تواصل استراتيجي

حفاظًا على الثقة

التواصل عنوان العصر، وأحد أهم مهارات القرن الحادي والعشرين. فالانتشار الواسع لوسائل الإعلام والتواصل والتكنولوجيا الرقمية أدى إلى إحداث «ثورة كبرى» انسحبت تأثيراتها على مختلف جوانب الحياة. ولم تعد هذه التأثيرات محصورةً بالعلاقات بين الأفراد، فقد أصبح البعد المعلوماتي أكثر أهمية في الحروب الحديثة لجهة تأثيره المتزايد على صناع القرار والجيوش والشعوب، وبات يشكّل الرأي العام والمحرّك الرئيس للكثير من الثورات والحروب والتحركات في دول العالم. 

في كتاب «٣٣ استراتيجية للحرب» The 33 Strategies of War للباحث الأميركي روبرت غرين، والذي يشكّل عصارة وتجارب كبار قادة الجيوش والاستراتيجيين عبر العصور، يصف الكاتب عملية الاتصال أو التواصل بأنها «نوع من الحرب، ساحة المعركة فيها هي عقول الناس الذين تريد التأثير بهم» ولذلك هو يقول: «اجعل كلماتك شرارة للفعل، لا تأملًا سلبيًّا في الأمور».

 

لمواكبة التطور

انطلاقًا من هذه الحقائق ومن الأهمية التي يكتسبها التواصل في بناء السمعة في عالمنا اليوم، ومواكبةً لهذا التطور العالمي، سعى الجيش اللبناني إلى أن يكون حاضرًا في هذا البُعد الحيوي. فأنشأت قيادة الجيش ضمن هيكليتها التنظيمية «مديرية التخطيط للتواصل الاستراتيجي» في أركان الجيش للتخطيط.

تعمل مديرية التخطيط للتواصل الاستراتيجي منذ تأسيسها على إثبات دورها كشريك فاعل في مجال التواصل داخل المؤسسة العسكرية وخارجها، وأن تكون مصدرًا أساسيًا وسريع الاستجابة لحاجات مختلف القدرات المرتبطة بالمعلومات، عبر تأمين المشورة في كل ما يتعلّق بشؤون التواصل والانخراط المجتمعي والاطلاع الدائم على آخر المستجدات والتطوّرات في المفاهيم والمبادئ التي ترعى العمل في هذا المجال، وعلى مختلف الأصعدة والمستويات.

وضعت هذه المديرية استراتيجية لعمليات التواصل الخاصة بالمؤسسة العسكرية، تخدم حرصها على إنشاء خطوط التواصل وإرساء أسس الثقة والتفاهم والتعاون مع الجماهير المحلية والدولية. ويتم تحقيق ذلك من خلال شبكة منسّقة ومتناغمة من الأنشطة والاتصالات المحفّزة والفاعلة، والتي تنفّذها الوحدات للحفاظ على ثقة الجماهير وتأييدها.

تحدد استراتيجية العام ٢٠٢٣ الإطار العام للتواصل على مختلف المستويات، استنادًا إلى توجيهات قيادة الجيش، والتي تشكّل الركيزة الأساسية للرسائل الموجّهة من خلال النشاطات التي تُنفَّذ خلال هذا العام، إضافةً إلى الإحصاءات والدراسات على الأرض. ويتم توجيه الرسائل لدعم الأهداف والغاية النهائية التي تحدّدها القيادة، وعنوانها: الجيش اللبناني مؤسسة وطنية جامعة، متماسكة، شفافة، موضع ثقة الشعب اللبناني والمجتمع الدولي.

 

خطوط الجهد

يتم تحقيق هذه الغاية عبر أربعة خطوط جهد وأهداف محددة تنبثق من المهمات التي ينفذها الجيش، وقسّمت الاستراتيجية هذه الخطوط لناحية التواصل، على الشكل الآتي: 

• حماية لبنان وسيادته: الهدف من هذا الخط هو «الدفاع عن سيادة لبنان» ويتضمن عدة أنشطة أهمها: التصدي للعدو الإسرائيلي، مكافحة الإرهاب وضبط الحدود.

• خدمة الشعب اللبناني: الهدف من هذا الخط هو «دعم الشعب اللبناني» وهو ما يركز عليه هذا الخط ويتضمن: عمليات الإغاثة، ومكافحة الحرائق، وسوى ذلك من أمور تتصل بالمصلحة الوطنية. 

• المحافظة على التقاليد والقيم الوطنية: يعمل هذا الخط لـ«ترسيخ القيم العليا للمجتمع والجيش اللبناني»، ومن الأنشطة التي يتضمنها: اللقاءات، والمخيمات الصيفية، والاحتفالات الرسمية، وحفظ أمن الاستحقاقات الوطنية كالانتخابات، انطلاقًا من إيمان المؤسسة بالديمقراطية وحرية التعبير.

• الاستعداد للقتال: الهدف من هذا الخط هو «التحضير للمعارك والتحديات المستقبلية» ويتضمن عدة أنشطة مثل: التمارين المشتركة، تحقيق العتاد والمناورات العسكرية.

يتم تقييم هذه الاستراتيجية وتيويمها تبعًا للأوضاع والرأي العام اللبناني والظروف التي يمرّ بها البلد، فيتغيّر ترتيب الأفضليات بين الأمن والإنماء والدور الاجتماعي، واهتمامات الشعب اللبناني التي تعني عناصر المؤسسة العسكرية الذين يشكّلون جزءًا من هذا النسيج المجتمعي ويعانون ما يعانيه. كذلك، يتأثر ترتيبها بحسب اهتمامات الدول الصديقة والشقيقة التي تدعم الجيش، وفق القضايا والتحديات المستجدة. 

يلقي التواصل الاستراتيجي الضوء على كل هذه الأمور، وأهمية دور الجيش والصعوبات والتحديات التي يواجهها، وتشعّب مهماته، وانتشاره على كل الأراضي اللبنانية، وتلبيته النداء في كل زمان ومكان. فجميع الأنشطة موجهة لطمأنة المجتمع المحلي وتعزيز ثقته بالمؤسسة العسكرية وقدراتها المكرسة للدفاع عن الوطن وخدمة شعبه بكل ما أوتيَ من قدرة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على احترام المجتمع الدولي وثقته ودعمه الذي يشكّل أساسًا لاستمرارية تنفيذ المهمات.

 

وسائل التواصل

يستخدم الجيش مختلف وسائل التواصل ليوجّه رسائله إلى جماهيره ويتفاعل معها، من منصات التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام المكتوبة والمقروءة، والوسائل المسموعة، إضافةً إلى التفاعل مع مختلف وسائل الإعلام الأخرى، والتواصل اليومي معها عبر مديرية التوجيه التي تتولى إدارة وسائل الإعلام والتوجيه الخاصة بالجيش، وتتولى إدارة العلاقة مع مختلف وسائل الإعلام المدنية.

والجيش منفتح على مواكبة التطور في هذا المجال، واستخدام وسائل ومنصّات أخرى في المستقبل، بهدف توسيع نطاق منشوراته وحجم الجماهير المستهدفة محليًا ودوليًّا. وجدير بالذكر أنّ المؤسسة العسكرية، وانطلاقًا من إيمانها بالديمقراطية وحرية التعبير كجزء من قيمها المرسّخة، هي منفتحة على مختلف التعليقات والآراء، إيجابيةً كانت أم سلبية، وتأخذ في الاعتبار كل ذلك لتقييم أنشطتها ووقعها على الجمهور، وبالتالي تطوير أدائها وتحسينه للحفاظ على ثقة الجميع بها.

 

الأمن والقدرة على تجاوز المحن والأزمات

يمثّل الجيش اللبناني المتجذّر في تاريخ لبنان وذاكرته الجماعية، المدافع عن الوطن وحامي سيادته واستقلاله والضامن لوحدته واستقراره. وهو بهذه الصفة، يشكّل ركيزة الصمود الوطني في مواجهة التهديدات والتحديات، والقدرة على التعافي وتجاوز الأزمات. إنّ الجيش اللبناني من خلال التزامه الثابت بواجبه كاملًا، مهما بلغت وغلت التضحيات، يبدو كمنارة للأمل بمستقبل أكثر ازدهارًا وإشراقًا يتطلّع إليها الشعب اللبناني. 

لاستراتيجية التواصل موضعها في صلب كل ما يفعله الجيش ويقوله، ما يضمن إيصال الرسائل بشكل فاعل وفي التوقيت المناسب. فغياب استراتيجية التواصل، في أي مؤسسة تُعنى بالتفاعل مع الرأي العام، يبعثر الجهود ويشتّتها بعيدًا عن الهدف الموحد الذي يخدم غايتها الأساسية. هذا الأمر يؤدّي حتمًا إلى ضعف في التفاعل مع الرأي العام المحلي والدولي، ما يسبب فراغًا يستغلّه الأعداء والخصوم لتوليد تأثيرات سلبية في بيئة المعلومات، غايتها تشويه الصورة الإيجابية للمؤسسة وزعزعة الثقة بها.