- En
- Fr
- عربي
ملف العدد
تُشكّل السلامة المرورية في لبنان موضوع بحث دائم في مختلف الظروف والأوقات كونها تشكل تحديًا جديًا للسلامة العامة، فالحوادث المرورية هي من الأسباب الرئيسية للإصابات والوفيات وخصوصًا في صفوف الشباب اللبناني.
وحوادث السير المميتة في لبنان تكاد تكون من ثوابت الحياة المريرة. حادث سير مروّع على طريق المطار أدى إلى مصرع ثلاثة مواطنين، حادث سير على الحدود اللبنانية السورية يُسفر عن مقتل ٣ أشخاص، مقتل مواطن وجرح اثنين في حادث سير على أوتوستراد جونيه بيروت...
أخبار هذه الحوادث تتردد يوميًا على مسامعنا عبر وسائل الإعلام حتى باتت عادية للبعض منا، لكن ما قد يُشكّل خبرًا يمر مرور الكرام لمن لا يعنيهم مباشرة، هو مأساة تعيشها عائلات أصبح الوجع رفيق أيامها الدائم. لم تنسَ نهاد ذلك النهار المشؤوم الذي حمل إليها خبر مصرع ابنتها بحادث سير على طريق عجلتون بينما كانت ذاهبة للاحتفال بتخرجها. صورتها محاطة بالورود في ركن من الصالون هي أول ما تتجه إليه عينا الوالدة المبللة بالدموع صباحًا، وآخر ما تغلقهما عليه قبل النوم. لكن أي نوم؟ منذ ذلك اليوم الذي يعود تاريخه إلى أكثر من عشر سنوات، باتت الوسادة شوكًا... كم من أمهات مثل نهاد وغيرها وكم من آباء وإخوة فقدوا أعز الناس بحوادث سير؟ إنّه الموت القاسي بثمن بخس يهدر الأرواح على الطرقات وكأنما لا يكفي لبنان ما يعانيه من تدهور مريع في مقوماته الاقتصادية والمالية والاجتماعية، حتى تأتي حوادث السير لتزيد المآسي في بيوت أهله.
مسألة السلامة المرورية في لبنان قديمة جديدة، لكنّ اهتراء الدولة ومؤسساتها يُفاقم المشكلة، ويُشكل سببًا إضافيًا للأسباب الكثيرة المؤدية إلى ارتفاع نسبة حوادث السير. ومن بين هذه الأسباب بالإضافة إلى السرعة، وضع الطرقات، والثغرات في قانون السير، وعدم الوعي الكافي لدى المواطنين حول الإجراءات الفردية المتعلقة بسلامة مركبات السير وسائقيها. تُضاف إلى ذلك عوامل جديدة فرضتها الأوضاع القائمة مثل إلغاء المعاينة الميكانيكية وعدم قدرة المواطنين على صيانة سياراتهم أو تبديلها بعد الارتفاع غير المسبوق لأسعارها وأسعار قطعها، وتوظيف أجانب كسائقين لدى بعض الشركات من دون أن يكونوا حائزين رخصة سوق، وبذلك تكون النتيجة مزيدًا من الحوادث والضحايا.
رادارات السرعة تواصل ضبط المخالفين ولكن...
تبذل قوى الأمن الداخلي بالشراكة مع عدة جهات معنية أقصى جهودها لتطبيق مشاريع أساسية كتفعيل رادارات السرعة على الطرقات (أحد أهم الأسباب لوقوع ضحايا) التي لم تتوقف يومًا عن العمل لمكافحة المخالفات وضبطها بهدف حماية أرواح المواطنين والحد من حوادث السير. لكن مع تعدد الأسباب المؤدية إلى حوادث سير قاتلة، فإنّ عمل الرادارات ليس حلًا للمشكلة التي تقتضي تضافر جهود جميع الأطراف المعنية وتوافر الإمكانات لتأمين متطلبات السلامة المرورية.
في هذا الإطار يقول رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي العميد جوزف مسلّم أنّه مع صدور قانون السير الجديد، نجحت قوى الأمن الداخلي خلال الأعوام الممتدة بين ٢٠١٥ و٢٠١٩ في خلق دينامية جديدة اتصفت بالإيجابية لناحية تطبيق قانون السير الذي ترافق مع حملات توعوية في حينه. فعلى الرغم من غياب عدة ركائز وعدم اكتمال منظومة السلامة المرورية في تلك الفترة، انخفضت نسبة الحوادث المرورية على الطرقات وبالطبع انخفض عدد القتلى والجرحى بسبب هذه الحوادث. ومع بدء الحراك الشعبي في العام ٢٠١٩، وانهيار العملة اللبنانية، برز واقع جديد أرخى بظلاله على بعض التدابير ولكن من دون أن يؤثر على مكافحة بعض المخالفات الأساسية. هذا الواقع أخذ بعين الاعتبار استمرار الانهيار الاقتصادي الحاصل ما أدّى إلى المواءمة في تطبيق القوانين لجهة مراعاة أحوال المواطنين. ولقد تطوَّر الوضع سوءًا مع توقف المعاينة الميكانيكية واعتكاف القضاة وإقفال مصلحة تسجيل السيارات هيئة إدارة السير والمركبات والآلات... ما أثّر على تطبيق القانون بشكل أكبر من دون أن تتوقف ملاحقة مرتكبي المخالفات. ففي العام الماضي مثلًا تم تسطير حوالى ربع مليون محضر ما يدل على حرص قوى الأمن الداخلي على القيام بالمهمات المنوطة بها حفاظًا على أرواح المواطنين وحمايتهم من الحوادث.
ويؤكد العميد مسلّم أنّ نسبة الحوادث استمرت بالانخفاض مع بدء جائحة كورونا وما رافقها من تدابير كالحجر المنزلي الذي انعكس على الحركة المرورية، إلى تأثير البطالة، ورفع الدعم عن المحروقات وارتفاع أسعارها، وهجرة الشباب الذين يشكّلون الفئة الأكثر عرضة لحوادث السير وسقوط ضحايا، يُضاف إلى ذلك انحسار المناسبات الاجتماعية في حينه، وإقفال المطاعم، وغير ذلك...
يشدد العميد مسلّم على أنّ قوى الأمن الداخلي تعمل دائمًا على تفعيل العلاقة مع الجمعيات المعنية بالسلامة المرورية وتعزيزها، إضافة إلى تنظيم المحاضرات التوعوية في المدارس والجامعات نظرًا لأهميتها في محاكاة عقول الشباب لترسيخ مفهوم السلامة المرورية ومبادئها وحثّهم على احترام قانون السير قبل بلوغ سن حيازة إجازة السوق التي تسمح لهم بالقيادة.
الواقع بالأرقام المخيفة
بحسب إحصاءات غرفة التحكم المروري التابعة لقوى الأمن الداخلي في لبنان، كانت حصيلة الضحايا في الحوادث المرورية خلال الفترة الممتدة بين العام ٢٠١٩ وشهر نيسان من العام ٢٠٢٣، على الشكل الآتي: ١٦٨٥ قتيلًا، و١٦٢١١ جريحًا، من بين هؤلاء ١٠٢ قتيل و ٦٠١ جريح هم حصيلة ٥١٨ حادثًا حصلت في الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي، وهو رقم مخيف، ما دفع بالجمعيات والجهات المعنية في لبنان إلى رفع الصوت عاليًا للتحذير من المأساة المرجح استمرارها وتدهورها، في ظل الظروف المأسوية التي يشهدها لبنان على كل الصعد.
معظم الضحايا من الشباب
تشير الجداول الإحصائية الصادرة عن غرفة العمليات المشتركة في هيئة إدارة السير والآليات والمركبات إلى أنّ الأكثر عرضة لحوادث السير هم من فئتين، الأولى تضم المراهقين والشباب (١٥-٢٩ سنة) والثانية من فئة الشباب ومتوسطي العمر (٣٠- ٤٤ سنة). وهذا ما يظهر بوضوح في أرقام العامين ٢٠٢١ و٢٠٢٢، ففي العام ٢٠٢١ كانت نسبة كل من الفئتين بين ضحايا الحوادث المرورية ٢٠,١١٪ أي ما مجموعه ٤٠.٢٢٪. وسجّل خلال العام ٢٠٢٢ ارتفاع النسبة لدى الفئة الأولى إذ بلغت ٢٣,٧٥٪، بينما انخفضت لدى الفئة الثانية إلى نحو ١٦٪، لكن مجموع الفئتين ظل مقاربًا لـ ٤٠٪. وهذا ما يعني من جهة خسارة فادحة في أعمار شباب في مقتبل العمر، كما يشير من جهة ثانية إلى تهاون الأهل على صعيد السماح لأبنائهم المراهقين بقيادة السيارات، علمًا أنّ القانون لا يجيز ذلك قبل بلوغ الثامنة عشرة.
الجداول الإحصائية المتعلقة بموقع الضحايا تبيّن أن السائقين والمشاة هم الأكثر عرضة للحوادث. ففي العام ٢٠٢١ كان السائقون يشكلون النسبة الأعلى (٤٧,٨٨٪)، يليهم المشاة ( ٣٩٪ تقريبًا)، أما في العام ٢٠٢٢ فكان المشاة هم الأكثر عرضة (٤٥,٦١٪)، يليهم السائقون (أكثر من ٣٨٪). وفي هذا السياق يرى العميد مسلّم أنّ نسبة المشاة بين الضحايا مرتفعة قياسًا بالنسبة العالمية. وهو يشير إلى أنّ المشرّع وضع ولأول مرة في قانون السير الجديد أحكامًا عامة تتعلق بالمشاة، لكنّ المخالفات مستمرة عند اجتياز الطرقات ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الضحايا بينهم.
ويضيف العميد مسلّم، أنّ التنظيم المُدني لا يراعي في هندسة الطرقات ما تضمنته الشرعة اللبنانية لحقوق المشاة المنصوص عنها في قانون السير، وهي تشير إلى حقهم في بيئة صحية، وضرورة تخصيص مساحات حضارية لهم، وحقهم في استعمال المرافق العامة، فضلًا عن أنّه أشار إلى حقوق المسنين والأولاد وذوي الاحتياجات الخاصة بأن تكون المدن أماكن تيسّر لهم... كما أوضح أنّنا نفتقد إلى خطة للنقل العام الشامل والصديق للبيئة لمساعدة المواطنين في التنقل بطريقة سليمة. وبرأيه من المشاكل أيضًا غياب الأرصفة المخصصة للمشاة والخالية من جميع العوائق، خصوصًا مع كثرة السيارات الخصوصية التي تستعمل في معظم الأحيان الأرصفة موقفًا لها، فيضطر المواطن للسير على الطرقات ما يعرّضه لحوادث السير. ورأى أنّه من الضروري الإكثار من إنشاء الممرات الخاصة بالمشاة وبناء جسور للعبور فوقها بدلًا من اجتياز الطرقات. وبسبب عدم إضاءة الطرقات بالتيار الكهربائي في الليل، يُنصح المشاة بارتداء ملابس ذات ألوان فوسفورية والسير عكس وجهة السير للفت انتباه السائقين، علمًا أنّ قانون السير ينص على ذلك.
العطلة قد تتحول إلى مأساة
ما هي الأيام التي تشهد أعلى نسبة من الحوادث؟ وفق الإحصاءات العائدة للعامين الماضيين، نجد أنّ العدد الأكبر من الحوادث في العام ٢٠٢١ حصل خلال العطلة الأسبوعية، يوم الأحد في العام ٢٠٢١ ويوم السبت في العام ٢٠٢٢، أما التوقيت الذي شهد النسبة الأعلى فهو بين الثالثة بعد الظهر والسادسة مساءً.
على صعيد تقسيم فئات المركبات التي تعرضت للحوادث، تبيّن أنّ فئة السيارات هي الأعلى نسبة إذ سجلت ٥٨,٩٤٪ في العام ٢٠٢١، وفي العام ٢٠٢٢ كانت النسبة ٥٧،٨٧٪.
أما في توزيع الحوادث بحسب المحافظات، فقد احتلت محافظة جبل لبنان المرتبة الأولى خلال العامين ٢٠٢١ (٩٠٢ حادث أي ٣٣،٩٠ ٪) و ٢٠٢٢( ٣٩٩ حادثًا أي ٣٠،٠٢٪)، تلتها محافظة بيروت في المرتبة الثانية. أما لماذا جبل لبنان؟ فلأنّه المحافظة الأكثر كثافة سكانية، والتي تُشكّل ممرًا إلزاميًا للقادمين من كل المحافظات إلى العاصمة بيروت وإلى المدن المتفرعة منها.
طرقات لبنان قاتلة!
يُظهر مؤشّر نوعية الطرقات الذي يصدر ضمن مؤشّر التنافسية العالمي سنويًا في المنتدى الاقتصادي العالمي، أنّ لبنان كان يحتل قبل انفجار الوضع المالي في العام ٢٠١٩، المرتبة ١٢٦ عالميًا على صعيد جودة الطرقات من بين ١٤٢ دولة، وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، يحتلّ لبنان المرتبة ١٣ وما قبل الأخيرة، يليه اليمن في المرتبة ١٤ والأخيرة. وهذا المؤشّر يدل على خطورة وضع الطرقات في لبنان حاليًا، خصوصًا بعد غياب الاعتمادات المطلوبة للإصلاحات وتوقف مشاريع الصيانة نتيجة الأزمة الاقتصادية. يذكر في هذا الإطار أنّ وزارة الأشغال قد أعدّت في العام ٢٠١٩ دراسة لصيانة الأوتوسترادات فتبين لها أنها تكلّف وحدها نحو ١٥٠ مليون دولار في حين أنّ موازنة الوزارة تبلغ ٣٩ مليار ليرة، أي نحو مليون دولار فقط. (ملاحظة: ٣٩ مليار = ٩,٣ مليون دولار تقريبًا) بدورها، تشتكي البلديات من شح الأموال الذي يحول دون صيانة الطرقات وتنظيمها وإصلاحها، خصوصًا وأنّ تكلفة أعمال الصيانة ومواد إصلاح الطرق وأجهزة الإنارة والسلامة العامة، باتت تسعّر بالدولار الأميركي.
معايير السلامة مفقودة
في هذا الإطار، يحذّر مؤسس جمعية «اليازا» السيد زياد عقل من انعدام معايير السلامة العامة على الطرقات، فالإنارة شبه معدومة، والحفر تزداد حجمًا وخطورةً، أما الأسوأ فهو مصارف المياه (الريغارات) التي تعرضت أغطية عدد كبير منها للسرقة فباتت مفتوحة، ما أدى إلى سقوط عشرات المشاة فيها، خصوصًا في ظل غياب الشارات التحذيرية. ويذكر السيد عقل أنّ البلديات تشتكي من عدم وجود الإمكانات، الأمر الذي ينتج عنه غياب الصيانة وتدهور متزايد في نوعية الطرقات، ما يشكل خطرًا جديًا على السلامة المرورية. ويؤكد في المقابل أنّ المواطنين يتحدّون الموت على جسور مصدّعة تفتقر لأبسط معايير السلامة ويواجهون خطر سقوط إطارات السيارات والدراجات الناريّة في فراغات الفواصل المتآكلة، وبالتالي تعرّض المركبات للتلف وتعطّل هيكلها وأنظمتها مما يؤدي إلى انحرافها عن مسارها أو حتى انقلابها في حالات السرعة الزائدة. بالإضافة إلى تهديد سلامة المارّة والسيارات تحت الجسور بسبب سقوط الحصى أو غيرها من المواد الصلبة. ويشير في هذا الإطار إلى أنّ اليازا أطلقت في نيسان الماضي نداءً إلى وزير الأشغال العامة والنقل وجميع المعنيين لصيانة الفواصل الحديدية للجسور، أوضحت خلاله أنّ مستخدمي الجسور على طرقات لبنان يعانون الكثير نتيجة التأخير في صيانة هذه الفواصل الحديدية، إذ إنّ عرض الفراغات قد يتخطى في كثير من الحالات الـ ٤٠ سم، ما يشكل خطرًا كبيرًا على السلامة العامة، موضحًا أنّ هذه المفاصل حيوية في بنية الجسر ويجب تبديلها كل ١٢ أو ١٥ سنة كحد أقصى.
ويوضح السيد عقل أنّ هذه المناشدة تأتي في إطار الحملة الواسعة التي بدأتها جمعية اليازا للإضاءة على أبرز أفخاخ الموت على طرقات لبنان وقد أثبتت فعاليتها في تحريك الرأي العام والضغط على المعنيّين للمباشرة بالعمل كما حصل في ملف الريغارات المسروقة، على أمل أن يصبح لحياة الإنسان قيمة في بلد أنهكته السرقات وسوء الإدارة. ويشير في هذا الإطار أيضًا إلى أن الجمعية تعمل حاليًا بالتنسيق مع بلدية زندوقة وطلاب من الجامعة اللبنانية الأميركية على تنفيذ مشروع تحسين شروط السلامة المرورية على الطريق الأساسي من المونتيفردي إلى بلدة زندوقة في قضاء بعبدا وعلى طرق عامة أخرى في المنطقة، يشمل إنشاء ممرات للمشاة وتجهيز الطرقات بالمرايا لتحسين شروط السلامة العامة. كما تقوم اليازا بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني والمدارس والجامعات بإعداد حملات التوعية حول مسألة السلامة المرورية.
مخالفة قانون السير
إلى جانب الوضع المذري لطرقات لبنان، فإنّ المخالفات الهائلة التي يشهدها تطبيق قانون السير يزيد الطين بلة. ويقول السيد عقل في هذا الإطار أنّ قانون السير ما زال حبرًا على ورق مبديًا أسفه تجاه عدد المخالفات المتزايد يوميًا، منها على سبيل المثال مخالفات سائقي الدراجات النارية، التي تتمثل بعدم وضع الخوذة، والسير بعكس الاتجاه، والاستعراض البهلواني، بالإضافة إلى عدم حيازة الأوراق الثبوتية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى السيارات والشاحنات التي ما زال عدد كبير منها يتجاوز الإشارات الضوئية، ولا يحترم أصول المرور عند التقاطعات، بالإضافة إلى عامل السرعة وتخطي المسموح به ما يشكل خطرًا أكيدًا على السلامة المرورية.
ويشير في إطار مماثل إلى الوضع غير القانوني لعدد كبير من المركبات، وإلى النقص الحاد في الصيانة الفردية للسيارات بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية ما يزيد أخطار حوادث السير. وإذ يلفت إلى أهمية إلزامية المعاينة الميكانيكية، فهو يحث المواطنين على اعتماد مبدأ المعاينة والصيانة الذاتية للسيارات والمركبات الفردية. كذلك، يتطرق السيد عقل إلى موضوع دفاتر السوق التي تُمنح أحيانًا من دون استحقاق، مناشدًا الأهالي أن يعلّموا أولادهم أصول القيادة الصحيحة قبل تسليمهم سيارة، وذلك لتفادي الحوادث والخسائر في الأرواح.
بالمختصر، فإن السلامة المرورية في ظل الظروف الحالية في لبنان تستدعي مساهمة فعالة من قبل الأفراد، إذ يجب على السائقين التزام قوانين المرور والقيادة بحذر وتجنب السلوكيات الخطرة مثل السرعة المفرطة والتجاوز الخاطئ. كما ينبغي على المشاة احترام قواعد المرور وعبور الطرق في الممرات المخصصة والابتعاد عن استخدام الهواتف النقالة في أثناء العبور.
في المقابل، يجب أن تعمل البلديات والمؤسسات والجمعيات في لبنان قدر المستطاع ووفق الإمكانات المتوافرة لتحسين السلامة المرورية. ومن خلال تحسين البنية التحتية وتعزيز الوعي المروري، يصبح من الممكن تحقيق تقدم ملموس في الحد من حوادث السير وحماية الأرواح.
ماذا عن التأمين؟
يؤكد رئيس مجلس إدارة شركة (R&R (Insurance Brokers SAL الأستاذ رونالد عشراوي أنّ نسبة الحوادث في لبنان لطالما كانت مرتفعة جدًا. لكنّها ارتفعت بشكل ملحوظ في السنوات الثلاث الماضية إن كان على الصعيد المادي أو البشري. لكن في ظل الأزمة القائمة هل ما زال الناس يُقدمون على تأمين سياراتهم بالنسبة التي كانت سابقًا؟ يوضح عشراوي أنّ ما تغير هو قيمة التأمين وليس عدد الأشخاص. فالذين كانوا يدفعون ثمن بوليصة التأمين في السابق حوالى ٥٠٠ أو٦٠٠ دولار (تأمين شامل)، أصبحوا اليوم يكتفون ببوليصة تأمين فقط ضد الغير بمبلغ ٣٥ أو ٧٠ دولارًا (مع تأمين إلزامي) أي أصبحوا يدفعون ٦٠ أو ٧٠ أو٨٠ ٪ أقل من ذي قبل. وهذا يشمل كل البضائع التي تسوِّق لها شركات التأمين وليس فقط على صعيد السيارات، إذ عمدت مؤخرًا إلى تخفيض أسعارها في كل الخدمات التي تقدمها.
على سبيل المثال لا الحصر، كان سعر بوليصة التأمين الإلزامي قبل نشوء الأزمة ٥٠ دولارًا، واليوم أصبح ٣٥ دولارًا. وكانت بوليصة التأمين ضد الغير ٦٠ دولارًا، واليوم ٣٥ دولارًا. ويعود ذلك إلى دولرة كل القطاعات كاليد العاملة والمستشفيات وشراء قطع السيارات... لذا لم يعد بمقدور شركات التأمين الإبقاء على أسعارها بالعملة اللبنانية إنما لجأت إلى تخفيض أسعارها بالدولار الأميركي.
حزن لا آخِر له
ليلة ٢٥ آذار ٢٠٢٠ كانت الليلة المشؤومة... ليلة اغتالت فيها طريق جل الديب أنطوني، وخطفت من قلب أهله وإخوته كل معنى للحياة. بات أنطوني ابن الـ٢٥ ربيعًا صورة «ما بدّا إلّا تحكي» كما تقول أمّه سامية. هو الذي كان «بيلبقلو يعيش» ولم تكن تسعه الدنيا، رحل عنها فجأةً وترك غيابه المنزل غارقًا في حزن لا ينتهي.
لا معنى لأي فرحة من دونه، فهو كان فرحة البيت... كان الدينامو! حين اشترى أنطوني دراجة نارية جُنَّ جنوني، وحين اشترى سيارة سريعة كدت أفقد عقلي تقول الأم، تصمت لحظات ثقيلة وتتابع بصوت مخنوق: «كيف راح؟ بسيارة صغيرة... يوم اشتراها ارتاح بالي وشعرتُ بالاطمئنان، اعتقدت بأنها أكثر أمانًا من السيارات السريعة والدراجات النارية، ولكن هيدا عمرو»!
صوره في كل مكان، أغراضه ما زالت في مكانها علّنا نشتمّ رائحته ونشعر بوجوده في ما بيننا... طريق جل الديب باتت عدوّتي، سرقت منّي ابني صغيري، لم أستطع أن أحميه منها. لم يعد بيدي حيلة سوى الصلاة، والبكاء كل يوم مع أمّهات فقدنَ أبناءهنَّ على طرقات لبنان. بانتظار لحظة اللقاء التي طالت، عبارة واحدة يردّدها قلبي ولساني: «الله يحمي الشباب».
المشكلة في إطارها العالمي
تشكّل حوادث المرور ثاني أسباب الوفيات في العالم لفئة الأعمار التي تراوح بين الخمسة أعوام والتسعة وعشرين عامًا، وهي ثالث أسباب الوفيات بالنسبة إلى فئة الأعمار التي تراوح بين الثلاثين والأربعة وأربعين عامًا، وذلك بحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة. وتخلّف حوادث المرور سنويًا أكثر من مليون ونصف المليون قتيل في العالم إضافة إلى أكثر من خمسين مليون جريح أو معوّق. كما تقدّر العواقب المادية للحوادث بحوالى ٥١٨ مليار دولار سنويًا.
ويضيف التقرير أنّ حصيلة الخسائر البشرية في المنطقة العربية من جراء الحوادث هي ٢٦ ألف قتيل سنويًا و٢٥٠ ألف مصاب، إضافة إلى خسائر مادية تقدّر بستين مليار دولار سنويًا.