلى تعزيز الأهداف الجماعية والمقاربات المتعددة الأطراف بغية ضمان الأمن والاستقرار على المستوى العالمي، وبغية تدعيم فعالية مجلس الأمن، والجمعية العمومية، والمنظمات الرئيسة الأخرى التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، وضمان تأقلمها مع وقائع عالم جديد.


4- سوف يقوم الطرفان بالتعاون سوياً بهدف تعزيز الاستقرار على الساحة الدولية، ومكافحة تكاثر أسلحة الدمار الشامل ووسائل تطويرها وتسليمها، والحؤول دون حصول سباق على التسلح في الفضاء الخارجي. وسوف يقوم الطرفان بتنسيق جهودهما وتسهيل عملية تحويل منطقة الشرق الأوسط الى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل ومن وسائل تطويرها وتسليمها.


5- سوف يقوم الطرفان بتنسيق جهودهما بغية التوصل الى حل شامل وعادل في الشرق الأوسط على أساس القرارات 242، 338، 1397، و1515 التي اتخذها مجلس الأمن الدولي، وعلى أساس قرارات المجتمع الدولي الأخرى ذات الصلة، بما في ذلك مبادئ مرجعية مدريد ومبادرة السلام العربية التي تمّ اعتمادها خلال مؤتمر القمة العربية المنعقد في بيروت العام 2002.
ومن شأن هذا الحل أن يضمن انسحاب إسرائيل من كامل الأراضي المحتلة في حزيران/يونيو العام 1967، وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة، وتحقيق حلّ عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقاً لقرارات مجلس الأمن وقرارات الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة.


6- يشدد الطرفان على ضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 1701 بجميع مندرجاته وتقديم الدعم الكامل للمهمة الموكلة الى قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (Unifil)، لمساعدة الجيش اللبناني في مهمة الحفاظ على سيادة لبنان ووحدته وسلامة أراضيه.


7- يشجب الفريقان بشدة الإرهاب بمختلف أشكاله وبجميع مظاهره وسيمضيان في التعاون على الصعيد الدولي على مكافحة الإرهاب طبقاً لمعايير وقواعد القانون الدولي، وشرعة الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.


8- سوف يقوم الفريقان بتشجيع حوار الحضارات بغية تسهيل التفاهم والثقة المتبادلين بين الديانات والثقافات المختلفة في بلديهما، وعلى الصعيد العالمي.


9- سوف يقوم الفريقان بالتشجيع، بكل السبل المتاحة، على تطوير مستوى الحوار السياسي بينهما وتحسينه، بما في ذلك على المستوى البرلماني، وسيعملان على تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية بينهما، في مجالات التجارة والاقتصاد والإستثمار والطاقة والثقافة، وكذلك على الصعيد الإنساني، وفي ميادين التعليم والرياضة والسياحة، وفي مجالات أخرى من التعاون. ولهذه الغاية، سوف يسهمان في إنشاء واستخدام آليات التشاور والتواصل المناسبة.