وثائق

حرب القرم في الفرمانات السلطانية
إعداد: د. شادية علاء الدين

خاضت الدولة العثمانية العديد من الحروب منذ قيامها حتى زوالها ومنها الحرب على روسيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والتي أطلقلت الدراسات الحديثة عليها اسم «حرب القرم».


تبين الفرمانات السلطانية أن السلطان عبد المجيد الأول اعتبر أن روسيا نقضت العهد بينها وبين الدولة العثمانية وتخطّت حدود السلطنة من خلال تجاوزها نهر بيروت واحتلالها بعض الممالك التابعة للسلطنة كـ«ممالك افلاق وبغدان» (رومانيا حاليًا). ويشير أحد الفرمانات إلى ذلك على النحو الآتي:
«... عساكر روسيه تجاوزوا نهر بيروت الذي هو راس الحدود وضبطوا ممالك افلاق وبغدان التي هى ملك موروث لها ملوكانيتي واستولوا عليها...».
وتظهر لنا الفرمانات، الخطط العسكرية والتدابير التي اتبعها السلطان لخوض هذه الحرب في شهر محرم الحرام من العام 1270، وهي:
1- السعي إلى المصالحة والأساليب السلمية لتفادي الحرب.
2- إعلان الحرب عند فشل الحلول السلمية.
3- دعوة المجلس العمومي للانعقاد في «الباب العالي» للاتفاق على قرار إعلان الحرب.
4- الحصول على فتوى شريفة من شيخ الإسلام تعلن الموافقة على قرار إعلان الحرب.
5- إصدار السلطان «الخط الهمايوني» ويتضمن نشر أوامره القاضية بإعلان الحرب على روسيا وتعميمها على العساكر الموجودين في «الروم إيلي والاناطولي» (أرض الروم أو أرض البيزنطيين والأناضول) وعلى جميع الأراضي التابعة للسلطنة العثمانية، والتأكيد أن روسيا هي التي تسببت بالحرب.
6- طلب السلطان من الأهالي وجميع الموظفين عدم التعرض لرعايا الدولة الروسية وغير المسلمين الموجودين في الأراضي العثمانية للتجارة والسياحة، وصرّح بعدم المساس بعرضهم وأرواحهم ومالهم، وأمر بتوفير العدالة والراحة لهم، كما اعتبر إن ممتلكات هؤلاء وأرواحهم هي مثل أرواح أبناء شعبه وإعراضهم معتمدًا في ذلك على احكام الشريعة.
7- طلب السلطان حماية رعاياه الذين اعتنقوا مذهب الروسيين وعدم اعتقالهم، لأن ذلك غير جائز عقلاً وشرعًا، واعتبر إنه يجب على هؤلاء معرفة أن روسيا تطمع بنفوذ ومصالح داخل الأراضي العثمانية ودعا إلى المعاملة الحسنة بين أفراد الشعب كافة وإلاّ أنزل أشد العقوبات بالمخالفين حسب قرار المجلس العمومي.
8- إصدار فرمان أوائل شهر محرم الحرام من العام 1270 وإرساله إلى والي ووزير إيالة صيدا وملحقاتها وامق باشا تضمن ضرورة تشكيل قوى عسكرية من بعض الولايات والألوية العثمانية الواقعة «باطراف الأناطول والروم إيلي»، وارسالها برفقة ضباط، بأسرع ما يمكن إلى الاستانة. وقد طلب السلطان من الوالي الاتفاق مع الموظفين والأهالي جميعًا على تجنيد 5000 شاب من أهالي سنجق نابلس وطرابلس ومن الدروز ومن أهالي الجبال الواقعة تحت سيطرته، لسوقهم بأسرع ما يمكن إلى بيروت ومنها بحرًا إلى جبل تكفور. وعيّن على هؤلاء الجنود قائدًا عسكريًا وخصص لهم معاش شهرين من أموال صندوق الدولة، كما أعطوا الخبز وفرض عليهم المعاملة مع الشعب عند انتقالهم من منطقة إلى أخرى، وطلب من الضباط الإشراف بدقة على هذه العملية، واختيار جنود يتحلون بالإيمان والشجاعة والقدرة على خوض الحرب.
بدأت الدولة العثمانية بتجهيز الجنود للحرب ضد روسيا، وكان للدروز حصّة في الجيش الذي أرسل إلى بحر الاستانة، وقد بدا ذلك جليًا من خلال أحد المراسيم الذي تلقته طرابلس من ديوان صيدا، وهو موجّه إلى المسؤولين في لواء طرابلس الشام وملحقاتها في 24 محرم 1270:
«... فلذك قد صار ترتيب ألف وخمسماية نفر سواري وألف وخمسماية نفر بياده من جبل الدروز».
كما أشار المرسوم إلى حاجة الدولة العثمانية إلى المزيد من الشبان الشجعان من لواء طرابلس الشام وحدد عددهم بـ 1500 جندي ونص على ضرورة سوقهم بأسرع ما يمكن إلى بيروت:
«... وقد صار التنسيب أن يصير تدارك وتحرير ألف وخمسماية نفر بياده من النفرات المرقومه أيضًا من سنجاق طرابلس...».
ويوضح الفرمان أيضًا إن هؤلاء يترأسهم قائد وضباط للإشراف على سلوكهم وخدمتهم وضبطهم، ويخصّص لهم معاش شهرين لتسوية احتياجاتهم الضرورية ويزودون الأسلحة ويمنعون من طلب الطعام من الأهالي عند انتقالهم من منطقة إلى أخرى.

المرجع: سجل رقم 51 من سجلات المحكمة الشرعية في طرابلس الشام، ص142، 143، 146، 147، 164.